Array
صورة الصرع الشائعة هي منظر محيي إسماعيل في فيلم الأخوة الأعداء
لكن هذا ليس حقيقي فالصرع له أشكال وأنواع متعددة وتقسيمات مختلفة

الصرع وكتبسيط للأمور هو مشابه لمرض إضطراب ضربات القلب ولكن في المخ

سبب إضطراب نبضات القلب هو خلل في مولد النبضات به أو في أسلاك توصيل تلك النبضات وهكذا الحال في الصرع ولكن الإضطراب الكهربائي بيكون في المخ ولما كان المخ به مناطق مختلفة ومتعددة ومراكز تحكم وسيطرة علي كل الجسم وعملياته الحيوية والجسم يكون ممثلا فيه سواء علي المستوي الحسي أو الحركي أو الحواس ومن المعروف أن إصابات المخ تقسم وظيفيا إما إلي تدميرdstruction كما في حالات إنقطاع الدم عن الجزء المصاب أو تهيجirritation لأسباب كثيرة والirritation هو مايعنينا في قضية الصرع

لو حدث تهيج بالمخ في الجزء الذي يمثل الذراع سيظهر علي المريض علي شكل إحساس تنميل وشكشكة بالذراع لو كان التهيج في الجزء الحسي أو إنقباضات وتشنجات للذراع لو كان التهيج في الجزء الحركي

وماذا لوحدث تهيج في الجزء الخاص بالشم أو النظر مثلا? في حالة تهيج مركز الشم سيشعر المريض برائحة أشياء غير موجودة وفي حالة تهيج مركز النظر سيبدأ المريض في رؤية هالات ضوئية وفلاشات

وماذا لو حدث تهيج في المراكز المسئولة عن السلوك والشعور والمزاج?
كان في تقسيمة الصرع القديمة أشياء مثلpsychogenic epilepsy وtemporal lobe epilepsy وكانت أعراضها تتمثل في ضلالات وتهيؤات وأوهام وهلاوس وبالفعل أعتقد أن الأنبياء والرسل الذين نعرفهم كانوا إما مصابين بهذا النوع من الصرع أو بشكل أبسط وبدون أي تعقيدات علمية مجموعة من النصابين.
[/quote]

رفيق نيوترال،

بشكل خاص لدي شك في أننا لو قمنا بإجراء فحص سريع على ما تبقى من أجساد الأنبياء، أو على الأقل دراسة الدي إن إيه خاصتهم، فسنصل إلى أنهم كانوا يعانون مشكلات عضوية تسببت في تطور حالاتهم العصبية و الذهنية شديدة الخصوصية. على سبيل المثال يمكن أخذ ما كان يُروى عن غضبة موسى من حيث سرعتها و شدتها لنحصل على عرَض الـirritatability أو الـagitation مما يضيف ـ لو تم قرنه بالضلالات delusions و الهلوسة hallucination ـ إلى المزيد و المزيد من الشكوك في وجود خلل عضوي في جزء من المخ أو وظائفه.

أود الإشارة سريعاً إلى الفرق بين الضلالات و الهلوسة كي يحصل غير المتخصصين على الخلفية العلمية الملائمة لفهم هذه النقطة. الضلالات هي حالة من الإيمان بشيء على أنه حقيقة مع أنه ليس كذلك false belief، و هذا الإيمان يمتاز باليقين المطلق و رفض أي حجة أو أدلة أو براهين تثبت عدم صحته أو تناقشها، إلى جانب أن الضلالات تملك خاصية ظريفة و هي أنها غريبة لحد لا يمكن أن تُدحض بالكامل.

مثلاً هناك من يؤمن تماماً أن أبو رجل مسلوخة موجود و أنه سيلتهمه في يوم من الأيام، و لا يمكن أن يقتنع بعكس ذلك مهما فعلنا. و بشكل عام من الصعب إثبات عدم وجود أبي رجل مسلوخة لأنه غير موجود من الأساس، و بالتالي لا يمكن الحصول على ’أثر‘ أو ’بقايا‘ منه تثبت أنه ’رحل‘ أو ’انتهى‘.

مشكلة الضلالات أنها غير مرتبطة فقط بالعالم الخارجي، بل يمكن للشخص أن يؤمن تماماً أنه أدولف هتلر من دون يكون لديه و لو ذرة شك في ذلك، و حتى لو تقافز الكون أمامه كالقردة فلن يتزحزح عن يقينه.

أما الهلاوس فهي تشوه فيما تنقله الحواس إلى العقل، فينتهي المريض بسماع أصوات أو رؤية أو شم أو تذوق أو الإحساس بأشياء وهمية، فلو كانت هذا الشعور مجرد شعوراً خاطئاً تجاه شيء في العالم الخارجي (الحدود الخارجية لملابس موضوعة على كرسي مثلاً يتم رؤيتها على أنها شخص أو حيوان ما) فإنها تكون illusion، أما لو كان ذلك الإحساس أو الشعور فريداً غير مرتبط بشيء في العالم الخارجي فإننا نكون أمام حالة هلوسة hallucination، كأن يسمع المريض أشخاصاً يكلمونه من دون أن يكون هناك أحد بالفعل.

في الفصام schizophrenia يتم الجمع بين الضلالات و الهلوسة ليتحقق لدى المريض إحساس مشوه بالعالم الخارجي يتم التعبير عنه عبر خلل في نمط التفكير thought disorder أو الكلام speech disorder، فتظهر و كأنها شعر او حكم أو لغة غريبة أو نسيج لغوي فريد أو pattern مختلفة إلخ.

لو قمنا بنسج نموذج فصامي من هذه الأشياء فيمكننا أن نسرد الحكاية الآتية:
بسيوني يصعد أحد الجبال المهجورة ليلاً فيسمع أصواتاً غريبة تخبره أنها الله و أنه نبي و أن عليه فعل كذا و كذا. يهبط بسيوني ليخبر الناس أنه نبي من عند الله و أنه شخصياً خاطبه، و مهما حاول الناس الاعتراض فإنه لن يبالي و لن يتخلى عن قناعاته لأنه ـ ببساطة ـ "سمع صوت الله شخصياً". يتحدث الناس عن أن بسيوني مجنون فتسوء حالته أكثر و يبدأ ـ لا شعورياً ـ في محاولات تكريس إيمانه للآخرين، فيعمل على تدوين ما يسمعه من الله على ورق، و يتحدث عن نفسه باستخدام ضمير الغائب. لكنه إذ يفعل فإنه يظل محكوماً بعناصر ثقافته و بيئته، و هكذا تظهر عملية إعادة تلقيم للحكايا و القصص التي سمعها أو عرفها في مرحلة عمرية سابقة، و تكريس على النقاط التي يتم تسليط السلطة في المجتمع من خلالها، فيأتي كلام الله دوماً ذكوري الطابع يتحدث عن حديقة بهذا عذراوات عاريات بيض لحد الشفاف سود العيون يجلبن الخمر و اللبن و الجنس - لأن بسيوني يعيش في مجتمع ذكوري صحراوي بامتياز.

الآن يقع المجتمع أمام خيارين: إما أن يتصدى لهذه الحالة أو أن يتساهل معها. لو تساهل و وصل لاحقاً إلى مرحلة يحتاج فيها إلى الوقوف أمامها، و حينها لو فشل فإن الحالة ستتفاقم ليصبح بسيوني النبي الجديد. أما لو كان بسيوني دخل المصح النفسي مباشرة فلن يكون هناك خطر من مرضه، بل سيتم علاجه و مداواته ليتخلى عن عالمه الوهمي و يعود للعالم الحقيقي. لهذا لا يمكن أبداً إغفال احتمال أن يكون الأنبياء مجرد تجلٍّ مبكر لحاجة الإنسان الماسة إلى علم الأعصاب و الطب النفسي، و حين تمكن الإنسان من الوصول إليهما بدأ الأنبياء و الدين يخفتون شيئاً فشيئاً و لم يعد من السهل أبداً أن يأتي أنبياء جدد برغم السهولة المهولة في نشر الدعوة في ظل الحالة المعلوماتية الحالية للكوكب و التي يفترض أن يأتي معها نبي جديد كل دقيقة، لكن على العكس فإنهم قليلون و متفرقون.

نوبات الصرع و سرعة الغضب و الهيستيريا و تقلبات المزاج كلها تضع مؤشرات و لمحات تشير و لو بشكل طفيف إلى خلل عضوي، و لو ثبت وجود هكذا خلل فستزيد احتمالات المرض أكثر و أكثر. قديماً كان الصرع يُسمى بالمرض المقدس لأن الناس كانت تظن نوبة الصرع حالة فاعلة من الاستحواذ الشيطاني أو الوحي السماوي بسبب لاطبيعية أعراضها، خاصة لو رافقتها انقباضات.

الحديث يطول لكن أظن الفكرة الأساسية وصلت.

بالمناسبة، لو فرضنا أن بسيوني المذكور أعلاه هو ابن كبير المنطقة أو قريبه، و لهذا فالجميع مضطر ألا يؤذيه و يتساهل معه لمدة عشر سنوات، فماذا ستكون النتيجة؟