(06-24-2009, 07:14 AM)neutral كتب: بإختصار شديد ليلين كاتبى المفضل والحقيقة أصبت بدهشة شديدة عندما ذكر فى أحد موضوعاته الأخيرة أنه تلقى تربية وهابية متزمتة ثم تركنا أسرى لتخيلاتنا عن هذه التربية الوهابية بدون أن يلقى مزيدا من الضوء حول تلك التجربة المثيرة, وأنا من فوق هذا المنبر أناشده بإسم جماهير أمتنا الصامدة أن يسترسل أكثر بالنسبة لتلك النقطة.
ممكن أحكيلك أنا ؟
حتبقى حاجة شبيهة بدي :
الجو حار جداً وجاف جداً اغلب الوقت من العام.
أنت مجبر على ارتداء ثوب أبيض وطاقية لكي تذهب إلى المدرسة، والوقت هو في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وقتها كانت ماركة تدعى " الدفة " و "ثوب الأصيل". ومن الأفضل لو توجت هذا كله بشماغ أحمر في أبيض وهو من القطن الأصلي ، مما سيجعلك تشعر أن رأسك يشوى على نار هادئة طوال فترة الصيف وقت وجودك في المدرسة ، أو غترة بيضاء ، لا تنتشر في الحجاز كثيراً ، ويحبها أهل المنطقة الشرقية أكثر ( الدمام - الخبر - الأحساء ) القريبون من الكويت ، والذين يتحدثون لهجة مختلفة عن أهل الحجاز.
أيضاً لا ترتاح لكونك ملط من تحت ، على خلاف العديد من البدو الذين لا يرون بأساً من هذا ، وكثيراً ما تشاهد في الشارع بدوياً يشلح الثوب ليهرش في فخذه مثلاً ، وعندما تذهب إلى المسجد للصلاة ، يمكنك أن ترى كل شيء عدا ما يغطيه اللباس قبل أن تسجد بسرعة مستغفراً وحتى يمكن في المرة التالية عند السجود أن تنسى التهديد بأن يحول الله صورتك إلى حمار لو سبقت الإمام ، ولكن بسبب ابن العريانة الذي يصلي أمامك كأنه يمهد للوقوف في يوم الحشر ، تندفع بسرعة البرق لتسجد ، ولا تبالي أنك قد ترفع رأسك لتجد نفسك بأذنين طويلتين وبوز يمتد شبرين.
إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، هذه هي العبارة التي يمكن أن تطغى على حياتك كل يوم.
عندما تريد أن ترفه عن نفسك ، فلن تجد سوى محلات الكاسيت ، إذا دخلت محلاً منها ، ستجد الشرائط الكاسيت ، نصفها أو ثلاثة أرباعها مشطوب عليه بقلم فلوماستر أسود ، ليغطي تلك الدائرة الصغيرة من صدر المطربة الفاسقة العاري ، أو تلك القطعة اليتيمة من ذراعها ، فحتى هذه الأشياء البسيطة لا تملك أن تراها. و لن تجد أمامك سوى ، الرجل البدوي الذي يسجد أمامك في الجامع، فهو المشهد الوحيد الذي لا يأتي موظف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليشطب عليه ويحفظ لك معدتك من الغثيان.
والسبب بسيط / وهو أن الرجل البدوي الذي يسجد أمامك هو نفسه موظف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يأتي بعض المغفلين أحياناً مع زوجاتهم كاشفات الوجوه ، ومحجبات الرؤوس فقط ، فيتعلمون الدرس بأن تنهال عليهم عصي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حتى تغطي الحرمة وجهها في المرة القادمة.
ربما لا يحصل هذا اليوم ، ولكن أتحدث عن فترة الثمانينيات.
إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، مرة أخرى ، ولكن إياك أن تسأل عن الله.
لو فعلت فسوف تجد الإحتقار والشتائم من أهلك ، ومن المدرسين في المدرسة ، وذلك لأن لا أحد فيهم يملك الوقت لكي يفكر فيه ، ذلك أن هناك الكثير من الأشياء المغرية هناك ، عدا النساء اللواتي لا ترى منهن سوى أشباح سوداء ، سوف تعلم نفسك وتدربها مع الوقت ، لتعرف من تحتها من هي الفتاة الحلوة ، ومن هي الخنشورة ، من طريقة الحركة وهفهفة العباءة السوداء ، وأيضاً من نظرة العيون التي تعتبر هي الشيء الوحيد المكشوف ، فعندما تمشي الفتاة ويلتصق الثوب بساقها ، هناك جزء من الثانية يمكنك فيه أن تلتقط الخطوط التي ينساب فيها الشكل الخارجي لساقها ، إضافة إلى أنك تمتلك ترف النظر إلى الجسد لتعرف بسرعة هل هي سمينة أم نحيفة ، ولكن لا تنظر كثيراً وإلا وجدت دورية في سيارة " جيمس" أمريكية تمسك بك من قفاك وتجد نفسك ملقىً داخلها وسط اثنين أو ثلاثة من عراة السجود ، أو ، موظفي الهيئة...
تذكر أيضاً أن لا تمشي في الشارع وأنت تضع أي علامة تدل على أنك صايع ، لا تطل شعرك أكثر من اللازم ، إلا إذا أخفيته بالشماغ أو الغترة .
ستذهب إلى العمرة كثيراً ، خاصة لو كان أهلك متدينون ، إلى درجة أنك سوف تمل من الذهاب والحنتفة التي تضطر أن تفعلها كل مرة ، عندما تلف الإحرام الأبيض حولك وتغلق عليه بالدبابيس من كل مكان ، حتى لا ينفتح وأنت تطوف أو تصلي ، ويراك الناس على حقيقتك البلبوصة ، ولكن هذا لن يسعفك ، فلا بد مع التدافع الشديد والزحام ، والعرق والقرف ، أن تنفك الدبابيس ، لتجد نفسك ملفوفا بخرقة تحاول أن تداري بها عورتك قدر المستطاع حتى لا تنكشف اول ما تنكشف في حياتك امام الباكستاني الذي يسير خلفك وتفوح منه رائحة النتانة ، أو الأفريقي ذو اللحية الي يسير إلى جانبك ، وشكله يفضح عادته السيئة بأنه كان يأكل بني آدمين قبل اعتناق الإسلام.
ستمل كثيراً من منظر الكعبة مع الوقت هذا إذا انتبهت لوجودها أصلاً في وسط كل هذا الزخم ، إلى درجة أنك لن تبالي ما إذا كان وضوءك قد انتقض بضرطة هنا أو فسوة هناك. المهم أن ينقضي اليوم ، وتذهب إلى أي مكان للتخلص من الإحرام اللعين.
أما عندما تذهب إلى المدينة ، ورغم كل شيء ، فأستطيع أن أعدك ، أن صوت الحذيفي الرخيم ربما يكون أجمل ما في تلك الرحلة ، ولن يفارق أذنيك أبداً ، لأن الرجل حقاً موهوب ، ولعله لو اختار طريق الغناء، لضرب محمد عبده بقوة ، وأصبح أكبر منافس له.
ولكن الوقفة الطويلة في التراويح سوف تسلب منك متعة الحذيفي . وسوف تمل أيضاً .
في التلفزيون ، لن تجد أحداً يقبل أحداً ، مما سوف يشكل عالماً مثالياً للدكتور الأجوف الذي يطالب مؤخراً بتشكيل جمعية لمنع التقبيل.
وعندما تشاهد نشرة الأخبار ، كن مستعداً لمدة نصف ساعة على الأقل ، لتسمع أخبار الأمراء وكل واحد فيهم من يستقبل في قصره ، مع موسيقى موزارت لتضييع الوقت ، ولأنه لا يوجد أي شيء ليقوله المذيع خلال الخبر.
بعد ذلك ستمضي 10 دقائق في أخبار العالم ، وغالبها سيكون برقيات من وإلى الملك من وإلى زعماء العالم، وكلها كلام عسول.
ولكن أعدك بأن تستمتع بتوم وجيري وبنك بانثر و مسلسل جزيرة الكنز المدبلج ، ولن ينغص عليك هذه المتعة سوى الشرائط التي تنتشر في كل مكان ، والتي تؤكد لك كل لحظة ، أن ما تشاهده حرام وأن العين ستحرق بالنار كلما شاهدت صورة مرسومة . لأنها من قبيل الأصنام.
ولكن الحياة هناك مليئة بالأصنام ، لن تستطيع لا أنت ولا شيوخ الأشرطة الكاسيت أن تقاوم الكثير منها.
خذ عندك مثلاً ، آيس كريم كواليتي ، وعصير سن توب ، ومشروب الفيمتو ، والرغيف الأفغاني الذي يسمى " التميز " دون تشديد أي حرف. وهذا صنم من أكبر الأصنام ، يصنعه الأفغان الذين هربوا من الحرب واستقروا في السعودية ، ولا يمكنك أن تقاوم رائحته ولا طعمه ، ويصنع ليقرمش عندما تأكله ، وهو كبير ومقسم إلى دوائر كالبسكوتة ، سوف تضطر أن تشتري منه رغيفين مع كيس كبير من الفول بريالين.
عندما تعود إلى البيت يا عزيزي وتأكل ، لن تتذكر شيئاً عن الله ولا الكعبة ولا رجل الاستربتيز الساجد ولا حتى ساق الفتاة المغلف بالإستيكر الأسود والذي سلب عقلك عند عودتك من المدرسة وقت الظهيرة.
كل ما ستقدر على فعله بعد وجبة كهذه ، هو النوم .
لتستيقظ نحو يوم وهابيّ آخر ،
وقتها يصبح لكل حادث حديث...
هذا وبالله التوفيق
وطبعاً كنت أتحدث عن نفسي لا عن ليلين.
فهو يمكن أن يرد من خلال تجربته هو .. والتي أنتظر معك متشوقاً لسماعها أيضاً.