(10-16-2011, 02:59 AM)ابن سوريا كتب: يذهلني الـ"منحبكجية" في تحليلاتهم "القهوجية". وبسوريا كانت هذه ظاهرة عامة إذ كانوا يعتقدون دوماً منذ أيام حافظ الأسد، أن سوريا دولة محورية ومهمة ومركزية
في حقيقة الأمر أهمية سوريا في السياسة الدولية محدودة جداً، ولكن حافظ استطاع من خلال الدور الإقليمي لسوريا أن يستمر في حكمه رغم تواضع الإمكانيات.
اليوم الوضع مختلف، وما يسميه البعض : "فعل كل شيء من قبل المعارضة"، هي حركة التاريخ والشارع التي ستستمر لأنها معركة حياة وبوصلة تاريخ لا يمكن أن تتوقف أو تنعكس جهتها.
في حقيقة الأمر فإن النظام هو من يفعل كل شيء لكي "تخلص"، فيخرجون عليه كما لو كانوا شعوب "يأجوج ومأجوج" وما عمبيخلصوا. بل تزداد وتيرة التصعيد من كل الاتجاهات.
لا أريد الخوض كثيرا في تحليلاتك حول "زخم الثورة" و إن كانت "خلصت" أم لم تخلص.
أنت تراها ذات "زخم" و أنا أراها فشلت في معركة الزخم هذه.
و هي و إن كانت لم "تخلص"
إلا أنها كالميت سريريا. ليس بالميت و ليس بالحي. قد يعيش على هذه الحالة سنوات و لكن لا أمل له بالعودة إلى الحياة التي نعرفها.
على كل هذا أمر سيفصله التاريخ. عندما يموت المريض تذكرني.
اقتباس:مشكلة النظام ومنحبكجييه، أنهم ينظرون للأمور بشكل آني، بينما نحن في مرحلة تاريخية تحتاج لنظرة على مستواها التاريخي هذا.
ثورتنا طويلة وشاملة وعارمة، لأنها ثورة إسقاط النظام وكل ما بناه من مفاهيم وثقافة اجتماعية مدمرة .. أدت لتشكيل إنسان بائس مسلم بالقدر (رغم لادينية الكثير من مؤيديه) .. إنسان غير فاعل وغير ناشط وغير مؤمن بقدراته وتأثيره في التاريخ، إنسان خارج التاريخ والجغرافية، ينظر لنفسه من منظور الآخرين، لا من إيمانه بقدرته على التفوق والإبداع. فنشأ لدينا جيل بل أجيال مشوهة فكرياً ترى المتفوق مثلاً متفوق لأنه خلق كذلك، أو قدر له هذا، وأنه لا يستطيع أن يُبدع أو يتفوق.
ويرى السلطة إلها أتته الحكمة من فوق ومن أعلى .. وأنه مجرد من أي حقوق وواجبات وأن هذا أمر طبيعي.
أنا أعلم جيدا أنه في حال تحرك التاريخ بالاتجاه الديمقراطي في المنطقة فلن يكون بإمكان النظام السوري الصمود. سيكون صربيا الشرق الأوسط سيقاوم عشر سنوات ثم يسقط.
و لكن هل نحن أمام حركة تاريخية في هذا الاتجاه حقا؟
هل ستستمر حركة الديمقراطية في التقدم في باقي بلدان الشرق الأوسط المحورية (الخليج الأردن إلخ).
هل ستزدهر أم ستنتكس الحركة الديمقراطية في مصر و ليبيا و تونس و إن كان المنطق أننا لن نستطيع أن نعطي حكما نهائيا في هذا قبل بضعة سنوات.
الانتكاس يمكن أن يأتي من اتجاهين
عودة الديكتاتورية بشكل أخر.
أو سيطرة الفساد و رأس المال على الحكومة المنتخبة بما يجعل نتيجة الديمقراطية شيئا غير جذاب
أو سقوط هذه البلدان في حالة حكومة أصولية و لو كانت تتمتع بأغلبية شعبية.
في حال انتقل الشرق الأوسط إلى حالة ديمقراطية حقيقية و صار لدينا بلدان شبيهة في نظامها السياسي و الاجتماعي و النفسي الشعبي لما هو قائم في أوروبا فنعم أنا أوافقك أن النظام السوري سيسقط على يدي أنا قبل يديك.
اقتباس:وللمفارقة فإن مثقفي النظام، متعالون عن الشعب، ولكي يخرجوا من مفارقة السلطة العليا والشعب الدنيء، يترفعون عن الشعب، وينظرون إليه بتعال وفوقية، ويتهمون الشعب بكل أصناف النعوت البالية ليبررون لأنفسهم وقوفهم مع النظام القوي، ويخرجون بذلك أنفسهم من الشعب "اللي مفروض يكونوا جزء منه". فلا هم نالوا الرضا من هذا ولا ذاك، لأنهم خرجوا عن أنفسهم وتناقضوا مع شعوبهم وذواتهم.
وأصبحت لديهم التغييرات يجب أن تأتي من تحت (أي الشعب) الذي يحتقرونه، بينما بأي منطق في التغيير وعلى أسس علمية واجتماعية وسياسية معروفة بعلوم السياسة والفلسفة، التغيير لا يأتي بغير تحول نوعي للنخب فهي التي تجري التغيير وتجر الشعب إليه .. لا الشارع من عليه مسؤولية القيام به وهو مشتت وغير منظم.
لدينا بسوريا تركيبات ثقافية عجائبية .. تحدث هنا وهنا فقط. ثقافة عجز واستسلام، تسقط على غيرها عجزها هي واستسلامها هي وخنوعها هي، وثقافتها البائسة اليائسة الكئيبة الضعيفة.
اليوم قال الشعب كلمته، فلا بد أن تدفع النخب ثمن تخاذلها .. الذي طال وما عاد من الممكن للمجتمع تحمله.
تحياتي.
التغيير يبدأ بالمجتمع و يأتي تغيير السلطة السياسية كنتيجة طبيعية له.
التغيير يكون على أيدي النخب بالطبع و لكن توجيه هذا التغيير باتجاه رأس السلطة السياسية و افتراض أن كل شيء سيتغير بعدها هو افتراض مبسط.
أنا أحترم برهان غليون مثلا كمثقف حمصي أكاديمي على مستوى عال. و لكنني أتحدى برهان غليون و كل سوربونه أن يأتي و يقنع سكان تلبيسة أو بابا عمرو أن جريمة الشرف مثلا هي جريمة فقط و ليس فيها شيء من الشرف.
هناك نماذج من التاريخ و الحاضر في المنطقة تثبت أن المجتمعات هي التي قادت الأنظمة إلى الدكتاتورية.
في سوريا تركت لنا فرنسا عام 1946 نظاما قائما على الانتخابات. ليس بالديمقراطية الحقيقية و لكنه كان واعدا بها. عام 1949 حصل انقلاب عسكري و الذين عايشوا تلك الفترة قالوا لنا أن الشعب كان مرحبا بتحرك الجيش و الإطاحة بالسلطة المدنية. الشعب كانت لديه ديمقراطية و بدلها بالدكتاتورية!
عام 1958 كانت لدينا مرة أخرى سلطة منتخبة في سوريا ذهب الشعب و سلم البلد إلى حاكم فردي في بلد شقيق (مع اعترافي أن عبد الناصر هو خير من حكم في الشرق الأوسط في القرن العشرين). الحركة تمتعت بزخم شعبي قوي جدا. الشعب مرة أخرى كانت لديه ديمقراطية و تخلى عنها بيديه.
سيقفز الآن من يقول لي الزمن و الوعي تغير. أقول أنه تغير نحو الأسوأ و نحو الأصولية و نحو التعصب.
نماذج من الحاضر:
في لبنان نظام يتيح للمواطن أن يقول كلمته و يختار ممثليه. صحيح هناك توزيع طائفي و لكن يبقى بإمكان المواطن أن يختار من يريد من خيارات متعددة.
ما هي النتيجة؟ الشعب يسلم نفسه إلى أكثر من عشرين ديكتاتورا ليصبح لبنان ساحة تصارع ديكتاتورات بدل أن يصبح واحة للديمقراطية. و الشعب نفسه إذا مات الديكتاتور يأتي بابنه أو أحد من عائلته ديكتاتورا بديلا. فسعد يخلف رفيق و وليد يخلف كمال و أمين يخلف بشير و ستريدا تنوب مكان سمير و سليمان يخلف سليمان و نائلة تخلف رينيه إلخ
و عندما يستحر الخلاف بين اللبنانيين لا يجدون شيئا يجمعون عليه و يتفقون عليه إلا الجيش.
الشعب يريد الديكتاتورية!
في العراق: رغم كل المآخذ على الوضع العراقي الحالي إلا لا يمكننا أن ننكر أنه يوجد في العراق نظام قائم على الانتخابات و الانتخابات حرة و نزيهة.
كيف مارس العراقيون ديمقراطيتهم؟ بالأحزاب الطائفية؟ بالتفجيرات في الأسواق و تجمعات العبادة الدينية؟ بالقتل على الهوية؟ العراقيون قدموا نموذجا عن الديمقراطية في الشرق الأوسط جعلت الناس تلعن الساعة التي سمعت فيها بهذه الكلمة. يطيب لنا جميعا أن نلوم الأمريكان و لكن مرة أخرى هذا تسطيح كبير للموضوع.
من كل ما سبق أقول أنني و للأسف لا أرى الشرق الأوسط متجها للديمقراطية.
و لست متحمسا لاستبدال ديكتاتورية سوريا الحالية بدكتاتورية أخرى