Array
أعتقد أنّ بعض الردود الأنثويّة التي وردت في هذا الموضوع عبّرت بشكل أفضل منّي عمّا أردت قوله في ردي السابق ..
فالعزيزة "أمان" قالت :
والصديقة "أمّ المراسيل" استرسلت :
وهذا بالفعل ما أردت التعبير عنه .. حينما أقول "أنا ضد الزواج التقليدي" .. فأنا أقول .. أنا ضد "الزواج" كحاجة ملحّة في مخيّلة "شباب مكبوت جنسياً" .. ضد "التكوين السايكولوجي" المختل والضغوط الاجتماعيّة القاتلة التي تجعل الغاية في "الزواج" .. لا في "الشريك" .. ضد "العقد النفسيّة" السائدة التي تنزع من "البنات" شخصيّتهم منذ صغرهم وترضعهم أحكام الخنوع "ما باس تمّا غير إما" و "يا سعادتو يلي رح (ياخدني)" ..

يا جماعة .. مجتمعاتنا (وبالأخص نساؤنا) تعاني معضلات نفسيّة واجتماعيّة قاتله .. تعاني من الفراغ "الفكري" و"الأيدولوجي" .. من ضياع الهم العام .. من الخنوع .. من الإيمان المفرط بالجبريّة والقدريّة .. مجتمعاتنا تموت ونحن نقرأ "الفاتحة" عليها حينما نفصل هذا الانحدار الثقافي عن هذه الممارسات الاجتماعيّة التي هي بالأصل "مكرّسة للانحدار" .. و"صورة عنه" ..

شبابنا يا سادة .. غارق في بحر "القيود الاجتماعيّة".. بل إنّ "خياشيمه" نمت تحت هذه القيود .. طاقاته "الفكريّة والنفسيّة" أسيرة هذه القيود .. فإن كانت "المصرّة البوليّة" هي من أول مواضيع "القيود الاجتماعيّة" فإنّ الإنسان العربي ما عاد بذاته إلا "مصرّة بوليّة" ضخمة تحيط بها كلّ أنواع القيود .. وتمارس عليها كافّة أنواع الكف والكبت .. فأخرجوه من "الكلسون" رعاكم الله:)

شبابنا يا سادة .. فارغ .. لا يمتد عقله أبعد من قوت يومه الذي سيؤمّن له "ليلة حمراء" .. ومن "ليلة حمراء" يفرّغ فيها طاقاته الصرفة التي لم تجد طريق "الإسماء" يوماً .. ومن نجل "فارغ" آخر تنتجة "ليلة حمراء" ..

أوليس "البحث عن الزواج" .. "التسوّق من أجل الزواج" .. هو تمثيل لهذا الفراغ .. للتبعيّة الاجتماعيّة المقيتة .. !! .. هو ظاهرة "اجتماعية" تمثّل المحدوديّة "النفسيّة" !!

حدّث أي فتاة عن "ميولها" .. "أمنياتها" .. "معتقداتها" .. "تطلّعاتها" .. وصدّقني لن تجد أكثر من "عريس .. ابن حلال .. ديّن .. غني .. .. يحترمني .. بيت مريح .. ولد مطيع .. جارة تشرب معي قهوة الصباح .. ولن تشعر للحظة بأي "نظرة نقديّة" تمتلكها تجاه هذه الحياة بتعقيداتها ..
وحتّى إن تحدّثت عن أكثر نساء أكثر تقدّميّة وتحررية .. فإن دورهنّ في أي علاقة عاطفيّة لا يجتاز دور "المفعول به" .. الشاب هو المسؤول عن هذه العلاقة .. مسؤول عن نجاحها وفشلها .. هو الذي "سيأخذها" من بيت أهلها ويطعمها ويسترها .. ودورها في الحياة أقرب إلى "الحرمة" .. فلا تشعر ولو للحظة بذلك "الهم المشترك" بتلك "التشاركيّة" .. تبادل أدوار المسؤولية .. إلخ

لذا .. فإني أرى أن مشكلة "الزواج التقليدي" أعمق من مجرّد شكل اجتماعي نرفضه أو نقبله .. بل هي مشكلة ثقافة أولاً وأخيراً .. أجد من الأحرى أن نأخذ تجاهها موقفاً فكرياً وعملياً .. وأي موقف آخر هو موقف استسلامي للثقافة الاجتماعية السائدة .. وللكبت الاجتماعي السائد .. وللفراغ "النفسي" السائد ..

رحم الله "روسّو" حينما حارب "المدنيّة" .. تلك التي تقتل الإبداع و"الانتاجيّة" إن طوّقت أعناق رعاياها ..

أشكر العزيز جداً "شهاب الدمشقي" على اطرائه الجميل .. وأفخر بشهادته .. (f)
ثندر (f)
ابن نجد (f)
خوليو
[/quote]

جميل .. كل هذا الكلام جميل .. ولكن يبقى السؤال الذي لم نصل أليه:

كيف تقرأ التعارض بين فكرة الزواج التقليدي - كما عرضته - وما تفضلت بعرضه أعلاه ؟..

أين مكن التناقض بين منظورك للزواج وفكرة الزواج التقليدي !؟ ..

ثم .. ان كانت الاشكالية عندك في تراكمات ثقافية ونظرة نمطية للمرأة والزواج ككل فهل تعقد حقا ان الاشكال (الحداثية/ الحضارية/ المدنية) للزواج قد تجاوزت هذه الاشكالية؟..

يا عزيزي .. اعتقد ان كل شخص يبحث عما يفهمه ويريده في هذه الحياة .. فهناك من يرى في الزواج (عقد يستحل به البضع !!!!) حسب العقل الفقهي، وكما درسنا في كتب الفقه، وهو فهم يجرد الزواج من أي مضمون انساني ويجعله مجرد باب لإباحة المتعة لا غير !! ..

هناك من يبحث في الزواج عن عاطفة وحب وسد لفراغ عاطفي .. وهو فهم مغرق في الرومانسية سيصطدم بواقع الحياة المرة ! وضغوط الحاجات المتصاعدة ..

هناك من يفهم الزواج اسرة وأولاد .. وهو فهم يعزل الزواج عن محتواه العاطفي والانساني ..

تعجبني كثيرا الآية:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم

فتعبير السكن .. والمودة يختزل الكثير من القيم الانسانية والحضارية في فهم العلاقة بين الطرفين ..

اعتقد ان المشكلة ليست في زواج تقليدي وآخر حداثي .. كما أن المشكلة ليست في فكرة الزواج بيقين ..

الفكرة في تعرفينا للزواج ! ..

ربما علينا قبل ان نقدم على خطوة الزواج أن نسأل انفسنا: ماذا نريد من الزواج ؟ جنس ؟ عاطفة ؟ أولاد ؟ زوجة مطيعة ؟ حب ؟ أسرة ؟ استقرار ؟ طباخة ؟ صديقة ؟ حبيبة؟ شريكة حياة ؟.. ماذا بالضبط ؟ ..

بناء على الجواب .. ستكتشف أن لكل منا تعريفا قائما بذاته للزواج .. لن يغيره نسف شكلية الزواج التقليدي والاستعاضة عنها بأنماط حداثية !..

مع التحية ..

يا سادة .. إن كان الفرق بين الزواج التقليدي و غير التقليدي عندكم هو فقط في نقطة البداية , هل يبدأ من الصدفة السعيدة أم من التقدم للخطبة بواسطة الأهل , ثم بعد ذلك يكون هناك متسع للتعارف الحقيقي - أثناء فترة الخطوبة - و الذي على أساسه يقرر الطرفان الاستمرار أم فسخ الخطوبة , إن كانت هذه رؤيتكم للمسألة , فإنني لا أرى ضرورة للنقاش من أصله , و أعتقد أنه ليس هناك فرق جوهري بين الحالتين , فإن حصلت الصدفة السعيدة فبها و نعمت , و إلا فإن البداية الثانية لن تغير في جوهر الأمر شيء , المهم أن تكون لكل طرف الفرصة لدراسة خياراته و الحرية بعد ذلك في اتخاذ قراره على بينة.
المطلوب أن نتفق أولا على تعريف مصطلح الزواج التقليدي , ثم نتاقش حوله بالرفض أو بالقبول . كما أحب أن أبشر البعض ممن يظن أن الزواج التقليدي جدا قد أصبح نادرا و محصورا في المجتمعات الريفية المغلقة , بأن هذا غير صحيح على الاطلاق , بل هو الطاغي حاليا مع الأسف في مدن العراق الكبرى بعد أن كان نادرا فيها قبل ثلاثين سنة من الآن .

العزيز حسن ..
المازوخيّة كعنصر نفسي قد يتجلّى في تفاصيل حياتيّة بسيطة .. تختلف عن "المازوخيّة" حينما تتحوّل لعرف اجتماعي .. هنا علينا أن نتنبّأ بوجود مرض عضال يفتك بالمجتمع كلّه ..
فالمازوخيّة عنصر نفسي .. تضخّمه (كتضخّم أي عنصر نفسي) يؤدي لاختلال في الشخصيّة والانتاجيّة والفاعلية .. بل إنّ تعريف المرض النفسي بكلمة هو "اللافاعلية" ..

بس حاشى الله يا رجل .. نزعاتي الساديّة تجعلني اتحطّم أمام المازوخيّة الغنجاء لبعض النساء:)

تحياتي لك ..





عزيزي شهاب ..
اعتدت دوماً أن أنظر لدلائل الظاهرة الاجتماعية لا إلى شكلها فحسب .. وبناءً على هذه الدلائل أحاكمها ..
وأنا أرى أنّ ظاهرة "الزواج التقليدي" هي انعكاس لإشكاليّة عميقة .. ومرتبطة ارتباطاً جوهرياً بحالة التردّي الثقافي .. بل إنها "عرض من أعراض" هذا العضال ..

وبالنسبة لي .. حينما ينتفي المرض .. يفقد العرض أهميّتة .. بمعنى أني شخصياً .. إن شعرت يوماً بحاجة للزواج (بلغت الأربعين .. وأريد طفلا وذرية) .. من يدري .. لربّما ألجأ "لأمي" لتساعدني في الحصول على زوجة مناسبة .. ولن أشعر بأي تناقض فكري بتصرّفي هذا ..

فالكذب عندي مدان حينما يلتصق بالشخصيّة لتلبية نزعات نرجسية أو مكاسب مادية .. وبريء حينما يعبر عن حاجة مرحليّة أو يحقق منفعة عامة ..
و"للشرب" عندي مدولات خطيرة .. حينما يمارسه سراً رجل لحيته أطول من كأسه ..
بل والحبّ خلل .. حينما يعبّر عن حاجات نقص فظيعة في الشخصيّة .. ويتحوّل لشكل مرضي في الهيام والانفصال عن الواقع ..
والتضحية .. والوفاء .. والغيرية .. إلخ إلخ .. قد تتحول لظواهر سلبيّة ببعض المقاييس ..

فلسنا رجال دين يا عزيزي .. لنحاكم الظواهر بأشكالها ونفرض "تحجّرنا" الفكري عليها .. بل إن الموضوع مرن بالنسبة لي اكثر مما تتخيل .. وكل ما أدعوا له أن نبحث عن تفسير لأي ظاهرة اجتماعيّة قبل أن نحاكمها ونتحمّس لها أو ضدّها ..


فالعبرة ليست بالأفعال .. بل هي .. بما تعبّر عنه هذه الأفعال .. والمشكلة ليست بالزواج التقليدي كسلوك .. بل بموقع الشباب من "الزواج" .. وبالثقافة السائدة التي تفرز هذه الأشكال من الزيجات .. وبالكبت الجنسي الذي يجعل الزواج هاجساً .. وبكل الإشكالات التي شرحتها بردودي السابقة .. والتي أرى أنّ الزواج التقليدي يعبّر عنها ..


لا أدري إن كانت فكرتي مفهومة .. إلا إني بذلت جهدي للتعبير عنها .. ولست واثقاً في النهاية من نجاحي في ذلك ..

تحياتي

خوليو