{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
charles de gaulle 78
عضو متقدم
المشاركات: 382
الانضمام: Jun 2008
|
اصل العائلة
3
عشيرة الإيروكوا
ننتقل الآن إلى اكتشاف آخر لمورغان يتسم على الأقل بنفس القدر من الأهمية الذي يتسم به بعث الشكل البدائي للعائلة على أساس أنظمة القرابة. فقد أثبت مورغان أن جماعات الأقرباء بالدم، المسماة بأسماء الحيوانات، في داخل قبيلة من الهنود الحمر الأميركيين، مماثلة من حيث الجوهر لـ genea اليونانيين و لـ gentes الرومانيين، و أن الشكل الأميركي هو الشكل الأولي، و أن الشكل اليوناني الروماني هو الشكل اللاحق، المشتق، و أن لتنظيم اليونانيين و الرومانيين الاجتماعي كله في الأزمنة البدائية في عشيرة و "فراترية" phratria و قبيلة، مقابلاً دقيقاً في تنظيم الهنود الحمر الأميركيين، و أن العشيرة هي (بقدر ما تسمح لنا مصادرنا الحالية بالحكم عليها) مؤسسة مشتركة بين جميع الشعوب حتى دخولها في عهد الحضارة بله في مرحلة لاحقة.إن هذا البرهان قد أوضح على الفور أصعب أقسام التاريخ اليوناني و الروماني و أعطانا في الوقت نفسه تفسيراً غير متوقع للسمات الأساسية للنظام الاجتماعي في الأزمنة البدائية، قبل نشوء الدولة. و مهما بدا هذا لاكتشاف بسيطاً بعد الاطلاع عليه و معرفته، فإن مورغان لم يكتشفه مع ذلك إلا في الآونة الأخيرة، ففي كتابه السابق الذي صدر في عام 1871 (80)، لم يكن قد تسرب بعد إلى هذا السر الذي أجبر اكتشافه مذ ذاك الخبراء الإنجليز في التاريخ البدائي، الواثقين عادة فائق الثقة بأنفسهم، على لزوم الصمت فترة من الوقت.
إن الكلمة اللاتينية gens ("جنس") التي يستعملها مورغان في كل مكان ليعني بها هذه الجماعة العشيرية، تنحدر مثلها مثل الكلمة اليونانية المناسبة genos، من الأصل الآري الواحد gan (بالألمانية kan، إذ أن الحرف الآري g يتحول حسب القاعدة العامة في الألمانية إلى k) الذي يعني "ولد"، "نسل". إن gens، genos، و dschanas السنسكريتية و kuni الغوطية (بموجب القاعدة المذكورة آنفاً)، و kyn السكاندينافية القديمة و الأنجلو سكسونية، و kin الإنجليزية، و künne بالألمانية- العليا الوسطى، تعني جميعها "نسب"،"أصل". و لكن gens اللاتينية و genos اليونانية تستعملان خصيصاً لتسمية جماعة عشيرية تعتز بأصلها المشترك (و هنا، من جد واحد مشترك) و تشكل بحكم مؤسسات اجتماعية و دينية معينة، جماعة خاصة متميزة لا يزال أصلها و طبيعتها مع ذلك غير واضحين حتى الآن بالنسبة لجميع مؤرخينا.
و قد سبق و رأينا، عند دراسة العائلة البونالوانية، تركيب العشيرة بشكلها الأولي، البدائي، فهي تتألف من جميع الأشخاص الذين يشكلون، عن طرق الزواج البونالواني و بموجب التصورات السائدة حتماً في ظل هذا الزواج، الذرية المعترف بها لجدة واحدة معينة، هي مؤسسة العشيرة. و بما أنه لا تمكن في ظل هذا الشكل للعائلة معرفة الأب بدقة و ثبوت، فلا يؤخذ بالحسبان إلا خط المرأة، حبل النسل النسائي. و بما أنه لا يحق للأخوة أن يتزوجوا أخواتهم، و بما أنه لا يحق لهم أن يتزوجوا إلا من نساء من أصل آخر، من خط آخر، فإن الأولاد الذين تلدهم هؤلاء النساء الغريبات عنهم يكونون، بحكم الحق الأمي، خارج العشيرة المعنية. و لذا لا يبقى داخل الجماعة العشيرية غير أخلاف بنات كل جيل، أما أخلاف الأبناء فإنهم ينتقلون إلى عشائر أمهاتهم. و ماذا يحدث لهذه الجماعة من أقرباء الدم بعد أن تتشكل في جماعة خاصة، متميزة، بالنسبة للجماعات المماثلة الأخرى في داخل القبيلة.؟
و يأخذ مورغان العشيرة عند الإيروكوا، و على الأخص عند قبيلة "سينيكا" كشكل كلاسيكي لهذه العشيرة البدائية. ففي هذه القبيلة توجد ثماني عشائر مسماة بأسماء حيوانات: 1- الذئب، 2- الدب، 3- السلحفاة، 4- القندس، 5- الأيل، 6- دجاجة الأرض، 7- مالك الحزين، 8- الصقر.
و لكل عشيرة العادات التالية:
1.تنتخب العشيرة "ساخماً" sachem (شيخاً في زمن السلم) و زعيماً (قائداً عسكرياً). و كان ينبغي انتخاب "الساخم" من قوام العشيرة بالذات، و كانت وظيفته تنتقل بالوراثة داخل العشيرة، لأنه كان ينبغي، في حال فراغها، إملاؤها من جديد على الفور. و كان يمكن انتخاب القائد العسكري من غير أعضاء العشيرة أيضاً، و كان يمكن أحياناً الاستغناء عنه تماماً. و كان ابن "الساخم"السابق لا ينتخب أبداً "ساخما"، لأن الحق الأمي كان السائد عند الإيروكوا، و لأن الابن كان بالتالي ينتسب إلى عشيرة أخرى، و لكن أخ "الساخم" السابق أو ابن أخته هو الذي كان ينتخب في أحيان كثيرة. و كان الجميع، رجالاً و نساء، يشتركون في الانتخابات. و لكن الاختيار كان يخضع لمصادقة العشائر السبع الأخرى، و بعد هذا فقط كان المختار ينصّب باحتفال في وظيفته من قبل المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و فيما يلي من البحث، ستتضح أهمية هذا الواقع. فقد كانت سلطة "الساخم" داخل العشيرة سلطة أبوية، ذات طابع معنوي صرف، و لم تكن لديه أي وسائل للإكراه. و فضلاً عن ذلك كان بحكم وظيفته عضواً في مجلس قبيلة "سينيكا" و عضواً في المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و لم يكن بوسع الزعيم العسكري أن يصدر الأوامر إلا في زمن الحملات الحربية.
2.تقيل العشيرة بملء إرادتها "الساخم" و الزعيم العسكري. و هذا الأمر أيضاً يقرره الرجال و النساء معاً. و بعد الإقالة، يصبح المقالون محاربين عاديين، أفراداً عاديين، مثلهم مثل الآخرين. و من جهة أخرى، يستطيع مجلس القبيلة أيضاً أن يقيل "الساخم" حتى رغم إرادة العشيرة.
3.لا يحق لأي من أعضاء العشيرة أن يتزوج في داخل العشيرة. و هذه هي القاعدة الأساسية في العشيرة، و العروة التي تشد لحمتها، و هي تعبير سلبي عن تلك القرابة بالدم المحددة تماماً و التي هي وحدها تجعل من الأفراد الذين تشملهم عشيرة. و باكتشاف هذا الواقع البسيط، اكتشف مورغان للمرة الأولى جوهر العشيرة. أما ما أقل ما كانوا يفهمون قبل ذاك هذا الجوهر، فتبينه القصص السابقة عن المتوحشين و البرابرة حيث المجموعات التي تشكل عناصر العشيرة تختلط بدون تفهمن و تمييز تحت أسماء: قبيلة و "كلان" و "توم" thum، الخ.، و حيث يقال أحياناً كثيرة أن الزواج ممنوع داخل هذه أو تلك من هذه المجموعات. و هذا ما خلق ذلك التشوش المستعصي الذي استطاع السيد ماك-لينان أن يقوم فيه بدور نابليون لكي يبسط النظام بحكم مبرم: جميع القبائل تنقسم إلى قبائل الزواج ممنوع في داخلها (القبائل الخارجية الزواج) و إلى قبائل الزواج مسموح في داخلها (القبائل الداخلية الزواج). و بعد تشويش المسألة على هذا النحو انصرف إلى أبحاث في منتهى العمق ليعرف أياً من هاتين المقولتين السخيفتين أقدم عهداً، مقولة الزواج الخارجي أم مقولة الزواج الداخلي. و قد تبددت هذه السخافة من تلقاء ذاتها عند اكتشاف العشيرة القائمة على قرابة الدم و عند اكتشاف استحالة الزواج بين أعضاء العشيرة بسبب هذه القرابة- و بديهي أن تحريم الزواج داخل العشيرة في الطور الذي نجد فيه الإيروكوا لا يزال ساري المفعول بكل صرامة.
4.كانت أموال الموتى تنتقل إلى أعضاء العشيرة الباقين، و كان ينبغي أن تبقى داخل العشيرة. و بما أن الأشياء التي كان يمكن أن يخلفها الإيروكي بعد موته زهيدة جداً، فإن أقرب أقربائه كانوا يتقاسمونها فيما بينهم، فإذا توفي رجل، تقاسم التركة أخوته و أخواته من أمه و خاله، و إذا توفيت امرأة، تقاسم التركة أولادها و أخواتها من أمها، دون أخوتها. و لسبب نفسه، لم يكن بإمكان الزوج و الزوجة أن يرث أحدهما الآخر، و كذلك لم يكن بإمكان الأولاد أن يرثوا أباهم.
5.كان أعضاء العشيرة ملزمين بعضهم حيال بعض بتقديم المساعدة و الحماية و لا سيما بالمساهمة في أخذ الثأر عن أذى ألحقه الغير. و كان كل فرد يتكل على حماية العشيرة فيما يتعلق بضمان أمنه و سلامته، و كان بوسعه الاعتماد عليها، فإن من كان يؤذيه إنما كان يؤذي بالتالي عشيرة بأسرها. و من هنا، من روابط الدم في العشيرة، نشأ واجب أخذ الثأر، الذي كان يعترف به الإيروكوا بلا قيد و لا شرط. فإذا قتل عضو من العشيرة شخصاً من عشيرة أخرى، فإن كل عشيرة القتيل كانت ملزمة بأخذ الثأر. في البدء كانت تجري محاولة للصلح. فإن مجلس عشيرة القاتل كان يجتمع و يعرض على مجلس عشيرة القتيل إنهاء المشكلة حبياً، معرباً في معظم الأحيان عن أسفه و مقدما هدية كبيرة. فإذا قبل العرض، اعتبر الخلاف مفضوضاً، و إلا، فإن العشيرة المتضررة كانت تعين شخصاً أو عدة أشخاص من أجل الانتقام، و كان هؤلاء ملزمين بأن يتتبعوا القاتل و يقتلوه. و إذا تم ذلك، فلم يكن يحق لعشيرة هذا الأخير أن تتشكى و تطالب، و كان الخلاف يعتبر مفضوضاً.
6.تملك العشيرة أسماء معينة أو مجموعات من الأسماء لا يحق لغيرها في القبيلة كلها أن يستعملها، و هكذا كان اسم كل فرد بمفرده يبين كذلك العشيرة التي ينتسب إليها. و كان كل اسم مقروناً بالضرورة بحقوق العشيرة التي يخصها هذا الإسم.
7.وسع العشيرة أن تتبنى أغراباً، و أن تقبلهم بالتالي كأعضاء في القبيلة بأسرها. و عليه كان أسرى الحرب الذين لا يقتلونهم يصبحون، بحكم تبنيهم في عشيرة ما، أعضاء في قبيلة سينيكا و ينالون بالتالي جميع حقوق العشيرة و القبيلة. و كان التبني يجري باقتراح من مختلف أعضاء العشيرة، باقتراح النساء اللواتي يأخذن الغريب كإبن، و للمصادقة على التبني، كان ينبغي إقامة احتفال خاص بالقبول في العشيرة. و في كثير من الأحيان، كانت بعض العشائر المستضعفة لأسباب قاهرة تقوى على هذا النحو عدداً بتبني أعضاء عشيرة أخرى بالجملة، بموافقة هذه العشيرة الأخيرة. و عند الإيروكوا، كان القبول الاحتفالي في العشيرة يجري أثناء جلس علنية لمجلس القبيلة، الأمر الذي كان يحول عملياً هذا الإجراء إلى احتفال ديني.
8.من العسير تقديم البرهان على وجود احتفالات دينية خاصة عند عشائر الهنود الحمر، و لكن احتفالات الهند الحمر الدينية ترتبط إلى هذا الحد أو ذاك بالعشيرة. و في أعياد الإيروكوا الدينية السنوية الستة، كان "الساخمات" و القادة العسكريون في كل عشيرة يعتبرون، بحكم وظائفهم، من عداد "حراس الإيمان" و يقومون بوظائف الكهان.
9.تملك العشيرة مدفناً مشتركاً. و قد زال هذا المدفن الآن عند الإيروكوا بولاية نيويورك الذين يضيق عليه البيض من جميع الجهات، و لكنه كان موجوداً من قبل. و هو لا يزال موجوداً عند الهنود الحمر الآخرين، و منهم مثلاً أقرباء الإيروكوا، التوسكارورا، فعند هؤلاء في المدفن، رغم أنهم مسيحيون، صف خاص بكل عشيرة، بحيث أنهم يدفنون الأم، لا الأب، قرب الأولاد في صف واحد. ناهيك بأن كل عشيرة المتوفى عند الإيروكوا تشترك في الدفن و تعني بالمدفن و كلمات التأبين، الخ..
10.للعشيرة مجلس هو عبارة عن جمعية ديموقراطية لجميع أعضاء العشيرة الراشدين، رجالاً و نساءً، و لجميعهم الحق نفسه في التصويت. كان هذا المجلس ينتخب و يقيل "الساخمات"، و القادة العسكريين، و كذلك "حراس الإيمان" الآخرين. و كان المجلس يتخذ القرارات بشأن فدية (vergeld، ثمن الدم) أو أخذ ثأر القتلى من أعضاء العشيرة، و كان يقبل الأغراب في قوام العشيرة. و بكلمة، كان المجلس السلطة العليا في العشيرة.
هذه هي وظائف العشيرة النموذجية من الهنود الحمر.
"جميع أعضائها أناس أحرار و ملزمون بحماية حرية بعضهم بعضاً، و متساوون في الحقوق الشخصية- فلا "الساخمات" و لا القادة العسكريون يدعون بأي أفضليات. و هم يشكلون أخوية تشد لحمتها روابط الدم. إن الحرية و المساواة و الأخوة كانت المبادئ الأساسية في العشيرة، رغم أنها لم تتبلور يوماً في صيغة معينة، و كانت العشيرة بدورها وحدة نظام اجتماعي كامل و أساس مجتمع الهنود الحمر المنظم. و هذا ما يفسر الشعور الثابت الذي لا يلين بالاستقلال و بالكرامة الشخصية، ذلك الشعور الذي يعترف به كل امرئ للهنود الحمر"(81).
في عهد اكتشاف أمريكا، كان الهنود الحمر في عموم أميركا الشمالية منظمين في عشائر حسب الحق الأمي. إلا في بعض القبائل، كقبيلة داكوتا، مثلاً، كانت العشائر قد زالت، و كانت عند بعضها الآخر، كما عند قبيلتي أودجيبفه و أوماها، منظمة حسب الحق الأبوي.
و عند عدد كبير جداً من قبائل الهنود الحمر التي تضم كل منها خمس أو ست عشائر، نجد ثلاث أو أربع عشائر أو أكثر متجمعة في جماعة خاصة يسميها مورغان فراترية phratria (أخوية fraternité)، مترجماً اسمها الهندي بكل أمانة إلى مقابله اليوناني. فعند قبيلة سينيكا، مثلاً، فراتريتان (أخويتان)، الفراترية الأولى تضم العشائر 1-4 و الفراترية الثانية تضم العشائر 5-8. و قد بين المزيد من البحث و الدراسة أن هاتين الفراتريتين تمثلان في معظم الحالات العشائر الأولية التي انقسمت إليها القبيلة للمرة الأولى. لأنه كان ينبغي بالضرورة على كل قبيلة أن تشمل عشيرتين على الأقل لكي تتمكن من العيش بصورة مستقلة، لأن الزواج كان ممنوعاً داخل العشيرة.و بقدر ما كانت القبيلة تنمو، كانت كل عشيرة تنقسم بدورها إلى عشيرتين أو أكثر كانت كل منها تظهر بأنها عشيرة مستقلة، بينا العشيرة الأولية التي تشمل جميع العشائر البنات تظل قائمة بوصفها فراترية. و عند قبيلة سينيكا و أغلبية الهنود الحمر الآخرين، تعتبر عشائر فراترية واحدة عشائر شقيقة،بينا عشائر الفراترية الأخرى تعتبر بالنسبة لها عشائر شقيقة من الدرجة الثانية، - و هذه تعابير لها في نظام القرابة الأميركي، كما سبق و رأينا، معنى فعلياً جداً و واسع الدلالة. ففي البدء، لم يكن بوسع أي عضو من قبيلة سينيكا أن يتزوج في داخل فراتريته، و لكن هذه العادة زالت من زمان بعيد، و لا يسري مفعولها إلا ضمن العشيرة. و تقول أساطير قبيلة سينيكا أن عشيرتي "الدب" و "الأيل" كانتا العشيرتين الأوليين اللتين تحدرت منهما العشائر الأخرى. و ما أن رسخ هذا التنظيم الجديد، حتى أخذ يتغير حسب الحاجة، فإذا اندثرت عشائر فراترية من الفراتريات، كانت عشائر بكاملها تنتقل إليها، على سبيل التعويض، في كثير من الأحيان، من فراتريات أخرى. و لهاذ نرى عند مختلف القبائل عشائر بالأسماء نفسها، متجمعة بصور مختلفة في فراتريات.
إن وظائف الفراتريات عند الإيروكوا هي اجتماعية جزئياً و دينية جزئياً:
1.تلعب الفراتريات في الكرة إحداها ضد الأخرى. و كل فراترية تنتدب خيرة لاعبيها، بينا الباقون يشاهدون اللعب، كل فراترية في مكان خاص بها، و يراهنون بعضهم بعضاً على انتصار لاعبيهم.
2.في مجلس القبيلة، يجلس ساخمات كل فراترية و قادتها العسكريون معاً، جماعة مقابل جماعة، و كل خطيب يخاطب ممثلي كل فراترية كأنما يخاطب فئة خاصة، متميزة.
3.إذا وقعت في القبيلة جريمة قتل، و إذا كان القاتل و القتيل لا ينتسبان إلى الفراترية ذاتها، فإن العشيرة المنكوبة كانت في كثير من الأحيان تستنجد بالعشائر الشقيقة، و آنذاك كانت تعقد مجلس الفراترية و تطلب من الفراترية الأخرى ككل أن تعقد هذه الأخيرة بدورها مجلسها لأجل تسوية القضية. و هكذا تظهر الفراترية هنا من جديد بوصفها العشيرة الأولية، البدائية،-و على هذا النحو كانت احتمالات النجاح تتوفر للفراترية أكثر مما للعشيرة المنفردة، الضعيفة، المتحدرة منها.
4.في حال وفاة الأشخاص البارزين، كانت الفراترية المقابلة تأخذ على عاتقها أمر الاهتمام بالدفن و مراسم الجنازة، بينا كان أعضاء فراترية المتوفى يشتركون في الدفن بوصفهم أقارب الراحل. و إذا توفي "الساخم"، كانت الفراترية المقابلة تنبئ مجلس الإيروكوا الاتحادي بفراغ المنصب.
5.و عند انتخاب "الساخم" كان مجلس الفراترية يدخل الحلبة أيضاً. فقد كانت مصادقة العشائر الشقيقة على الانتخاب تعتبر بمثابة أمر بديهي، و لكنه كان بوسع عشائر الفراترية الأخرى تقديم اعتراض. و في هذه الحالة، كان مجلس هذه الفراترية ينعقد. فإذا اعتبر الاعتراض صحيحاً، فإن الانتخاب يصبح باطلاً لا مفعول له.
6.من قبل، كان عند الإيروكوا أسرار دينية خاصة سماها البيض médicine- lodges *. و هذه الأسرار الدينية كانت تحتفل بها عند قبيلة سينيكا أخويتان دينيتان تتبعان قواعد خاصة لإشراك الأعضاء الجدد في معرفة هذه الأسرار. و كان لكل فراترية من الاثنتين أخوية واحدة.
7.و إذا كانت الـ lineages (الأسباط) الأربعة التي كانت تسكن أحياء تلاسخالا الأربعة في زمن الفتح (82) أربع فراتريات،- و هذا أمر لا ريب فيه تقريباً،- فإن هذا يثبت أن الفراتريات كانت في الوقت نفسه وحدات عسكرية، شأنها شأن الفراتريات عند اليونانيين و شأن جماعة عشيرية مماثلة عند الجرمان. و هذه الـ lineages الأربعة كانت تدخل المعركة كل منها كفصيلة خاصة متميزة لها لباسها الخاص و رايتها الخاصة، و تحت أمرة زعيمها الخاص.
و كما أن بضع عشائر تؤلف فراترية، كذلك تؤلف بضع فراتريات قبيلة، إذا أخذنا بالحسبان الشكل الكلاسيكي. و في بعض الحالات، لا توجد عند القبائل المستضعفة جداً الحلقة الوسطية، أي الفراترية. فما الذي يميز إذن قبيلة الهنود الحمر في أميركا؟
1.الأرض الخاصة و الاسم الخاص. فكل قبيلة كانت تملك، عدا مكان إقامتها الفعلي، منطقة كبيرة من الأرض لأجل الصيد البري و المائي. و فيما وراء حدود هذه المنطقة كان يقع قطاع حيادي شاسع يمتد حتى حدود أرض أقرب قبيلة، و كان هذا القطاع أضيق بين القبائل التي تتكلم بلغات متقاربة، و أوسع بين القبائل التي تتكلم بلغات مختلفة. إن هذا القطاع هو مثل الغابة- الحد عند الجرمان، و الربع الخالي الذي كان suéves (سويف) القيصر ينشئونه حول أرضهم، و îsarnholt (بالدانماركية jarnved, limes Danicus) بين الدانماركية و الجرمان، و الغاب الساكسوني و branibor (بالسلافية:"الغابة الحامية")- التي جاء منها اسم براندنبورغ- بين الجرمان و السلاف. و كانت المنطقة المحددة على هذا النحو غير واضحة تشكل بلد القبيلة العام المشترك، و كانت القبائل المجاورة تعترف بها بهذه الصفة، و كانت القبيلة المعنية تحميها من الاعتداءات. و في معظم الأحيان ، لم يكن عدم وضوح الحدود يمسي في الواقع أمرً مزعجاً إلا عندما كان عدد السكان ينمو كثيراً جداً. – و يبدو أن أسماء القبائل كانت تنشأ في معظم الأحيان بفعل الصدفة أكثر مما كانت نتيجة اختيار مقصود. و مع مرور الزمن، كان يحدث أحياناً كثيرة أن تطلق القبائل المجاورة على القبيلة اسماً يختلف عن الاسم الذي اختارته هي لنفسها، مثلما أطلق السلت على الألمان اسمهن المشترك الأول في التاريخ، و هو اسم "الجرمان".
2.لهجة dialecte خاصة تتميز بها هذه القبيلة وحدها. و في الواقع تتطابق القبيلة و اللهجة من حيث جوهر الأمر. إن التشكل الجديد للقبائل و اللهجات من جراء الانقسامات كان لا يزال يجري لأمد قريب في أميركا، و من المؤكد أنه لم يتوقف بعد كلياً الآن. و حيث كانت تندمج قبيلتان ضعفتا عددياً في قبيلة واحدة، كان يحدث بصورة استثنائية أن يتكلموا في القبيلة نفسها بلهجتين متقاربتين جداً. إن متوسط عدد أفراد كل من القبائل الأميركية أقل من 2000 شخص، و لكن أفراد قبيلة تشيروكي 26000، و هذا أكبر عدد من الهنود الحمر في أميركا يتكلمون بلهجة واحدة.
3.الحق في الاحتفال بتنصيب "الساخمات" و القادة العسكريين الذين انتخبتهم العشائر.
4.الحق في إقالتهم، حتى رغم إرادة عشيرتهم. و بما أن هؤلاء الساخمات و القادة العسكريين هم أعضاء في مجلس القبيلة، فإن حقوق القبيلة هذه حيالهم تفسر نفسها بنفسها. و حيث كان يتشكل اتحاد من قبائل و حيث كانت جميع القبائل الداخلة فيه تتمثل في مجلس اتحادي، كانت هذه الحقوق تنتقل إلى هذا المجلس.
5.تصورات دينية مشتركة (ميثولوجيا) و طقوس دينية مشتركة.
"كان الهنود الحمر، على طريقتهم البربرية، شعباً دينياً"(83).
إن ميثولوجيا الهنود الحمر لم تكن أبداً حتى الآن موضع دراسة انتقادية، فقد كانوا يضفون على أغراض تصوراتهم الدينية- الأرواح من كل شاكلة و طراز-سيماء بشرية، و لكن الطور الأدنى من البربرية الذي كانوا قد بلغوه لا يعرف بعد التشخيصات الواضحة، الملموسة، المسماة بالأصنام. كانت تلك عبادة الطبيعة و عناصر تتطور نحو تعدد الآلهة. و كانت لمختلف القبائل أعياد منتظمة مرفقة بأشكال معينة من الطقوس، هي الرقصات و الألعاب. و كانت الرقصات على الأخص جزءً جوهرياً لا يتجزأ من جميع الاحتفالات الدينية. و كانت كل قبيلة تحتفل بأعيادها بمفردها.
6.مجلس القبيلة لبحث الشؤون المشتركة، العامة. و كان يتألف من جميع الساخمات و جميع القادة العسكريين لمختلف العشائر، أي من ممثليها الحقيقيين، لأنه كان يمكن دائماً إقالتهم. كان المجلس يعقد جلساته علناً، محاطاً بسائر أعضاء القبيلة، و كان لهؤلاء الحق في الاشتراك في المناقشة و في عرض آرائهم. و كان المجلس هو الذي يقرر. و على العموم، كان في وسع كل حاضر أن يعرب عن رأيه، إذا ما رغب في ذلك. كما كان في وسع النساء أيضاً عرض اعتباراتهن بواسطة الخطيب الذي ينتخبنه. و عند الإيروكوا، كان الإجماع ضرورياً لاتخاذ القرار النهائي، كما كان الحال في الماركات- المشاعات الألمانية لأجل حل بعض القضايا. و كانت صلاحيات مجلس القبيلة تشمل مثلاً تسوية العلاقات مع القبائل الأخرى. و كان مجلس القبيلة يستقبل السفراء و يرسل السفراء، و يعلن الحرب و يعقد الصلح. و إذا نشبت الحرب، فقد كان المتطوعون هم الذي يخوضون غمارها على العموم. و من حيث المبدأ، كانت كل قبيلة تعتبر في حالة حرب مع كل قبيلة أخرى لم تعقد معها معاهدة صلح حسب الأصول. و في معظم الأحوال، كان المحاربون البارزون ينظمون بصورة فردية الحملات الحربية ضد الأعداء من هذا النوع، فكانوا ينظمون الرقص الحربي، و كل من يشترك في هذا الرقص كان يصرح بالتالي بانضمامه إلى الحملة و على الفور كانت الفصيلة تنتظم و تبدأ العمل. كذلك الدفاع عن الأرض التي تخص القبيلة إنما كان يتأمن في معظم الأحوال بتعبئة المتطوعين. و دائماً كان ذهاب هذه الفصائل و عودتها من القتال مناسبة لاحتفالات عامة. و لم تكن ثمة حاجة إلى موافقة مجلس القبيلة على مثل هذه الحملات، و لم تكن هذه الموافقة موضع سؤال و عطاء. و هذا ما يشبه تماماً الحملات الحربية الخاصة التي كانت تقوم بها العصائب الجرمانية، كما وصفها لنا تاقيطس (84)، إلا أن هذه العصائب اكتسبت عند الجرمان طاباً أكثر دواماً، و هي تشكل نواة ثابتة تنتظم في زمن السلم و يلتف حولها في زمن الحرب المتطوعون الآخرون. و نادراً ما كانت هذه الفصائل الحربية تضم عدداً كبيراً من الأفراد، فإن أكبر حملات الهنود الحمر الحربية، حتى على مسافات كبيرة، كانت تقوم بها قوات حربية ضئيلة. و إذا اتحد بعض من هذه الفصائل للقيام بمشروع كبير إلى هذا الحد أو ذاك، فإن كلاً منها كانت لا تخضع إلا لزعيمها بالذات، أما وحدة خطة الحملة، فقد كان يؤمنها، بهذه الدرجة أو تلك، مجلس هؤلاء الزعماء. و بهذه الطريقة أيضاً، كان الألمان في أعالي الرين يخوضون غمار الحرب في القرن الرابع، حسبما جاء في وصف أميان مرسيللان.
7.عند بعض القبائل، نجد زعيماً أعلى، صلاحياته مع ذلك ضئيلة جداً. و هو واحد من "الساخمات" ينبغي عليه، في الأحوال التي تقتضي العمل الفوري، أن يتخذ إجراءات مؤقتة إلى أن يتمكن المجلس من الانعقاد و يتخذ القرار النهائي. و هنا نجد نموذجاً مسبقاً لموظف يتمتع بالسلطة التنفيذية، و لكنه نموذج لا يزال في أوائل عهده و لم يتطور فيما بعد في معظم الأحوال. إلا أن هذا، كما سنرى فيما بعد، قد ظهر في معظم الأحوال، إن لم يكن دائماً، نتيجة لتطور سلطة القائد العسكري الأعلى.
إن الأغلبية الساحقة من الهنود الحمر الأميركيين لم يتجاوزوا درجة الاتحاد في قبيلة. و كانت قبائلهم القليلة، التي تفصلها بعضها عن بعض رقع عريضة جداً من الأراضي، و التي أضعفتها الحروب الدائمة، تشغل، بعدد قليل من الناس، أرحاباً شاسعة. و هنا و هناك كانت القبائل التي تجمع بينها صلات القربى تعقد الاتحادات بحكم ضرورة مؤقتة، و كانت هذه الاتحادات تزول بزوال هذه الضرورة. و لكن القبائل التي كانت تجمع بينها أولاً صلات القربى، و التي تفرقت فيما بعد، تجمعت من جديد في بعض المناطق في اتحادات دائمة، و بذلك خطت الخطوة الأولى نحو تشكل الأمم. و في الولايات المتحدة نجد عند الإيروكوا الشكل الأكثر تطوراً لاتحاد من هذا النوع. فإن الإيروكوا قد نزحوا من مكان إقامتهم في غربي نهر الميسيسيبي حيث كانا يؤلفون، حسب كل احتمال، فرعاً من جماعة الداكوتا الكبيرة، و أقاموا بعد ترحلات طويلة في ولاية نيويورك الحالية، و انقسموا إلى خمس قبائل: سينيكا، كايوغا، أونونداغا، أونيدا، موهاوك. و كانوا يعيشون من صيد السمك و الصيد البري و البستنة البدائية. و كانوا يسكنون في قرى تحميها الأسيجة الوتدية في معظم الأحوال. و لم يبلغ عددهم أبداً أكثر من 20000 شخص، و كانت في جميع قبائلهم الخمس بعض عشائر مشتركة، و كانوا يتكلمون بلهجات متقاربة جداً من لغة واحدة، و يسكنون في رقعة متصلة من الأرض جرى تقاسمها بين القبائل الخمس. و بما أنهم كانوا قد استولوا على هذه لأرض من زمن غير بعيد، فإن الأعمال المشتركة ين هذه القبائل الظافرة ضد القبائل المطرودة أصبحت ظاهرة طبيعية و من حكم العادة. و على هذا النحو، تكون في مستهل القرن الخامس عشر على أبعد حد، "اتحاد أبدي"-اتحاد تعاهدي confédération ، أحس بقواه الجديدة، فاكتسب على الفور طابعاً هجومياً، و استولى في أوج بأسه، حوالي عام 1675، على رقعة كبيرة من الأراضي المحيطة به، طارداً السكان من بعضها و فارضاً الجزية على سكان بعضها لآخر. إن اتحاد الإيروكوا التعاهدي هو أرقى تنظيم اجتماعي توصل إليه الهنود الحمر قبل أن يتجاوزوا الدرجة الدنيا من البربرية (ما عدا، بالتالي، سكان المكسيك و المكسيك الجديدة (85) و البيرو). و فيما يلي سمات الاتحاد الأساسية:
1.الاتحاد الأبدي بين القبائل الخمس التي تجمع بينها قرابة الدم، على أساس المساواة التامة و الاستقلال في جميع الشؤون الداخلية للقبيلة. إن قرابة الدم هذه كانت تشكل الأساس الحقيقي للاتحاد. و كانت ثلاث من القبائل الخمس تسمى بالقبائل الأبوية، و كانت شقيقة فيما بينها. و كانت القبيلتان الباقيتان تسميان بالقبيلتين البنتين، و كانتا شقيقتين فيما بينهما. و كانت ثلاث عشائر- هي أقدمها- لا تزال تتمثل بأشخاص أحياء في جميع القبائل الخمس، و ثلاث عشائر أخرى في ثلاث قبائل. و كان أعضاء كل من هذه العشائر جميعهم أخوة فيما بينهم في جميع القبائل الخمس. و كانت اللغة المشتركة، التي لا تنطوي إلا على فوارق في اللهجات، تعبيراً عن الأصل المشترك و برهاناً عليه.
2.كان المجلس الاتحادي، المؤلف من 50 "ساخماً" متساوين في المنزلة و السلطة، هو هيئة الاتحاد. و كان هذا المجلس يتخذ القرارات النهائية في جميع شؤون الاتحاد.
3.عند تأليف الاتحاد، جرى توزيع مناصب هؤلاء "الساخمات" الـ 50 بين القبائل و العشائر، بوصفهم قائمين بوظائف جديدة أنشئت خصيصاً لأغراض الاتحاد. و في حال شغور المنصب، كانت العشيرة المعنية تملأه من جديد عن طريق الانتخاب. كذلك كان بوسع العشيرة أن تقيل "ساخمها" في أي وقت كان. و لكن تقليد المنصب كان من حق المجلس الاتحادي.
4.كان هؤلاء "الساخمات" الاتحاديون "ساخمات" أيضاً في قبائلهم و كان يحق لهم الاشتراك و التصويت في مجلس القبيلة.
5.جميع قرارات المجلس الاتحادي كان ينبغي اتخاذها بالإجماع.
6.كان التصويت يجري في كل قبيلة بمفردها بحيث أنه كان ينبغي على كل قبيلة و على جميع أعضاء المجلس في كل قبيلة أن يصوتوا بالإجماع لكي يعتبر القرار نافذ المفعول.
7.كان بوسع كل من مجالس القبائل الخمس دعوة المجلس الاتحادي إلى الانعقاد، و لكنه لم يكن بوسع المجلس الاتحادي أن ينعقد من تلقاء ذاته.
8.كانت الجلسات تجري بحضور الشعب المجتمع. و كان بوسع كل إيروكي أن يأخذ الكلام. و لكن المجلس وحده هو الذي كان يتخذ القرارات.
9.لم يكن للاتحاد أي رئيس، لم يكن فيه أي شخص يرأس السلطة التنفيذية.
10.و لكنه كان له زعيمان عسكريان أعليان يتمتعان بصلاحيات متساوية و سلطة متساوية (ملكان عند السبرطيين، قنصلان في روما).
هذا هو النظام الاجتماعي الذي عاش الإيروكوا في ظله أثر من أربعمائة سنة و لا يزالون يعيشون في ظله حتى الآن. و لقد وصفت هذا النظام بالتفصيل، حسبما وصفه مورغان لأنه تسنح لنا الفرصة هنا لدراسة تنظيم مجتمع لم يعرف بعد الدولة. فإن الدولة تفترض سلطة عامة منفصلة عن مجموع الأفراد الذين تتالف منهم. و إن مورير، الذي يرى، بدافع الغريزة الصادقة، أن نظام "المارك" الألماني هو مؤسسة اجتماعية صرف تختلف اختلافاً جوهرياً عن الدولة، رغم أنها كانت بمعظمها فيما بعد أساساً للدولة- إن مورير يدرس في جميع مؤلفاته نشوء السلطة العامة تدريجياً من النظام البدائي لـ "المارك" والقرية و العائلة و المدينة، و إلى جانبه (86). و من مثال الهنود الحمر في أميركا الشمالية نرى كيف أن قبيلة واحدة موحدة في البدء تنتشر تدريجياً في قارة شاسعة، و كيف أن القبائل تنقسم أقساماً و تتحول إلى شعوب، إلى مجموعات كاملة من قبائل، و كيف تتغير اللغات فلا تبقى مفهومة فيما بينها، و ليس هذا و حسب، بل تفقد أيضاً كل أثر تقريباً لوحدتها الأولية، و كيف ينقسم بعض العشائر داخل القبيلة إلى عدة عشائر، و كيف تبقى العشائر الأمية القديمة بصورة "فراتريات" مع العلم أن أسماء هذه العشائر الأولية تبقى مع ذلك هي هي عند قبائل بعيدة بعضها عن بعض من حيث المكان و منفصلة بعضها عن بعض من زمان بعيد،- إن "الذئب" و "الدب" لا يزالان اسمين عشيريين عند أغلبية جميع قبائل الهنود الحمر. و جميع هذه القبائل يلازمها على العموم النظام الموصوف أعلاه، مع فارق وحيد، هو أن عدداً كبيراً منها لم يصل إلى مرحلة الاتحاد بين القبائل التي تجمع بينها صلات القربى.
و لكننا نرى أيضاً أن نظام العشائر و الفراتريات و القبائل كله يتطور بضرورة محتمة لا مناص منها تقريباً ،- لأنها ضرورة طبيعية تماماً- من هذه الخلية الاجتماعية الأساسية التي هي العشيرة. فإن هذه المجموعات الثلاث كلها – العشائر و الفراتريات و القبائل- هي درجات مختلفة من قرابة الدم، مع العلم أن كلاً منها منطوية على نفسها و تصرف شؤونها بنفسها، و لكنها كذلك بمثابة مكملة للأخرى. و إن حلقة الشؤون التابعة لها تشمل مجمل شؤون الإنسان العامة، الاجتماعية، في الطور الأدنى من البربرية. و لهذا عندما نجد عند شعب من الشعوب العشيرة بوصفها الخلية الاجتماعية الأساسية، ينبغي علينا أن نفتش عنده عن تنظيم قبلي يشبه التنظيم الموصوف هنا، و حيث يتوفر ما يكفي من المصادر، كما عند اليونانيين و الرومانيين، لا نجده و حسب، بل نقتنع أيضاً بأن المقارنة مع النظام الاجتماعي الأميركي، حتى و إن كانت المصادر لا تكفي، تساعدنا في تفهم أصعب الشكوك و الألغاز.
و أي تنظيم عجيب هذا النظام العشائري مع كل سذاجته و بساطته! فبدون جنود و درك و شرطة، بدون نبلاء و ملوك و حكام و مدراء و قضاة، بدون سجون، بدون محاكمات، يسير كل شيء حسب النظام المقرر. و جميع المنازعات و المخاصمات يحلها معاً أولئك الذين تمسهم- تحلها العشيرة أو القبيلة، أو بعض العشائر فيما بينها، و لا يظهر التهديد بالثأر إلا بوصفه الوسيلة الأخيرة، الوسيلة التي نادراً ما تطبق، و إن عقوبة الإعدام عندنا ليست غير شكلها المتمدن الذي تلازمه جوانب المدنية، الإيجابية منها و السلبية على السواء. صحيح أن الشؤون العامة كانت أكثر بكثير مما هي عليه اليوم- فإن الاقتصاد البيتي تديره مجموع من العائلات بصورة مشتركة و على الأسس الشيوعية، و الأرض ملك للقبيلة بأسرها، ما عدا قطع صغيرة توضع مؤقتاً تحت تصرف مختلف البيوت – إلا أننا لا نجد أثراً لجهازنا الإداري المضخم و المعقد. و جميع الشؤون يحلها ذوو العلاقة بأنفسهم، و في معظم الأحوال، سوّت العادة المزمنة كل شيء سلفاً. و لا يمكن أن يكون ثمة فقراء و معوزون، لأن الاقتصاد الشيوعي و العشيرة يعرفان واجباتهما حيال الشيوخ و المرضى و مشوهي الحرب. الجميع متساوون و أحرار، بمن فيهم النساء. و لا وجود بعد للعبيد، و لا وجود بعد، على العموم، لاستعباد القبائل الغريبة. و عندما تغلب الإيروكوا حوالي عام 1651 على قبيلة يري و على "الأمة المحايدة"(87)، عرضوا عليهما الانضمام إلى اتحادهم بحقوق متساوية. و عندما رفض المغلوبون هذا العرض ، عند ذاك فقط، طردوهم من أرضهم. أما أي رجال و نساء يلدهم مثل هذا المجتمع، فهذا ما يبرهنه جميع البيض الذين عرفوا هنوداً حمراً غير مفسودين بإعجابهم بما يتصف به هؤلاء البرابرة من شعور بالكرامة الشخصية، و استقامة، و قوة طبع، و بسالة و جرأة.
و منذ وقت غير بعيد رأينا أمثلة على هذه البسالة في إفريقيا. فإن الكفر- الزولو، منذ بضعة أعوام، مثلهم مثل النوبيين، منذ بضعة أشهر- و هم قبيلتان لم تندثرا بعد عندهما المؤسسات العشائرية- قد فعلوا ما لا يستطيع فعله أي جيش أوروبي (88). كانا مسلحين بالرماح و المزاريق فقط، و لا يملكون أي سلاح ناري، و مع ذلك كانوا، تحت وابل من رصاص البنادق السريعة الطلقات لدى المشاة البريطانيين- الذين يعتبرهم الجميع الأوائل في العالم في القتال صفوفاً- يسيرون إلى أمام حتى حراب المشاة البريطانيين، و يزعزعون صفوفهم أكثر من مرة، بل كانوا يدحرونهم، رغم التفاوت الهائل في الأسلحة، و رغم أنهم يجلهون الخدمة العسكرية و لا يعرفون ما هو التدريب العسكري. أما ما يستطيعون احتماله و أداءه، فيشهد عليه الإنجليز أنفسهم حين يتذمرون من أن الكفر-الزولو يقطع في يوم واحد أكثر مما يقطعه الحصان، و بصورة أسرع. إن أصغر عضلاته قوي كالفولاذ، و يبرز مثل سير مجدول، كما قال رسام إنجليزي.
هذا جانب من المسألة. و لكن لا ننس أن هذا التنظيم كان مكتوباً له الزوال. فإنه لم يتخط نطاق القبيلة. إن تشكيل اتحاد القبائل كان يعني بداية تفسخ هذا التنظيم، كما سنرى فيما بعد، و كما رأينا في محاولات الإيروكوا لاستعباد القبائل الأخرى. فكل ما كان خارج القبيلة كان خارج القانون. و حيث لم تكن معاهدة صلح معقودة حسب الأصول، كانت الحرب تسود بين القبائل، و كانت هذه الحرب تخاض بالقساوة التي تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى و التي لم تخف حدتها إلا فيما بعد بتأثير المصالح المادية. إن النظام العشائري في أوجه، كما رأيناه في أميركا، كان يفترض إنتاجاً بدائياً جداً، و بالتالي، سكاناً قليلين جداً مبعثرين في رقعة شاسعة من الأرض، و من هنا خضوع الإنسان خضوعاً تاماً تقريباً للطبيعة المحيطة به التي تقابله بالعداء و التي لا يفهما، الأمر الذي ينعكس في تصوراته الدينية الساذجة الطفولية. و قد بقيت القبيلة بالنسبة للإنسان حداً سواء حيال ابن قبيلة أخرى، أو حيال نفسه بالذات: كانت العشيرة و القبيلة و مؤسساتهما مقدسة و منيعة لا يجوز المساس بها، و كانت سلطة عليا منحتها الطبيعة و ظل الفرد بمفرده خاضعاً لها بلا قيد و لا شرط في مشاعره و أفكاره و تصرفاته. و مهما بدا أناس ذلك الزمن مهيبين في عيوننا، فإنه لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض، و لم ينفصلوا بعد، على حد قول ماركس، عن حبل المشاع البدائية السري. كان نبغي تحطيم سلطة هذه المشاعة البدائية، فحطمت. و لكنها حطمت بتأثيرات تبدو لنا من الوهلة الأولى، بمثابة انحطاط، بمثابة خطيئة أصلية بالمقارنة مع المستوى الأخلاقي العالي الذي بلغه المجتمع العشائري القديم. إن أحط الدوافع –الجشع الخشن، الولع الفظ باللذائذ، البخل القذر، السعي الأناني إلى نهب الملك المشترك- هي التي تدشن المجتمع الجديد المتمدن، المجتمع الطبقي، و أن أخس الوسائل – السرقة، العنف ، الغدر، الخيانة- هي التي تقوض المجتمع العشائري اللاطبقي القديم و تؤدي إلى هلاكه. أما المجتمع الجديد نفسه، فإنه لم يكن خلال الألفين و الخمسمائة سنة كلها من وجوده غير لوحة عن تطور الأقلية الضئيلة على حساب الأغلبية الهائلة من المستثمرين و المظلومين، و هو لا يزال الآن كذلك و لكن بقدر أكبر مما في أي وقت مضى.
----------------------
*المحافل السحرية. الناشر.
(80)راجعوا الملاحظة رقم 36.
(81)يورد إنجلس الاستشهاد نقلاً عن "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"" لكارل ماركس.
(82)المقصود هنا استيلاء الفاتحين الإسبان على المكسيك في سنوات 1519-1521.
(83)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).
(84)هنا و فيما بعد، يقصد إنجلس كتاب تاقيطس "جرمانيا".
(85)المكسيكيون الجدد. راجعوا الملاحظة رقم 13.
(86)المقصود هنا مؤلفات غيورغ لودفيغ مورير "Einleitung zur Geschichte der Mark, Hof-, Dorf- und Stadt-Verfassung und der öffentlichen Gewalt". München, 1854. ("مقدمة لتاريخ نظام المارك و العائلة و القرية و المدينة و السلطة العامة". ميونيخ، 1856)، " Geschichte der Fronhöfe, der Bauernhöfe und der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1862-1863 ("تاريخ دور الأسياد و دور الفلاحين و نظام العائلة في ألمانيا". المجلدات 1-4. أرلنغن، 1862-1863)، "Geschichte der der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-II, Erlangen, 1865-1866 ("تاريخ نظام القرية في ألمانيا". المجلدان الأول و الثاني. أرلنغن، 1865-1866). " Geschichte der Stadt-Verfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1869-1871 ("تاريخ نظام المدينة في ألمانيا". المجلدات. 1-4، أرلنغن، 1869-1871).
(87)"الأمة المحايدة"، هكذا كان يسمى في القرن السابع عشر الحلف العسكري بين بضع قبائل من الهنود الحمر كانت لها صلة قرابة بقبائل الإيروكوا و كانت تعيش عند الضفة الشمالية من بحيرة يري. و قد كان المستعمرون الفرنسيون هم الين أطلقوا هذا الاسم على هذا الحلف لأنه بقي على الحياد في الحروب بين قبائل الإيروكوا الصرف و قبائل الهورون.
(88)المقصود هنا نضال التحرر الوطني الذي خاضه الزولو و النوبيون ضد الاستعماريين البريطانيين.
هاجم البريطانيون قبائل الزولو في كانون الثاني 1879، و لكن قبائل الزولو ظلت ، برئاسة زعيمها كتشفايو، تقاوم بصلابة خارقة طول نصف سنة و لم يستطع البريطانيون إحراز النصر إلا بعد جملة من المعارك، و بفضل تفوقهم الساحق في الأسلحة. و لم يستطيعوا إخضاع الزولو لسيطرتهم نهائياً إلا فيما بعد، في عام 1887، باستغلالهم الحرب التي استثاروها بين مختلف قبائل الزولو و دامت بضع سنوات.
في عام 1881 نشبت ثورة التحرر الوطني التي اشترك فيها النوبيون و العرب و القوميات الأخرى في السودان برئاسة محمد أحمد بن عبد الله المهدي، و أحرزت نجاحات خاصة في 1883 و 1884، و ذلك حين تم تحرير أراضي السودان كلها تقريباً من قوات المستعمرين البريطانيين التي كانت قد تغلغلت في السودان في السبعينات. أثناء الثورة، تشكلت دولة مهدية مركزية مستقلة. و لم تستول قوات المستعمرين البريطانيين على السودان إلا في عام 1899، و ذلك باستغلالها ضعف هذه الدولة الداخلي من جراء الحروب المتواصلة و المنازعات بين القبائل ، و كذلك باعتمادها على التفوق الساحق في الأسلحة.
|
|
09-06-2008, 02:23 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
charles de gaulle 78
عضو متقدم
المشاركات: 382
الانضمام: Jun 2008
|
اصل العائلة
4
العشيرة اليونانية
منذ الأزمنة ما قبل التاريخ، كان اليونانيون، شأنهم شأن البلاسج و غيرهم من الشعوب القريبة منهم، قد تشكلوا حسب السلسلة العضوية كما عند الأميركيين: العشيرة ، الفراترية، القبيلة، اتحاد القبائل. إلا أنه كان من الممكن أن تنقص الفراترية، كما عند الدوريين، كما أن اتحاد القبائل لم يتشكل في كل مكان، على كل حال، كانت العشيرة الخلية الأساسية. و عندما ظهر اليونانيون في مسرح التاريخ، كانوا قد بلغوا عتبة الحضارة، و كانت تمتد بينهم و بين القبائل الأميركية التي تناولها الكلام آنفاً مرحلتان كبيرتان كاملتان تقريباً من التطور سبق بهما يونانيو العقد البطولي الإيروكوا. و لهذا لم تكن العشيرة اليونانية أبداً عشيرة الإيروكوا القديمة، ناهيك بأن طابع الزواج الجماعي*. أخذ يمحى بصورة ملحوظة. و أخلى الحق الأمي المكان للحق الأبوي. و بذلك أحدثت الثروة الخاصة الناشئة أول شق في التنظيم العشائري. و جاء الشق الثاني نتيجة طبيعية للشق الأول: فبما أن ملك مورثة غنية كان ينبغي، بعد تطبيق الحق الأبوي، أن يعود بحكم الزواج إلى زوجها، و بالتالي إلى عشيرة أخرى، فقد حطموا أساس كل حق عشائري، و لم يسمحوا و حسب، بل جعلوا من الواجب في هذه الحال أن تتزوج الفتاة داخل عشيرتها لكي تحتفظ بملكها.
إن العشيرة الأثينية، مثلاً، كانت ترتكز، حسب غروت (تاريخ اليونان)(89)، على الأسس التالية:
1.طقوس دينية مشتركة، و حق الكهنة بوجه الحصر في ممارسة الشعائر المقدسة تكريماً لإله معين من المعتقد أنه جد العشيرة المشترك، و يطلق عليه، بحكم هذه الصفة، لقب خاص.
2.مكان مشترك للدفن (راجع "أوبوليدس" لديموستينس (90)).
3.حق الوراثة المتبادلة.
4.الواجب المتبادل في تقديم العون و الحماية و المساندة ضد أعمال العنف.
5.الحق و الواجب المتبادلان في بعض الأحوال في الزواج داخل العشيرة و لا سيما عندما يتعلق الأمر بيتيمات أو بوريثات.
6.امتلاك أموال مشتركة، في بعض الأحوال على الأقل، يشرف عليها "أرخونت" (زعيم) و خازن خاصان.
و فضلاً عن ذلك، كانت بضع عشائر تتحد و تترابط في فراترية، و لكن بعرى أقل وثوقاً، و لكننا نرى هنا أيضاً حقوقاً و واجبات متبادلة كالتي في العشيرة، و لاسيما منها المشاركة في ممارسة بعض الشعائر الدينية و حق الملاحقة في حال قتل عضو من الفراترية. ثم أن مجمل الفراتريات من قبيلة واحدة كانت لها بدورها أعياد مقدسة مشتركة تتكرر بانتظام، و يرأسها "فيلوبازيلوس"("زعيم قبيلة" phylobasileus) ينتخب من بين النبلاء ("الأوباتريد" eupatrids).
هذا ما يقوله غروت، و إلى هذا يضيف ماركس:
"و لكن عبر العشيرة اليونانية، كان يتراءى المتوحش بوضوح (مثلاً، الإيروكي)"(91).
و سيبدو بمزيد من الوضوح إذا ما واصلنا الدراسة بعض الشيء.
و بالفعل، تتميز العشيرة اليونانية بالسمات التالية أيضاً:
7.حساب الأصل وفقاً للحق الأبوي.
8.منع الزواج داخل العشيرة، باستثناء الزواج من الوريثات. إن هذا الاستثناء و إضفاء صفة القانون عليه يؤكدان أن القاعدة القديمة كانت ما تزال سارية المفعول. و هذا ينبع أيضاً من قاعدة إلزامية عامة تقضي بأن تمتنع المرأة بعد زواجها من المشاركة في طقوس عشيرتها الدينية، و تتبنى طقوس زوجها في فراترية زوجها التي كانت هي مسجلة فيها من قبل. و بموجب هذا، و كذلك وفقاً لمقطع معروف من ديكيارخ (92)، كان الزواج خارج العشيرة هو القاعدة، بل أن بيكر يعتبر صراحة في كتابه "خاريكلس" أنه لم يكن يحق لأحد أن يتزوج داخل عشيرته (93).
9.حق العشيرة في التبني. و كان هذا الحق يطبق بالتبني في إحدى العائلات و لكن شرط مراعاة الشكليات العامة، و على سبيل الاستثناء فقط.
10.الحق في انتخاب الزعماء و عزلهم. و نحن نعلم أنه كان لكل عشيرة "أرخونت". و لم يرد في أي مكان أن هذه الوظيفة كانت تنتقل بالوراثة في عائلات معينة. و حتى نهاية عهد البربرية، يجب الظن دائماً أنه لم تكن توجد وراثة صارمة للوظيفة لا تتفق إطلاقاً مع النظام الذي كان في ظله يتمتع الأغنياء و الفقراء داخل العشيرة بالمساواة التامة في الحقوق.
و ليس غروت و حسب، بل أيضاً نيبور و مومزن و جميع المؤرخين الآخرين الذين درسوا الأزمنة القديمة الكلاسيكية، استعصت عليهم مسألة العشيرة حتى الآن. فرغم أنهم رسموا بشكل صحيح كثيراً من علائمها، رأوا دائماً فيها مجموعة عائلات و من جراء ذلك لم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة العشيرة و أصلها. ففي ظل النظام العشائري، لم تكن العائلة أبداً و لم يكن بوسعها أن تكون خلية النظام الاجتماعي، لأن الزوج و الزوجة كانا ينتميان بالضرورة إلى عشيرتين مختلفتين. كانت العشيرة تنتمي بكليتها إلى الفراترية، و الفراترية إلى القبيلة، أما العائلة، فكانت تنتمي بنصفها إلى عشيرة الزوج و بنصفها الثاني إلى عشيرة الزوجة. كذلك لا تعترف الدولة بالعائلة في ميدان الحق العام، و لا تقوم العائلة حتى الآن إلا في ميدان الحق الخاص. و مع ذلك، ينطلق كل علم التاريخ حتى الآن من فرضية سخيفة خرقاء أصبحت ثابتة لا تتزعزع، و لا سيما في القرن الثامن عشر، و مفادها أن العائلة الفردية الأحادية الزواج، التي من المشكوك في أن تكون أقدم من عهد الحضارة، كانت النواة التي تبلور المجتمع و الدولة حولها تدريجياً.
و هنا يضيف ماركس:
"يجدر بالسيد غروت أن يشير أيضاً إلى ما يلي: رغم أن اليونانيين كانوا يشتقون عشائرهم من الميثولوجيا، كانت هذه العشائر أقدم من الميثولوجيا التي خلقتها بنفسها، مع آلهتها و أنصاف آلهتها"(94).
و يفضل مورغان الاستشهاد بغروت لأن غروت شاهد له وزنه و مكانته و موثوق به تماماً. فإن غروت يروي يضأ أن كل عشيرة أثينية كانت تحمل اسماً انتقل إليها من مؤسسها المفترض، و أن أعضاء عشيرة (gennêtes) المتوفى كانوا يرثون أمواله قبل سولون على كل حال، و بعد سولون إذا لم تكن هناك وصية، و إن ملاحقة المجرم أمام المحكمة إذا ما وقعت جريمة قتل، كانت في المقام الأول، من حق و واجب أقرباء القتيل، ثم أعضاء عشيرة القتيل و أخيراً أعضاء فراترية القتيل.
"كل ما نعرفه عن أقدم القوانين الأثينية يرتكز على الانقسام إلى عشائر و فراتريات"(95).
إن تحدر العشائر من جدود مشتركين قد تسبب "للعلماء التافهين الضيقي الأفق"(ماركس)(96) المزعجات و المنغصات. فبما أنهم، بالطبع، يتصورون هؤلاء الجدود كائنات ميثولوجية صرف، فإنه لا تبقى لديهم أي إمكانية لكي يفسروا لأنفسهم نشوء العشيرة من عائلات منفردة تعيش بعضها في جوار بعض، و لم تكن تجمع بينها في البدء رابطة القرابة، و مع ذلك ينبغي عليهم أن يفعلوا ذلك لكي يفسروا على الأقل وجود "العشيرة". و هكذا يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة، و يصبون سيولاً من الكلام الفارغ، دون أن يتجاوزوا الزعم بأن شجرة النسب هي، بالطبع، خرافة، بينا العشيرة موجودة في الواقع، و في آخر المطاف، نجد عند غروت ما يلي (الكلمات بين هلالين لماركس):
"نحن لا نسمع عن شجرة النسب هذه إلا نادراً، لأنه لا يشار إليها أمام الملأ إلا في أحوال معينة، احتفالية جداً. و لكن العشائر الأقل شأناً كان لها طقوسها الدينية المشتركة"(ما أغرب ذلك، أيها السيد غروت!)، "و كذلك جد مشترك- سوبرمان و شجرة نسب مشتركة، مثلها تماماً مثل العشائر الأكبر شأناً"( ما أغرب هذا، أيها السيد غروت، عند العشائر الأقل شأناً!)"إن التصميم الرئيسي و الأساس المثالي"(لا المثالي ideal، يا سيدي العزيز، بل اللحمي carnal، أو بلغتنا الألمانية الجسدي!)"كانا مشتركين عند جميع العشائر"(97).
و يوجز ماركس جواب مورغان عن هذا السؤال بما يلي:
"إن نظام قرابة الدم، المناسب للعشيرة في شكلها الأولي- و عند اليونانيين قام هذا الشكل فيما مضى كما قام عند جميع البشر- كان يضمن معرفة علاقات القربى بين جميع أعضاء العشائر. و كانوا منذ سنين الطفولة يستوعبون بالفعل هذه المعلومات الخارقة الأهمية بالنسبة لهم. و مع نشوء العائلة الأحادية الزواج، لف النسيان ذلك. و قد خلق الاسم العشيري شجرة نسب ظهرت إزاءها شجرة نسب العائلة الفردية تافهة لا وزن لها. إن هذا الاسم العشيري هو الذي كان ينبغي له من الآن و صاعداً أن يقدم البرهان على أن حامليه يتحدرون من أصل مشترك. و لكن شجرة نسب العشيرة كانت تمد جذورها في أعماق الزمن إلى حد أنه لم يبق بوسع أعضائها أن يتقبلوا القرابة القائمة فعلاً بينهم، باستثناء حالات قليلة جداً كانوا يعرفون فيها أسلافاً مشتركين أقرب عهداً. و كان الاسم نفسه دليلاً على الأصل المشترك و دليلاً لا جدال فيه، ما عدا حالات التبني. إن إنكار القرابة بين أعضاء العشيرة إنكاراً تاماً، فعلياً، كما يفعل غروت** و نيبور، اللذان جعلا من العشيرة نتاج اختلاق صرف و إبداع شعري، جدير "بالمثاليين" وحدهم، أي بعلماء البرج العاجي. فلأن الصلة بين الأجيال، و خاصة منذ ظهور أحادية الزواج، تبتعد في أعماق الزمن و لأن الواقع الماضي ينعكس في الشخصيات الخيالية الميثولوجية، خلص التافهون الضيقو الأفق الحسنو النية و لا يزالون يخلصون إلى القول أن شجرة النسب الخيالية خلقت العشائر الفعلية"(98).
و كمنا عند الأميركيين، كانت الفراترية عشيرة أماً مقسمة إلى بضع عشائر بنات و تجمع بينها، و تشير أحياناً كثيرة إلى تحدرها جميعها من جد مشترك. و عليه، حسب غروت:
"كان جميع الأتراب، الأعضاء في فراترية "هيكاتية" يعتبرون أن لهم إلهاً واحداً هو جدهم المشترك من الدرجة السادسة عشرة"(99).
و لهذا كانت جميع عشائر هذه الفراترية عشائر شقيقة بمعنى الكلمة الحرفي. و إننا لنجد الفراترية عند هوميروس بوصفها وحدة عسكرية، و ذلك في المقطع المشهور الذي ينصح فيه نسطور أغممنون قائلاً: صف الرجال حسب القبائل و الفراتريات بحيث تساعد الفراترية الفراترية و القبيلة القبيلة (100).- و فضلاً عن ذلك، كان من حق الفراترية و واجبها أن تثأر لاغتيال عضو من أعضائها، و لذا كان يقع على عاتقها، في الأزمنة السابقة، واجب ثأر الدم. و فضلاً عن ذلك، كانت لها مقدسات و أعياد مشتركة، بل أن تكون الميثولوجيا الإغريقية كلها من عبادة الطبيعة التقليدية، الموروثة من دماء الآريين، كان مشروطاً من حيث الجوهر بالعشائر و الفراتريات، و جرى في داخلها. و فضلاً عن ذلك، كان للفراترية زعيم (phratriarchos) و كانت، حسبما يقول دي كولانج، تعقد جمعيات عامة، و تتخذ قرارات إلزامية، و تملك سلطة قضائية و إدارية (101). بل أن الدولة التي ظهرت فيما بعد، و التي كانت تجهل العشيرة، تركت للفراترية بعض الوظائف العامة ذات الطابع الإداري.
تتألف القبيلة من بضع فراتريات تجمع بينها صلات القربى. و في مقاطعة الأتيك، كانت توجد أربع قبائل، كل منا تتألف من ثلاث فراتريات، و كل فراترية من 30 عشيرة. إن تحديد الجماعات بمثل هذه الدقة يفترض تدخلاً واعياً و منهاجياً في وضع الأمور الذي تكوّن بصورة عفوية. أما كيف حدث هذا التدخل و متى و لماذا، فإن التاريخ اليوناني يلزم الصمت حوله، ناهيك بأن اليونانيين أنفسهم لم يتذكروا ماضيهم إلا ابتداء من العصر البطولي.
و عند اليونانيين المزدحمين في رقعة من الأرض غير كبيرة نسبياً، تطورت فوارق اللهجات أقل مما في الغابات الأميركية الشاسعة. و لكننا نرى هنا أيضاً أن القبائل التي تملك لغة أساسية واحدة هي وحدها التي تتجمع في كل أكبر بل أننا نجد في مقاطعة الأتيك الصغيرة لهجة خاصة أصبحت فيما بعد اللهجة السادة بوصفها لغة مشتركة لعموم النثر اليوناني.
و في قصائد هوميروس، نجد القبائل اليونانية متحدة في أغلبية الأحوال في أقوام صغيرة تحتفظ في داخلها العشائر و الفراتريات و القبائل مع ذلك باستقلالها كاملاً. كانت هذه الأقوام تعيش آنذاك في مدن محمية بالأسوار. و كان عدد السكان ينمو مع نمو القطعان و مع انتشار الزراعة و بداية الحرف. و في الوقت نفسه كانت تتعاظم الفوارق في الملكية، و يتعاظم معها العنصر الأريستقراطي داخل الديموقراطية القديمة، البدائية. و كانت مختلف الأقوام الصغيرة تخوض غمار حروب متواصلة من أجل امتلاك خيرة الأراضي، و كذلك، بالطبع، من أجل الظفر بالغنائم الحربية. و آنذاك كان استعباد أسرى الحرب قد أصبح مؤسسة معترفاً بها.
و فيما يلي تنظيم الإدارة عند هذه القبائل و هذه الأقوام الصغيرة:
1.كان المجلس،bulê، الهيئة الدائمة للسلطة، في البدء، كان يتألف، على الأرجح، من الذين يختارونهم، الأمر الذي أتاح الفرصة لتطوير و تعزيز العنصر الأريستقراطي، هكذا بالضبط يروي لنا ذيونيسيوس إن المجلس في العهد البطولي كان يتألف من النبلاء (الأريستقراطيين kratistoi) (102). و في القضايا الهامة، كان المجلس يتخذ القرارات النهائية. فعند إسخيلوس، مثلاً، يتخذ مجلس مدينة ثيبة قراراً حاسماً في الوضع الناشئ يقضي بدفن إيتيوكل بكل مراسم الفخار، و برمي جثة بولينيك إلى الكلاب (103) لتنهشها. و فيما بعد، عندما تأسست الدولة، أصبح هذا المجلس "السينات" sénat (مجلس الشيوخ).
2.الجمعية الشعبية (agora). لقد رأينا عند الإيروكوا أن الشعب، رجالاً و نساءً، يحيط باجتماع المجلس و أنه يشترك حسب الأصول المقرر في المناقشة، و يؤثر بالتالي في قرارات المجلس. و عند اليونانيين في زمن هوميروس، كان هذا "المحيط" (Umstand)، إذا استعملنا هذا التعبير الحقوقي من اللغة الألمانية القديمة، قد تطور و غدا جمعية شعبية حقيقية، كما جرى أيضاً عند الجرمان القدامى. و كانت هذه الجمعية تنعقد بدعوة من المجلس لحل القضايا الهامة. و كان بوسع كل رجل أن يتكلم. و كان القرار يتخذ برفع الأيدي (في "المترجيات" لأسخيلوس) أو بالهتاف. و كانت الجمعية تملك السلطة العليا بوصفها المرجع الأخير، لأنه، كما يقول شومان ("الأزمنة القديمة اليونانية")،
"عندما يدور الكلام حول قضية يتطلب تنفيذها معونة الشعب، لا يبين لنا هوميروس أي وسيلة يمكن بها إرغام الشعب إرغاماً على تقديم معونته"(104).
ففي ذلك الوقت حين كان كل رجل راشد في القبيلة محارباً، لم تكن توجد بعد سلطة عامة منفصلة عن الشعب من الممكن معارضته بها. كانت الديموقراطية البدائية لا تزال بعد في أوج ازدهارها، و من هنا ينبغي لنا أن ننطلق عند البحث في سلطة و مركز المجلس و الباسيليوس على السواء.
3.الرئيس العسكري (Basileus). إليكم ما يلاحظه ماركس في هذا الصدد:
"إن العلماء الأوروبيين، الذين فطروا بمعظمهم على خدمة الملوك و الأمراء، يجعلون من الباسيليوس ملكاً بمعنى الكلمة الحديث. و ضد هذا يحتج الجمهوري اليانكي مورغان و يقول ببالغ السخرية، و لكن بكامل الحق و الصواب، عن المعسول غلادستون و كتابه "شباب العالم""(105):
"إن السيد غلادستون يقدم لنا الزعماء اليونانيين من العقد البطولي بصورة ملوك و أمراء، جاعلاً منهم فوق ذلك جنتلمانات. و لكنه يترتب عليه أن تعترف هو نفسه بأننا نجد عندهم، على العموم، عادة أو قانون البكورية محددة بصورة كافية، و لكن بدون إفراط في الدقة"(106).
ينبغي الظن أن حق البكورية المرفق بمثل هذه التحفظات سيبدو للسيد غلادستون نفسه باطلاً لا قيمة له إطلاقاً، حتى إن لم يكن مفرطاً من حيث حدة التعبير.
و لقد سبق و رأينا ما كانت عليه وراثة وظائف الشيوخ عند الإيروكوا و عند الهنود الحمر الآخرين. كانت جميع الوظائف انتخابية في أغلبية الأحول داخل العشيرة و لذا كانت وراثية ضمن حدود العشيرة. و عند إملاء الوظائف الشاغرة، أخذوا تدريجياً يفضلون النسيب الأقرب- أي الأخ أو ابن الأخت، إذا لم يكن ثمة سبب لاستبعاده. و لهذا، إذا كانت وظيفة الباسيليوس عند اليونانيين تنتقل عادة، في ظل سيادة الحق الأبوي، إلى الابن أو أحد الأبناء، فإن هذا يثبت فقط أنه كان في وسع الأبناء هنا أن يأملوا بالوراثة عن طريق الانتخاب الشعبي، و لكنه لا يدل أبداً على الاعتراف بالوراثة شرعاً و قانوناً بدون الانتخاب الشعبي. و في هذه الحال، لا نجد عند الإيروكوا و اليونانيين غير الجنين الأولي للعائلات النبيلة الخاصة داخل العشيرة فقط و لا نجد أيضاً عند اليونانيين بالإضافة غير الجنين الأولي لسلالة مقبلة من الزعماء الوراثيين، أي الجنين الأولي للملكية. و لهذا ينبغي الظن أنه كان يجب للباسيليوس عند اليونانيين إما أن ينتخبه الشعب و إما أن تصادق عليه هيئات الشعب الرسمية-المجلس أو الأغورا- كما كان يجري ذلك أيضاً بالنسبة "للملك" (rex) الروماني.
و في "الإلياذة"، لا يظهر أغممنون، "سيد الرجال" بصفته ملكاً أعلى لليونانيين، بل بصفه آمراً أعلى لقوات متحالفة أمام مدينة محاصرة. و عندما نشب الشقاق بين اليونانيين، أشار أوذيس إلى هذه الصفة بالذات في المقطع الشهير: لا جدوى من تعدد الآمرين ، فليأمر واحد فقط،الخ. (ثم يرد البيت المشهور الذي يذكر الصولجان، و لكن هذا البيت أضيف فيما بعد)(107).
"إن أوذيس لا يلقي هنا محاضرة حول شكل الحكم، بل يطالب بالخضوع للآمر الأعلى في الحرب. و بالنسبة لليونانيين الذين لم يظهروا أمام طروادة إلا بوصفهم جيشاً محارباً، يسلك الأغورا (المجلس) بما يكفي من الديموقراطية: فإن آخيل، حين يتكلم عن الهدايا، أي عن تقاسم الغنائم، يذكر دائماً أن هذا ليس من شأن أغممنون أو أي باسيليوس آخر، بل من شأن "أبناء الآخيين"، أي من شأن الشعب. إن النعوت: "وليد زفس"، "ربيب زفس"، لا تثبت شيئاً، لأن كل عشيرة تتحدر من إله من الآلهة، و عشيرة رئيس القبيلة تتحدر من إله "أميز"،- و في هذه الحال، من زفس. بل إن الذين لا يتمتعون بالحرية الشخصية كراعي الخنازير إيفميه و غيره، مثلاً، هم "آلهيون" dioi و theioi و هذا في "الأوذيسة"، و بالتالي في زمن أقرب إلينا بكثير من زمن "الإلياذة"، و في "الأوذيسة" أيضاً يرفق اسم "البطل" باسم الرسول موليوس و كذلك باسم المغني الأعمى ديمودوكس***. و بإيجاز نقول أن كلمة basileia التي يستعملها الكتاب اليونانيون للإشارة إلى السلطة الهوميرية المسماة بالسلطة الملكية (لأن قيادة الجيوش هي علامتها المميزة الرئيسية)، و القائمة إلى جانب مجلس الزعماء و الجمعية الشعبية، لا تعني غير الديموقراطية الحربية"(ماركس)(108).
و علاوة على الصلاحيات العسكرية، كان للباسيليوس صلاحيات أخرى، كهنوتية و قضائية. و لم تكن الصلاحيات الأخيرة محددة بدقة، و كان يتمتع بالأولى بوصفه الممثل الأعلى للقبيلة أو لاتحاد القبائل. أما الصلاحيات المدنية، الإدارية، فلم ترد يوماً، و لكن الباسيليوس كان، أغلب الظن، بحكم وظيفته، عضواً في المجلس. و عليه، من الصحيح تماماً من الناحية اللغوية ترجمة كلمة basileia (باسيليوس) بالكلمة الألمانية könig (كونيغ) لأن كلمة könig (Kuning) مشتقة من كلمة Kuni (كوني)، Künne (كونّه) و تعني زعيم العشيرة. و لكن المعنى الحالي لكلمة könig (ملك) لا يناسب إطلاقاً معنى كلمة basileus في اليونان القديمة. فإن ثوقيديدس يصف basileia القديمة بكل صراحة بأنها patrikê (بطريكه) أي متحدرة من العشائر، و يقول أنها كانت مخولة صلاحيات معينة، ثابتة أي محدودة(109). كذلك يشير أرسطو إلى أن basileia العصر البطولي كانت قيادة لرجال أحرار و إن الباسيليوس basileia كان قائداً عسكرياً و قاضياً و رئيس كهنة (110). و لذا لم يكن يتمتع بسلطة الحكم بمعنى الكلمة اللاحق ****.
و هكذا نرى في النظام اليوناني من العصر البطولي التنظيم العشائري القديم لا يزال زاخراً بكل قواه، و لكننا نرى أيضاً بداية انحلاله: فإن الحق الأبوي مع توريث الملكية للأولاد ييسر تراكم الثروات في العائلة و يجعل من العائلة قوة في وجه العشيرة، و الفوارق في الملكية تؤثر بدورها في تنظيم الإدارة بخلقها أولى أجنة الأريستقراطية الوراثية و السلطة الملكية، و العبودية، التي كانت لا تشمل في البدء غير أسرى الحرب، تفتح السبيل أمام المستعبد لاستعباد أعضاء قبيلته بالذات و حتى أعضاء عشيرته، و الحرب القديمة بين القبائل تتحول مذ ذاك إلى عملية نهب و سلب في البر و البحر لأجل الاستيلاء على الماشية و العبيد و الكنوز، و تتحول بالتالي إلى مصدر عادي للكسب، إلى حرفة، و بكلمة، تغدو الثروة موضع إطراء و تبجيل و تقدير بوصفها الخير الأعظم، و تمسي القواعد العشائر القديمة موضع تحقير لأجل تبرير نهب الثروات بالعنف و القسر. و لم يكن ينقص غير أمر واحد، و نعني به مؤسسة من شأنها، لا أن تحمي الثروات التي اكتسبها الأفراد حديثاً من تقاليد النظام العشائري الشيوعية و حسب، و لا أن تكرس الملكية الخاصة التي كانت محتقرة بالغ الاحتقار و حسب، و لا أن تعلن هذا التكريس الهدف الأسمى لكل جماعة بشرية و حسب، بل أن تختم أيضاً بخاتم الاعتراف العام من قبل المجتمع على العموم الأشكال الجديدة لتحصيل الملكية، المتطورة الواحدة تلو الآخر، أي لتكديس الثروات بوتيرة متسارعة باستمرار، مؤسسة من شأنها لا أن تثبت و تخلد الانقسام البادئ في المجتمع إلى طبقات و حسب، و بل حق الطبقة المالكة في استثمار الطبقة غير المالكة و سيادة الأولى على الثانية.
و هذه المؤسسة ظهرت. فقد تم اختراع الدولة.
-------------------------
* في طبعة عام 1884 ورد تعبير "العائلة البونالوانية" بدلاً من تعبير "الزواج الجماعي". الناشر.
** في مخطوطة ماركس، ورد عوضاً عن اسم غروت، اسم العالم الإغريقي من القرن الثاني الميلادي بولكس الذي يستشهد به غروت أحياناً كثيرة. الناشر.
*** ثم ترد في مخطوطة ماركس الجملة التالية التي أغفلها إنجلس: "إن كلمة "كويرانوس" التي يستعملها أوذيس بصدد أغممنون، إلى جانب كلمة "الباسيليوس" (basileus) ، لا تعني هي أيضاً غير "آمر الجيوش في الحرب". الناشر.
**** كما صوروا الباسيليوس اليوناني بصورة أمير عصري، كذلك صوروا القائد العسكري الأزتيكي. و للمرة الأولى، ينتقد مورغان، على ضوء التاريخ، قصص الإسبانيين التي كانت في البدء حافلة الازدراء و المبالغات، و أمست فيما بعد بينة الكذب، و يثبت أن المكسيكيين كانوا قد بلغوا الطور الأوسط من البربرية، و لكنهم كانوا قد سبقوا بعض الشيء في تطورهم الهنود الحمر البويبلو في المكسيك الجديدة، و إن نظامهم، بقدر ما يمكن الاستنتاج من المعلومات المشوهة، كان يتميز بالسمات التالية:اتحاد من ثلاث قبائل أجبر بضع قبائل أخرى على دفع جزية له، هذا الاتحاد يديره مجلس اتحادي و قائد عسكري اتحادي، و قد صور الإسبانيون هذا القائد العسكري بصورة "إمبراطور".
(89)G. Grote "A History of Greece". Vol . I-XII. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". المجلدات 1-12). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن في سنوات 1846-1856، المقطع المذكور هنا ورد في الصفحتين 54 و 55 من المجلد الثالث الصادر في لندن عام 1869).
(90)المقصود هنا خطاب ديموسفينس في المحكمة ضد أوبليد. و قد أشير في هذا الخطاب إلى العادة القديمة التي تقضي بألا يدفن في المدافن العشائرية غير أبناء العشيرة المعنية.
(91)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(92)القطع الذي أشار إليه إنجلس هنا من مؤلف للفيلسوف اليوناني القديم ديكيارخ لم يصل إلينا، ورد في كتاب فاكسموت "Hellenische Alterthumskunde aus dem Geschichtspunkte des states". Th. I, Abth. I, Halle, 1826. ("دراسة الأزمنة القديمة الهيللينية على صعيد أنظمتها السياسية". القسم الأول. الباب الأول. هاله، 1826).
(93)W. A. Becker . "Charikles. Bilder altgriechischer Sitte. Zur genaueren Kenntniss des griechischen Privatlebens ". Th. II , Leipzig .1840. (ولهلم أدولف بيكر. "خاريكل. لوحات عن الأخلاق اليونانية القديمة، لأجل الإطلاع بمزيد من التفصيل على حياة اليونانيين الخاص". القسم الثاني. ليبزيغ، 1840).
(94)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(95)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869).
(96)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(97)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869). أورد ماركس الاستهاد (مع ملاحظات بين هلالين) في مؤلفه "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(98)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(99)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869).
(100)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني.
(101)Fustel de Coulanges. "La cité antique ". livre III, chap. I المقصود هنا مؤلف (فوستيل دي كولانج. "المشاعة المدنية القديمة"، الكتاب الثالث، الفصل الأول. صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في باريس و ستراسبورغ عام 1864).
(102)ديونيسيوس الهاليكارناسي. "تاريخ روما القديم". الكتاب الثاني. الفصل الثاني عشر.
(103)اسخيلوس. "سبعة ضد ثيبه".
(104)G.F. Schoemann. "Griechische Alterthümer ". Bd.I, Berlin 1855. (غ. ف. شومان "الأزمنة القديمة اليونانية". المجلد الأول، برلين، 1855).
(105)المقصود هنا كتاب W.E. Gladstone . "Juventus Mundi" The Gods and Men of the Heroic Age", chap 11. (و.ي. غلادستون. "شباب العالم. الآلهة و الناس في العصر البطولي"، الفصل الحادي عشر)، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن عام 1869.
(106)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(107)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني.
(108)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".
(109)ثوقيديس. "تاريخ حرب البيلوبينيز". الكتاب الأول، الفصل الثالث عشر.
(110)أرسطو. "السياسة". الكتاب الثالث، الفصل العاشر.
|
|
09-12-2008, 07:45 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
charles de gaulle 78
عضو متقدم
المشاركات: 382
الانضمام: Jun 2008
|
اصل العائلة
6
العشيرة و الدولة في روما
يتبين من أسطورة تأسيس روما أن أول مقام كان من صنع عدد من العشائر اللاتينية (مائة، حسب الأسطورة) المتحدة في قبيلة واحدة انضمت إليها بعد فترة وجيزة من الوقت قبيلة سابيلية تتألف هي أيضاً، كما تقول الأسطورة، من مائة عشيرة، ثم قبيلة ثالثة تتألف من عناصر مختلفة، و تضم هي أيضاً، كما تقول الأسطورة، مائة عشيرة. و إن القصة كلها تبين من الوهلة الأولى أنه لم يكن هناك أي شيء تكوّن بصورة طبيعية باستثناء العشيرة، و أن العشيرة لم تكن في بعض الأحول غير فرع من عشيرة أصلية، أولية، ظلت تعيش في موطنها القديم. و على القبائل يبدو خاتم تركيبها المصطنع، و لكن هذا التركيب مصنوع بمعظمه من عناصر متقاربة و حسب نموذج القبيلة القديمة التي تنامت بصورة طبيعية، لا حسب نموذج القبيلة المشكلة بصورة مصطنعة، و مع ذلك، ليس من المستبعد أنه كان من الممكن أن تكون نواة كل من القبائل الثلاث قبيلة قديمة حقيقية. فإن الحلقة الوسيطة، الفراترية، كانت تتألف من عشر عشائر و تسمى curia ("كوريا")، فكان هناك إذن ثلاثون "كوريا".
و من المعترف به عموماً أن العشيرة الرومانية كانت نفس المؤسسة التي كانتها العشيرة اليونانية. و لئن كانت العشيرة اليونانية شكلاً أكثر تطوراً لتلك الخلية الاجتماعية التي نجد شكلها البدائي عند الهنود الحمر الأميركيين، فإن هذا يصح كلياً أيضاً على العشيرة الرومانية. و لذا بوسعنا أن نكون هنا أكثر إيجازاً.
إن العشيرة الرومانية، في الآونة الأولى على الأقل من وجود المدينة، تتسم بالتركيب التالي:
1. حق أعضاء العشيرة في وراثة بعضهم بعضاً، الممتلكات تبقى داخل العشيرة. و بما أن الحق الأبوي كان يسود سواء في العشيرة الرومانية أو في العشيرة اليونانية، فإن الذرية من حبل النسل النسائي كانت مستبعدة عن الإرث. و بموجب قواني الألواح الاثني عشر (116)، و هي أقدم أثر مكتوب نعرفه عن الحق الروماني، كان الأولاد هم الذين يرثون في المقام الأول بوصفهم الورثة المباشرين، و في حال عدم وجودهم "الأغنات" agnats (أي الأقرباء حسب حبل النسل الرجالي)، و في حال عدم وجود هؤلاء، أعضاء العشيرة. و في جميع الأحوال، كانت الممتلكات تبقى داخل العشيرة. و نحن نرى هنا كيف تسربت تدريجياً إلى عادة العشيرة قواعد قانونية جديدة نجمت عن نمو الثروة و عن أحادية الزواج: إن حق الوراثة، المتساوي في الأصل بين جميع أعضاء العشيرة، يقتصر عملياً- و باكراً جداً، كما أشير أعلاه- على "الأغنات" في البدء، و أخيراً على الأولاد و ذريتهم حسب حبل النسل الرجالي. أما في الألواح الاثني عشر، فإن هذا يرد بالطبع في تسلسل معاكس.
2. امتلاك أرض مشتركة للدفن. فعندما انتقلت عشيرة كلوديوس الأريستقراطية من مدينة ريغيل إلى روما، حصلت على رقعة من الأرض، و كذلك على مكان مشترك في المدنية نفسها من أجل الدفن. و حتى في عهد أوغسطوس، دفن رأس فار (117)، الذي قتل في غاب توتوبورغ و جيء به إلى روما، في gentilitius tumulus * و هكذا إذن كانت العشيرة (Quintilia-كوينتيليا) لا تزال تملك جثوة خاصة للدفن.
3. أعياد دينية مشتركة. و هذه sacra gentilitia** معروفة.
4. واجب عدم الزواج داخل العشيرة. و يبدو أن هذا لم يتحول يوماً في روما إلى قانون مكتوب. و لكنه بقي عادة. و بين العدد الهائل من الأزواج التي وصلت أسماؤها إلينا، ليس لأي زوج اسم عشيري واحد لكلا الرجل و المرأة . ثم أن حق الوراثة يؤكد هذه القاعدة. فإن المرأة تفقد حقوقها "الأغناتية" عندما تتزوج، و تخرج من عشيرتها. و ليس في وسعها و لا في وسع أولادها وراثة والدها أو أخوة والدها، و إلا فقدت عشيرة الوالد حصة من الميراث. و ليس لهذا معنى إلا إذا افتراضنا أن المرأة لا تستطيع أن تتزوج من أي عضو من عشيرتها.
5. ملكية عقارية مشتركة. كانت هذه موجودة على الدوام في الأزمنة البدائية، منذ أن شرعت القبائل تتقاسم الأرض. و بين القبائل اللاتينية، نجد الأرض جزئياً ملك القبيلة، جزئياً ملك العشيرة، و جزئياً ملك الاقتصادات المنزلية التي لم يكن من الممكن أبداً أن تكون آنذاك عائلات منفردة. و ينسب إلى رومولوس أنه قام بأول تقسيم للأرض بين الأفراد، مانحاً كلاً منهم قرابة هكتار (يوغران jugerum). و لكننا نجد فيما بعد أيضاً ملكيات عقارية تخص العشيرة، ناهيك عن أراضي الدولة التي يدور حولها كل تاريخ الجمهورية الداخلي.
6. واجب أعضاء العشيرة أن يساعدوا و يحموا بعضهم بعضاً. إن التاريخ المكتوب لا يبين لنا غير حطام هذه العادة. فإن الدولة الرومانية قد دخلت الحلبة دفعة واحدة بوصفها قوة على درجة من التفوق بحيث أن حق الحماية من المظالم انتقل إليها. فعندما اعتقل إبيوس كلوديوس، ارتدى جميع أعضاء عشيرته ثياب الحداد، بمن فيهم أولئك الين كانوا أعداءه الشخصيين (118). و إبان الحرب البونيكية الثانية (119)، اتحدت العشائر لأجل افتداء أعضائها الأسرى، و لكن "السينات"( مجلس الشيوخ) منعها من ذلك.
7. الحق في اتخاذ اسم العشرة. و قد بقي حتى زمن الإمبراطورية، و قد سمح للمحررين اتخاذ اسم عشيرة أسيادهم السابقين، و لكن دون اكتساب حقوق أعضاء العشيرة.
8. الحق في قبول الغرباء في العشيرة. و كان يطبق بتبني إحدى العائلات (كما عند الهنود الحمر) للغريب المعني، الأمر الذي كان يستتبع قبوله في العشيرة.
9. لم يرد أي ذكر لحق انتخاب و إقالة الرئيس. و لكن بما أن جميع الوظائف، ابتداء من وظيفة الملك، كانت تولّى بالانتخاب أو بالتعيين في المرحلة الأولى من تاريخ روما، و بما أن كهان "الكوريا" أيضاً كانت تنتخبهم "الكوريا" ذاتها، ففي وسعنا أن نفترض الوضع نفسه فيما يتعلق برؤساء (principes) العشائر، حتى و إن كان من الممكن أن يكون انتخابهم من العائلة نفسها في العشيرة قد أصبح قاعدة.
تلك كانت وظائف العشيرة الرومانية. و هي تشبه تماماً حقوق و واجبات العشيرة الإيروكية، باستثناء الانتقال الناجز إلى الحق الأبوي، و هنا أيضاً "يتراءى الإيروكوا بوضوح"(120).
و لن نسوق غير مثال واحد لكي نبين أي تشوش في مسألة النظام العشائري الروماني لا يزال سائداً في الوقت الحاضر حتى بين أشهر مؤرخينا. فقد جاء في مؤلف مومزن بصدد أسماء العلم الرومانية في زمن الجمهورية و في عهد أوغسطوس ("دراسات في تاريخ روما"، برلين، 1864، المجلد الأول (121)) ما يلي:
"فضلاً عن جميع أعضاء العشيرة من الذكور، باستثناء العبيد، بالطبع، و لكن بمن فيهم المقبولون بالتبني في العشيرة و الموالي، كان اسم العشيرة يمنح أيضاً للنساء ... إن القبيلة"(هكذا يترجم مومزن هنا كلمة gens ("جنس")) "إنما هي... جماعة ظهرت على أساس أصل مشترك- فعلي أو محتمل أو حتى ملفق – و توحدها عرى المشاركة في الأعياد و المدافن و الوراثة، جماعة يجب و يمكن أن ينتسب إليها جميع الأفراد الأحرار شخصياً، و بالتالي النساء أيضاً. و لكن ما يصعب الأمر، إنما هو تحديد اسم عشيرة النساء المتزوجات. إن هذه الصعوبة لم تكن قائمة بالطبع طالما لم يكن بمقدور المرأة أن تتزوج إلا من عضو من أعضاء "جنسها"، و خلال زمن طويل، كما يمكن إثبات ذلك، كان من الأصعب على المرأة أن تتزوج خارج عشيرتها مما داخل عشيرتها، لأن حق الزواج خارج العشيرة- gentis enuptio- كان لا يزال يمنح حتى في القرن السادس على سبيل المكافأة بوصفه امتيازاً شخصياً ... و لكن، حيثما كانت تنعقد الزواجات خارج العشيرة، كان ينبغي على المرأة، في الأزمنة الأولى، أن تنتقل إلى قبيلة زوجها. و لا سبيل أبداً إلى الريب في أن المرأة كانت ، بموجب الزواج الديني القديم، تدخل كلياً في جماعة زوجها الشرعية و الدينية و تخرج من جماعتها. و من ذا الذي لا يعرف أن المرأة المتزوجة تفقد، حيال أعضاء عشيرتها، الحق في الحصول على الإرث في توريث أموالها، و أنها تدخل بالمقابل في الرابطة التي تملك حقوقاً مشتركة في الإرث و التي تشمل زوجها و أولادها و أعضاء عشيرتهم على العموم. و إذا كانت كأنما يتبناها زوجها و إذا كانت تدخل في عائلته، فكيف يمكن إذن أن تبقى غريبة عن عشيرته؟"
و عليه يزعم مومزن أن النساء الرومانيات اللواتي ينتسبن إلى عشيرة من العشائر لم يكن بوسعهن الزواج في البدء إلا داخل عشيرتهن، و إن العشيرة الرومانية كانت بالتالي داخلية الزواج لا خارجية الزواج. إن هذه النظرة التي تناقض كل ما نعرفه عن الشعوب الأخرى، ترتكز بصورة رئيسية، إن لم يكن بوجه الحصر، على مقطع واحد وحيد عند تيطس ليفيوس، أثار الكثير من النقاش و الجدال (الكتاب 39، الفصل 19 (122)) و ورد فيه أن مجلس الشيوخ قرر في العام 568 من تأسيس روما، أي في عام 186 قبل الميلاد:
"uti Feceniae Hispalae datio, deminutio, gentis euptio, tutoris optio item esset quasi ei vir testamento dedisset, utique ei ingenuo nubere liceret, neu quid ei qui eam duxisset, od id fraudi ignominiaeve esset"
-"لكي يحق لفيتسينيا هيسبالا، أن تتصرف بمالها و تنفق منه، و تتزوج خارج العشيرة و تختار وصياً عليها، كأنما زوجها"(المتوفي)"منحها هذا الحق بالوصية، و لكي يحق لها أن تتزوج من مواطن حر، دون أن يتهم الرجل الذي يتزوج منها بأنه تصرف تصرفاً غبياً أو مخزياً".
فلا ريب إذن أنهم يمنحون هنا فيتسينيا، المعتقة، الحق في الزواج خارج عشيرتها. و من المؤكد كذلك أنه ينجم من هنا أنه كان يحق للزوج أن يمنح زوجته بالوصية الحق في الزواج خارج العشيرة بعد وفاته. و لكن خارج أي عشيرة؟
لئن كان يتعين على المرأة بأن تتزوج داخل عشيرتها كما يعتقد مومزن، لبقيت بعد الزواج أيضاً في هذه العشيرة. و لكن هذا القول بالزواج الداخلي هو الذي ينبغي تقديم البرهان على صحته. هذا أولاً. و ثانياً، لئن كان يتعين على المرأة أن تتزوج داخل عشيرتها، فقد كان ذلك يتعين على الرجل يضأ بالطبع، و إلا لما كان بوسعه أن يجد زوجة له. و هذا يعني أنه كان في مقدور الزوج أن يمنح زوجته بالوصية حقاً كان لا يملكه هو نفسه و كان لا يستطيع الاستفادة منه في مصلحته بالذات. و هذا محال من الناحية القانونية. و هذا ما يشعر به مومزن أيضاً، و لهذا يورد الفرضية التالية:
"لأجل الزواج خارج العشيرة، كان ينبغي قانونياً، أغلب الظن، لا موافقة ذي السلطة و حسب، بل أيضاً موافقة جميع أعضاء العشيرة"
أولاً، هذه فرضية جريئة جداً، و هي، ثانياً تناقض النص الصريح في المقطع المذكور آنفاً، فإن مجلس الشيوخ يمنحها هذا الحق بالنيابة عن الزوج، و هو يمنحها صراحة ما كان بوسع زوجها أن يمنحها إياه، لا أكثر و لا أقل، و لكن ما يمنحها إياه، إنما هو حق مطلق، لا يحده أي شرط أو قيد. و عليه، إذا استخدمت هذه الحق، فإن زوجها الجديد، هو أيضاً، لن يتضرر، بل أن مجلس الشيوخ يكلف القناصل و البريتوريين الحاليين و المقبلين بالحرص على ألا يلحق بها أي إجحاف و ضرر. و هكذا تبدو فرضية مومزن غير مقبولة أبداً.
أو لنفترض أيضاً أن المرأة تزوجت رجلاً من عشيرة أخرى، و لكنها بقيت في عشيرتها الأصلية. ففي هذه الحال، حسبما جاء في النص المذكور آنفاً، كان يحق للزوج أن يسمح للزوجة بالزواج خارج عشيرتها. و هذا يعني أنه كان يحق له التصرف في شؤون عشيرة لا ينتسب إليها إطلاقاً. و هذا هراء لا يجدر أن نضيف بصدده أي كلمة.
فلا يبقى إذاً غير أن نفترض أن المرأة تزوجت للمرة الأولى رجلاً من عشيرة أخرى، و إنها انتقلت على الفور إلى عشيرة زوجها بحكم هذا الزواج، حسبما يقر فعلاً بذلك مومزن أيضاً في مثل هذه الأحوال. آنذاك تتضح دفعة واحدة جميع العلاقات المتبادلة. فإن الزوجة التي انفصلت أثر الزواج عن عشيرتها السابقة و قبلت في عشيرة جديدة هي عشيرة زوجها، تشغل هنا وضعاً خاصاً تماماً. فهي حقاً عضو في العشيرة، و لكنه لا تجمعها بها قرابة الدم، إن طابع قبولها يحررها سلفاً من كل منع عن الزواج داخل العشيرة التي انضمت إليها عن طريق الزواج. و هي، فضلاً عن ذلك، مقبولة في الرابطة العشيرية التي تملك حقوق الوراثة العامة، و لذا ترث أموال زوجها في حال وفاته، أي أنها ترث أموال عضو من العشيرة. أوليس من الطبيعي تماماً أن تقوم قاعدة تلزم الزوجة، رغبة في الحفاظ على الأموال في العشيرة، بالزواج من عضو من عشيرة زوجها الأول لا من رجل من عشيرة أخرى؟ و إذا كان لا بد من إجازة استثناء، فمن ذا الذي يملك ما يكفي من الحقوق و الصلاحيات لمنحها مثل هذا الحق إن لم يكن زوجها الأول الذي أوصى لها بهذه الأموال؟ و عندما يوصي لها بقسم من أمواله و يسمح لها في آن واحد بنقل هذا القسم إلى عشيرة غريبة عن طريق الزواج أو بنتيجة الزواج، فإن هذه الأموال لا تزال تخصه، و بالتالي لا يتصرف حقاً و فعلاً إلا بملكه. أما فيما يتعلق بالزوجة نفسها و بعلاقتها بعشيرة زوجها، فإن الزوج هو الذي أدخلها إلى هذه العشيرة بفعل من أرادته الحرة، بالزواج. و لذا كان من الطبيعي أيضاً أن يكون هو على وجه الضبط الشخص الذي يستطيع أن يمنحها الحق في الخروج من هذه العشيرة بواسطة الزواج الثاني. و بكلمة، تبدو المسألة بسيطة و بديهية ما أن نطرح جانباً الفكرة الغريبة القائلة بالزواج الداخلي في العشيرة الرومانية، و ما أن نقر مع مورغان بأن هذه العشيرة كانت في الأصل خارجية الزواج.
تبقى فرضية أخرى و أخيرة وجدت هي أيضاً أنصاراً لها، و لربما أكبر عدد من الأنصار: إن المقطع المذكور من تيطس ليفيوس يعني فقط:
"إن الخادمات المعتقات (libertae) لا يستطعن، بدون إذن خاص، e gente enbere"، (الزواج خارج العشيرة)"أو القيام بأي عمل آخر من شأنه، لارتباطه مع capitis diminutio minima *** أن يستتبع خروج liberta من الرابطة العشيرية"(لانغه. "الأزمنة القديمة الرومانية"، برلين، 1856، المجلد الأول، ص 195 حيث يستشهد بهوشكه (123) فيما يخص مقطع تيطس ليفيوس الذي أوردناه).
إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فإن المقطع المذكور آنفاً لا يثبت شيئاً على الإطلاق فيما يتعلق بوضع الرومانيات الحرات، و في هذه الحال لا يمكن أبداً أن يدور الكلام حول واجب هؤلاء النساء بالزواج داخل العشيرة.
إن تعبير enuptio gentis لا يرد إلا في هذا المقطع وحده، و لا يظهر بعد ذاك أبداً في الأدب الروماني كله، و كلمة enubere- الزواج خارجاً- لا ترد إلا ثلاث مرات، و عند تيطس ليفيوس أيضاً، ناهيك بأنها لا ترد بصدد العشيرة. إن الفكرة الخيالية الغريبة الزاعمة أنه لم يكون بمستطاع الرومانيات أن يتزوج إلا داخل العشيرة مدينة بظهورها لهذا المقطع وحده. و لكنها لا تصمد إطلاقاً للنقد. و بالفعل، إما أن هذا المقطع يتعلق بقيود خاصة بالنسبة للمعتقات، و هو في هذه الحال لا يثبت شيئاً فيما يتعلق بالحرات ingenuae ، و إما أنه يصح على الحرات أيضاً، و هو في هذه الحال يثبت بالأحرى أن المرأة كانت ، على العموم، تتزوج خارج عشيرتها، و لكنها كانت تنتقل بحكم الزواج إلى عشيرة زوجها، و هو بالتالي برهان ضد مومزن و في صالح مورغان.
بعد تأسيس روما بنحو ثلاثمائة سنة، كانت العرى العشيرية لا تزال قوية إلى حد أن إحدى عشائر الخواص، و هي عشيرة فابيوس، استطاعت بإذن من مجلس الشيوخ، أن تقوم بقواها الخاصة بزحف حربي على مدينة فييه المجاورة. و يقال أن 306 من فابيوس قد اشتركوا في هذا الزحف و أنهم قتلوا جميعهم في كمين نصب لهم، و أن صبياً صغيراً بقي على قي الحياة، فواصل العشيرة.
كانت عشر عشائر، كما قيل أعلاه، تؤلف فراترية، و كانت الفراترية تسمى هنا "كوريا" و كانت لها وظائف عامة أهم من التي كانت للفراترية اليونانية. و كانت لكل كوريا طقوسها الدينية و مقدساتها و كهانها. و كان هؤلاء الكهان يشكلون بمجملهم إحدى الهيئات الكهنوتية الرومانية. و كانت عشر كوريات تشكل قبيلة، و كان للقبيلة في البدء، أغلب الظن، شأنها شأن سائر القبائل اللاتينية، رئيس منتخب هو القائد العسكري و الكاهن الأكبر. و كانت القبائل الثلاث تؤلف بمجملها الشعب الروماني، populus romanus.
فلم يكن من الممكن إذن أن ينتسب إلى الشعب الروماني إلا من كان عضواً في عشيرة، و بواسطتها عضواً في كوريا و قبيلة. و فيما يلي التنظيم الأولي للحكم عند هذا الشعب. في البدء، كان السينات (مجلس الشيوخ) هو الذي يصرف الشؤون العامة، و كان مجلس الشيوخ، كما لاحظ نيبور عن حق و صواب للمرة الأولى، يتألف من شيوخ ثلاثمائة عشيرة (124)، و لهذا بالذات كانوا يسمون، بوصفهم شيوخ العشائر، بالآباء patres، و كان مجموعهم يسمى السينات (مجلس الشيوخ، من كلمة senex أي شيخ). و قد أصبح انتخاب الشيوخ على الدوام من العائلة ذاتها عادة متبعة، الأمر الذي أدى هنا أيضاً على نشوء أول أريستقراطية عشيرية. و كانت هذه العائلات تسمى بالباتريسية (عائلات الخواص) و تدعي بأن لها وحدها دون عيرها الحق في دخول مجلس الشيوخ و شغل جميع الوظائف الأخرى. إن واقع أن شعب خضع مع مرور الزمن لهذا الإدعاءات، فتحولت إلى حق فعلي، قد وجد تعبيراً عنه في الأسطورة القائلة أن رومولوس منح الشيوخ الأوائل و خلفائهم رتبة العائلات الباتريسية و امتيازاتها. و قد كان لمجلس الشيوخ، مثله مثل bulê الأثيني، الحق في اتخاذ القرارات النهائية في كثير من القضايا، و في بحث أهمها مسبقاً، و لا سيما منها القوانين الجديدة. و هذه القوانين كانت تقرها نهائياً الجمعية الشعبية التي كانت تسمى comitia curiata (جمعية الكوريات). فقد كان الشعب يجتمع كوريات كوريات، و في كل كوريا، عشائر أغلب الظن، و عند اتخذا القرار كان لكل من الكوريات الثلاثين صوت واحد. و كانت جمعية الكوريا تقر أو ترفض جميع القوانين، و تنتخب جميع كبار الموظفين بمن فيهم rex ("الركس" أي ما يسمى بالملك)، و تعلن الحرب (و لكن مجلس الشيوخ هو الذي كان يعقد الصلح) و تصدر الأحكام المبرمة، بوصفها الهيئة القضائية العليا، بعد استئناف الأطراف في جميع القضايا التي تتعلق بإصدار حكم بالإعدام على مواطن روماني. و إلى جانب مجلس الشيوخ و الجمعية الشعبية، كان هناك أخيراً rex ("ركس") يطابق تماماً basileus الباسيليوس اليوناني، و لم يكن إطلاقاً، كما يصوره مومزن (125)، ملكاً غير مقيد تقريباً ****. و كان هو أيضاً قائداً حربياً، كاهناً أكبر، و كان يرأس بعض المحاكم. و لم يكن يملك إطلاقاً أي صلاحيات في ميدان الإدارة المدنية، و كذلك أي سلطة على حياة المواطنين و حريتهم و ملكيتهم، اللهم إن لم تكن تنجم عن السلطة الانضباطية التي يملكها القائد الحربي أو عن سلطة رئيس الهيئة القضائية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام. و لم تكن وظيفة "الركس" وراثية، بل بالعكس. ففي البدء، كان يُنتخب، على الأرجح، بناء على اقتراح سابقه في الوظيفة، من قبل جمعية الكوريات، ثم كان يجري تنصيبه في الوظيفة باحتفال في اجتماع ثان لجمعية الكوريات. و كان من الممكن كذلك إقالته، الأمر الذي يبرهن عليه مصير تركوينوس المتكبر.
كان الرومانيون في عهد من كانوا يسمونهم بـ "الملوك"، يعيشون، شأنهم شأن اليونانيين في العهد البطولي، في ظل ديموقراطية عسكرية منبثقة من العشائر و الفراتريات و القبائل، و مرتكزة عليها. صحيح أن الكوريات و القبائل كانت مؤلفة جزئياً بصورة اصطناعية، و لكنها كانت منظمة حسب نموذج الأشكال المسبقة الحقيقة و الطبيعية لذلك المجتمع الذي انبثقت منه والذي كان لا يزال يحيط بها من جميع الجوانب. و مع أن الأريستقراطية الباتريسية التي تطورت بصورة عفوية كانت قد كسبت آنذاك تربة راسخة تحت قدميها، و مع أن "الركسات" حاولوا أن يوسعوا صلاحياتهم شيئاً فشيئاً، إلا أن كل هذا لا يغير صفة النظام الأساسية الأولية، و الحال، هنا بيت القصيد.
و في هذه الأثناء، كان عدد سكان مدينة روما و المقاطعة الرومانية التي كانت تتسع رقعتها بفضل الفتوحات، ينمو جزئياً بالهجرة إليها و جزئياً فضل سكان المناطق المفتوحة، اللاتينية بأغلبيتها. إن جميع رعايا الدولة الجدد هؤلاء (و نحن هنا لا نتناول مسألة clients الأتباع) كانوا خارج العشائر و الكوريات و القبائل القديمة و لذا لم يكونوا جزءً لا يتجرأ من populus romanus، من الشعب الروماني بالذات. كانوا أناساً أحراراً شخصياً، و كان بوسعهم حيازة الأرض على سبيل الملكية، و كان عليهم أن يدفعوا الضرائب و يؤدوا الخدمة العسكرية. و لكنه لم يكن بمقدورهم أن يشغلوا أي وظيفة من الوظائف، و لم يكن بمقدورهم أن يشتركوا لا في اجتماعات الكوريات و لا في قسمة الأراضي التي استولت عليها الدولة. كانوا يشكلون طبقة plébs (البليبس) أي العوام، المحرومة من جميع الحقوق السياسية. و بفضل عددهم المتنامي باستمرار، و تدريبهم العسكري و أسلحتهم، أصبحوا قوة رهيبة بوجه populus (الشعب) القديم الذي أمسى مغلقاً تماماً دون أي نمو من الخارج. أضف إلى ذلك أن الملكية العقارية كانت، على الأرجح، قد وزعت بالتساوي تقريباً بين plébs و populus، بينا الثروة التجارية و الصناعية، التي لم تكن قد تطورت بعد بقوة، كانت في أيدي plébs (العوام) على الأخص.
و بسبب الظلام الكثيف الذي يلف تاريخ روما الأسطوري البدائي- و هو ظلام شدده كثيراً ما بذله علماء القانون المتأخرون الذين تشكل مؤلفاتهم مصادرنا من محاولات لتفسير التاريخ بطريقة براغماتية عقلانية و ما قدموه من أوصاف و عروض بالطريقة ذاتها – يستحيل قول أي شيء دقيق سواء فيما يتعلق بزمن أو مجرى أو ظروف نشوب تلك الثورة التي وضعت حداً للنظام العشائري القديم. و لكنه يمكن التأكيد فقط أن سببها يكمن في الصراع بين plébs و populus.
و بموجب نظام الإدارة الجديد، المنسوب إلى الركس سرفيوس توليوس، و المستند إلى النماذج اليونانية و لا سيما إلى سولون، أنشأت جمعية شعبية جديدة كان يشترك فيها populus و plébs أو يقصون عنها دون أي تمييز، تبعاً لقيامهم أو عدم قيامهم بواجباتهم العسكرية. و قد جرت قسمة جميع الرجال الملزمين بالخدمة العسكرية إلى ست طبقات حسب ملكيتهم. و كان الحد الأدنى من الملكية في كل من الطبقات الخمس الأولى: 100000 أس للطبقة الأولى، 75000 للثانية، 50000 أس للثالثة، 25000 أس للرابعة، 11000 أس للخامسة، أي ما يوازي على التوالي، كما يقول دورو دي لامال، زهاء 140000 و 10500 و 7000 و 3600 و 1570 ماركاً (126). أما الطبقة السادسة، و هي طبقة البروليتاريا، فكانت تتألف من قليلي الملكية المعفيين من الخدمة العسكرية و الضرائب. و في الجمعية الشعبية الجديدة من السنتوريات Centuties (comitia centuriata)، كان المواطنون يوزعون على النمط العسكري، سرايا سرايا، إذا جاز القول، سنتوريات سنتوريات، كل سنتورية من 100 شخص، مع العلم أنه كان لكل سنتورية صوت واحد. و لكن الطبقة الأولى كانت تقدم 80 سنتورية و الثانية 22 و الثالثة 20 و الرابعة 22 و الخامسة 30 السادسة سنتورية واحدة فقط، إرضاء للمظاهر. و علاوة على ذلك، كان الفرسان، المجندون من بين أغنى المواطنين، يؤلفون 18 سنتورية. فكان هناك بالإجمال 193 سنتورية. و لنيل أغلبية الأصوات، كان يكفي الحصول على 97 صوتاً. و الحال، كان للفرسان و الطبقة الأولى معاً 98 صوتاً، أي الأغلبية. فإذا ما اتفقوا، كان يصرف النظر كلياً عن استشارة لآخرين، و كان القرار النهائي يعتبر مأخوذاً.
و إلى جمعية السنتوريات الجديدة، انتقلت الآن جميع الحقوق السياسية التي كانت تتمتع بها جمعية الكوريات السابقة (باستثناء بعض الحقوق الاسمية)، فانحطت الكوريات و العشائر التي تؤلفها، كما في أثينا، إلى مستوى أخويات خاصة و دينية بسيطة، و ظلت زمناً طويلاً تعيش عيشة حقيرة بهذه الصفة، بينا غابت جمعية الكوريات نهائياً عن المسرح بعد فترة وجيزة. و لأجل إقصاء القبائل العشيرية الثلاث القديمة أيضاً من الدولة، أنشأت أربع قبائل إقليمية، كل منها تسكن حياً خاصاً من المدينة، و خولت جملة من الحقوق السياسية.
و هكذا، في روما أيضاً، جرى قبل إلقاء ما أسمي بالسلطة الملكية، تحطيم النظام الاجتماعي القديم، المرتكز على صلات قربى الدم الشخصية، و أنشئ عوضاً عنه نظام جديد، نظام دولة حقاً و فعلاً، يرتكز على التقسيم الإقليمي و على فوارق الثورة. و هنا انحصرت السلطة العامة في أيدي المواطنين الملزمين بأداء الخدمة العسكرية، و كانت موجهة لا ضد العبيد و حسب، بل أيضاً ضد من كانوا يسمون بالبروليتاريين، المبعدين عن الخدمة العسكرية و المحرومين من السلاح.
و في نطاق هذا النظام الجديد الذي لم يتطور إلا بعد طرد "الركس" الأخير تركوينوس المتكبر، الذي اغتصب سلطة ملكية حقيقية، و بعد الاستعاضة عن "الركس" بقائدين عسكريين (قنصلين) يتمتعان بنفس السلطة( كما عند الإيروكوا)،- في نطاق هذا النظام، سار تاريخ الجمهورية الرومانية كله: الصراعات بين الخواص و العوام من أجل شغل الوظائف العامة و من أجل استغلال أراضي الدولة، انحلال الأريستقراطية الباتريسية نهائياً في الطبقة الجديدة من كبار ملاكي الأراضي و النقود الذين ابتلعوا تدريجياً كل الملكي العقارية للفلاحين ممن حل بهم الخراب بسبب الخدمة العسكرية، و الذين كانوا يحرثون بواسطة العبيد العقارات الشاسعة المتكونة على هذا النحو، و أخلوا إيطاليا من السكان، و بذلك مهدوا الطريق، لا أمام الإمبراطور و حسب، بل أيضاً أمام الذين خلفوها، البرابرة الجرمان.
-----------------------------------
* جثوة العشيرة. الناشر.
** أعياد مقدسة عشيرية. الناشر.
*** -فقدان الحقوق العائلية. الناشر.
**** الكلمة اللاتينية rex تطابق الكلمة السلتية –الإرلندية righ (شيخ القبيلة) و الكلمة القوطية reiks، و هذه الكلمة، مثلما في الأصل الكلمة الألمانية Fürst (و تعني نفس ما تعنيه الكلمة الإنجليزية First و الكلمة الدانماركية förste، أي "الأول")، تعني كذلك شيخ (رئيس، زعيم) العشيرة أو القبيلة، و الدليل على ذلك، أنه كانت للقوط منذ القران الرابع كلمة خاصة لمن سموه فيما بعد بالملك، بالقائد العسكري لشبعه كله: thiudans (التيودانس). و في ترجمة أولفيلا للتوراة، لا تطلق أبداً كلمة reiks على ارتحششتا و هيرودوس، بل thiudans و لا تسمى دولة الإمبراطور تيباريوس reiki بل thiudinassus. إن المسميين قد اندمجا في اسم تيودانس القوطي، أو (كما نترجم بصورة غير دقيقة) في اسم الملك Thiudareiks (تيوداريكس)، Theodorich (تيودوريخ)، أي Dietrich (ديتريخ).
(116) قوانين الألواح الأثني عشر. أقدم آثار الحق الروماني. وضعت في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد نتيجة للنضال بين العوام و الخواص و حلت محل حق العرف و العادة الساري المفعول في روما قبل ذاك. و قد عكست هذه القوانين تطورات التمايز الطبقي في المجتمع الروماني على أساس الملكية، و تطورات نظام الرق و نشوء دولة مالكي العبيد (دولة الرق). كتبت القوانين على أثني عشر لوحاً.
(117) المقصود هنا المعركة التي دارت رحاها في غاب توتوبورغ (عام 9 ميلادي) بين القبائل الرومانية الثائرة على الفاتحين الرومانيين و بين القوات الرومانية التي كانت تحت قيادة فار. انتهت المعركة بهزيمة الرومانيين و مقتل قائدهم العسكري.
(118) انتخب إبيوس كلوديوس في عام 451 و عام 450 ق.م. في لجنة العشرة (الديسمفيرين) التي كان قد عهد إليها بوضع القوانين التي اشتهرت فيما بعد بقوانين الألواح الاثني عشر. و قد خولت اللجنة، أثناء قيامها بمهمتها، كامل السلطة، و عند انتهاء الأجل المعين، حاول إبيوس كلوديوس مع الديسمفيرين الآخرين تمديد سلطة اللجنة بالاغتصاب حتى عام 449 ضمناً. و لكن استبداد و عنف الديسمفيرين، و لا سيما منهم إبيوس كلوديوس ، دفعاً البليبس (العامة) إلى القيام بانتفاضة أدت إلى إسقاط الديسمفيرين. و قد زج بإبيوس كلوديوس ي السجن، حيث توفي بعد مدة قصيرة.
(119) الحرب البونيكية الثانية (218-201 ق.م) – إحدى الحروب التي دارت رحاها بين دولتين من أكبر دول مالكي العبيد في الأزمنة القديمة هما روما و قرطاجا من أجل بسط السيطرة في القسم الغربي ن البحر الأبيض المتوسط، و من أجل فتح الأراضي الجديدة و امتلاك العبيد . انتهت الحرب بهزيمة قرطاجا.
(120) هنا يورد إنجلس من جديد الملاحظة التي أبداها ماركس بصدد العشيرة اليونانية (راجعوا الملاحظة رقم 91).
(121) Th. Mommsen, "Römische Forschungen". 2 Aufl, Bd I, Berlin , 1864. (مومزن ت. "الدراسات لرومانية". الطبعة الثانية، المجلد الأول، برلين، 1864).
(122) تيطس ليفيوس. "تاريخ روما منذ تأسيس المدينة".
(123) يستشهد لانغه في كتابه "Römische Alterthümer". Bd I, Berlin, 1856. ("الأزمنة القديمة الرومانية" برلين، 1856. ) بخبحث ف. أ. هوشكه "De Privilegiis Feceniae Hispalae senatusconsulto concessis" (Liv XXXIX,19), Gottingae, 1822. (فيليب أدوارد هوشه. "بصدد منح فيتسينيا هيسبالا امتيازات بقرار من مجلس الشيوخ (الكتاب التاسع و الثلاثون، الفصل التاسع عشر)". غوتنغن، 1822).
(124) B.G. Niebuhr. " Römische Geschichte" Th I-III (برتوند غيورغ نيبور. "تاريخ روما" الأقسام الأول و الثاني و الثالث) ، يورد إنجلس مقطعاً من القسم الأول الذي صدرت طبعته الأولى في برلين عام 1811.
(125) Th. Mommsen, "Römische Geschichte ". Bd I, Buch I, Kap 6 (مومزن ت "تاريخ روما". المجلد الأول، الكتاب الأول، الفصل السادس)، صدرت الطبعة الأولى للمجلد الأول من هذا المؤلف في ليبزيغ عام 1854.
(126) Dureau de la malle. "Economie politique des Romains" .T.I-II, Paris (دورو دي لا مال. "الاقتصاد السياسي عند الرومان". المجلدان الأول و الثاني .باريس، 1840). و المقصود هنا الجداول المقارنة الواردة في نهاية المجلد الأول عن المقاييس القديمة و الجديدة و كذلك عن الوحدات النقدية.
|
|
10-26-2008, 03:38 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
|