الجن و الصرع ( الي الصفى )
وهل يستولي الجن على الانسان ويذهب عقله او فكره؟
نعم يستولي الجن على الإنسان وهذا ثابت ولا مخالف فيه من أهل السنة والجماعة وإنما يخالف فيه من رد النصوص بعقله من ورثة المعتزلة دعاة التنوير زعموا العقلانيين ومن تابعهم، وعلى فرض ضعف هذا الحديث فيوجد أدلة كثيرة على ذلك من القرآن والسنة وعلى هذا أهل السنة ولا مجال عندي الآن للتفصيل وسأذكر حديثا صحيحا قريبا من الذي ذكرته وقد أجلب عليه بخيله ورجله بعض شيوخ الفضائيات قريبا في حلقة عن الجن والمس والحديث هو:
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَاصِ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي قَالَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ الْحَقْ بِعَمَلِكَ قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ.
رواه ابن ماجة وغيره وصححه البوصيري في الزوائد وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة وسأنقل كلامه كاملا لأهميته:
" يا شيطان اخرج من صدر عثمان ! [ فعل ذلك ثلاث مرات ] " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 999 :
هو من حديث # عثمان بن أبي العاص الثقفي # رضي الله عنه , و له عنه طرق أربعة :
الأولى : عن عبد الأعلى : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن
الحكم عن عثمان بن بشر قال : سمعت عثمان بن أبي العاص يقول : شكوت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن , فضرب صدري بيده فقال : فذكره . قال
عثمان : " فما نسيت منه شيئا بعد , أحببت أن أذكره " . أخرجه الطبراني في "
المعجم الكبير " ( 9 / 37 / 8347 ) و قال الهيثمي في " المجمع " ( 9 / 3 ) : "
رواه الطبراني و فيه عثمان بن بشر , و لم أعرفه , و بقية رجاله ثقات " . فأقول
: بلى هو معروف , فقد ترجمه البحاري في " التاريخ " , و ابن أبي حاتم , و روى
عن ابن معين أنه قال : " عثمان بن بشر الثقفي - ثقة " . و بقية رجال الإسناد
ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفي , و غير عبد الله بن الحكم , و الظاهر
أنه البلوي المترجم في " التاريخ " , و " ثقات ابن حبان " ( 7 / 30 ) , فإنه من
هذه الطبقة , فالإسناد حسن . و لعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا , و
هو الطريق : الثانية : يرويه معتمر بن سليمان قال : سمعت عبد الله بن عبد
الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمرو بن أويس عن عثمان بن أبي العاص قال : استعملني
رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف , و
ذلك أني كنت قرأت سورة *( البقرة )* , فقلت : يا رسول الله ! إن القرآن ينفلت
مني , فوضع يده على صدري و قال : " يا شيطان ! اخرج من صدر عثمان " . فما نسيت
شيئا أريد حفظه . أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 5 / 308 ) . و إسناده
صحيح . الثالثة : يرويه الحسن عنه , قال : شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
سوء حفظي للقرآن , فقال : " ذاك شيطان يقال له : ( خنزب ) , ادن مني يا عثمان !
" . ثم وضع يده على صدري , فوجدت بردها بين كتفي , ثم قال : ( فذكره ) . فما
سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته . أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " ( ص 400 - 401 )
, و كذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي : حدثنا أبي عن يونس و
عنبسة عنه . قلت : و هذا إسناد صحيح لولا عنعنة ( الحسن ) , و هو البصري , فإنه
كان يدلس , و رجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب , وثقه ابن حبان
( 8 / 453 ) . و أصل الحديث في " صحيح مسلم " بلفظ آخر , و هو في " صفة الصلاة
" . الرابعة : يرويه عيينة بن عبد الرحمن : حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص
قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف , جعل يعرض لي شيء
في صلاتي , حتى ما أدري ما أصلي ! فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم , فقال : " ابن العاص ? " . قلت : نعم يا رسول الله ! قال : " ما جاء
بك ? " . قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي ! قال
: " ذاك الشيطان , ادنه " . فدنوت منه , فجلست على صدور قدمي , قال : فضرب صدري
بيده , و تفل في فمي و قال : " اخرج عدو الله ! " . ففعل ذلك ثلاث مرات , ثم
قال : " الحق بعملك " . أخرجه ابن ماجه ( 3548 ) و الروياني في " مسنده " ( ق
148 / 1 - 2 ) كلاهما بإسناد واحد عنه . و هو إسناد صحيح . و في الحديث دلالة
صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان و يدخل فيه و لو كان مؤمنا صالحا , و في
ذلك أحاديث كثيرة , و قد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم ( 485 ) من حديث يعلى
بن مرة قال : " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا ..
" و فيه : " و أتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين , يأخذه كل
يوم مرتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدنيه " , فأدنته منه ,
فتفل في فيه , و قال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله " . رواه الحاكم و صححه .
و وافقه الذهبي , و هو منقطع . ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى , جود المنذري
أحدها ! ثم ختمت التخريج بقولي : " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد <1> .
و الله أعلم " . ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان
( طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان " ) ! لمؤلفه ( أبو عبد الرحمن إيهاب
بن حسين الأثري ) - كذا الأثري موضة العصر ! - و هذا العنوان وحده يغني القارئ
اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل و الضلال , و الانحراف عن الكتاب
و السنة , باسم الكتاب و السنة و وجوب الرجوع إليهما , فقد عقد فصلا في ذلك , و
فصلا آخر في البدعة و ذمها و أنها على عمومها , بحيث يظن من لم يتتبع كلامه و
ما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما
انتسب - مائة في المائة ! و الواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل
الأهواء , يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة و الأحاديث , إلى ضعف شديد باللغة
العربية و آدابها , حتى كأنه شبه عامي , و مع ذلك فهو مغرور بعلمه , معجب بنفسه
, لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد و ابن تيمية
و ابن القيم , و الطبري و ابن كثير و القرطبي , و الإمام الشوكاني و صديق حسن
خان القنوجي , و يرميهم بالتقليد ! على قاعدة ( رمتني بدائها و انسلت ) , الأمر
الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله
عليه وسلم : " و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ? قال : الرجل
التافه يتكلم في أمر العامة " <2> . و نحوه قول عمر رضي الله عنه : " فساد
الدين إذا جاء العلم من الصغير , استعصى عليه الكبير , و صلاح الناس إذا جاء
العلم من قبل الكبير , تابعه عليه الصغير " <3> . و ما أكثر هؤلاء ( الصغار )
الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ , و ما العهد عنا ببعيد ذاك المصري
الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة ! و ثالث أردني ألف في تضعيف قوله
صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين " , و في حديث
تحريم المعازف , المجمع على صحتهما عند المحدثين , و غيرهم و غيرهم كثير و كثير
!! و إن من جهل هذا ( الأثري ) المزعوم و غباوته أنه رغم تقريره ( ص 71 و 138 )
أن : " منهج أهل السنة و الجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم , و أنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا , أو
أن ينقص ما ثبت بالدليل , أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه , أو بلا دليل " .
أقول : إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج , فإنه لم يقف في هذه المسألة
الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح . بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان ,
و كنت أظن أنه على جهل به , حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره ( ص 4 ) من الملحق
بآخر كتابه , فعرفت أنه تجاهله , و لم يخرجه مع حديث يعلى و غيره مما سبقت
الإشارة إليه ( ص 1002 ) . و كذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب و السنة على ما
زعمه من الاستحالة , بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي
نفاه : *( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس )* تأويلا ينتهي به إلى إنكار ( المس ) - الذي فسره العلماء بالجنون - و
إلى موافقة بعض الأشاعرة و المعتزلة ! الذين فسروا ( المس ) بوسوسة الشيطان
المؤذية ! و هذا تفسير بالمجاز , و هو خلاف الأصل , و لذلك أنكره أهل السنة كما
سيأتي , و هو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري ( ص 76 و 78 ) : " كأن
الشيطان يمس الإنسان فيجن " ! و نقل ( ص 89 ) عن غيره أنه قال : " كأن الجن مسه
" ! و عليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله , فقال ( ص 22 ) : " و ما كان ليمس
أحد ( كذا غير منصوب ! ) <4> إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم " ! و لو سلمنا
جدلا أن الأمر كما قال , فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي , لإمكان
وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح , بينما توهم الرجل أنه
برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه , و ليس الأمر كذلك لو سلمنا برده ,
فكيف و هو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح , و بحديث يعلى المتقدم و بهما تفسر
الآية , و يبطل تفسيره إياها بالمجاز . و من جهل الرجل و تناقضه أنه بعد أن فسر
الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا ( مس ) حقيقة , عاد ليقول ( ص 93 ) : " و اللغة
أجمعت على أن المس : الجنون " . و لكنه فسره على هواه فقال : أي من الخارج لا
من الداخل , قال : " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء و كيف تصعق المماس لها من
الخارج ... " إلخ هرائه . فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور
مشاهدة مادية , و هذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه , و مع ذلك فقد
تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة ( كوخ )
في مرحلته الثالثة ! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان ,
و تعمل عملها و أذاها فيه من الداخل , كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر ,
و قد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به , و لم نضربه كما فعل المعتزلة و
أمثالهم من أهل الأهواء , و هذا المؤلف ( الأثري ) - زعم - منهم . كيف لا و قد
تعامى عن حديث الترجمة , فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها و
ساق ألفاظها من ( ص 111 ) إلى ( ص 126 ) - و هو صحيح جدا - كما رأيت , و هو إلى
ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله
عليه وسلم للشيطان - من ذاك المجنون - , و هي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله
عليه وسلم , بل نصب خلافا بين رواية " اخرج عدو الله " و رواية " اخسأ عدو الله
" , فقد أورد على نفسه ( ص 124 ) قول بعضهم : " إن الإمام الألباني قد صحح
الحديث " , فعقب بقوله : " فهذا كذب مفترى , انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني
لتعلم الكذب : المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 " . ثم ساق كلامي
فيه , و نص ما في آخره كما تقدم : " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد . و
الله أعلم " . قلت : فتكذيبه المذكور غير وارد إذن , و لعل العكس هو الصواب ! و
قد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل ( ص 22 ) , و اغتر به البعض ! نعم , لقد شكك
في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات , و قد ذكرت
لفظين منها آنفا . و لكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من
العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض , و إنما علينا أن نأخذ
منها ما اتفق عليه الأكثر , و إن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول : " اخرج " أصح
من الآخر " اخسأ " , لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها , و اللفظ
الآخر جاء في روايتين منها فقط ! على أني لا أرى بينهما خلافا كبيرا في المعنى
, فكلاهما يخاطب بهما شخص , أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون , و الآخر
يدل عليه ضمنا . و إن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي
سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة , مع ما تقدم من
البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره . و لابد لي
قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام و لو مثالا واحد على
الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم , و لو أنه فيما سلف كفاية للدلالة
على ذلك ! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له
رواية و لا دراية , فقال ( ص 27 ) : " و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
يقول : " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة , حتى لو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه وراءهم . قالوا : اليهود و النصارى يا رسول الله ? قال : فمن ? " . أو
كما قال صلى الله عليه وسلم " ! و مجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جدا , و
إنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله ( حذاء ) , فإن هذا
تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة , و الصواب ( حذو ) . و ليس هو
خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض , فقد أعاده في مكان آخر . فقال ( ص 34
) مقرونا بخطأ آخر : " حذاء القذة بالقذة " ! كذا ضبطه بفتح القاف ! و إنما هو
بالضم <5> . و نحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله ( ص 240 ) : " يقول السلف
: ليس الخبر كالمعاينة " . و هذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن
ابن عباس مرفوعا , و فيه قصة . و هو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " ( 5250 ) .
و من أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر ( ص 74 ) في زمرة التفاسير
المعتبرة " تفسير الكشاف " , و " تفسير الفخر الرازي " , فهل رأيت أو سمعت
أثريا يقول مثل هذا , فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة , متأثرا بهما و
يفسر آية الربا تفسيرا مجازيا ! و أما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه ( شبه
أمي ) فلا تكاد تحصى , فهو يقول في أكثر من موضع : " تعالى معي " ! و قال ( ص
131 ) : " ثم تعالى لقوله تعالى " , و ذكر آية . و في ( ص 129 ) : " فمن
المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان " ! و ( ص 130 ) . " أضف
إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان " ! فهو يرفع المنصوب مرارا و تكرارا . و في
الختام أقول : ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية ,
و الرد على من ينكرها . و لكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين
يستغلون هذه العقيدة , و يتخذون استحضار الجن و مخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين
و المصابين بالصرع , و يتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة
القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا , كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا
قتل المصاب , كما وقع هنا في عمان , و في مصر , مما صار حديث الجرائد و المجالس
. لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى ,
فصاروا اليوم بالمئات , و فيهم بعض النسوة المتبرجات , فخرج الأمر عن كونه
وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة , إلى أمور و وسائل أخرى لا يعرفها
الشرع و لا الطب معا , فهي - عندي - نوع من الدجل و الوساوس يوحي بها الشيطان
إلى عدوه الإنسان *( و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم
إلى بعض زخرف القول غرورا )* , و هو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها
المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : *( و أنه كان رجال من الإنس
يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا )* . فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا -
أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ? مسلم أم كافر ? و صدقه
المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده , فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله
عليه وسلم : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول , فقد كفر بما أنزل على
محمد " , و في حديث آخر : " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " <6> . فينبغي
الانتباه لهذا , فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن
هذه الحقيقة , فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على
قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اخرج عدو الله " , مذكرا لهم بقوله تعالى *(
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )* . و الله
المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .
-----------------------------------------------------------
[1] و له شواهد كثيرة يزداد بها قوة , قد ساقها المؤلف الآتي ذكره , و سلم
بصحته في الجملة , و لكنه ناقش في دلالته , و يأتي الرد عليه .
[2] حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم ( 1887 و 2238 و 2253 ) .
[3] رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " ( 13 / 301 ) .
[4] قلت : و مثله كثير , انظر بعض الأمثلة في آخرها هذا التخريج .
[5] و هو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة ( 3312 ) .
[6] رواه مسلم و غيره , و هو مخرج في " غاية المرام " ( رقم 284 ) و رواه
الطبراني من طريق أخرى بقيد : " غير مصدق لم تقبل ... " , و هو منكر بهذه
الزيادة , و لذلك خرجته في " الضعيفة " ( 6555 ) . و الحديث الذي قبله صحيح
أيضا , و هو مخرج في " الإرواء " برقم ( 2006 ) و في غيره . اهـ .
|