السيد المحترم / بهجت
تحياتي ,,

إنطلاقا من الفروض المتفق عليها سابقا بهذا الشريط يوجد طريقان للمستقبل الذي بات قريبا - و لا ثالث لهما:

1- طريق التحديث و إعتماد مجتمع ليبرالي.
2- الإنقراض.

و بالرغم من إحتمالية الطريق الثاني - حسب المعطيات الحالية - دعنا نتغاضى عنه بصفة مؤقتة و نحاول تخيل سيناريوهات محتملة لإعتماد مجتمع ليبرالي.
بالرغم من وجود عدد غير محدد من السيناريوهات المحتملة لذلك إلا أنه يمكن جمعها في أربعة أطر جامعة:

الإطار الأول: التحول من الإطار التراثي النصي إلى الإطار الحداثي العقلاني بشكل تدريجي و لكن منهجي (حسب نص سيادتكم). و فيه تقوم شريحة متنورة من المجتمع بوضع منهج و آليات لهذا الإنتقال التدريجي - و ما يتماشى معه من التغيير التدريجي في القوانين و الدساتير و الحريات و العلاقات الإجتماعية و الإقصادية ...إلخ. و تباعا ستكون هذه الشريحة إما في مركز الحكم أو مدعومة دعما مباشرا من الحكومة.

الإطار الثاني: التحول بشكل ثوري عنيف للإطار العقلاني. و هذا بواسطة قيادات ثورية متنورة - مدعومة من الطبقات المتوسطة و الفقيرة بالمجتمع تباعا - و القبض على الحكم.

الإطار الثالث: التدخل الأجنبي المباشر و هذا على طريقة اليابان - و أمامنا تجربة في مرحلة الإختبار (العراق) و إن كان الوقت مبكرا لإستطلاع النتائج. و هذا السيناريو لا يحتاج لشروح.

الإطار الرابع: الإستقرار عند التوجه الحداثي بعد مرحلة الإنهيار التام للأوضاع الحالية (فيما سماه الغرب بالفوضى الخلاقة). و بوضع حساسيتنا من هذا الطرح جانبا - بسبب شخصيات متبني هذا الطرح - فيمكن تلخيصه في حالة ما بعد الطوفان - حيث الفشل و الإنهيار التام لجميع الأيديولوجيات الحالية (قومية/دينية/قبلية...إلخ) و باتت الأمور أكثر وضوحا بعد إنقشاع السحب و الغيوم الفكرية التي سببت الإنهيار.

يبقى مناقشة مدى و نسب إحتماليات الأطر السابقة كل على حدة و هو ما سأحاول تخيله تباعا.

لكم جزيل إحترامي.

الإطار الأول: التحول من الإطار التراثي النصي إلى الإطار الحداثي العقلاني بشكل تدريجي و لكن منهجي . و فيه تقوم شريحة متنورة من المجتمع بوضع منهج و آليات لهذا الإنتقال التدريجي - و ما يتماشى معه من التغيير التدريجي في القوانين و الدساتير و الحريات و العلاقات الإجتماعية و الإقصادية ...إلخ. و تباعا ستكون هذه الشريحة إما في مركز الحكم أو مدعومة دعما مباشرا من الحكومة.

قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الإطار يمثل أنسب و أسلم طريقة للتحول الليبرالي بأي مجتمع.
و لو قدر الخيار لأي عاقل لاختار هذا الإطار بدون تفكير - و لكن هل قدر لنا الخيار؟ و هل لو رجعنا لمعطيات الواقع يظل هذا الخيار ممكنا ناهيك عن كونه الأفضل؟
أعتقد بإستحالة هذا الإنتقال الهادئ من كلا الناحيتين: الإجرائية و النظرية.

فمن الناحية الإجرائية: لا بد من وجود شريحة ليبرالية متماسكة - في مركز الحكم - أو مدعومة منه.
تلك الشريحة غير موجودة - قياسا نسبي و ليس مطلق - فنحن نتحدث عن شعوبا تسود فيه الأمية بمعناها الحرفي بنسب أسطورية - و أنصاف المتعلمين فيه أخطر من الجهال.
و هذا غير كون المصطلح "الليبرالي" (كما بين السيد بهجت) يعبر عندنا عن أطياف واسعة من الأفكار و الإتجاهات لدرجة أنه من الممكن أن يطلق على مؤيد لحكم الإخوان المسلمين.
فتلك الشريحة (منعدمة الوزن النسبي) إن وجدت فهي غير متماسكة.
و لنفرض جدلا بوجود شريحة إجتماعية ليبرالية متماسكة - فهل هي مؤثرة في هذه المجتمعات؟ أعتقد لا.
و لو أخذنا مثال مصر بوصفها من أكثر هذه المجتمعات إنفتاحا و أيضا لوجود نسبة لا بأس بها من غير المسلمين لوجدت الليبراليين بلا صوت يذكر و بلا كيانات (إلا إذا ذكرنا الأحزاب التي تكاد تكون كوميديا) - و أعتقد أن بائع دواجن ملتحي يؤثر على مجتمعه أكثر من جميع تلك الأحزاب مجتمعة (حدث بالفعل في حي إمبابة بمدينة الجيزة).
و لنكن أكثر تفاؤلا بقولنا أن الأمل في هذه الشريحة الصغيرة أن تغير هذه الجماهير الغفيرة - و هذا بدعم مباشر ممن هم على كراسي الحكم. هل هذا ممكن؟
الحكم في بلادنا فاسد و فاقد للشرعية بكل معانيها - سواء علىالمستوى الدولي أو داخليا - وهو في نزعه الأخير كل ما يمكن أن يفكر فيه هو إطالة مدة حكمه و بالتالي فآخر خياراته أن يدعم الليبراليين في مواجهة المد الأصولي المدعوم شعبيا. ناهيك عن كون الليبرالية رجس من عمل الشيطان في وجهة نظر هذا الحكم الفاسد أيضا - نظرا لتعارضها مع فساده و إستبداده - مثل ما هي في وجهة نظر المد الإسلامي.

و دعنا نتفاءل أكثر لدرجة خيالية و نفترض بدعم مباشر من الحكومات أو الجيش (تمثلا بتركيا) للشريحة الليبرالية و أن تلك الشريحة بعد إستلامها مقاليد الحكم بدأت خطتها على الواقع في التحول من الإطار التراثي النصي إلى الإطار الحداثي العقلاني بشكل تدريجي. و هذا على كافة المستويات - القوانين و الدستور و التعليم و العلاقات الإقتصادية و الإعلام الرسمي و الحريات ....إلخ.
من الناحية النظرية هذا الإنتقال التدريجي مستحيل. على مستوى الواقع سيصطدم أي تغيير منشود مع العقلية الدينية بالضرورة - و هذا ببساطة لتعارض الفكر و التوجه الليبرالي (مبادئه و نتائجه) مع المعلوم من الدين بالضرورة.
لا مجال هنا للتلفيق و الإلتفاف على النصوص - فهذا هو ما حدث منذ قرن من الزمان و أوصلنا لحالة الجمود الماسخ الذي نحن فيه.
مجرد فكرة الدستور و القوانين المدنية هي مخالفة للدين. و لو تخيل أي منا أنه في وضع تقنين جديد للمجتمع (بغرض التمهيد للتحول المنشود) لاصطدم بالدين مع أول حرف يسطره قلمه.

بالرغم من رومانسية هذا الإطار - إلا أنه يستحيل عمليا - و دعنا لا نكرر أخطاء الماضي - و القول بأن الوضع الحالي هو أيضا أقرب للعلمانية منه إلى الشريعة و مع ذلك موجود - هو قول مردود عليه - فالوضع الحالي بجانب جموده - هو فاقد للشرعية أمام مجتمعه و هو أيضا غير مستقر أمام المد السلفي.

الفاضل وليد .
رائع .(f)
أتابع و أتفق معك في أن مدخلنا الطبيعي هو دراسة سيناريوهات متوقعة أو محتملة لفرص نجاح الليبرالية .
سيكون لي مدخالة أعدها حاليا حول تأثير العولمة الثقافية على فرص نجاح الليبرالية .

الفاضل وليد .
رائع .(f)
أتابع و أتفق معك في أن مدخلنا الطبيعي هو دراسة سيناريوهات متوقعة أو محتملة لفرص نجاح الليبرالية .
سيكون لي مدخالة أعدها حاليا حول تأثير العولمة الثقافية على فرص نجاح الليبرالية .

الأستاذ المحترم / بهجت

تحياتي الطيبة و شكرا لمجاملاتك الرقيقة.

ننتظر مداخلتك عن تأثير العولمة الثقافية على فرص نجاح الليبرالية.

أتمنى لك دوام التألق

الإطار الثاني: التحول بشكل ثوري عنيف للإطار العقلاني. و هذا بواسطة قيادات ثورية متنورة - مدعومة من الطبقات المتوسطة و الفقيرة بالمجتمع تباعا - و القبض على الحكم.

إذا وافقنا على إستحالة الطرح الأول - و هو الإنتقال التدريجي و المنهجي من الإطار التراثي للإطار الحداثي الليبرالي - فبالتأكيد هذا الطرح أشد إستحالة قياسا على نفس معطيات واقع مجتمعاتنا. بل قد يبدوا و كأنه نوع من المزاح أو فرض من فروض السفسطائيون.

جميع ما قد سيق كدلائل على إستحالة الطرح الأول ينطبق على الثاني - و زد عليه هنا ضرورة الدعم المباشر و الصريح من الطبقات المتوسطة و الفقيرة للمجتمعات (التي تتبنى المد الأصولي بعجلة تزايدية كبديل بعد فشل المشاريع القومية الزائفة).

لو قدر لتيار فكري النجاح للوصول للحكم بشكل ثوري - فهو التيار السلفي بجميع المقاييس.

إن النظرة التبسيطية و إختصار الليبرالية إلى مجموعة من القوانين و العلاقات الإجتماعية و السياسية أو كمنهج يمكن أخذ ما يحلوا لنا منه و ترك الباقي - أوصل مجتمعاتنا لما هي فيه.
الليبرالية هي نتيجة و ليست منهج - هي نتيجة لتغيير الخلفية المعرفية لمجتمع ما من خلفية معرفية نصية خرافية لخلفية معرفية علمية عقلية - و هي في هذه الحالة نتيجة بالضرورة أي حتمية.

مجتمعاتنا - و بخاصة طبقاتها المتوسطة حاملة قيم هذه المجتمعات و الفقيرة - لم تتزحزح عن العقلية النصية الخرافية قيد أنملة في طريق الخلفية المعرفية العلمية.
كيف نتخيل أن تدعم هذه المجتمعات شريحة تعتمد خلفية معرفية مقطوعة الصلة بخلفياتها - ناهيك عن الثورة العنيفة من أجل مبادئها؟
أعتقد أن هذا التصور أشد غرابة من تخيل ثورة شعبية بدولة مثل مصر - يقودها المسيحيون !
دعنا من هراء عدم تعارض الدين و (العلم أحيانا - الإشتراكية أحيانا - الديموقراطية أحيانا ...) حسب معطيات العصر و أغراض الحكم في الفترات التي أطلقت فيها هذه العبارات شديدة الضلال.
كل ما فعلته هذه الشعارات هو بذل الجهد الهائل لإبتكار ميكانيكيات للتوفيق و التلفيق بأشكال عدة (الإعجاز العلمي للنصوص الدينية أحيانا - إستخراج أوجه التطابق بين الإسلام و الإشتراكية ثم بينه و بين الديموقراطية - و الرأسمالية أحيانا) ناهيك عن الميكانيكيات غير الثقافية غير الواعية (بنفس مفهوم علم النفس - أي غير عامدة تتصرف بدافع داخلي من العقل الباطن) في كظم و حجب النصوص غير العقلانية - ووجود ما يسمى بالمسكوت عليه بالدين بجميع المجالات في المهزلة العقلية الإجتماعية التي وصلنا لها.

لا يصلح تجميل بعض الألفاظ (كالحرية و الديموقراطية و العلم و حقوق الإنسان و المرأة ...إلخ) للجماهير العريضة و بيعها لهم كمنتج ديني - و إن نجح هذا لبعض الوقت - وهذا مع جهد تلفيقي هائل - فمصيره الفشل الحتمي.
شخصية ذات نظرة فاحصة مثل - سيد قطب مثلا - سوف تكشف و بسهولة الكم الهائل من التناقض بين الطرحين الديني و العلمي الليبرالي و التزوير في الخطاب الرسمي و لن يستقيم أي دفاع تلفيقي أمامه و سوف يكون الخيار بينهما و ليس لمزيج (و قد حدث و كان إعدام سيد قطب هو الحل الوحيد أمام السلطات المصرية).

[B]

اقتباس:  Waleed   كتب/كتبت  
 
بالرغم من تبادل التأثير بين العاملين إلا أن تأثير عامل الإقتصاد على الثقافة ضعيف جدا خاصة إذا تم قياس هذا التأثير على مجتمع متأخر أو ذو توجه ديني (و دول الخليج خير مثال).

لا أدرى لماذا لم أستطع ان أستسغ هذه العبارة او أفهمها فهماً كاملاً فليسمح لى بعض الإخوة بتساؤل ولكن قبله سأعرض مافهمته :
مايقوله العزيز وليد أن الوضع الإقتصادى لا يؤثر على الثقافة خاصة ان هناك دول متأخرة ولكنها تنعم إقتصاديا كدول الخليج.

إن كان هذا ماقصدته عزيزى وليد فانا لست بمؤيد لك فى موقفك هذا فهناك دول كدولة الإمارات وضعها الإقتصادى هو من انشأ ثقافتها الحديثة الموجودة الآن ووضعها الإقتصادى هو من غير فى ثقافتها البدوية والترحالية وألقى بها فى رحاب الدول الممكن تصنيفها تحت ستار الدول الليبرالية .

وقوله أيضاً أن الدول ذات التوجه الدينى أيضاً لا يؤثر إقتصادها على مجريات الأمور الثقافية فالتوجه الدينى يقف حائلاً بين الوعى الثقافى .
ولكن هنا لا يلغى تأثير الإقتصاد فى تفعيل الحياة الثقافية ولكن يمكنننا ان نقول أن التوجه الدينى لهو مثبط لكثير من الأشياء ولكنه فى النهاية مع التوجه الإقتصادى الكبير المُنعم أو المزدهر سنجد نوعاً من الثقافة الدينية الجديدة -قد يصبح ليبرالياً أو تتخله بعض المفردات الليبرالية مثل " لكم دينكم ولى دين " -ينشأ فى رحاب التوجه الدينى والإزدهار الإقتصادى .

أليس الإقتصاد هو من يؤثر على الثقافة اوليست الطبيعة الإقتصادية للطبقة مؤثرة تأثيراً مباشراً على مجريات الأمور ؟
فالأفراد الذين ينظرون إلى الثقافة على أنها ذات أثر تكميلى لهم فى البداية لا يملكون إلا النذر اليسير من العوامل الإقتصادية ولكن هناك على المستوى الدولى دول متاخرة ذات ثقافة تمهيلية
بمعنى ان الثقافة الناشئة فى هذه الحالة هى ثقافة دافعها النهوض بالعملية الإقتصادية والوصول بالمجتمع نحو وضع إقتصادى جيد .
أوليس نمو وإزدهار المجتمع إزدهاراً إقتصادياً من الممكن أن يؤدى إلى نمو انواعاً معينة من الثقافات الجيدة؟

اقتباس:  Waleed   كتب/كتبت  
أما تأثير الثقافة فهو العامل الفعال الأول لدفع الإقتصاد حتى بوجود جميع المعوقات (و التجارب الأوروبية و اليابانية مثال لذلك).

نعم أوافقك فى هذا ولكنى أستشعر أنك ترفض ان يتم العكس وأنا أقف قائلاً ان العكس يمكن ان يحدث أحياناً على المستوى الفعلى والمنطقى أيضاً
قد اكون ما فهمته فى كلمات العزيز وليد خاطئاً فليلتمس لى العذر ويوضح لى معنى كلماته إن امكنه ذلك
وهناك شيئاً آخر أريد ان ألتمسه فيكم أن تستمحونى عذراً إن كنت قد ناقشت بعض النقاط المتاخرة التى ربما تكونوا قد قتلتموها بحثاً وانا لم ازل فى بداية الموضوع ولى تعقيب وردود حول أسئلة العزيز بهجت ولكن مادة الأسئلة دسمة- كما كان يحب العزيز ميراج ان يطلق على الموضوعات الجيدة-

اقتباس:  Raheel   كتب/كتبت  
إن كان هذا ماقصدته عزيزى وليد فانا لست بمؤيد لك فى موقفك هذا  فهناك دول كدولة الإمارات وضعها الإقتصادى هو من انشأ ثقافتها الحديثة الموجودة الآن ووضعها الإقتصادى هو من غير فى ثقافتها البدوية والترحالية وألقى بها فى رحاب الدول الممكن تصنيفها تحت ستار الدول الليبرالية

الزميل العزيز رحيل
تحياتي ,,,

لا أعتقد أنه من الإنصاف أن نطلق على ما نراه من مظاهر حديثة بالإمارات ثقافة حديثة. كما لا أعتقد أنه يمكن تصنيفها تحت ستار الدول الليبرالية نهائيا تحت جميع القياسات الثقافية و السياسية.
ما نراه بالإمارات و أعتقد أنك تقصده بعض معطيات التكنولوجيا الحديثة و بعض من تغيير العادات الحياتية من البداوة للتمدن ناتجة عن الرخاء الإقتصادي.

اقتباس:لكنه فى النهاية مع التوجه الإقتصادى الكبير المُنعم أو المزدهر سنجد نوعاً من الثقافة الدينية الجديدة -قد يصبح ليبرالياً أو تتخله بعض المفردات الليبرالية مثل " لكم دينكم ولى دين " -ينشأ فى رحاب التوجه الدينى والإزدهار الإقتصادى .

نعم ستجد الكثير من المظاهر الحداثية و الكثير من الألفاظ و المفردات الليبرالية و لكن لن تجد الليبرالية ذاتها بكل أو بجزء من مقوماتها.
و لعل هذا هو لب ما أطرح - فتبني بعض مظاهر الليبرالية و ليس جوهرها (الخلفية المعرفية العلمية التي هي شرط الليبرالية) ليس إلا وضع متناقض غير مستقر مصيره للإنهيار.
و دعنا نفترض المثال الآتي (و نتمنى ألا يحدث بالطبع):
ماذا سيحدث حال تعرض دولة الإمارات لكارثة جماعية (هزة إقتصادية شديدة / كارثة طبيعية / غزو خارجي أو حرب)؟ هل تعتقد بأن المجتمع الإماراتي بعد زوال الرخاء الإقتصادي و تلاشي المظاهر الحداثية لأي سبب - سوف يكون مجتمعا ليبراليا كما تعتقد؟ أم ستجد ردة شديدة للخلف - تنبع من الخلفية المعرفية و الأخلاقية الحقيقية التي يتبناها المجتمع و هي الخلفية الدينية ؟؟
أعتقد أن الإجابة تتكفل بها دولة الكويت (قياس مع الفارق) قبل حرب العراق و بعدها. و لعلك تلاحظ التوجه السلفي.
العزيز Raheel
لكي تطلق على مجتمع ما أنه ليبرالي فهذا يعني أنه نتج عن إعتماد ذلك المجتمع لخلفية معرفية عقلانية علمية نتجت عنه قيم أخلاقية و إجتماعية جديدة و مغايرة و كذلك مظاهر حداثية أخرى - أما مجتمعاتنا فتجدها أخذت بعض تلك المظاهر و بعض من القيم التي نتجت من المجتمعات الليبرالية و لكن ظلت على خلفيتها المعرفية النصية الخرافية كما هي - و هذا هو سر التناقض و الفشل.

اقتباس:ولكن هنا لا يلغى تأثير الإقتصاد فى تفعيل الحياة الثقافية  
أليس الإقتصاد هو من يؤثر على الثقافة اوليست الطبيعة الإقتصادية للطبقة مؤثرة تأثيراً مباشراً على مجريات الأمور ؟
أوليس نمو وإزدهار المجتمع إزدهاراً إقتصادياً من الممكن أن يؤدى إلى نمو انواعاً معينة من الثقافات الجيدة؟

يتوقف ذلك على طبيعة الخلفية المعرفية للمجتمع المقصود - هل تمثل أم لا تمثل عائق في سبيل إعتماد العقلانية و العلم كخلفية معرفية لهذا المجتمع. و في مجتمعاتنا أعتقد أنها تمثل كل العائق.
و تجد بقية الطرح في المداخلة:
أنقر هنا
أنقر هنا

تحياتي

الإطار الثالث: التدخل الأجنبي المباشر و هذا على طريقة اليابان - و أمامنا تجربة في مرحلة الإختبار (العراق) و إن كان الوقت مبكرا لإستطلاع النتائج. و هذا السيناريو لا يحتاج لشروح.

قبل الخوض في تفاصيل هذا الإطار - أضع جانبا كل رفضي و كرهي الشخصي له بوصفه أسوأ الطرق المتاحة - و مع ذلك فهو سيناريو ممكن الحدوث. و بدون الدخول بتفاصيل أخلاقية مثل "هل الغرب سيتدخل لنشر الليبرالية و التنوير أم لمصالحه الشخصية و البترول أولها؟" - فأعتقد أن التنوير و نشر الفكر الليبرالي سيكون على قمة أجندة التدخل الأجنبي حال حدوثه بغض النظر عن الأهداف من ذلك و هل هي أخلاقية من عدمه.
فلقد أوضحت التجربة الغربية مع الدول الإسلامية أن مصالحها الشخصية و الإقتصادية بل و أمنها القومي و الإجتماعي يتوازى مع التنمية و التحديث بالدول الإسلامية و يتناقض مع المد الإسلامي الأصولي و هذا على المستوى الإستراتيجي بعيد المدى بغض النظر عن المستوى التكتيكي و ما قد نراه أحيانا متناقض في السياسات الغربية.
أي أنه ببساطة و إختصار سوف يكون التحول الليبرالي للمجتمعات العربية من النص و السلفية للحداثة و الليبرالية من أولويات التدخل الغربي. و لكن ما هي فرص الغرب للنجاح في دفع هذا التحول و دعمه للوصول بهذه المجتمعات للتبني الفعلي للحداثة؟؟
بالرغم من وجود تجربة في بدايتها بالعراق مازال الوقت مازال مبكرا لمعاينة نتائجها - إلا أنني و بنسبة كبيرة مع الرأي القائل بفشل هذه المحاولات على المستوى الزمني القريب. و هذا لتضافر عدة أسباب و شواهد:

- كون التدخل الأجنبي هو أولا و أخبرا قوات غازية سوف يزيد من حالة التقوقع و الكمون داخل الشرنقة النصية - تلك الحالة التي توجد فعلا و بدون غزو - ناهيك عما سيمارس من سفالات و انتهاكات طبيعية في وجود أي جيش دخيل - مما سيزيد مقدار الرفض و الكره لكل ما يمكن أن يقدمه الغرب في هذه الحالة. بل و أزد على ذلك أن المتوقع هو الردة للخلف و ليس التقدم و الحداثة نظرا للخلط المتوقع و العمدي بين المقاومة للإحتلال المفترض و بين مقاومة الحداثة و الفكر الليبرالي - بل و أزعم بأن هذا الوضع المعقد شديد الإرتباك سيكون أكبر فرصة لقوى السلفية و الجناح الأشد ظلاما منها "مثل الزرقاوي في الوضع العراقي الحالي" - و هذا لتمارس دمويتها و تصفياتها الجسدية و فرض أسلوبها العنيف - بدون مقاومة فكرية و مع تأييد متزايد من المشاعر المتضررة من الغزو لجميع طبقات المجتمع.
- القصور الغربي حتى هذه اللحظة بالفهم الكامل لأبعاد أزمة المجتمعات العربية و تفاصيل المشكلة و هذا واضح في حالات التخبط الغربي في قراراته و إتجاهاته نحو المجتمعات العربية و الإسلامية حتى اللأقليات المسلمة و العربية التي تعيش داخل الغرب متجنسة بجنسياته. و أشد الأمثلة على قصر نظر هذه الأنظمة لأبعاد المشكلة هو محاولتها فرض الديموقراطية كنظام سياسي و إجتماعي على المجتمعات العربية فرضا - على مجتمعات قبلية بدوية ذات خلفيات معرفية دينية نصية بل و متناحرة مما يكاد يكون مزحة مما يطلق أوائل إبريل.
- العوامل الخاصة بالغرب نفسه و مجتمعاته التي سترفض مع الوقت الإحتلال تحت أسباب مختلفة (إقتصادية - أخلاقية - إجتماعية و سياسية).

و لما الإنتظار - فالتجارب القريبة تبوح بنتائجها: فشل التحديث في كل الدول و المجتمعات العربية التي وقعت تحت الإحتلال حتى لمدد تربو على النصف قرن من الزمان - في مصر و الشام و ليبيا و المغرب العربي كاملا ...إلخ. فشلا ذريعا.

ففي هذه التجارب السابقة - إعتمدت هذه المجتمعات بعض المظاهر السطحية للحداثة تحت تأثير الإحتلال المادي و المعنوي - و هذا هو كل ما حدث. و نظرا لعدم إعتماد هذه المجتمعات لأي تحديث حقيقي فقد فشلت تجاربها وواجهت الإنهيارات الإقتصادية و الإجتماعية و بدأت الإرتداد العكسي بإعتماد و تمثل المرجعية السلفية و القيم البدوية حتى بأكثرها تمدنا.

فهل يوجد ما يبرر الإعتقاد بعكس هذه النتيجة؟؟ لا أكون مبالغا إذا إعتقدت أنه لن يكون توجه مؤقت لمظاهر حداثية هذه المرة بل إصطدام عنيف منذ اللحظات الأولى - لعل العراق الآن خير دليل.

مكرر