الزملاء .

معتذرآ عن أي تأخير ، مازلت أفضل أن استكمل طرحي كله قبل الردود فقد يكون فيه ردآ على بعض مايثار . عرضت رؤية العفيف الأخضر ، و قدمت نقدآ لمحفوظات العقل العربي التائه الآن ، عن خرافة " حتمية نجاح الديمقراطية " في مجتمعات غير معدة لها . و عرضت مقالا لمثقف علماني مصري مستقل كان متحمسآ بشدة لظاهرة 25 يناير و تداعياتها في مصر ثم أعلن خطأه و اعتذر عنه . النتيجة التي وصلت إليها أنه لو تركنا ما يحدث لتدعياته الحرة فستتحول مصر خلال سنة واحدة إلى إمارة طالبانية ، قد تكون الأسوأ في العالم و الأشد غباء و تعصبا . الحل الوحيد هو ايقاف تلك التداعيات بالجراحة ،
و لكن هل هناك من هو قادر أو مستعد ؟.
هذا هو السؤال .
كي نبحث عن إجابة أذهب مباشرة أن القوات المسلحة المصرية وحدها هي القادرة ، الآن على الأقل ، فالمستقبل مخيف ونحن نشهد محاولة دؤوبة يقوم بها الإسلاميون و الإسرائيليون -كل لأسباب مختلفة - من أجل تدمير القوات المسلحة و الحط من قدرها ،و هم يوظفون في ذلك خليط عجيب من مرتزقة عملاء و مجموعات مغرر بها من السذج و الصبية البلهاء و المراهقين الثوريين .
أخطر ما يواجه الجيش لو اتخذ هذا القرار 3 معوقات .
1- الضغط على الجنود و بعض الضباط بالشعارات الدينية من أجل التمرد كما حدث في إيران سابقا وسوريا حاليآ .
2- الوضع الإقتصادي المتدهور .
3- الضغوط الخارجية الموجهة ، نتوقف قليلا لنر كيف تعمل تلك الضغوط ..
أ. يبدأ التأثير من الخارج أولآ عندما تدفع منظمات بعينها عملائها في الداخل إلى إثارة الفتن ثم طلب التدخل .
ب. تتلقى نفس المنظمات التي بدأت السلسلة في الخارج الإستغاثات من الداخل وفقا لسيناريو معد مسبقآ .
ت. تثير تلك المنظمات و أجهزة الإعلام العالم كله من أجل فرض الضغوط .
ث. أي سلسلة خارج ( تخطيط )– داخل ( طلب ) – خارج ( حشد ) – داخل ( تأثير ) ، هذا حدث في ليبيا ثم سوريا لاحقا .
رغم هذا يبقى الجيش المصري قادرآ لو أراد . ربما كانت اليد الحريرة التي تعامل بها الجيش مع ظاهرة الفوضى و الصبية و أبناء الشوارع تخدع البعض الواهم ، و لكن الحقائق المادية الصارخة تقول أن القوات المسلحة المصرية تتعامل مع الموقف كله معاملة الحليم القادر .
و لكن هل يريد الجيش و قيادته الإنقلاب ؟.
الإجابة هي لا ، على الأقل حتى الان .. لم ؟.
1- غياب ثقافة الإنقلابات العسكرية داخل الجيش ، فباستثناء إنقلاب 1952 لم يعرف الجيش المصري تلك الظاهرة ، و بالتالي فالموقف كله بيد المجلس الأعلى ، و بينما طبيعة تكوين المجلس الأعلى للقوات المسلحة كمجلس إحترافي وظيفي غير مسيس ،و ارتفاع أعمار قادته ، و غياب الشخصية الكاريزماتية الطموحة أو المغامرة في قيادة القوات المسلحة ، كل ذلك يجعل انقلاب الجيش شديد الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلآ .
2- الجيش المصري تاريخيا هو ملك للشعب و حاميا له ، و ليس جيشا حزبيا أو طائفيا ، أو تابعآ لملك أو شيخ أو لأي نظام حكم . بل هو – مثل الأزهر – مؤسسة تاريخية وطنية مصرية .
3- الجيش المصري لم يستخدم القوة ضد الشعب طوال تاريخه ، حتى لحماية الشرعية أو مؤسسات الدولة ، فهناك حساسية مفرطة من ذلك . وهناك منطق خاص جدآ لدى قيادة الجيش تقول ببساطة " لو لم نتحمل المصري ،و نشفق عليه و نحميه حتى من غضبه فمن سيفعل !" .لست أوافق على هذه المنطق و أراه حمائميا و " شهمآ " بأكثر مما يسمح العقل السياسي ، بل أكثر من ذلك أراه ضارآ بمصلحة مصر ذاتها ،و لكنه هو السائد في القيادات العليا. من يرى عكس ذلك لا يعرف شيئا عن معنى الإشتباك مع الجيوش المسلحة ، فمع الحشود العشوائية يمكن لبضعة جنود خلال 30 دقيقة إحداث خسائر تعادل كل خسائر الحوادث في مصر منذ 25 يناير حتى اليوم !.
4- أعتقد أن قيادات الجيش لا تدرك جيدآ مخاطر الدولة الإسلامية ،و ما يمكن أن تلحق من تدمير بالدولة المصرية ، نتيجة أن القضية ذات بعد ثقافي و حضاري خارج إدراك العقل العسكري ،وهذا ما فشل في فهمه السادات و مبارك و المجلس الأعلى الحاكم .
5- الخوف من الإحتراب الأهلي كما هو حادث في سوريا و حدث في ليبيا و العراق .
6- شخصيآ أعتقد أنه بالرغم من المحبة الطبيعية للشعب المصري ، إلا أنه و بصراحة تامة لا أعتقد أن سلوك المصريين بشكل عام يحظى باحترام كبير خاصة بين الأجهزة الأمنية التي تعرف حقائق الأمور ، بما في ذلك قيادات القوات المسلحة ،ولا أحد يريد أن يخاطر من أجل شعب قد ينقلب عليه لا لسبب سوى الرشوة بالزيت و الدقيق .
7- الجيش المصري ينفر من السياسة ،ولا يريد الإستمرار في حكم البلد مهما كلفه ذلك .
8- يقف الجيش بعيدآ عن الجميع بنفس القدر ، و يرى في الجميع قوى وطنية بما في ذلك الإسلاميين ،و أن حقهم أخذ فرصة عادلة للحكم , طالما تلك إرادة الشعب .
9- عدم الثقة في وجود قوى ليبرالية أو علمانية بديلة ، أو في وطنية و مبدئية تلك القوى ، خاصة مع الموقف العدائي ضد الدولة ومؤسساتها و الذي اتخذته عناصر محسوبة على تلك القوى في مقابل أموال ووعود أمريكية ليست بعيدة أبدآ عن النفوذ اليهودي . وهذا يجعل حتى القوى السلفية أكثر قبولآ وطنيا من منظمات مشبوهة مثل 6 إبريل ، أو رجلآ مثل ممدوح حمزة أو علاء الأسواني .
10- رغم خطورة التأسلم و الفكر الأصولي و السلفي ، إلا أن أفراد هذه التنظيمات – خاصة الإخوان – هم جزء من صميم نسيج الشعب المصري ، خاصة التكنوقراط و البرجوازية المتوسطة . فهم ليسوا أبناء قبائل ما أو أقاليم منفصلة ، أو مذاهب دينية بعينها – كالشيعة أو السنة – يجعل استخدام العنف المفرط مرفوضآ من الجميع . رغم أنه في المقابل لم تحل مثل تلك الإعتبارات دون إفراز رجلآ إرهابيا مثل عبد المنعم أبو الفتوح أو حزبيآ مخربآ مثل خيرت الشاطر .
هل هناك ظروف أو تطورات بعينها يمكن ان تغير موقف القوات المسلحة ،و هل ستكون هناك وقتها قوات مسلحة تمتلك إرادتها خارج هيمنة الذقون و العمامات ، تلك قد قضية أخرى قد أعود إليها .