يوجد اختلاف فى المفاهيم بين بعض العلمانيين وكل من يقول "لا إله إلا الله" وينظروا إليه على انه نموذج اصولى طالبانى ، ولا يريد العلمانيون ادارك شئ هام وهو انه بدون الهوية الاسلامية للمنطقة فهناك خطر داهم يهدد المنطقة العربية ككيان مستقل لأنه سيعرضها للإذابة فى العالم ، فالعلمانيون نراهم فاقدين الثقة بالاسلام وفاقدين الثقة بالعروبة وفاقدين الثقة حتى فى التاريخ العربى.
وقصر تفسير الاسلام على الحدود هو ظلم كبير للاسلام ، فالاسلام منظومة متكاملة ولا يتعارض فى اوجه كثيرة مع العلمانية ولكن عند نقاط معينة قد يحدث التعارض .. اما من يظن انه من الاسلام ان اطبق الجزية فى بلد مثل مصر او غيرها فى زمننا هذا فهو لا يكون فاهما فهما صحيحا للاسلام.
وقد وجدت موضوع اعجبنى يدخل فى نطاق هذا الشريط الحوارى واسمحوا لى ان اعرض هذا الموضوع
انسجام القيم الثابتة والآليات المتغيرة على الدوام
عبد الوهاب المسيري
فى حوار أجرته أميمة عبد اللطيف مع داود أوغلو، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان، في جريدة الأهرام ويكلى الناطقة بالإنجليزية، طرح أفكارًا عن تجربة حزب العدالة والتنمية تتجاوز نطاق هذه التجربة وتساهم في تطوير خطاب اسلامى جديد.
ابتداء حاول هذا المفكر الإسلامي التركي أن يفسر ظاهرة الصحوة الإسلامية بأن وضعها في سياق عالمي. فأشار إلى أن الغرب تبنى أواخر القرن التاسع عشر شعار نيتشة الشهير أن "الله قد مات" والذي يعنى أن كل الجوانب الروحية والأخلاقية في حياة الإنسان أصبحت لا ضرورة لها أو أنها مجرد شأن خاص لا علاقة له بحياة الفرد في المجتمع. وفى الثمانينيات والتسعينيات تبنى الغرب مفاهيم مثل "نهاية الأيديولوجية" و "نهاية التاريخ" والتي تعنى، في واقع الأمر، نهاية الفكر والتنظير بل والمنهج.
ويضيف داود أوغلو أن هذا الثلاثي المكون من الدين والأيديولوجيا والتاريخ لم ينته ولن ينتهي. ففي أوائل القرن العشرين كان هناك توقع عام بأن دور الدين في المجتمع سيتراجع بشكل متزايد، وأن الحداثة ستكون لها السلطة والسطوة العليا.
ولكن الربع الأخير من القرن العشرين شهد اتجاها معاكسا تماما إذ ظهر أن هناك إحياءً عالميا للدين في جميع المراكز الحضارية الرئيسية، وليس فقط في العالم الإسلامي، وهذا الإحياء سيستمر، لأنه استجابة طبيعية للحداثة التي سادت خلال الخمسينيات. وهى استجابة أدت إلى إعادة الدين والأخلاق إلى الحياة السياسية، فهي رد فعل على رفض القيم الأخلاقية الذي ساد المجتمع خلال مرحلة التنوير والتحديث.
وإذا نظرنا إلى تحول عديد من المجتمعات خلال الثمانينيات والتسعينيات، فسيمكننا أن نرصد إحياءً للمسيحية، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في أجزاء أخرى من العالم أيضا. وهناك أيضا إحياء للهندوسية في الهند، وتولى حزب هندوسي مقاليد الحكم هناك. وهناك كذلك إحياء لقيم كونفوشيوس في الصين. وعلى نفس هذا النهج كان هناك إحياء للتراث الإسلامي في المجتمعات الإسلامية. هذه ظاهرة عالمية، غير مرتبطة بظروف أو أحوال معينة.
لذلك فمن السخرية أن يكون هناك تصنيف لمفاهيم مثل "الإسلام الليبرالي" و "الإسلام الراديكالي" تطلق فقط على العالم الإسلامي. أما عندما يتعلق الأمر بمجتمعات أخرى –مسيحية أو هندوسية أو يهودية– لا نجد حديثا عن "المسيحية الراديكالية" أو "المسيحية الليبرالية"، بل نجد أن الحديث يكون عن "القيم الأخلاقية" التي قد تكون محافظة أو راديكالية.
ويرى داود أوغلو أنه إذا استمرت هذه السياسات الحالية فهناك خطر من تصاعد التوتر في المنطقة الإسلامية. فخلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حقبة ما بعد الحرب الباردة فقد العالم الإسلامي الثقة في التوظيف الموضوعي لآليات النظام الدولي.
فقد رأت الجماهير المسلمة ما حدث في البوسنة وفلسطين وكراباخ وغيرها. ولمدة ثلاث سنوات كاملة وقف المجتمع الدولي يشاهد قتل وذبح 250000 مسلم في البوسنة. وهم يشاهدون –وبشكل يومي– ما يحدث في فلسطين. ومؤخرا، قبل المجتمع المسلم في قبرص خطة الأمم المتحدة، في حين رفضها القبارصة اليونانيون. ولكن الجانب اليوناني من الجزيرة أصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، رغم رفضه لمطالب المجتمع الدولي. في حين أن الجانب التركي من الجزيرة لا يزال منعزلا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، رغم قبوله لمطالب المجتمع الدولي. فاليوم تشعر الجماهير المسلمة بعزلة سياسية وجغرافية عن النظام الدولي.
وقد ناقش أوغلو القضية المطروحة حاليا، أي علاقة الإسلام والمثل الديمقراطية، وهل يمكن المزج بينهما. ويرى أنه لا توجد مشكلة حقيقية، ففي التعاليم الإسلامية تعتبر الآليات مجالا للإنسان يطورها حسبما يشاء وحسب ظروفه، بشرط أن تعزز تلك الآليات القيم الأساسية للإسلام.
وهذه القيم هي مبادئ المقاصد، أي حماية الحياة، وحماية الفكر، وحماية الدين، وحماية الممتلكات وبالطبع تحقيق العدل. لذلك يمكن لأي آلية أن تكون شرعية طالما أنها تحقق تلك القيم. وانطلاقا من هذه المقولة يرى أوغلو أن مسؤولية المفكرين الإسلاميين هي تفسير وترجمة النظم السياسية وآليات وقتنا الحاضر، ومحاولة تحقيق انسجام وتجانس جديد بين قيم المجتمع والآليات التي يمكن العثور عليها في الهياكل القائمة.
وإذا تم النظر إلى الديمقراطية باعتبارها آلية فإننا سنجد أن ثمة أربعة مبادئ/آليات ديمقراطية أساسية، هي:
• الشرعية العقلانية للسلطة السياسية.
• المشاركة السياسية كأحد سبل تكوين سلطة سياسية.
• المسؤولية السياسية والقانونية للقادة السياسيين.
• احتمال تغيير السلطة السياسية من خلال الانتخابات.
هذه المبادئ/الآليات لا تتناقض بشكل أساسي مع قيم التعاليم الإسلامية. ففي التقاليد الإسلامية هناك قاعدة واضحة -قاعدة معرفية تساند الشرعية العقلانية في مجال السياسة.
والممارسة التاريخية للمسلمين تمنحنا نموذجا فريدا، تم فيه نقل السلطة الدينية للرسول إلى السلطة العقلانية لخلفائه. ففي التقاليد الإسلامية نجد أن خلافة الرسول قررها المجتمع، وليس أي نقل سماوي للسلطة. ولا يوجد مثل هذا المثال في أية تقاليد دينية أخرى. وهذا هو الفرق بين الإسلام والمسيحية.
والمقارنة بين التجربة التاريخية لكل من القديس بولس وأبي بكر الصديق تبين هذا الاختلاف بشكل أوضح. فالقديس بولس لم تكن لديه أية علاقة تاريخية أو عقلانية بالسيد المسيح. لذلك كان لسلطته باعتباره ثاني مؤسسي الديانة المسيحية بعد ميتافيزيقي، يمثل الوضع الوجودي الخاص للمسيح ككائن مقدس.
أما نطاق ما وراء التاريخ لشرعية السلطة الدينية والسياسية الاجتماعية فتم نقله للشخصية الميتافيزيقية للكنيسة، وإلى الشخصية فوق الطبيعية للبابا. وكان من المستحيل أن يتم تطوير أي نموذج عقلاني داخل هذه التقاليد.
وعلى عكس القديس بولس كان لأبي بكر علاقة تاريخية مباشرة وموثقة مع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وكان رد فعل أبي بكر لوفاة الرسول هي نقطة البداية لسلطة عقلانية شرعية في الشؤون الاجتماعية، فقد مثلت نهاية السلطة الفريدة المعرفية للرسول المتمثلة في الوحي، بداية السلطة البشرية لأبي بكر.
وتأسست سلطة أبي بكر واستمدت شرعيتها من الجدال والمناقشات العقلانية، وليس من التجارب الميتافيزيقية. وكانت المشاركة السياسية والمسؤولية السياسية والقانونية جزءا من تاريخ المسلمين منذ البدايات المبكرة.
ولا يتضمن القرآن الكريم آليات سياسية مفصلة أو مفروضة يجب على المسلم الالتزام بها. فالقرآن يمنحنا قيما لنظام سياسي: العدل، والكرامة، والمساواة والحرية، لكنه لا يفرض أية آليات سياسية معينة على البشر، لأن النظم السياسية قابلة للتغيير بمرور الوقت.
وعندما كتب الماوردي "الأحكام السلطانية" في القرن الحادي عشر، والذي أصبح من المصادر الرئيسية للفكر الإسلامي السياسي منذ ذلك الحين، استمد الآليات السياسية للحكم التي أشار إليها من التقاليد الرومانية والبيزنطية والفارسية.
وهناك آليات أخرى كانت تعتبر سمات أصيلة للسياسة الإسلامية منذ البدايات الأولى. فمثلا، كان موضوع المسؤولية القانونية والسياسية للحاكم دائما جزءا من التقاليد الإسلامية. وممارسة عمر بن الخطاب لها تعتبر مثالا جيدا على ذلك. وسواء التزم الحكام المسلمون بهذا المبدأ أم لا فهو موضوع آخر، لكنه كان موجودا كجزء من تقاليد الجيل الأول من الحكام الذين خلفوا الرسول عليه الصلاة والسلام.
ما يجب على المفكرين والعلماء المسلمين القيام به هو التعرف على الآليات السياسية الأفضل لتحقيق القيم العالمية للإسلام.
ويرفض داود أوغلو اصطلاح "حزب إسلامي" ويعتبره مفهوما خطأ لأن أي حزب هو بطبيعته قوة انقسامية وليست موحدة، ولكن الإسلام عنصر موحد، أي قاسم مشترك. إذن يجب استخدام مفهوم "الحزب الإسلامي" بحذر، كما يجب ألا نقلص الإسلام إلى مجموعة سياسية أو حزب سياسي لأن الأمر سيؤدى إلى أن أحزاب معينة ستحتكر تمثيل الإسلام.
وبطبيعة الحال أدلى أوغلو برأيه في قضية الإصلاح والإحياء داخل العالم الإسلامي. فقال إنه يجب أن ننظر إلى القضية خارج نطاق التحيزات التي تقود البرنامج الدولي، وعلى علماء المسلمين أن يطرحوا بعض الأسئلة الجادة لفهم المشكلات التي تواجهنا، إذ يواجه العالم الإسلامي اليوم ثلاثة تحديات رئيسية، هي:
أ- إن العالم الإسلامي يقع في المنطقة الجغرافية التي كانت مهدا لكل المراكز الحضارية التي ظهرت عبر التاريخ. ولكن على العلماء المسلمين أن يسألوا أنفسهم: ما هي مساهمات المسلمين في الثقافة العالمية اليوم؟ يرى داود أوغلو من الواضح أن هذه المشاركة ليست مبهرة أو مؤثرة أو فعالة. ولكنه يرى أن المسلمين يمكن أن يشاركوا فى تكوين ثقافة عالمية، فالمسلمون يملكون أغنى التقاليد الثقافية.
ب- يقف العالم الإسلامي وسط منطقة ثرية ومتميزة للغاية اقتصاديا وجغرافيا، ويمد الاقتصاد العالمي بموارده الطبيعية الأساسية، كما تمر به معظم التعاملات التجارية الكبرى. ولكن رغم كل هذه الموارد الطبيعية لا يوجد بلد مسلم واحد ضمن أكبر 15 اقتصاد في العالم. ولذا لابد وأن يسأل المسلمون أنفسهم لماذا لا يتمكن 1.5 مليار إنسان مسلم من تحقيق دخل قومي أكبر من أي اقتصاد أوروبي متوسط؟
ج- يملك العالم الإسلامي أعمق وأثرى التقاليد السياسية في العالم، في بلدان مثل مصر والأناضول وإيران والعراق وغيرها. ورغم ذلك يجد المسلمون صعوبة كبيرة في تأسيس آليات نظام سياسي. لماذا؟
هذه هي الأسئلة التي يجب أن يطرحها المسلمون على أنفسهم عندما يناقشون قضية التغيير والإصلاح في العالم الإسلامي، وهى أسئلة، لا يمكن لأي شخص أن يساعدهم في الإجابة عنها.
ما يحتاجه المسلمون هو صحوة شاملة، بمعنى إعادة الحيوية لأذهان المسلمين وهياكلهم ومؤسساتهم، بجانب مواقف نفسية لها جذورها في الثقة بالنفس والكرامة والتعاون، من أجل الارتفاع إلى مستوى هذه التحديات ومواجهتها بنجاح. والله أعلم.