أي مقاومة في العالم لو أرادت أن تحسب أفعالها وفق - عدد التضحيات والخسارة - فلن تقدم على أي فعل مقاوم بالمطلق ، لأنني قلت لك سابقاً إن الفارق دائماً بين جبهات المقاومة وبين جبهة المحتل المستعمر هو فارق كبير جداً على كافة المستويات ، وفي العادة الشعب المحتل يكون عدد ضحاياها وقتلاه وجرحاه وأسراه أعلى بكثير من المستعمر ، ولكنها الروح الثورية والتطلع نحو التحرر يحرك الأمم على مدار التاريخ والعصور .
وفق منطقك - الربح والخسائر - فأنا أسألك ماذا ربحنا من جولات المفاوضات ؟ وماذا ربحنا من العملية السلمية سوى تقديم كافة أوراق القوة للطرف الإسرائيلي بالمجان ، أتدرك بأن المفاوضين الصهاينة يقولون بأننا نفاجئ بأن التنازلات المقدمة من الطرف الفلسطيني أكثر مما نتوقع ؟
فإذا كانت المفاوضات لو أجرينا لها معادلة مصالحية لم تعد علينا بالنفع ، وإن كانت المقاومة لم تعد علينا بالنفع كذلك فما العمل ؟
العمل هو العودة للأصل وهو المقاومة المسلحة والتنغيص على العدو بكافة الطرق والإمكانات ، لأن هذه الورقة هي ورقة ضغط ، وتشكل حائط إسناد قوي في أي مفاوضات قائمة وياسر عرفات قد اتبع هذه الطريقة ففجر انتفاضة النفق وحاول ان يستغل الانتفاضة لهذا الغرض فكان يدعم الكتائب المسلحة في فتح ، ولكن بمؤامرة داخلية من قبل إسرائيل تم تنحية عرفات عن المشهد الفلسطيني والمجيئ بقيادات لا تتقن ف المفاوضات ولا فن المقاومة .
بخصوص الثقافة ، فكلامك شوفيني ولا يصدر إلا عن حقود لدود ، عدا عن كونه غير واقعي ، فلو جئنا للشعب الفلسطيني في الستينات والسبعينات كان أمياً بمجمله ، وكانت الأمية منتشرة بكثرة " اسال والدك يخبرك " ، بعكس فترة ما بعد أوساط الثمانينات وحتى الآن ، وهي مرحلة بروز الحركات الإسلامية ، ثم انك في البداية فرقت بين الثقافة وبين التعليم ، وعدت بعد ذلك لتخلط بينهما ، فإن تحدثنا عن مستوى التعليم فإننا نجد أبناء وقيادات حماس في المقدمة " من منطقتي لوحدها أكثر من 30 شخص يحمل درجة الماجستير بينما أبناء باقي التنظيمات لا يتجاوزون العشرين شخص " ، ولو جئنا للثقافة العامة فنحمد الله أننا زرعنا في كل مسجد مكتبة تضم جميع أنواع الكتب عدا عن كون مكتبة الجامعة الإسلامية هي أكبر مكتبة في قطاع غزة ، فماذا قدمت فتح وماذا قدمت أنت ؟
وأعيد وأكر عليك السؤال ، ما هو معيارك لتحدد الثقافة من عدمها ؟ يعني معيار واضح وليس مطاط وهلامي " مثل الانتاج المتكامل والوعي الفكري ؟ " ، فقد قلت لك سابقاً بأن لكل طرف معايير للثقافة تختلف عن التيار الآخر ، فأنت ترى الشيخ جاهل لأنه لا يقرأ لأدونيس أو لمحمود درويش والشيخ نفسه يعتبرك جاهلاً لأنك لا تحفظ أركان الوضوء وعدد الصلوات ، الملحد يعتبر غيره جاهلاً لأنه لم يقرأ لداروين ولماركس واليساري يعتبر غيره جاهلاً لأنه لم يقرأ لجيفارا ورموزه ، وكل طرف يعطي ويتفاعل مع فكره وينتج ويقدم ، فالقضية ليست شخصية انما هي واقع ملموس .
وقد يكون هناك قوة علمية وقوة ثقافية وقوة سياسية ، فالأولى مختصة بالتعليم الأكاديمي والثانية مختصة بالمعارف العامة والثالثة تكون في حالة وجود حالة مهيئة لهذه الثقافة كوجود إختلاف حزبي في منطقة واحدة كما كن الحال في الانتفاضة حيث كان التعاطي السياسي عالياً جداً وكانت المناظرات السياسية تعقد بين الأحزاب في الجامعات وعلى ابواب المساجد وفي الحارات والمقاهي وهذا سيؤثر ايجاباً في هذا المضمار .
أما اذا كنت تقصد الرقص وحفلات الراك وبرامج السوبر ستار وتنظيم عروض الأزياء هي المحدد والإطار للثقافة التي تتحدث عنها وتنشدها ، فعندها أقول لك يا زميلي أحمد الله أني جاهل مستجهل متجاهل ، وإن كانت الثقافة التي أعرفها وأسمع بها وأنظر لها هي على هذه الشاكلة ، فيسعدني أن أكون أمياً لا أقرأ ولا أكتب
فالرقص والغناء والتمايل لا يصنعا ثقافة ، ولا فكراً ولا هوية ، إنما يصنعان شباب تائه متذبذب لا يعول عليه في تحير ولا نضال ، هل تعتقد بأن من يشارك في سوبر ستار ويغني ويرقص و - يهز الكتب بحنية - مكانه ساحة القتال وخطوط المواجهة ومقارعة الإحتلال أم أنه لا يتقن إلا غناء - سمرة عتابا ودحية - ؟
أما وضع الفلسطينيين في الكويت ، فقد كان أفضل مما عليه فلسطينيي لبنان وفلسطينيي الأردن ، سواء من حيث الحرية والتعاطي مع الحياة الفكرية والسياسية ، وما حصل لهم من تطريد هو نتاج وقوف المنظمة مع صدام حسين في غزوها للكويت - هذه هي الحقيقة - سواء كان هذا الطرد متسعراً دون أن يتحقق النظام الكويتي من التهم المنسوبة للفلسطينيين أم لا ، ولكن السبب الذي أخرجهم هو وقوف ياسر عرفات مع صدام وتأييده له ، وذكري لمثال الزرقاوي لأنك طرحت علة " ألا تفهم بالعلل والرد عليها ؟ وتحدثني عن السياسية يا زميلي " ، فأنت قلت بأن سبب طرد الفلسطينيين هو حبهم لصدام وأنا قلت لك لماذا لم يطرد فلسطينيي الأردن بسبب حبهم للرزقاوي ؟ ولماذا لم يطرد فلسطينيي سوريا مع العلم بانهم أغلبهم مؤيد للثورة والمخابرات السورية تدرك ذلك جيداً ؟ في نفس الوقت ماذا لو وقفت قيادة حماس مع الثورة السورية هل نتائج هذه الخطوة ستنسحب على حماس أم على حماس وشرية كبيرة جداً من المجتمع الفلسطيني في سوريا ؟ ولو وقفت حماس على الحياد على سيطرد النظام السوري لاجئي سوريا أم لن يطرد أحداً مع كونه يدرك تماماً تأييد الفلسطينيين الضمني للثورة هناك ؟
فأفعال القائد وتصرفاته ليست كتصرفات الشخص العادي ، فهو قد يتسبب في تضييع شعب كامل - كما فعل صدام حسين - وقد يتسبب في تضيع تجربة تحررية كاملة بسبب خطوة خاطئة قام بها ، وكما يقال " غلطة الشاطر بألف " .
وسأخبرك بدرة مسلسلية قالها الشيخ الليمبي " الذكي لالي بيفكر حاله ذكبي بيكون مش ذكبي ، والغبي اللي بيفكر حاله غبي بيكون مش غبي " .