Gandhi
Strength does not come from physical capacity. It comes from an indomitable will.
Mahatma Gandhi
............................
ليسمح لي الصديق هزيز بالتوسع في عرض فلم غاندي . مع شكري له على إثارة الإهتمام بهذا الفلم الهام
....................................
الفلم إنتاج بريطاني – هندي . عام 1982 م .
الفلم من إخراج و إنتاج : ريتشارد أتنبورو " Richard Attenborough" ،
قام بدور غاندي الممثل الإنجليزي " بن كنجسلي Ben Kingsley "، وهو من أصل هندي .
بلغت ميزانية الفلم 22 مليون دولار . ومن المعروف أن هناك محاولتان سابقتان لإنتاج فلم عن غاندي ، الأولى عام 1954 بواسطة جبراييل باسكال ، و الثانية قام بها ديفيد لين مخرج فلم "جسر على نهر كواي" ، لإنتاج فلم يقوم فيه " اليك جينيس" بدور البطولة ، و لكنه توقف مفضلآ إنتاج لورنس العرب .
الجوائز : حصل الفلم على 8 جوائز أوسكار : منها جائزة أفضل فلم – أفضل مخرج (ريتشارد أتنبورو ) – أفضل ممثل ( بن كنجسلي ) – 5 جوائز بافتا .
قصة الفلم .. و غاندي .
يبدأ الفلم بينما المهاتما غاندي (موهنداس كرمتشاند) الذي يناهز 79 من عمره ( 1869 – 1948 ) يتجول بين زواره الذين حضروا لإلقاء التحية عليه ، كان غاندي واهنا يتحرك وهو مستند على كتف ابنة أخيه ، وفتاة أوروبية أصبحت ابنته بالتبني ( قامت بدورها جيرالدين جيمس ) . هنا تقدم شاب هندوسي متطرف " ناثورام جوديث " ضاما يديه متظاهرا بتحيته ، و عندما أصبح قبالته مباشرة أطلق عليه رصاصة أصابت قلبه النبيل ، فسقط غاندي صريعا بعد أن قال بصوت خافت " أوه يا إلهي " أو " هيه رام " ، و كان ذلك في 30 يناير 1948 م .
قطع .. يعرض الفلم الجنازة المهيبة لغاندي ، كانت العربة التي تحمل الجثمان تتحرك ببطء بين الجماهير الحزينة ، بينما وقف تلميذه و رئيس وزراء الهند نهرو على جانب العربة ( قام بدوره الممثل الهندي روشان سيث Roshan Seth ) ، هكذا نشاهد واحدة من أعظم الجنازات التي عرضتها السينما العالمية ، و هي مشاهد راعت أدق التفاصيل حتى تم تعديل علامات الطرق لتصبح كالتي كانت منتشره في تلك الفترة . شاركت جموع حاشدة من الشعب الهندي في الجنازة ( بلغت 300000 و هي الأعلى في تاريخ السينما ) مما أعطاها واقعية و تأثير مذهلين . في خلفية المشهد الجليل و بينما كانت العربة تتقدم بين الجموع الباكية ، كان الراوي يقرأ تعليقات كبار رجال العالم حول هذا الحدث الرهيب ، بما في ذلك قول البيرت أينشتين الشهير و الرائع " إن الأجيال القادمة سوف تصدق بصعوبة ، أنه ( غاندي) كان إنسانا حقيقيا من لحم و دم و قد سار على هذه الأرض " .
لا يعرض الفلم شيئا عن حياة غاندي المبكرة في طفولته و شبابه ،و لكنه يبدأ بأسلوب الفلاش باك من نقطة التحول الحاسمة في حياته ، إلى الخلف 55 عاما عندما كان محاميا شابا يعيش في جنوب إفريقيا ، ( بينما كان في 24 من عمره ؛ ذهب غاندي بعد تخرجه من جامعة إنجليزية إلى جنوب إفريقيا عام 1893 م و أمضى بها 22 عاما ) . بعد وصوله بقليل استقل غاندي قطارا ، و لكن عامل القطار يلقي به و بمتاعه على رصيف أقرب محطة ، لأنه تجرأ و جلس في الدرجة الأولى المخصصة للبيض ، رغم أنه قد اشترى بالفعل التذكرة التي تمكنه من ذلك . هنا شعر غاندي بالإهانة و بالتالي أدرك التمييز الذي يلاحق الهنود في جنوب إفريقيا ، مما دفعه إلى الإنخراط في حركة مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل أو " الساتياجراها" ، وهي فلسفة تقوم على عقيدة " أهيمسا " أو عدم العنف المطلق ، و كان هدف غاندي تغيير القوانين المجحفة بحق الهنود في البلاد . خلال 22 عاما من المقاومة و بعد جهود و متاعب جمة ينجح غاندي في تغيير قوانين العزل العنصري تجاه الهنود ( رغم بقائها تجاه السود ) . بنجاح غاندي يغادر جنوب إفريقيا إلى الهند ، حيث تنتظره هناك رسالته المقدسة ،و تنتظره أمة عظيمة تريد أن تعود للحياة .
يعود غاندي إلى الهند عام 1915 ، ليجد بلدا لا يعرف عنه الكثير . يرتدي غاندي زي الفلاح الهندي الفقير ، و يجوب البلاد في القطارات بين عامة الشعب ليكتشف الهند من جديد ،وهكذا نصاحب غاندي في القطار ،ومعنا صديقه القس الأنجليكاني (الذي قام بدوره " إيان شارلستون ") ،و نطوف بقرى الهند الفقيرة الممتدة بلا حدود . يتحد غاندي مع روح الشعب و يذوب فيه ليصبحا شيئا واحدا ، فالقائد الحقيقي كالسمك لا يعيش إلا في الماء ؛ بين الشعب . أحب هذا الرجل شعبه ، إلى الدرجة التي اختار فيها أن يكون فقيرا لأن الهنود فقراء ، و لهذا لم يكن غريبا أن يطلق الهنود عليه " مهاتما " غاندي أو الروح المقدس ، و كان شاعر الهند العظيم " رابندرانت طاغور" هو أول من خاطبه بهذا اللقب ، و في الهند يطلقون على غاندي لقب " بابو " أو الأب ،و تطلق عليه الدولة رسميا لقب "والد الأمة" .
كان حزب المؤتمر الهندي قد تأسس للمطالبة باستقلال الهند ، و داخل مقر الحزب التقى غاندي بقادة الهند ؛ التقى برئيس الحزب " جوبال كريشنا جوخالي" الذي كان المرشد الأول لغاندي إلى السياسة و المجتمع الهندي ،و التقى المحامي الأرستقراطي المسلم " محمد علي جناح " ( قام بدوره Alyque Padamsee ) و الذي أصبح لاحقا أول رئيس لجمهورية باكستان ،مولانا أبو الكلام أزاد ، سردار باتيل ...الخ . بعد توليه قيادة المؤتمر الوطني الهندي في عام 1921، قاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حدا للنبذ الطائفي، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصادياً. و لكنه كان يهدف و قبل كل شيء إلى تحقيق سواراج أو استقلال الهند من السيطرة الأجنبية.
رغم لجوء غاندي إلى المقاومة السلمية و عدم العنف ، قامت القوات البريطانية في 13 إبريل 1919 بمجزرة بشعة ضد متظاهرين هنود في البنجاب ، عرفت بمجزرة "Jallianwala Bagh" أو مجزرة ( آمريستار ) ، حيث قام 50 من الجنود الهنود البريطانيين بأوامر من العميد ريجنالد داير ( قام بدوره إدوارد فوكس الذي قام بدور إدوارد الثامن في مسلسل مسز سمبسون الشهير ) بفتح النيران على مدنيين عزل من الهنود بما فيهم أطفال و نساء و لمدة 15 دقيقة حتى نفذت الذخيرة ، بلغت الخسائر 1526 منهم ما يقرب من 400 قتيل . اشعلت المجزرة الغضب في نفوس الهنود الذي لجأوا إلى العنف ضد البريطانيين و الأجانب ، مما أدى إلى سقوط قتلي من الإنجليز . أدان غاندي العنف من الطرفين ،و دعا الهنود إلى وقف العنف بكل صوره و تعويض الضحايا البريطانيين .
من أروع مشاهد الفلم عندما قاد غاندي أتباعه في مسيرة الملح الشهيرة "Salt Satyagraha" عام 1930سيرآ على الأقدام . بدأت المسيرة من أحمد آباد إلى داندي مجتازا( 388 ) كيلومتر ، بهدف الوصول إلى المحيط و الحصول على الملح مباشرة ، و ذلك احتجاجا على فرض بريطانيا ضريبة على الملح . رغم تعرض الهنود للضرب المبرح استمروا يتقدمون صفوفا تلو الصفوف بلا نهاية ، بينما يعتدي عليهم الجنود البريطانيون و لكن دون أن يبدي الهنود أي محاولة لمقاومة العنف بمثله . كان هناك صحفيون أمريكيون يتابعون المشهد ،وقد أبرق أحدهم إلى صحيفته بأنه يشهد أمة كبرى تولد على المحيط . كان رد فعل الإنجليز يائسا فقاموا باعتقال 60000 هندي و سجنهم .
في عام 1942 قاد غاندي حركة عصيان مدني سلمية طالبا الإستقلال الفوري للهند ، و خلال تلك الحركة سافر خلال الهند بطولها ،و لكنه قبض عليه في 9 أغسطس 1942 في بومباي و سجن مع معظم قادة حزب المؤتمر الهندي بما في ذلك تلميذه البانديت نهرو و زوجته ، و لكن سوء حالة غاندي الصحية ، ومرضه الشديد الذي جعله يشارف الموت دفع السلطات البريطانية إلى إطلاق سراحه في 6 مايو 1944 .
يصل لورد مونتباتن ( قام بدوره بيتر هارلو ) إلى الهند في عام 1947 لمناقشة قضية الإستقلال ،و هنا نجد أن التحالف بين المسلمين و الهندوس يتفسخ ،و يطالب محمد علي جناح بدولة خاصة بالمسلمين تسمى باكستان و تشمل المناطق ذات الأغلبية المسلمة في شرق و غرب الإقليم الشمالي من الهند ، يحاول غاندي أن يحافظ على وحدة الهند في إطار دولة يتعايش فيها المسلمون و الهندوس ،و يقترح أن يتولى محمد علي جناح رئاسة الوزارة الجديدة ،و لكنه يفاجئ بأن الخيارات قد تقلصت إما الإنفصال أو الحرب الأهلية ، بل ينفجر العداء بين الفريقين . تنفجر المناوشات بين الهندويس و المسلمين ،و تصل إلى المجازر المتبادلة اقترابا من الحرب الأهلية الشاملة . ينجح غاندي عن طريق الصيام في ايقاف تلك الحرب . في وقت واحد يعلن قيام دولتي الهند و باكستان ، الهند كدولة علمانية بقيادة جواهر لال نهرو كرئيس للوزراء ، بينما يصبح محمد علي جناح رئيسا لباكستان الإسلامية . يرفض غاندي الإعتراف بالإنفصال ولا يضع على مقره أي من العلمين الهندي او الباكستاني ، و يعلن أنه سيزور باكستان مصرآ على انتمائه للهنود كلهم مسلمين و هندوس . كان غاندي قد أصبح شخصية فائقة الإحترام و القداسة في العالم كله ،و لكن كان هناك الشر و الكراهية أيضا ، فأصبح غاندي العدو المكروه للجماعات الهندوسية المتعصبة ،وفي مشهد أخير يقتل أحدهم غاندي .. نبي السلام .
ينتهي الفلم كنفس بدايته ، عندما يطلق جوسي النار على غاندي ، و تشحب الصورة و نحن نسمع صوت غاندي الواهن وهو يقول " أوه يا إلهي " ، نشاهد بعد ذلك مشهد حرق جثمان غاندي ،و نثر رماده فوق نهر الجانج المقدس . عند ئذ نسمع صوت غاندي قادما من الأبدية :" عندما أشعر باليأس ، أتذكر أن طرق الحقيقة و الحب ربحت دائما . كان هناك طغاة و مجرمون ، و لبعض الوقت كانوا يبدون غير قابلين للهزيمة ، و لكنهم في النهاية يسقطون دائما .فكر هذا على الدوام "