مساء الفل
الزميل الكندي..
منذ سنوات عديدة مضت، فتحت التلفزيون المصري المحلي الهابط، في لحظة يأس وشعور بالإخصاء النفسي..على قناة مجهولة لأغلبيّة المصريين ، تقريباً كانت تأخذ الرقم 6 أو 7 في ترتيب القنوات الهابطة في التلفزيون المحلي المصري..فوقعت عيناي على شيء مثير جدا.
كان ذلك المنظر المثير جداً يجري في مزرعة للدواجن، وكان المشهد بطولة المذيعة والدكتور البيطري وديك رومي..
كانت المذيعة غاية في الجمال، "مزة" يعني بالبلدي كده..، وهو أمر غير معتاد أبداً في التلفزيون المصري الذي تتربع على قنواته الهوانم من بنات الذوات، لكن ليس ذوات الثروة، وإنّما ذوات "اللغد الكبير" المتدلي تحت الذقون.. والفساتين الباهتة التي تشعرك قبل أن تسمع أي كلمة في البرنامج بأنّه "لا حياة مع الأمل ولا أمل مع الحياة"..
المهم..قلت لك! كان كل شيء في ذلك المشهد مثيراً على غير العادة.
كانت تلك المذيعة - مسّتها أفروديت بالخير أينما كانت - تقف ومعها ميكروفون أسود كبير ، ينتصب في يدها الرقيقة بشموخ إعلامي عزيز. ويبدي رأسه المنتفخ ويشرئب به نحو وجه الدكتور البيطري الشاب..
كان الدكتور البيطري يشرح - وهو يقرب فمه من رأس الميكروفون -
للمذيعة الحسناء، كيف أنّ الديك الرومي بعد أن يتزاوج مع انثاه، تنسد نفسه عن الطعام، ويتوقف عن الأكل بالكميّات التي كان يعتادها قبل عمليّة التزاوج، وكان الدكتور يقف إلى جانب المذيعة - وبينهما الميكروفون برأسه الأسود المشرئب - أمام إحدى تلك الغرفات المسيّجة بالمعدن والتي تمتليء بالقش وبقايا الطعام، وطبعا بالديوك الرومي!.
سألته المذيعة برقتها الغير معهودة في التلفزيون المصري: - وإزاي يا دكتور بتخلوا الديك الرومي يفضل سمين ؟
فرح الدكتور بهذا السؤال الذي بدا في محله وفي وقته تماماً، وبدا لي وقتها أنّه كان يقرب فمه أكثر - أيضاً بنشوة غير معهودة في التلفزيون المصري - من رأس الميكروفون وقال لها بالفم المليان: - نقوم باستخراج المني منه..حتى لا يتزاوج..
ولم ينتظر الدكتور سؤالاً آخر.
بحثت يده المحمومة فورا عن ديك رومي ذكر ، وأمسك بالضحيّة بعد ثوانٍ وهو "يلقلق" ( أي يصدر صوته ذاك "لقلقلقلقلق..." ) في يده، ولم يلبث كثيراً حتى قلبه على ظهره وبدأ يفعل أكبر عمليّة استمناء تاريخيّة بين إنسان وحيوان شهدتها في حياتي.
سادت لحظات صمت مقدسة جداً ، وكانت المذيعة متطلعة بشغف إلى عمليّة استخراج السائل الأبيض من بطن الديك.. ونجحت العمليّة ، وصل الديك إلى نشوته بين يدي الدكتور، وألقى ما فيه وتخلّى ..أخذ الدكتور والديك فترة من الراحة بعد هذه العمليّة ، وتركتهما المذيعة يرتاحان..
ثم أخذت المذيعة تسأله بعد الهدوء أسئلة هادئة جداً عن الديوك لم أعد أكترث كثيراً إلى سماعها.
فقد عشت فانتازيا مثاليّة في تلك اللحظات بحيث أصبحت الكلمات بلا معانٍ، وصارت المشاهد بلا غاية.
بقيت نقطة، للأمانة الشديدة قوي قوي، لست متأكداً بعد كل هذه السنين من مشاهدة ذلك المنظر، ما إذا كان الذي في يد الدكتور ديكاً روميّا أم لا.
المهم أنّه كان طائراً - له ريش - ريشه أسود - له منقار - وله عضو ذكري - ويمكن قلبه على ظهره لاستمنائه - وهو ليس إنساناً ..وحزروا فزروا أنتم كما يحلو لكم..
لماذا هذه المقدمة؟
هذه المقدمة لها علاقة وثيقة بما سأقوله في هذه المداخلة..
سترون عمّا قريب بعد المزيد من القراءة..
الزميل الكندي...
سمعتك بعينيّ منذ وقت قريب تقول عن موضوعك هذا في شريط الزميلة أريبا فيلكس إنّ :
اقتباس:قصدي لهذا الموضوع أن يكون خفيف الظل، محركا للفضول، كاسرا لبعض التابو
أود العودة هنا للتأكيد مرة أخرى على أهميّة هذا الموضوع وجديته. وسوف ترى من خلال تفاصيل هذه المشاركة كيف أنّ تأكيدي هذا بعيد عن أسلوب المحاباة الإنشائي وأنّه إشارة حقيقيّة إلى مدى خطورة التفاصيل التي كتبتها أنت بالنسبة للقاريء العربي.
وسيكون حديثي هنا عن "نصف صفحة".
هذه النصف صفحة غيرت التّاريخ نحو الأفضل يوماً ما...وزادت الجهل وتغييب العقل في يوم آخر.
تحدثت هنا من قبل من خلال موضوعك عن كتاب " أنثويّة العلم" للدكتورة ليندا جين شيفرد، والذي صدر عن سلسلة "عالم المعرفة والجهل" من الكويت. وأقول "عالم المعرفة والجهل" لأنّ كلاهما اختلط بشكل عبثي خلال هذا الكتاب المترجم..
فبينا أنا أقرأ هذا الكتاب منذ وقت قريب، وصلت إلى الصفحة رقم 76 من هذا الكتاب.. وتحديدا الفقرة التالية ، والتي تقول فيها الدكتورة ليندا:
" في السبعينيّات اقتحمت المرأة البريماتولوجي، وهو مجال له أهميته في تعريف ومناقشة مختلف أوجه الطبيعة البشريّة ، التي تشمل طبيعة الأنثى. وكشفت البحوث عن أنّ الأنثى في بعض الثدييات، كاللبؤة والشمبانزي، لها سلوك إيجابي في العلاقة الجنسيّة وليست محض جانب سلبي متلق دائماً ".
وبعد كلمة "دائما" الأخيرة ، وجدت علامة ستار ( * ) وهي تعني أن هناك ملاحظة في الهامش الأسفل للصفحة ، تعرفون طبعاً علامة الستار وتستخدمونها في النادي أيضاً لتوضيح بعض الأمور.
يجب أن نعرف أنّ علامة الستار هذه لا يستحسن استعمالها بدون داع هام، وإلاّ أصبحت علامة مزعجة للقاريء إذا تم استعمالها عمّال على بطّال. المهم..نزلت وتكلفت المشوار من السطر الذي كنت فيه، ووصلت إلى آخر الصفحة لأقرأ التالي :
البريماتولوجي Primatology هو العلم الذي يدرس الرئيسيّات، أي أعلى رتب الحيوانات الثديية.
المهم الآن أنّ المؤلفة في هذه الفقرة والتي تليها، تنساق في كشوفات البريماتولوجي وتعرض لتفاصيل ودخائل السلوك الجنسي لبعض الثدييات التي تثبت الفكرة المطروحة وهي أن السلبيّة ليست مفطورة في بيولوجيا الأنثى، وأنّها أحياناً تكون أكثر إيجابيّة من الذكر في الممارسة الجنسيّة.
لحد هنا قلت ماشي... واضح أنّ المترجمة وضعت الستار لكي تفهّمني ماذا يعني البريماتولوجي..وأنّني لم أتكلّف المشوار من وسط الصفحة إلى أسفلها عالفاضي.. وتابعت ما تقوله المترجمة في ملاحظتها..حيث تابعت تقول :
تفاصيل هذا الحديث غير مألوفة وغير مستساغة للقاريء العربي، بدا لي من الأليق حذفها، وهي التي لا تتجاوز نصف صفحة، اكتفاءً بذكر الفكرة الرئيسيّة المطروحة. باستثناء هذا النصف صفحة، لم أحذف ولم أنقص ولم أزد كلمة واحدة من الكتاب، وبذلت قصارى الجهد في طرحه أمام القاريء العربي بنصّه وفصّه.
بعد أن قرأت هذا الكلام المقرف والمقزز طبعاً سببت الدين ولعنت سلسفين هذه المترجمة..وذهبت إلى الصفحة الرئيسية والصفحة الأخيرة من الكتاب لأعرف من تكون هذه بنت الستين في سبعين..
ووجدت ترجمتها في آخر الكتاب.
الدكتورة يمنى طريف الخولي ، والمفترض أنّها أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث بكليّة الآداب-جامعة القاهرة ، وعضو اللجنة القوميّة لتاريخ وفلسفة العلوم في أكاديميّة البحث العلمي والتكنولوجيا ولجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة-بجمهوريّة مصر العربيّة المكلومة المنكوبة بأمثالها.
قفز فوراً إلى ذهني بعد قراءتي لهذا التهريج المكتوب على هامش الكتاب الأسفل ، مشهد المذيعة - الدكتور - والديك. وشعرت أنّ المسألة ليست مجرد تفاصيل جنسيّة غير مهذبة تقوم بها اللبوة والشمبانزي ، ولا تريد الدكتورة سردها حفاظاً على مشاعر ورهافة العذارى من القراء.
وبعد هذه المقارنة بين ما شاهدته أمس على التلفزيون المحلي الهابط، وما قرأته اليوم على الكتاب العلميّ القيّم الذي دنسته المترجمة بأهوائها الشخصيّة وتقديراتها الخرقاء. بعد هذه المقارنة السريعة ذهبت إلى المقدمة - مقدمة المترجمة للكتاب - وكنت قد قرأت فيها عبارة كتبتها المترجمة تقول فيها :
" لم أكن يوماً نسوية، ومازلت كذلك". عبارة قرأتها للدكتورة يمنى في مقدمة ترجمتها للكتاب، وتجاهلتها على أساس أنّ معتقداتها الشخصيّة لا تعنيني بشيء طالما التزمت الأمانة العلميّة في النقل والترجمة، ولكن ما إن رأيت تدخلها المقرف في فلترة النص الإنجليزي حتى راودتني رغبة قويّة أن أريحها من الكتابة واكمل أنا لها : " ولكنّي كنت دائماً ذكوريّة ، وسأبقى هكذا. لا أسمح ولو كانت الأنثى لبوة أو شمبانزي، أن تكون تلك الأنثى شيئاً آخر غير خاضع وسلبي ومتدنٍ "
هكذا نصّبت الدكتورة يمنى نفسها - مستغلة وظيفتها كمترجمة - وصيّة على عقل القاريء العربي تحدد له ما "يستساغ" له قراءته ، ومايعيب عليه أن يعرفه ولو حتى مجرد معرفة عقليّة ، فقررت حذف نصف صفحة كاملة من مجموعة من الحقائق العلميّة التي لا يسهل الحصول عليها للقاريء العادي، وقررت الدكتورة يمنى أن " تعتلي" عقل القاريء العربي، وتفرض "كوندومها" الخاص على النص الأصلي، "لفلترة" تدفق المعلومات التي لا تروق لها ولمبادئها، حتى لا تصل تلك المعلومات "المقذوفة" من الكتاب إلى عقل القاريء لإثرائه وتغييره و "تخصيبه".
نصف صفحة فقط.
تضيف دكتورة يمنى باستسهال رخيص يدل على مدى الأمانة العلميّة في النقل. وعلى مدى افتقادها في العالم العربي.
ربّما هو مناسب للعربي إذن أن يشاهد مناظر القتل والتعذيب وتشويه الجثث على الجزيرة ، مقبول للعربي أن يتم إشباعه بفكرة أنّ أمريكا تتناوب على "فشخه" بالتبادل مع الإرهاب ونداءات الغضب المتكررة.
ولكن ليس مستساغاً لشموخ هذا العربيّ فكرة أن أنثاه يمكن أن تعتليه. أنّها تستطيع أن تجعله " مفعولاً به" إذا أحبت ذلك.
للعربيّ إذن الحق أن يكون "لبوة" للتطرف، مسموح له أن يكون "شمبانزي" الفكر ، ولكنّه في الفراش لا يحق له أن يكمل "حيونته" مع شريكة حياته على الوجه الجنسي الأكمل للطبيعة التي ينتمي إليها في عالم الفكر والسياسة.
لأنّ ذلك عند الدكتورة يمنى وغيرها من "الأكاديميّين" "غير مستساغ" ولا حتى في نصف صفحة سطرت في كتاب مجهول عند العرب - مشهور عند العالم (ولا أقول الغرب فقط ). كتاب يتحدث عن العلم والأنوثة..
الزميل الكندي...
هل عرفت الآن أهميّة موضوعك؟
هل عرفت الآن مدى الحواجز التي اخترقها هذا الموضوع، والتي ساهم حتى الأكاديميّون في وضعها أمام العربي ؟
أرجو أن نعم.
بقيت نقطة أخيرة قبل أن أذهب - وقد أطلت ولا أعتذر عن هذه الإطالة - ، وهي أن أشير إلى عنوان الكتاب بالإنجليزيّة والذي يمكن الحصول عليه من موقع أمازون .
واسمه بالإنجليزية "كشف الحجاب: الوجه الأنثوي للعلم"
Lifting the Veil: The Feminine Face of Science
أيضاً وقبل أن أذهب ، أود أن أشير إلى أنّني قد وجدت نسخة مجانيّة من كتاب البروفيسور
فريتجوف كابرا، والذي عنوانه The Turning Point:Science, Society, and the Rising Culture
أراكم بعد حين