حسن التل يكتب لـ خبرني : هل يريدون عصياناً مسلحاً !؟
((صامدون حتى آخر قطرة دم)).... ((الديمقراطية الاردنية: حكومة غير منتخبة.. مجلس أعيان معيّن وملك معصوم)).... هاتان العبارتان كانتا غيضا من فيض ما رُفع من شعارات ويافطات وصلت الى موقع اعتصام الجمعة مخطوطة ومزركشة وجاهزة؛ لم تكونا رد فعل على اعتداء, ولا كتبتا على عجل في ساحة النخيل بعد أن رأى المعتصمون أن "دمهم يهرق ويسيل".
الذين اعتصموا يوم الجمعة بقيادة محمد أبو فارس وتحت راية فتواه الأشهر: (قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار), لم يكونوا في معظمهم رواد اعتصام سلمي بريء, وما سبق يوم الجمعة من تحريض وتجييش كانت فتوى أبو فارس جزءا منه, هو أكبر دليل على ما أقول, نعم كان التجييش والتحريض متبادلا لكن شتان بين من يقول: لا للاعتصام, أو نعم للأمن والأمان, ومن يقول: صامدون حتى آخر قطرة دم, وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار!!
شعارات 15 تموز أو 24 آذار أو الإخوان المسلمين أو غير ذلك من مسميات كلها تحمل ذات الوجه والعقلية, لم تكن من قريب أو بعيد إصلاحية, وكما سمعت من أكثر من شخص كان حاضرا أن الهتافات أيضا لم تكن سلمية ولا إصلاحية, اللهم إلا الهتاف المستورد هو الآخر شأن معظم ملامح الحراك الإخواني, (سلمية سلمية) الذي كان ضائعا وسط هتافات وصفت بـ(النضالية) كلها تدور في فلك: الجهاد, المقاومة, الدم.. إلخ, أما (سلمية) فلم تسمع إلا كلما تشاحن الطرفان.
نعم كان هناك عنف مفرط لأن أعداد رجال الأمن كانت أكبر من المتظاهرين الذين لم يزيدوا على 500 شخص حسب ما قدّر شاهد عيان, وذلك ببساطة لأن جهاز الأمن لا يعلم بالغيب, وبعد أسابيع أو بالأحرى أشهر من التعبئة والتحضير كان من الطبيعي أن تتوقع الدولة كما توقع الناس أن تكون الأعداد بالآلاف إن لم تكن عشرات الآلاف, خاصة في ظل السرية المفرطة التي سادت تفاصيل الإعتصام الذي بقي حتى مكان عقده سرا حتى مساء الخميس.
(وفي ضآلة العدد مؤشر واضح على القوة العددية الحقيقية للجماعة, وعلى حجم التعاطف الشعبي مع الحراك). في أول تعليق صدر مني لأحد الأصدقاء الزملاء قلت له: (إنني لا أبرئ الأمن مما حدث), لكن بقي في يقيني أن هناك عنصرا ناقصا من المعادلة, وقد اكتمل هذا العنصر بعد عودة مندوبنا من الميدان, فعندما سألته عن سبب انفجار الوضع أخبرني أن قيادات المتظاهرين وبعد أن وصلوا إلى موقع الاعتصام المحدد من قبلهم والمتفق عليه مع الدولة وهو ساحة النخيل, رفضوا الدخول وأصروا على اغلاق الشارع وبدء الفعاليات هناك, وكان عدد من دخل الى الساحة بحسب تقدير المندوب هو نحو 150 شخصا, هم في ظني الكوادر النسائية للحركة الاسلامية إضافة إلى المتظاهرين من خارج إطار الاخوان, وهم سواء كانوا أفرادا أو جماعات احترموا وعدهم واتفاقهم وكلمتهم, وكل من حضر أو تابع يجزم أن أي اعتداء لم يقع على أي فرد كان داخل الساحة.
من بقوا في الخارج بدأ التشاحن والتدافع بينهم وبين رجال الأمن, الذين حاولوا إدخالهم إلى الساحة وفتح الشارع, أو فض الاعتصام الذي لم يتقيد بالاتفاق, وهنا انفلت العقال, وأظن أن المسألة بدأت وربما استمرت فردية, لأن هناك أخبارا متداولة حول محاولة ضباط الجهاز منع الاعتداءات, لكن الأفراد المستَفَزين لم ينصاعوا للأوامر, وهو مؤشر خطير, ((لأن شعارات مثل تلك التي أوردتها في بداية المقال, تطال شخص ومنصب الملك, وتستهزئ بكل سلطات الدولة, هي ببساطة دعوة لتقويض كيان الدولة وقد نجحت في دفع العسكر إلى التجرد من عسكريتهم ومهنيتهم والتحول إلى أناس مستفزين مستعدين للشجار وحسب)), وما يثبت ذلك أن معظم العسكر كانوا في الميدان بغير سلاح ولا حتى هراوات وعندما بدأت المواجهة بدأوا بالتقاط كل ما طالته أيديهم من الأرض وحتى من المحلات المجاورة, ووجه الخطورة الحقيقية هنا أننا في هذه المرة تجاوزنا الأزمة بعصيان للأوامر واستعمال لخيزرانات وأخشاب من الشارع والمحلات, لكن الخوف في مرة قادمة أن يكون عصيان الأوامر هذا مسلحا.
وبالطبع وكما حدث ويحدث في العالم فالدولة لا تريد لما حدث أن يُنشر, وكما حدث ويحدث في العالم كل يوم, تم استهداف الصحفيين بغية منعهم من التغطية, وسهَل ذلك السترات الخاصة بهم, وهو أمر مدان جملة وتفصيلا, وقد بدأت الإجراءات فعلا لمحاسبة المتسببين به, لكن من الظلم أن نحصر المسألة في الاعتداء على الزملاء الصحفيين ونضخم في الاعتداء عليهم بينما يرقد على أسرة الشفاء 20 مواطنا و17 رجل أمن.
عموما ما حدث فتح أبواباً أود أن أسمع رأي المطالبين بالإصلاح -عبر الشارع لا طاولة الحوار- فيها, منها: أن أول ما طالعني عبر الإيميل صباح السبت, بشارة بولادة كيان (المعارضة الأردنية في الخارج) والذي بدأ قصيدته بكفر, حيث أن أول ما صدر عنهم: أن انتظروا بيانا هاما لا يتحدث عن الإصلاح فقد فات زمنه!!, ومنها أن الخارجية الأمريكية أوعزت لسفارتها في عمان أن تفتح تحقيقا في "أحداث عمان", وهو سيناريو يريده الإخوان بكل تأكيد وهو مطابق لما حدث في تونس ثم مصر ثم سورية, وهو في ظني ما يراد جر الأردن إليه.. ومن هذه الأبواب أيضا أن قيادياً إخوانياً بارزا جدا قال في جلسة خاصة قبل الجمعة: (لم نعد نقبل ألا نقف بندية أمام الملك)!!
وهي كلمات لها ما بعدها. حجم العنف الذي جرى الجمعة مدان بكل تأكيد, وما زلت عند رغبة في أن أُحسن الظن بهذه التحركات, وقد يكون مما طمأن خاطري أن هناك من احترم الاتفاق والوعد ونفذ اعتصامه داخل الساحة, ورغم أن هؤلاء لم يكونوا الأغلبية إلا أنهم يشكلون نسبة محترمة, وهي تدل على أن هناك من يريد الإصلاح حقا, وليس كمن رفض المشاركة في الحكومة, ثم رفض المشاركة في الحوار, ولا يحمل أي مشروع أو مخطط إصلاحي ثم يريد أن تحل كل المشاكل بكبسة زر!!.
تذكرت اللي حكاه الأستاذ جهاد المومني ببرنامج نبض البلد.. قال هؤلاء لا يعجبهم العجب و لا صيام برجب .. هؤلاء يريدون أن يخطئ الآخر ليقولوا أخطأ..