اقتباس:هناك اية كريمة ستوفر علي الكثير مما اريد ان اقوله لك زميلي الختيار , وهي قو الله تعالى :
ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين .
حضرتك لو رجعت لتفسير هذه الاية من تفسير ابن كثير الذي تحبه - وقد أحسنت الاختيار لانك ختيار في البحث والمعرفة - فستجد أن تفسير هذه الاية كما يلي :
ان هذا النبي لو كذب علينا في الوحي او زاد فيه لقضينا عليه ولم نسمح بانتشار الباطل والضلال باسم الوحي منسوبا الينا .
عزيزي الداعية
أنت تفترض افتراض أوافقك عليه لكنك تستنتج استنتاجات محسومة مسبقاً بالنسبة إليك و ليس لها علاقة بالافتراض .
أنت تفترض مثلاً : ماذا لو كان محمد قد افترى على الله كل ما قاله عن الإسلام ؟؟؟
ثم تفترض أن النتيجة أن الله سينتقم منه كما تقول الآية .
و أنا أخبرك بأن الأمر ليس بالضرورة هكذا ، فقد يكون الله غير مهتم من الأصل بما يقوله محم أو بوذا للناس عنه ، و لا يحاسب الناس من الأصل ، و ربما إن فكر في حسابهم يفكر في محاسبة سلوكهم بغض النظر عن معتقداتهم ، مثلاً يثيب الإنسان الجيد الذي خدم الناس و لم يضرهم ، و يعاقب المسيء الذي تعدّى على غيره من الناس .
أنا شخصياً أحب هنا أن أتكلم عن الإله الغائب ، و أضعه وجهاً لوجه أمام السيناريو المحمدي لمشكلة الدنيا .
فكرة الإسلام عن الله و الخلق و المصائر معروفة و تغنينا عن شرحها .
لكن ماذا عن الاحتمالات الأخرى ؟؟؟
الإله الغائب مثلاً ؟
الإله الغائب هو مجرد احتمال ذهني محض ، لأنه يقوم اساساً على فكرة انتفاء الرسل ، أي أن هذا الإله الذي وضع القانون في المادة الأساسية للكون لا يهدف إلى أن يكشف لنا حقيقته ، هذا احتمال منطقي جدا .
فإن كن لدينا إله ، أمامنا احتمالين :
1- أن يكشف لنا عن الأمور الغيبية (فيما يتعلق به و خلافه)
2- أن لا يكشف لنا عن أموره الغيبية .
الطريق الأول هو طريق الرسل ، و هو طريق معروف و عمره آلاف السنين
الطريق الثاني هو طريق ذهني من خلال العقل ، لأننا نفينا أي وسيلة تواصل مع الله من خلال رسل أو إيحاءات أو غيره .
و هذا الطريق الذهني يمكننا من أن نمضي أكثر في تصور هذا الإله ، فهو وضع قانون السببية في هذا الكون ، من اللحظة الأولى لم يكسره ، إذاً فلا بد - بالاستقراء- أن يستمر هذا القانون إلى أن يؤدي إلى اضمحلال المادة (بشكل سببي طبعاً و ضمن هذا القانون) أو استمرار المادة إلى ما لا نهاية ما لم تولّد المادة و قوانينها سبباً لاضمحلالها .
و هذا يمكن تفصيله في شتى المجالات .
في مشكلة الخير و الشر يمكن أن تجده (الإله الغائب) سلساً منطقياً منسجماً مع نفسه و قوانينه .
مشكلة العلم و قوانينه ، أبداً لا يتناقض من الإله الغائب .
مشكلة الفيزيقا و الميتافيزيقا يلتقيان تحت مظلة هذا الإله الغائب العجيب .
مثال : شخص ادعى النبوة و آمن به آلاف الناس ، و بنى لهم عالماً من الميتافيزيقا ، ما الذي يفعله الإله الغائب ؟؟
القانون الأساس في هذا الفكر ، هو السببية ، و السببية هي التي جعلت من هذا الشخص أن يدعي النبوة ، سواء كان مقتنعاً بكونه نبي أو عالماً بكذبه ، الظروف المحيطة به هي التي أدت به لأن يعلن نبوته ، و كذلك موقف من اتبعه ، فالظروف و الأسباب هي التي دفعت ذاك ليؤمن به و ذاك ليكفر به ، و هذه النتائج أصبحت اسباباً لنتائج لاحقة كأن تولّد صراعاً بينهم و تصادماً ، تسفَح دماء و تُعلّق رؤوس ، و تنتصر طائفة و تُهزَم أخرى ، و في منطقة أخرى من الأرض هناك صراع مماثل بين نبيين آخرين ، أو ديانتين/أيدلوجيتين أخريين ، تنتصر طائفة و تُهزَم طائفة ، لا بمعجزة و لكن بأسباب واضحة و صريحة للنصر ، أي أن ما أدى إلى النصر هو التسلسل المنطقي الوحيد الذي أدى إلى هذه النتيجة الوحيدة : انتصار الاسكندر على الفرس و هزيمته على أعتاب الهند ، و انتصار المسلمين في بدر و هزيمتهم في أحد و مؤتة ، انتصار نابليون في معاركه و هزيمته في ووترلو ، و انتصار هتلر في احتلال أغلب أوروبا و هزيمته في النهاية .
إنها القانون السائد الوحيد ، السبب و النتيجة ، و هذا القانون إن كان الإله قد وضعه ، فهو لن يخرقه ، لن ينصر المسلمين في أحد مثلاً نكايةً في المشركين ، و لن يهزم صلاح الدين حباً في المسيحيين ، فالقانون واحد ، و سيسري على الجميع .
و جميع هؤلاء البشر ، و الجمادات و الحيوانات هي نتائج طبيعية لتحولات المادة ، و هي خاضعة لقانون المادة ، فحسب هذا القانون لا يصبح الإنسان أفضل من الجماد لأن الله اصطفاه أو جعله خليفة و أكرمه ، بل لأنه يملك من الأسباب المادية ما يجعله يتفوق على غيره من الحيوانات ، و لكن هذا لا يعني أنه إن سقط على الأرض كويكب أن الجنس البشري لن ينقرض مثل الديناصورات لأن البشر يسبّحون هذا الإله و يحبونه ، بل سينقرضوا تماماً منسجمين مع قانون السببية و تحول المادة .
لذلك أقول لك يا زميلي
أن البون بيننا شاسع جداً ، فأنت تنظر للأمور من زاوية مختلفة تماماً عني ، لأني أؤمن بوحدانية المادة و وحدانية القانون ، و أن الإنسان سيبقى عاجزاً عن التنفس تحت الماء إلا إذا استعمل اسطوانة أكسجين ، أي أنه لا معجزة و لا كرامة تجعله يتنفس تحت الماء ، بل أسباباً مادية واضحة .
و نفس المنطق طبقه على طيران الإنسان و سكنه الفضاء و رؤيته للفيروسات بعينيه(غير المجردتين) و غيره و غيره من المعجزات التي يقوم بها البشر كل يوم من خلال انسجامهم المطلَق مع المادة و قوانينها .
أما بالنسبة لباقي الحديث عن أرسطو و ماركس ، فأنا لم أقصد أن ننشيء نقاشاً حول أفكارهما و مصائرهما ، بل كأمثلة عن الفكر الشمولي ، أو انتشاره ، و أن هذا كله لا يعني دعم السماء لهذا الفكر .
فبوذا له الملايين من الأتباع ، و موسى ، و عيسى ، و محمد ، و لديك الهندوس ، و كلها أفكار تخللت إلى أدق تفاصيل الحياة في الغالب ، و لكن هذه الدقة و الشمولية لا يمكن ان تمنحها دعماً سماوياً .
في النهاية ارجو من الزميل خوليو الذي أحب أن يناقشني في مسألة الإله الغائب أن يدخل معنا في هذا الشريط ، و الزميل لوجيكال كذلك .
و كل من يرغب أيضاً .
تحياتي للجميع .