{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #31
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]
الأصنام



نحن نقول إننا في عصر العلم و إننا خلفنا الجاهلية وراءنا بأصنامها و أوثانها.. و لم يعد هناك من يعبد اللات و العزى و هبل و لا من يسجد لبعل.. انتهى الشرك إلى غير رجعة.

و لكني أقول بل نحن عبدة أوثان نسجد و نركع و نحرق البخور و نرتل التسابيح و الابتهالات في كل لحظة لأصنام لا حصر لها.

نحن في الجاهلية بعينها و لو تكلمنا بلغة الإلكترونات.. و لو مشينا على تراب القمر.

إنما اختلفت أسماء الأصنام.. و اختلفت صورها و نوعياتها.. و تسترت تحت ثياب الألفة.. و لكنها هي الأصنام بعينها.

ماذا يكون جسد المرأة العاري اليوم.. و هل هو إلا صنم رفعناه إلى مرتبة الإله المعبود المعشوق المرتجى.

لقد أصبحت صورة الجسم العاري ماركة مسجلة نروج بها أي بضاعة.
صورة المرأة العارية هي تعويذة التاجر التي يرسمها على إعلانات السجائر و إعلانات الخمور و الصابون و البيرة و الكاميرات و الساعات و الحراير و الأقمشة حتى أدوية الزكام و شفرات الحلاقة و معاجين الأسنان.

و هي عامل مشترك في كل أفيشات السينما و المسرح.
و هي على أغلفة المجلات و على كروت المعايدة و في جميع الفاترينات بمناسبة و بدون مناسبة.
و هي على علب الشيكولاته و علب البونبون و زجاجات العطر و نجدها بدون سبب في إعلان لتروس الماكينات.

و نفاجأ بها في إعلان سيارات تفتح لنا الباب و في طائرات س م ع تقدم لنا طبقا من الجاتوه مع ابتسامة.. و إلى جانب مطحنة بن تقدم لنا فنجانا من القهوة.. بل و في إعلان عن أسياخ الحديد الصلب تدعونا لنبني بيتا جديدا.. و هي دائما عارية أو نصف عارية أو بالمايوه.

و كأنما لا وسيلة لجذب الانتباه إلا باستخدام هذا المعبود الجديد.. و لا طريقة لشد العين إلا بالتلويح بهذا الوثن.

إنه الذكر و الابتهال و التسبيح العصري تسفح فيه الدموع و تنشد الأشعار و ترتل المزامير و الأغاني و الرباعيات و السبعايات و تؤلف المسلسلات و الحلقات كل حلقة تشحذ الذهن و تثير شهية المستمع و المتفرج.

أما الصنم الثاني أو لعله المعبد أو الكاتدرائية العظمى أو جبل الأولمب الذي يتجمع فيه حشد الآلهة العصرية فهو فاترينة البضائع الإستهلاكية التي تتحلق حولها العيون مشدوهة مبهورة مسبحة تكاد تركع للثلاجة و الريكوردر و التليفيزيون و الساعة الذهبية و السوار الماسي. و الابن يقتل أباه و الأخ يسرق أخاه و الموظف يختلس و الصانع يغش و الصراف يزور و المزيف يزيف في سبيل هذه الفاترينة الوهاجة.. فاترينة الأحلام.. الكل يتهجدون و يسهرون الليل يصلون لها.. و كل شيء يفنى ما عدا وجهها ذي الجلال و الإكرام المضاء دائما بالنيون و الفلورسنت في حي المال و التجارة من كل مدينة.

أما الصنم الثالث فهو الهيكل.. هيكل الفكرة المجردة و النظرية و المذهب السياسي الذي يركع فيه المريد المتعصب. لا يرى حقا إلا ما تقوله بنود نظريته و لا يرى صدقا إلا ما يأمر به مذهبه فإذا سمع من يتكلم عن مذهب آخر فهو خائن مارق فاسق يستحق أن يحرق حيا.. و هو يعيش بفكر مقلوب و منطق معكوس فالإنسان عنده يجب أن يوضع في خدمة النظرية لا النظرية في خدمة الإنسان.

و هذا هو عابد الصنم الأجوف المجرد و عابد قصاصات الورق و الشعارات الطنانة الكاذبة.. و هو أحد مجانين هذا الزمان.

و صنم آخر شائع هو الدكتاتور و الحاكم المطلق و الطاغية المستبد الجالس على عرش السلطة و من حوله بلاط الهتافين و المصفقين و حملة المباخر و المجامر و المسبحين بالحمد و المنافقين و الكذابين و قارعي الطبول و نافخي الأبواق. تزفه الأناشيد و الأهازيج في كل مكان.. و يلقن الاطفال في مدارسهم.. إنه الرزاق و المنقذ و المعين الذي يطعمهم من جوع و يؤمنهم من خوف و يكسوهم من عري و أن عليهم أن يتوجهوا إليه بالتسبيح و التحميد كل صباح.. و أن عليهم أن يحفظوا كلماته و يعوا وصاياه و يلتمسوا رضاه.

و ربما كانت أشيع أصنام هذا العصر و أكثرها انتشارا هو صنم (( الذات)).. عبادة النفس.. و اتباع الهوى.

المرأة التي تعبد جمالها.. و الرجل الذي يعبد أناقته.. و الممثل الذي يفتتن بشهرته.. و الفنان العابد لفنه.. و البطل المبهور ببطولته.. و المتحدث اللبق الذكي المعجب بنفسه و بذكائه.. و نجم السهرة المزهو بشخصيته.. و صاحب الملايين الفرحان بملايينه.

و المال في أكثر الأحوال و في هذا العصر المادي صنم في ذاته تقدم له القرابين من دم الجميع.

و قد يختفي صنم (( الذات )) وراء صنم أكبر هو (( العصبية )) للعائلة أو القبيلة أو الطائفة أو العرق أو العنصر أو الملة و كلها أصنام.. و كلها عبوديات.. و كلها شرك.

و عابد الله لا يكون عبدا لله إلا إذا تحرر منها جميعا و أسلم قلبه و وجهه خالصا من جميع الشواغل و العلائق و التبعيات و المنازعات.

القلب لله (( بلا منازع )).. هذا هو الدين.

أما ما نحن فيه فهو جاهلية.. جاهلية العلم التي جاءت بأصنامها الجديدة و نصبت أوثانها العصرية و أقامتها مكان اللات و العزى و هبل و بعل و أقامت لها الهياكل و وظفت لها السدنة و الكهان و قدرت لها النذور و القرابين.

و لو أننا جلسنا إلى أنفسنا و صارحنا أنفسنا في لحظة صدق لوجد أكثرنا نفسه في إحدى خانات عباد الأصنام يسبح دون أن يدري لوثن من تلك الأثان الخفية التي أقامها عصر المادة في قلوب الناس.

(f)




08-30-2006, 02:18 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #32
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود




[CENTER]شق في الحائط

النملة التي تسكن شق الحائط و تتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر و تعمل طول الحياة عملا واحدا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير و أن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. و هي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.

أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط و الحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق و الشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة و العمارة واحدة من عمارات في حي و الحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة و القاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا و مثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. و الكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. و المجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.

و غيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلا.. و كل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا و هي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين و لم تطأها قدم و من فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يدبر كل هذه الأكوان و يهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.

كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. و مع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سجناء محصورين كل واحد منغلق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار و يدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ و تنتهي عند الحصول على كسرة خبز و مضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم و خيال و اختراع و أدوات و حيلة و ذكاء و رغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.

أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف و نمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبئ داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد و الأضغان و الأطماع و المآرب.

نرى الذي يموت من الغيرة و قد نسي أن العالم مليء بالنساء و نسي أن هناك غير النساء عشرات اللذات و الأهداف الأخرى الجميلة.. و لكنه سجن نفسه بجهله و غبائه داخل امرأة واحدة و داخل جحر نملة واحدة التصق بها كما يلتصق بقطرة عسل لا يعرف لنفسه فكاكا.

و نرى آخر مغلولا داخل رغبة أكالة في الانتقام و الثأر يصحو و ينام و يقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصا و لا يفكر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه و يشرب دمه.

و نرى آخر قد تكوم تحت الأغطية و غاب في محاولة حيوانية لاستدرار اللذة مثل قرد الجبلاية الذي يمارس العادة السرية أمام أنثاه ! :lol:

و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية و أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة و اليأس و الخمول.

و نرى آخر قد أسر نفسه داخل موقف الرفض و السخط و التبرم و الضيق بكل شيء.و لكن العالم واسع فسيح.

و إمكانيات العمل و السعادة لا حد لها و فرص الاكتشاف لكل ما هو جديد و مذهل و مدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية.

و قد مشى الإنسان على تراب القمر.
و نزلت السفن على كوكب الزهرة.
و ارتحلت الكاميرات التليفزيونية إلى المريخ.

فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة و يعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.

و لماذا يسرق الناس بعضهم بعضا و لماذا تغتصب الأمم بعضها بعضا و الخيرات حولها بلا حدود و الأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.

و لماذا اليأس و صورة الكون البديع بما فيها من جمال و نظام و حكمة و تخطيط موزون توحي بإله عادل لا يخطئ ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.

لماذا لا نخرج من جحورنا.. و نكسر قوقعاتنا و نطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا و نتأمل.

لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة و ما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب و مصيرنا إلى غيبه المغيب.

لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجرب أن نطير و نكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن و نغوص في الوحل و نغرق في الطين و نسلم قيادتنا للخنزير في داخلنا.

لماذا نسلم أنفسنا للعادة و الآلية و الروتين المكرر و ننسى أننا أحرار فعلا.

لماذا أكثرنا نمل و صراصير..

:97:




08-31-2006, 12:01 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #33
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود

( اعتذر عن سهو حصل مني , حيث لم اطبع مقالة ( ساخطون بلا مناقشة كاملة ) فقد سقط منها جزء في نهايتها سوف أظلله بالأزرق , ولكم مني أطيب تحية (f) )


[CENTER]ساخطون بلا مناقشة


السخط و الرفض و التذمر و الاحتجاج على كل شيء أصبح موضة اليوم بين الشباب.
أحيانا يكون الاحتجاج على الآباء.
و أحيانا على الحكام.
و أحيانا على النظام الإجتماعي.
و أحيانا على الكون كله.
و أحيانا على الله سبحانه.

كلمة لا.. بدون تمييز.. بقضية و بلا قضية بهدف و بلا هدف..
و أحيانا لا.. للنظافة.. و لا للقيم و الأخلاق.. و لا.. للعمل.. و لا.. للواجب و المسئولية و النظام.

و النموذج الجديد لهذه اللائية المتطرفة هو مجتمع الهيبيين الذين يتناكحون على الأرصفة و يمارسون الشذوذ الجنسي و يتسولون ثمن زجاجة بيرة و يشتركون في كل إضراب و يهتفون في كل مظاهرة و يبصقون على كل شيء.. و يتصورون أنهم طلائع الحرية و أنهم أول من خرج من أقفاص الإنسانية.. و الحق أنهم خرجوا فعلا من أقفاص الإنسانية و لكن ليدخلوا في أقفاص القرود.

و كلمة لا.. كانت من أشرف الكلمات حين قالها محمد – صلى الله عليه و سلم- لجاهلية زمانه لأنها كانت كلمة تحمل معها النور و الحق و العدل و الخير.
كانت لا.. أشادت أمة من عدم.
كانت لا.. معها رؤية جديدة و كتاب و طريق.
لم تكن معولا يهدم و إنما كانت يدا تبني و شعاعا يهدي.

و نحن جميعا مندوبون لنقول لا.. للظلم.. و لا للباطل.. أما لا على وجه الإطلاق.. الثورة للثورة و السخط للسخط.. الخروج من ظلم إلى ما هو أظلم.. الخروج من خطأ بنشدان الفوضى.. تهديم كل شيء بدون رؤية.. هذه الصرخة الجديدة التي تردد الآن في جنبات العالم هي دسيسة دست على شبابه.. و من ورائها عقول ماكرة تعمل في خفاء و ذكاء لإفساد كل شيء.

في الفن في الفكر في الفلسفة في السياسة في الرواية في الموضة في السينما يمكن أن تلمس هذه الأيدي الخفية.. و هذه التيارات الخبيثة للتهديم.

غياب الصورة الإلهية من الرواية و القصة.

تلك الروايات التي نراها على الشاشة أو نقرأها و كأنها الكوابيس.. و نعيش فيها ساعات ثقيلة مظلمة و كأننا في عالم بلا إله.. و نخرج بحالة من الشك و الضياع و التوهان و نحن نلعن كل شيء.

دوران الأفكار الروائية في فلك واحد حول الجنس و الخيانة و اللامبالاة و الانحلال و طلب اللذة بأي ثمن بهدف تحطيم روابط الأسرة.

إشاعة الإباحية باسم تحرير العواطف.

إفساد الفطرة بالتركيز على الجريمة و الشذوذ.

تملق الغوغاء و تحريض الطبقات باسم الثورة و التقدمية.

استخدام الأسلوب الجميل و الطرافة و الإمتاع كغلاف من السليوفان الجذاب لترويج أسوأ المضامين و أردأ البضائع الفكرية.

فكر سارتر الذي يحمل معه كل من يعتنقه إلى حالة من الغثيان و القيء و العبثية و الإحساس بعدم الجدوى و بأن الإنسان قذف به في الكون و ترك وحده بلا عناية و بلا رعاية.

فكر فرويد الذي يحمل قارئه على الإعتقاد بأن الإنسان مجرد غرائز جنسية هائجة تبحث عن الإشباع في النوم و اليقظة و في الطفولة و الشباب و الشيخوخة.. و بأن أشرف ما أبدع الإنسان من فنون و آداب قد خرج من أعضائه التناسلية و بأنه حيوان يغلف شهواته بالمبررات الكاذبة. و لكنه حيوان من مولده إلى موته.. التخريب فيه غريزة و التهديم غريزة و الموت غريزة.

و على نهج فرويد في تفسير سلوك الإنسان بالحوافز الجنسية سار الفكر الماركسي في تفسير سلوك التاريخ بالحوافز المادية.

ثم جاء هربت ماركوز ليستفز الشباب إلى حالة رفض مطلق و ثورة مستمرة لتفجير المجتمع بعد أن تكاسلت البروليتاريا عن تلبية نداء الفكر الماركسي لتهديم البنيان الاجتماعي و أخلدت إلى الترف و إلى رشوة الراحة و البقشيش السخي الذي قدمته إليها الرأسمالية الغربية.

و ليست مصادفة أن رواد تلك الأفكار المادية كانوا جميعا من اليهود..

ثم سؤال على الهامش.
هل صحيح أن النظر المنصف إلى الوجود و تأمل الحياة في موضوعية يؤدي بالإنسان إلى حالة من الغثيان و القيء و العبثية و الإحساس بعدم الجدوى و يخلف إحساسا بأن الإنسان قذف به في الكون و ترك وحده بلا عناية؟..

و هل صحيح أن الإنسان يدور في فلك أعضائه التناسلية؟

و هل من الممكن تفسير جميع مراحل التاريخ بالصراع الطبقي.. و ماذا نقول في الصراع بين روسيا و الصين و كلاهما بروليتاريا.. و صراعهما مع ذلك يشكل التاريخ.

و ماذا نقول في فدائي يموت في فيتنام أو القدس هل هو يدور في فلك أعضائه التناسلية.. و هو الذي يضحي بجسده كله في سبيل حق مجرد و مثاليات صرفة.

أما خرافة الغثيان و القيء و العبثية.. فهي عبثية عند سارتر وحده و قيء خارج من مناخ نفسي و حالة باطنية يعانيها هو.. أما الكون فهو بريء من العبثية منضبط أكثر من ساعة إلكترونية سواء نظرنا إلى الذرة و هي أصغر ما فيه أو إلى المجرة و هي أكبر عوالمه.

في الذرة لا يستطيع إلكترون أن ينتقل من مدار إلى مدار إلا إذا أخذ أو أعطى شحنة تساوي حركته من النواة أو إليها.
و هذا هو حال الإلكترون الذي لا يعرف له جرم من فرط صغره.

و في المجرة العظيمة تولد الشموس و تشب و تشيخ و تموت و تتحرك في أفلاك و تدور حولها الكوكبات كل هذا يجري في دقة و نظام وفقا لهندسة مقدرة و قوانين ثابتة لا تخرق.

أما الإنسان فلم يقذف به إلى الكون بلا عناية. بل العكس هو الصحيح.. فالعناية الإلهية حفت به من لحظة ميلاده.. بل من لحظة تكوينه في رحم أمه.. فالعناية سلحته بجميع وسائل الدفاع التي يحتاجها.. سلحته بالسمع و البصر و اليد و العضل و الحيلة و الذكاء و العقل.

و في المخ وحده عشرة آلاف مليون خط عصبي تنقل الإشعارات و ردود الأفعال طول الوقت بلا خطأ و بلا عطل.

و في الكليتين و الرئتين و الكبد زيادة وافية في النسيج العامل تبلغ سبعة أضعاف الحاجة.. و هذه الزيادة هي الاحتياطي (( الاستبن )) الذي وهبته العناية الإلهية لمواجهة الأعطال و الطوارئ المحتملة.

و يموت في الساعة من جسم الإنسان ستون مليون خلية تتجدد في نفس الوقت في تلقائية و دقة و نظام بديع..
و في الخلية الواحدة التي تبلغ في صغر حجمها واحدا من ألف من الملليمتر.. في داخل هذه الخلية الدقيقة نرى بالمجهر الإلكتروني مصانع و مخازن و جهازا لتوليد الطاقة ( و أرشيف ) و مخا آليا لتنظيم هذه الأنشطة المختلفة.. كل هذا داخل صندوق هو جزء من ألف من الملليمتر.

إن لم يكن هذا هو منتهى العناية من الخالق فماذا يكون.. و ماذا يكون كلام سارتر عن العبثية في الوجود و عن الإنسان الذي قذف به في الوجود بلا عناية.. إلا الجرأة على الحق بعينها و إذا كان مراد سارتر بالعبثية هو ما يجري على الإنسان من مرض و شيخوخة ثم موت و ما يجري على الحياة من كوارث و أوبئة و زلازل و براكين و طوفانات و حروب مهلكة فهذه كلها أمور عارضة و نحن نمرض و نصح و بدون المرض لا نعرف الصحة.. و المرض هو الاستثناء و الصحة هي القاعدة و الزلازل و البراكين و الطوفانات حوادث استثنائية و كل منها له وجه خير و منافع و فوائد. و بالزلازل و البراكين تستعيد الكرة الأرضية توازنها كل عدد من السنين و لولا هذا التفريج و التنفيس المؤقت لانفجرت الأرض بالضغوط الهائلة في داخلها.

و الآلام و المشقات تربي الجلد و التحمل، و المحن تشحذ العزائم كما تربي الأمراض الوقاية و الحصانة.

و الشر في الكون كالظل في الصورة يبدو من قريب عيبا فإذا ابتعدت بعينيك و نظرت إلى الصورة نظرة كلية اكتشفت أن هذا العيب هو ظل، و أنه جزء مكمل للصورة.

و في هذا يقول ابن عربي أن نقص العالم هو عين كماله كما أن اعوجاج القوس هو عين صلاحيتها و لو أنها استقامت لانكسرت و لما رمت.. ثم إن عالم الدنيا كله عارض زائل و لذلك كان شره عارضا و زائلا و قد جعله الله مقدمة لخير باق في الآخرة.


و الموت ليس نهاية و إنما بداية لفصل آخر، و حياة أخرى.. و الحكم على رواية بقراءة سطر واحد منها لا يكون حكما صحيحا.. و إنما يجب الانتظار إلى أن تتم الرواية فصولا قبل أن نحكم عليها.

ثم هل يجب على الله أن يحقق السعادة للجميع و لماذا.. و كيف نوجب على الله ما نجهل.. و كيف نلزمه بطرق تفكيرنا و وجهات نظرنا.

و هؤلاء الذين يريدونها جنة هل يستحقونها جنة.. و هم ينفثون فيها الشر و الحقد و السم في كل لحظة.

و يقول الغزالي في ذلك و يؤيده في رأيه ابن عربي أن الإنسان لا يجري عليه قضاء إلا من جنس استحقاقه.
(( لا يظهر فيك و لا منك إلا عينك ))
بمعنى أنه لا يجري عليك من الحوادث إلا من جنس قلبك و نيتك و ضميرك.

و يقول ميتر لنك في هذا المعنى: (( جرعتك من الماء دائما تساوي سعة فمك.. أنت لا تقابل إلا نفسك في الطريق.. إذا كنت لصا أسرعت إليك حوادث السرقة و إذا كنت قاتلا قدمت إليك الظروف الفرصة تلو الفرصة لتقتل )).

إن الله صاغ العالم على مقتضى العدل و اختار بحكمته دائما أفضل الممكنات.
و تأمل الكون و الحياة لا يكشف للباحث إلا الجمال و الإبداع و النظام و العدل و القانون و لا توجد الفوضى إلا في نظمنا نحن.

و لكن العيون التي فيها قذى و القلوب التي مالت عن الحق لا ترى إلا العبث و الغثيان.. و لا تعمل إلا للإفساد و التهديم.

هؤلاء هم فرسان الشر و طلائعه.

فلنقرأ كل ما يصل إلى أيدينا بحذر و بعقل ناقد فما أكثر ما يدس لنا من سموم يراد بها هلاكنا.

و لنثق دائما بأن الله كله خير و بأن مشيئته كلها رحمة و من يشك في كلامي فليقرأ المقال مرة أخرى من الأول.



:redrose:






08-31-2006, 12:09 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #34
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]الصيام


الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان.

و هواة الجدل دائما يسألون .. كيف يخلق لنا الله فما و أسنانا و بلعوما و معدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا .. كيف يخلق لنا الجمال و الشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم و تعففوا .. هل هذا معقول ..


و أنا أقول لهم بل هو المعقول الوحيد .. فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك ..
لتقوده و تخضعه لا ليقودك هو و يخضعك .. و جسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه و تحكمه و تقوده و تلجمه و تستخدمه لغرضك ، و ليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه و أن يقودك هو لشهواته .

و من هنا كان التحكم في الشهوة و قيادة الهوى و لجام المعدة هي علامة الإنسان .. أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب و تتحمل ما تكره .. أما إذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك و شهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم و تردعك عصا .. و ما لهذا خلقنا الله .

الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين إلى شهوة أرفع .. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد و نصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال ، ثم نعود فنتسلق على هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل إلى الثقافة و العلم و الحكمة ثم نعود فنتسلق إلى معراج أكبر لنستشرف الحقيقة و نسعى إليها و نموت في سبيلها .

معارج من الأشواق أدناها الشوق إلى الجسد الطيني و أرفعها الشوق إلى الحقيقة و المثال .. و في الذروة .. أعلى الأشواق لرب الكمالات جميعها . الحق سبحانه و تعالى ..

و لهذا سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها و ثرواتها و كنوزها ، و جعلها بفطرتها تطاوعنا و تخدمنا))
(( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ))

و العبادة لا تكون إلا عن معرفة .

فالحياة رحلة تعرف على الله و سوف يؤدي بنا التعرف على الله و كمالاته إلى عبادته .. هكذا بالفطرة و دون مجهود ، و هل نحتاج إلى مجهود لنعبد الجميلة حبا ..

إنما تتكفل بذلك الفطرة التي تجعلنا نذوب لحظة التطلع إلى وجهها ، فما بالنا لحظة التعرف على جامع الكمالات و الذي هو نبع الجمال كله .. إننا نفنى حبا .


و ما الصيام إلا التمرين الأول في هذه الرحلة ..

إنه التدريب على ركوب الفرس و ترويضه و تطويعه بتحمل الجوع و المشقة و هو درس الانضباط و الأدب و الطاعة .

و هذه المعاني الراقية (( الجميلة )) ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير و نكات و هزليات و صوان و مكسرات و سهرات .
و إنما الصائم يفرغ نفسه للذكر و ليس للتليفزيون .. و يخلو للصلاة و قيام الليل و تلاوة القرآن و تدبر معانيه و ليس للرقص و ترديد الأغاني المكشوفة .

و قد كان رمضان دائما شهر حروب و غزوات و استشهاد في سبيل الله .

كانت غزوة بدر في رمضان .. كما كانت حرب التتار في رمضان .. و حرب الصليبيين في رمضان .. و حرب إسرائيل في رمضان .

ذلك هو الصيام الرفيع .. ليس تبطلا .. و لا نوما بطول النهار و سهرا أمام التليفزيون بطول الليل .. و ليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل .. و ليس نرفزة و ضيق صدر و توترا مع الناس .. فالله في غنى عن مثل هذا الصيام ، و هو يرده على صاحبه و لا يقبله ، فلا ينال منه إلا الجوع و العطش .

و إنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن و العباد ة الحقة .

و اسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان و ستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.



(f)





09-03-2006, 03:09 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #35
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER][SIZE=4]الصلاة


آخر صيحة في أمريكا الآن موضة جديدة اسمها ( Transendental Meditation المتجرد .. و هي موضة وافدة من الهند و بدعة من بدع اليوجا .. و قد لاقت نجاحا مكتسحا في المجتمع الأمريكي شأنها شأن كل البدع الجديدة ، و وضعت فيها الكتب و المؤلفات ، و أقيمت المؤتمرات و أصبح لها رسل و دعاة و مبشرون ينطلقون إلى القارات الأربع و معهم الكتب و النشرات للدعوة للمذهب .. و قد التقيت بأحد هؤلاء المبشرين في نادي الجزيرة يحاول أن يدعو لمذهبه .

و المذهب في اختصار شديد يدعو كل منا إلى أن يخصص بضع دقائق من يومه يطرح فيها عن نفسه كل الشواغل ، و يلقي عن باله كل الهموم و يستلقي في استرخاء كامل على كرسي و قد أغمض عينيه و تجرد عن كل شيء حتى عن نفسه يلقيها هي الأخرى وراء ظهره ، و يخرج من جلده إلى حالة من الخلوص و المحو و اللاشيء .. إلى راحة العدم ..

و يختار المبشر لكل واحد من أتباعه تسبيحة يرددها .. هي في العادة كلمات سنسكريتية لا تعني بالنسبة للمريد أي شيء .. و سوف تعاون هذه التسبيحة المريد على أن يخرج من نفسه أكثر ، و يتجرد من عالمه و يخرج من حضرة الهم و الغم و التوتر إلى حضرة أخرى مجردة تكون فيها راحته و خلاصه .

إنها دعوة إلى نوع من السكتة العقلية التي تأخذ فيها النفس راحة و إجازة من معاناتها .. و رأيت مع المبشر كتبا و منشورات و بحوثا علمية و إحصائيات تؤكد شفاء الكثيرين من ضغط الدم و الذبحة و اضطراب الهرمونات و الصداع المزمن بعد مباشرة هذه الجلسات لمدة شهور .

و في أحد هذه البحوث كان الطبيب يتابع ضغط دم المريض في أثناء جلسة الاسترخاء فتسجل الأجهزة انخفاض الضغط انخفاضا ملحوظا مع هبوط في تسارع النبض مع تغير في أخلاط الدم الكيميائية في اتجاه المزيد من التوازن .


و في جلسة طويلة مع المبشر قال لي أنه ألقى عدة محاضرات في النادي مع تمارين توضيحية تشرح مذهبه .. و لكنه اشتكى من عدم التجاوب بين المستمعين و أنه لم يلاق الصدى و النجاح الذي توقعه .
و [COLOR=Blue]قلت له إن هذا أمر طبيعي و متوقع .. فما تقوله و ما تبشر به ليس أمرا جديدا على أسماعنا



فالصلاة عندنا تبدأ بهذا الشرط النفسي .. أن يتجرد المصلي تماما من شواغله و همومه ، و أن يطرح وراءه كل شيء ، و أن يخرج من نفسه
و ما فيها من أطماع و شهوات و خواطر و هواجس هاتفا .. الله أكبر .. أي أكبر من كل هذا و يضع قدمه على السجادة في خشوع و استسلام كامل و كأنما يخرج من الدنيا بأسرها ..


و لكن صلاتنا تمتاز على التمرين الذي تبشر به .. بأنها ليست خروجا من دنيا التوتر و القلق إلى عالم المحو الكامل و راحة العدم .. بل هي خروج إلى الحضرة الإلهية .. إلى حضرة الغنى المطلق .. و نحن لا نستعين بتسابيح و طلاسم سنسكريتية لا معنى لها ، و إنما نسبح بأسماء الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لنتمثل في قلوبنا تلك الحضرة الإلهية الجمالية التي ليس كمثلها شيء .


و قلت له إن صلاتنا تعطي المؤمن كل الراحة و الإجازة التي تدعو إليها و زيادة .. فهي ليست مجرد سكتة عقلية ، بل صحوة قلبية و انفتاح وجداني تتلقى فيه النفس شحنة جديدة من النور و نفحة من الرحمة و مدد من التأييد الإلهي .
إنها لحظة خصبة شديدة الغنى ، تعيد صلة المؤمن بالنبع الخفي الذي يستمد منه وجوده .

إن الانفصال عن دنيا النقص و الشر و التوتر يواكبه الاتصال بعالم الكمال و من هنا كان أثر الصلاة على المصلي مضاعفا .
و صلاتنا إذا صلاها المسلم بحضور كامل ، و استغراق و فناء و اندماج ، فإنها تكون شفاء من كل الأمراض التي ذكرتها و أكثر .

و إذا أجريت البحوث و الفحوص على ما يحدث في أثناء الصلاة لضغط الدم و النبض ، و تسجيل المخ الكهربائي ، و أخلاط الدم الكيميائية ، لكشفت عن نتائج أكثر إبهارا مما ذكرت في تمارينك .. و لكن للأسف لا أحد في أمريكا أو أوروبا يرى إسلامنا على حقيقته و لا أحد يحاول أن يبحث فيه .

و لهذا سوف تظل صلاتنا الإسلامية كنزا مخفيا لا يعلم ما فيه إلا من باشره بحضور كامل
.. يقول لنا الله (( أقيموا الصلاة )) و لا يقول صلوا .. لأن الصلاة الحقيقية إقامة تشترك فيها جميع الأعضاء مع القلب و العقل و الروح ..

و خطأ الأوروبي أنه يظن أن الصلاة (( الإسلامية )) هي مجرد حركات و أنها على الأكثر مجرد اغتسال و رياضة (( بدنية )) ، و لهذا يقف عند ظاهر الامر لا يتخطاه ..
و ينسى أن الحركات في الصلاة مجرد رمز فهي وقوف إكبار لله مع كلمة الله أكبر ، ثم ركوع ثم فناء بالسجدة و ملامسة الأرض خشوعا و خضوعا ، و بذلك تتم حالة الخلع و التجرد و السكتة (( الكاملة )) النفسية .. و لا يبقى إلا استشعار العظمة لله تسبيحا .. سبحان ربي الاعلى و بحمده .. سبحان ربي الأعلى و بحمده ..


(( و سبحان )) معناها ليس كمثله شيء ، و هو اعتراف بالعجز الكامل عن التصور .. و معناها عجز اللغة و عجز اللسان و عجز العقل عن وصف المحبوب .

و تلك ذروة (( نفسية )) في النجوى ..
و تلك هي وقفة الأدب حينما بلغ جبريل سدرة المنتهى فلم يستطع أن يتخطاها .. و قال لو تقدمت لاحترقت .
و ليس بعد هذه الوقفة إلا التجليات و التنزلات للكاملين الذين يؤهلهم التجرد الكامل لاستشراف الأنوار .

فالصلاة هي المعراج الأصغر و هي نصيب المسلم من المعراج الأكبر الذي عرج فيه محمد - عليه الصلاة و السلام - إلى ربه .

و هي ليست مجرد حركات .. بل هي أسرار و رحمات .
و أشرفها و أرفعها صلاة الفجر التي تشهدها الملائكة .. و صلاة قيام الليل .. التي نال صاحبها بها المقام المحمود .

و الصلاة هي الرصيد المتاح من الرحمة لكل مسلم في البنك الإلهي .. إن شاء أخذ منه و إن شاء ضل عنه و تكاسل فأضاع على نفسه كسبا لا يقدر بمال ..

و ما زالت الصلاة كنزا مخفيا لا نعلم عن أسرارها إلا أقل القليل و لا ينتهي في الصلاة كلام .



:redrose:






09-03-2006, 11:10 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #36
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]الزكاة


كان من عادة إخواننا الشيوعيين حينما يُذكر موضوع الزكاة أن يبتسم الواحد منهم في سخرية و كأنما وجد الثغرة التي ينفذ منها ، فالزكاة عنده هي الحل المخجل لمشكلة العدل الاجتماعي ، فالعدل لا يعالج بالتسول و بتوزيع الصدقات ، و إنما بالبتر و الاستئصال و النكال و التنكيل بالمستغلين الظالمين ، و نزع أصحاب المال و أصحاب الأرض من جذورهم بانقلاب شيوعي يصحح الأوضاع ، و هذا التوصيف الشيوعي للزكاة خاطئ .


و لكن نبرة العنف في كلام الرفاق تذكرني دائما برأي قاله المفكر الإسلامي المغربي الدكتور المهدي بن عبود : إن الشيوعية في الحقيقة طبع .. الشيوعية غل و حقد و ضغن و طبيعة ثأرية تنزع بصاحبها إلى طلب النكال و التنكيل و الإذلال و التسلط ، و هم لا يرون إصلاحا إلا أن يكون بترا و استئصالا دمويا و قلبا لكل شيء من القواعد ، و هي طبيعة تلتمس دائما المذهب الذي يساعدها ، و من هنا كان اختيارهم للشيوعية لا عن اقتناع و لا عن منطق و لا عن عقل ، و لكن عن طبع ، و هم أنفسهم الذين اختاروا فيما مضى مذهب الخوارج و القرامطة و الخرمية ، و هم أنفسهم الذين اختاروا فيما بعد التكفير و الهجرة ، لأنه يشبع فيهم نفس الطبيعة .

ثم نعود إلى تصور الرفاق عن الزكاة و نقول لقد فهموها خطأ ، فليست الزكاة هي تفضل من الغني يلقي به للفقير من باب حسنة لله يا محسنين ، و ليست صدقة لمتسول ، بل هي حق يؤخذ من خير مال القادر ، و يصل إلى يد المحتاج في كرامة و دون أن يسأل أو يمد يدا ، فما يصل إليه حق و ليس تفضلا ، و حكمه حكم الضريبة التي تؤخذ بقانون و تنفق بقانون .

ثم إن الإنفاق ليس له حد أقصى فهو في حده الأدنى اثنان و نصف في المائة ، و تلك هي الزكاة المفروضة ، و لكنه مفتوح في حده الأقصى إلى ما شاء الله و ما شاء كرم المعطي و إيمانه .
(( و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )) .
أي كل ما تراه زائدا عن حاجتك حتى 99 في المائة مما تملك إذا اعتبرت أن حسبك لقمتك و ثوبك و كفافك و الباقي لله فهي تجارة مع الله و تعامل مع الخالق و ليست تفضلا على الخلق ، و لكن مثل هذا الإنفاق الزائد لا يكون إلا تطوعا و اختيارا من صاحبه و ليس فرضا من أحد ، و هي من حيث اسمها (( زكاة )) ، فهي تزكية لصاحبها و تطهير له .. يتطهر بها من الشح و البخل و الأنانية فالمنتفع الأول منها صاحبها .

و الصدقات أوساخ الناس كلما أنفقت منها تطهرت و صفت نفسك من تعلقاتها المادية الأرضية
.

و لا ينقص مال من صدقة ، و ما أنفقت من مال فإن الله مخلفه ، قد يخلفه الله مالا أو صحة أو رحمة أو ذرية صالحة أو نجاحا أو توفيقا ، و لكن لابد من أن يثيب الله فاعل الخير دنيا و آخرة هذا قانون إلهي لا يتخلف و يعرفه تماما الذين يقبلون على الزكاة و يتنافسون فيها و الله لا يخلف وعده أبدا .

و الزكاة تلطف الحقد و تكسر العين الحاسدة و تؤلف القلوب ، لأنها مال حلال يخرج من صاحبه حبا و كرامة و طواعية و يصل إلى المستحق دونما من و لا أذى .

و إذا أدخلنا في نصاب الزكاة ، زكاة الشركات و زكاة البنوك ، و زكاة المؤسسات التجارية ، و زكاة الدول التي خصها الله بالموارد و الثروات ، فإن مجموع النصاب الناتج سيتجاوز المليارات عداًً ، و سيصبح في طاقته أن يغير موازين الاقتصاد الموجودة تماما ، ثم إن إنفاق هذه المليارات بأسلوب عصري و استثمارها لصالح الطبقة الفقيرة ، و لخلق المشاريع لتشغيل الأيدي العاطلة و بناء الصناعات ، و الارتفاع بالتعليم كفيل بأن يغير وجه الحياة دون عنف و دون قهر و دون نكال أو تنكيل .. هكذا تلتقي الأيدي في محبة و تعاون و تكافل فيثمر الخير مزيدا من الخير ، أما العنف الشيوعي فلن يثمر إلا عنفا ، و لن يثمر القهر إلا رفضا و كسلا و لا مبالاة ، و لن يثمر التسلط إلا يأسا و سلبية و ينتهي الأمر بأن ينفض كل واحد يده من كل شيء ، و يقول لتفعل الدولة ما تريد ، و لكن الدولة الشيوعية ليست كائنا حيا سويا ، و إنما هي ديناصور و مسخ شائه من القوى البوليسية و الشعب الخائف المذعور ، ثم طواغيت و مراكز قوى تعمل طليقة باسم الحزب و تظلم و تستغل ، و تنهب كما تشاء باسم الحزب ، و تغطي جرائمها بالشعارات و الأكاذيب و الإعلام الموجه .

و شتان بين هذا التكوين الاجتماعي المتشنج و بين التكوين المتناسق للمجتمع الإسلامي الذي يعمل فيه الكل مؤمنين بأن العمل عبادة ، و أن الإنفاق تعامل شخصي مع الله ، و أن الصدقة تقع أولا في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ، و أن علاج المريض عبادة ، و إقامة جدار عبادة ، و إنشاء كوبري عبادة .. و أن المعروف لا يضيع و العمل الصالح لا يذهب سدى ، و أن الملك له مالك ، و أن في السماء إلها عادلا عدله لا يتخلف ، و كل هذا يثمر سكينة و رضاً و راحة قلب تساوي الدنيا و ما فيها .

فأين هذا من حال مجتمعات الوفرة و الغنى التي ينتحر أصحابها برغم الوفرة ، و ترتفع فيها إحصاءات الجنون و الأمراض النفسية و القلق و الاكتئاب برغم الغنى ، و تتحلل الأسر و تتفكك العائلات و تنتشر المخدرات و الشذوذ الجنسي و الجرائم و السرقات ، برغم العلم و التكنولوجيا و التقدم و تتضاعف أعداد مراكز البوليس و أقسامه ، و مع ذلك لا تشعر بلحظة أمن و لا تستطيع أن تخرج دولارا من جيبك ، و لا أن تنام دون أن تغلق المزاليج و الترابيس خلف بابك .

لأنها مجتمعات مادية كل مليم فيها محسوب بالكمبيوتر ، ثم لا اعتبار عندها لأي شيء آخر .. أو بشكل أدق لا تؤمن بأن هناك شيئا آخر خارج اللحظة الحاضرة و الدولار الذي في جيبك .. لا حساب لشيء اسمه الغيب و لا اعتقاد في إله .

و الذين يؤمنون منهم بالله لا يدخلون هذا الإيمان في حساب الكمبيوتر ، و هم لهذا يستبدلون الزكاة بشركات التأمين و معاشات النقابات و بدلات البطالة ، و كلها صدقات ، و لكن ذات منطلق مختلف ، فهي لا تعطى لوجه الله ، و إنما اجتهاد علمي من عند صاحبها .. و لسان حال كل منهم يقول :
(( إنما أوتيته على علم عندي )) .

و فارق كبير في النية و الصفائية بين العملين فأحدهما يقول :
وفقني الله فأعطيت ما أعطيت ابتغاء وجهه ، و الآخر يقول :
(( اجتهدت من عندي و أنفقت و أعطيت )) .
فأحدهما لا يرى إلا الله و الآخر لا يرى إلا نفسه .. و لهذا ينتهي عمله إلى الإحباط أما العمل الأول فإن الله يثمره بكرمه و يحفظه برعايته .

و تلك هي الزكاة .. مرهما و بلسما و ملطفا و شفاءً للنفس ، و طهرة للقلب ، و هي تعامل مع الله رأسا دون وسائط ، و إيمان بالغيب و ثقة في المقدور ، و يقين بقوانين العدل الإلهي التي لا تتخلف ، و هي شيء آخر تماما غير مفهوم المعونة الاجتماعية في المجتمع الغربي و قد يسأل سائل فيقول أليس كلاهما عملا صالحا ..

فنقول نعم مع فارق كبير في العرفان ، فأنت في الزكاة لا تعرف لك يدا و لا ترى لك يدا ، و لا ترى إلا يد الله سبحانه الذي ليس كمثله شيء .
أما في المعونة الاجتماعية بالكمبيوتر فلا ترى إلا الورقة المرقمة الخارجة من الكمبيوتر ، و لا ترى إلا يدك و ما تبذل .. و على الأكثر لا ترى سوى إنسانيتك .
و الفرق فرق عرفاني .
و هل الدين كله إلا هذه الكلمة الصغيرة ذات الحروف القليلة .. العرفان .. ؟ و هل طلب الله من نبيه سوى العرفان ؟

فاعلم أنه لا إله إلا الله و استغفر لذنبك .
و هل يفترق مؤمن عن كافر إلا بهذه المعرفة ، الذين يرجون أيام الله ، و الذين لا يرجون أيام الله ، و الذين يوقنون بالآخرة و الموقف و الحساب .. و الذين لا يؤمنون إلا بيومهم و لحظتهم ..


صدقوني إن كلمة الزكاة تعني الكثير ..

:wr:






09-04-2006, 11:27 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #37
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]الحج ( 1 )

الجمعة .. الشمس تنحدر إلى المغيب على جبل عرفات .
الجبل مزروع بالخيام .. مليون و خمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام البيض .. لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف من الفقير و من الغني .. و لا تعرف من التركي و من العربي ؟

اختفت الجنسيات .. و اختفت الأزياء المميزة و اختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي و الصومالي و الأندونيسي و الزنجي و الأذربيجاني الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة و بعضهم ينطقها بلكنة أجنبية .. و بعضهم يمد بعض الحروف و يأكل بعض الحروف و لكنك تستطيع أن تفهم من الجميع و تستطيع أن تسمع أنهم يهتفون .. لبيك اللهم لبيك .

و الذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مطوف يرددون وراءه الدعاء العربي حرفا حرفا في خشوع و ابتهال .

في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد على أمتار معدودة .. التركستان و الباكستان و كازخستان و غينيا و غانا و نيجيريا و زنجبار و أوغندة و كينيا و السودان و المغرب و اليمن و البرازيل و إسبانيا و الجزائر و سيلان .. كلهم حولي يتصافحون و يتبادلون التحية ، و يهنئ بعضهم بعضا .

و لولا أن المطوف أخبرني بهذه الجنسيات لما عرفتها ، فالكل كانوا يبدون لعيني و كأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم ..

على بعد خطوات كان أكثر من ستين هنديا يلتفون حول مطوف هندي ، و هو الآخر فيما يبدو يقرأ لهم الدعاء العربي من كتاب في يده .. و هم يرددون خلفه الدعاء و هم يبكون و قد تخضلت لحاهم الطويلة الكثة بالدموع .

و هم قطعا لم يكونوا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبهم فبكوا .

كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف و أنه في حضرة الله و في ضيافته و في رحابه .. و أنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة و السلام .. النبي العظيم الفقير الأمي .. و أنه يسجد حيث كان يسجد ، و يركع حيث كان يركع ، و يردد ما كان يردده من دعاء .. بذات اللسان العربي .. و في ذات اليوم .. يوم الجمعة من ذي الحجة .. و لعل ذبذبات صوت النبي و أصوات أصحابه مازالت في الفضاء حوله .. فلا شيء يفنى في الطبيعة و لا شيء يستحدث .

عرفت أن هؤلاء الستين هم من أفقر طائفة هندية و أنهم جاءوا إلى مكة على الأقدام و على سفن شراعية و على جمال .
و كان زعيمهم يحمل علما عبارة عن خرقة ممزقة .
و بعضهم جاوز الثمانين .. و بعضهم كف بصره .. و بعضهم كان يحمل بعضا .
و كان الكل يبكون بحرقة و يذوبون خشوعا .

كانوا فقراء حقا .


و على بعد خطوات كان هناك هندي آخر ، قال لي المطوف إنه مهراجا يملك عدة ملايين .. و كان بذات ملابس الإحرام البيضاء .. و كان يبكي بذات الخشوع ..
و كان مشلولا يحمله أتباعه على محفة .

كان فقيرا هو الآخر حقا .
و من منا ليس فقيرا إلى الله .إن الملايين لا تعفي أحدا من الشيخوخة و العمى و المرض و الموت .

إن السيد و خادمه يمرضان بالأنفلونزا و يمران بنفس الأعراض .. بل نرى السيد يعاني دائما أكثر من الخادم ، و يستنجد بعشرات الأدوية و العقاقير ، و يجمع حوله الأطباء فلا يفعل له العلم و لا الطب شيئا .. و كانوا يقولون لنا في كلية الطب على سبيل السخرية .. إن الأنفلونزا تشفى في سبعة أيام بدون علاج .. و في أسبوع إذا استخدمنا العلاج .
و الأنفلونزا مرض بسيط .. تافه .. هي مثل من ألف مثل لضعف الإنسان و حاجته و فقره الحقيقي مهما كثرت في يده الاموال و تعددت الأسباب .

من منا ليس فقيرا إلى الله و هو يولد محمولا و يذهب إلى قبره محمولا و بين الميلاد و الموت يموت كل يوم بالحياة مرات و مرات .
و أين الأباطرة و الأكاسرة و القياصرة ؟
هم و إمبراطورياتهم آثار .. حفائر .. خرائب تحت الرمال .
الظالم و المظلوم كلاهما رقدا معا .
و القاتل و القتيل لقيا معا نفس المصير .
و المنتصر و المهزوم كلاهما توسدا التراب .

انتهى الغرور .
انتهت القوة .. كانت كذبة .
ذهب الغنى .
لم يكن غنى .. كان وهما .
العروش و التيجان و الطيالس و الخز و الحرير و الديباج .. كل هذا كان ديكورا من ورق اللعب .. من الخيش المطلي و الدمور المنقوش .

لا أحد قوي و لا أحد غني .
إنما هي لحظات من القوة تعقبها لحظات من الضعف يتداولها الناس على اختلاف طبقاتهم .
لا أحد لم يعرف لحظة الذل ، و لحظة الضعف ، و لحظة الخوف ، و لحظة القلق .
من لم يعرف ذل الفقر ، عرف ذل المرض ، أو ذل الحب أو تعاسة الوحدة ، أو حزن الفقد ، أو عار الفضيحة أو هوان الفشل أو خوف الهزيمة .
بل إن خوف الموت ليحلق فوق رءوسنا جميعا .

كلنا فقراء إلى الله .. كلنا نعرف هذا .و هم يعرفون هذا جيدا .. و يشعرون بهذا تماما ، و لهذا يبكون .. و يذوبون خشوعا و دموعا .


سألني صديقي و هو رجل كثير الشك :
- و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط .. و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة .. ألا ترى معي أنها بقايا وثنية .

قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حبا عذريا أفلاطونيا ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل .. بالقبلة و العناق و اللقاء .. هل أنت وثني ؟
و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه .. يقول له الله : إن هذا لا يكفي .. لابد أن تسعى على قدميك .
و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعورا و قولا و فعلا .
و هنا معنى التوحيد
.
أن تتوحد جسدا و روحا بأفعالك و كلماتك .
و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب .. فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل .


يتبع ..

:redrose:





09-07-2006, 01:23 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #38
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود



[CENTER]الحج ( 2 )


أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني .. المهراجا و أتباعه .
و نحن نلبسها على اللحم .. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت .. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم .. و نخرج من الدنيا بذات اللفة .
هي رمز للتجرد .. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد .
و لهذا قال الله لموسى :
(( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) .
هو التجرد المناسب لجلال الموقف .

و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية .. و لقاء مع الخالق .
فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية .
أما أمام الله فنحن لا شيء .. لا نكاد نساوي شيئا .
و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة .

قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟
قلت :
- أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته .. هل أنت وثني ؟
لماذا تعتبرني وثنيا إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته .. إنها نفس الفكرة .
إنها كلها رمزيات .
أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي .
و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان .
و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر .. هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا ينسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر .

و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوسا كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها ..
إنها وسيلة لخلق إنسان موحد .. قوله هو فعله .. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحا شفويا باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرما حقيقيا .. هل هذه الحركة وثنية أوطقسا كهنوتيا .

و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني .
و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة .
ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام .
لا شيء سوى العراء .
و نحن عراء .
و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء .
و نحن نبكي .. كلنا نبكي .

و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .
و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة .
مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه .. حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء .. و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه .. و كيف يكون العدم برهانا على الوجود .. و كيف يكون المعدوم شاهدا على موجد الوجود ..

يتبع ..



:redrose:






09-07-2006, 10:47 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #39
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود

[CENTER]الحج ( 3 )

إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدعي فيه العقل كل شيء .

و عصرنا للأسف عصر العلوم الوضعية و المنطق الوضعي .. هو عصر الألكترونيات و الكهرباء و الكيمياء و الطبيعة .

[SIZE=4]و الواحد منا في بداية تلقيه لهذه العلوم الوضعية ، و لفرط انبهاره بها و بمنجزاتها يتصور أنها علوم كلية يمكن أن يناقش بها الأمور الكلية مثل الوجود الإلهي فيقع في خطأ من يحاول أن يقيس السماء بالشبر و يزن الحب بالدرهم .

و تمضي عليه سنوات من التمزق و المعاناة قبل أن يكتشف أن الطبيعة و الكيمياء علوم جزئية تبحث في المقادير و العلاقات و اختصاصها هو القضايا الجزئية ، و هي لا تصلح بطبيعة معاييرها للحكم على الدين لأنه قضية كلية .الدين هو العلم الكلي الذي يحتوي على كل تلك العلوم .. في حين لا يحتوي عليه أي منها .

و عندنا نور آخر نستدل به على الحقيقة الدينية ، نور القلب و هدى البصيرة و استدلال الفطرة و البداهة .
هنا نور نستشف به الحقيقة بدون حيثيات .
هنا منطقة في الإدراك هيأها الله للإدراك المباشر .
و هي مرتبة أعلى من مراتب الشعور العادي .
و كما أن العقل أعلى في الرتبة من حاسة مثل الشم و اللمس ، كذك البصيرة أعلى في الرتبة من العقل و من الإدراك بالمنطق العقلي الجدلي .

و البصيرة هبة متاحة لكل منا ، و لكن صدأ العرف و التقليد و الادعاء العقلي ، و الأحكام الجاهزة الشائعة ، هذا عدا الغرور و ظلمة الشهوات و الرغبات و سعار الأحقاد و المطامع .. كل هذه الغواشي ترين على مرآة البصيرة فتحجب أنوارها الكاشفة .

و يمضي العمر و الإنسان يصارع هذه الرغبات و يتمزق ، و يعاني و يسأل و يتساءل و يحفر في داخل نفسه حتى تنتهك الأستار ، و تنجلي الغواشي ، و يبدأ يدرك الحقيقة بهذه الرؤية الكلية التي هي هبة بصيرته .

و هنا يبدأ يعرف ما هو الدين .

و قد يرى بالبصيرة من لا يحمل الشهادات .
و قد تعمى بصيرة المتعلم المؤهل في الجامعات .
و جلاء القلب فضل إلهي قد يوهب و قد يكتسب ، و لا توجد شروط في المعارف الإلهية ، و هذا الهندي المسلم الفقير الحافي العاري الغارق في دموعه قد يعرف عن الله أكثر مما نعرف نحن
الذين نكتب في الدين و الله .

و ربما لو سألته عن شعوره لما استطاع أن يشرحه في عبارات مثل العبارات المنمقة التي نكتبها .. و هو أمر لا يهم .. فالمعارف العالية قد تعلو على العبارة و قد تعجز عنها الإشارة .. فلا يبقى إلا الصمت و الدموع .
و لهذا هم يبكون على عرفات في لحظة لقاء مع النفس و الله .. تبدو فيها الكلمات مبتذلة .. و اللسان عاطلا ، و العبارات خرساء ، فلا تبقى إلا الدموع ، و هي دموع فرح و حزن و ندم و توبة و تطهر و ميلاد .

و هي فجر روحي يعرفه من جربه .

و قد توحي اللحظة الواحدة و الظرف الواحد بشيئين مختلفين تماما و ربما متناقضين ، فحينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة ، كان صديقي يلهث مختنقا و كل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا في برلين مثلا ، إذن لاختلف الأمر و لطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يزحم فيها الواحد الآخر .. بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلفة التي تدور كالذرات البيضاء و أرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا و طافوا و عاشوا و ماتوا .. أرى فيهم أبي و أمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. و من قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. و أجداد الأجداد من قبل إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجرا و عاد إليها فاتحا .. كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماما ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماما ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكا بأنه لا أحد موجود حقا سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .

في البدء كان الله و لا شيء معه ..
( حديث نبوي شريف بدون زيادة : في البدء - داعية السلام )

و في الختام يكون و لا شيء بعده ..

هو الأول و الآخر ..

هو ..

نعم هو و لا سواه .

كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله .

( أقول : بالله العظيم أن من ذاق طعم تلك اللحظة لابد وأن تنفجر عيناه أنهارا من الدموع المصحوبة بلذة روحية عارمة وراحة وسكينة نفسية عجيبة لانحصل عليها إلا نادرا لحظة الحضور مع الله فقط - ودعك ساعتها من الذين يقولون أن فكرة الله وهم منشؤه الخوف الانساني القديم وتلك السخافات والمقولات الطفولية المضحكة التي لاتثبت أمام تيار الجلال والعظمة الذي يسري في كل ذرة في جسدك وقلبك ساعتها , إنها لحظة دهشة ..وفغر للأفواه والعيون .. وأيضا لحظةرقة وذرف للدموع وسكووون ! سكون نفسي وشعور بالامان لايوصف وسوف يعبر د. مصطفى عما أريد أن أقوله بما سوف أظلله لاحقا بالأحمر- داعية السلام . آسف على الاطالة )

و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساسا في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟

و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .

إنها أشبه بعدة ستائر تفتح متتالية بعضها من وراء البعض .. تفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بتفاصيله ، ثم تفتح ستارة في العمق لتكشف عن واقع آخر خلفي كبير ، هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ، ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن حقيقة الحقائق التي يبهت أمامها كل شيء .

هو إحساس ديني يصعب تصويره في كلمات .
هو أشبه بموقف مقاتل على الجبهة .

إنه في تلك اللحظة ينسى همومه الصغيرة .

هموم وطنه تبتلع همومه .
و جراح وطنه تبتلع جراحه فينسى مشكلات بيته الصغير و يذوب في مشكلات مجتمعه الكبير .
هناك حضور أكبر ابتلع الحضور الأصغر .
و بالمثل لحظة الوقوف في حضرة الله .
هنا الحضرة العظمى .. حضرة الحق .
و هي حضرة هائلة تذوب أمامها الحواس تماما .

يفنى الواقع الصغير .. واقع النفس و مشكلاتها اليومية .. ثم الواقع الزمني المحيط بتفاصيله .. ثم الواقع التاريخي كله .
ثم يكون فناء النفس ذاتها في لحظة احتواء كامل من ذات عظمى مهيمنة .

هي لحظة حب صوفية نعرفها في الحب .. و يرويها لنا المحبون .
و الحب البشري لا شيء بالنسبة للحب الإلهي .
و جمال امرأة لا شيء بالنسبة للجمال المطلق الكلي ..

أين كان صديقي من هذا كله ..

:redrose:





09-13-2006, 10:21 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مالك غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 768
الانضمام: May 2006
مشاركة: #40
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
good :hii:
:97:
09-13-2006, 10:27 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  من سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر/ الدكتور عصام البشير فارس اللواء 0 1,163 01-03-2012, 09:16 PM
آخر رد: فارس اللواء
  انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل فارس اللواء 0 1,095 09-13-2011, 12:27 PM
آخر رد: فارس اللواء
  رد الدكتور سليم العوا علي الشيخ حازم شومان بشأن أفكاره عن الليبرالية فارس اللواء 5 2,969 08-03-2011, 09:05 PM
آخر رد: فارس اللواء
  مؤمن مصلح يسأل هل سمعتم عن الدكتور داهش؟ مؤمن مصلح 20 6,771 06-24-2011, 07:42 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  الدكتور مهاتير محمد نجاح بلا حدود السيد الحسيسى 0 1,413 01-14-2011, 01:25 AM
آخر رد: السيد الحسيسى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS