اقتباس: بهجت كتب/كتبت
إن الذي يغمض عينية عن الحقيقة سيضير عينيه و لن يضير الحقيقة ، ليس من المهم أن نؤثر على الآخرين ،و لكن الأهم هو أن نعبر عن أفكارنا بأوضح شكل ممكن ،بهذا فقط سنخدم الحقيقة و نفيد الآخرين ،ولو على المدى الطويل ، إن الضجر و اليأس و اعتياد الظلام هو أخطر ما يمكن أن يحيق بنا ، غير ذلك سنتغلب عليه بشكل او آخر .
الأخوة .
الزميل الفاضل / بهجت
أولا أحب أن أثني على هذا الشريط الذي أجده مع شريطان آخران هما:
بعيدا عن السرب - morgen
كم هو قاسي وضعنا - نبيل حاجي نائف
ما يمثل مدخل مختلف لدراسة واقعة راهنة بطريقة هادئة عقلانية و بعيدا عن الفكر السائد.
فاللأفكار السائدة ليست صحيحة بالضرورة - و السباحة ضد التيار ليست خطيئة بالضرورة.
نتفق أو نختلف - لا ضرر. فالتقدم الفكري لمجتمع ما لا يقوم على الإتفاق. و صحة الأفكار من خطئها لا يقيم بكم الذين يتبنونها أو بالقدرة على نشرها أو غيره.
يغيب عن تقييمنا للقضايا دائما أن موضوع القضية منفصلا عن إنتماء و مذهب و نية طارحها. بل و لا يصح تقييم حتى صدق قضية ما بكذب أو صدق طارحها.
هذا المدخل غير العقلاني لدراسة الأمور - من أهم أسباب التخلف عن ركب الحضارة و من أكثر الأسباب التي تورثنا نتائج لم نكن لنقصدها لأنفسنا.
فنقدنا لنظرية علمية - بكون طارحها يهودي أو بإعتبارها مؤامرة .. إلخ - لن يضير سوانا.
كما أن الرد على قضية ما بتخوين طارحها أو بإقصائه بعيدا عن السائد - لا يمثل أي نقد لموضوع القضية بل و لا يقترب حتى منها.
و عودة لموضوع الشريط تحضرني عدة تساؤلات:
-
السؤال الأول عن مفهومنا للعزة و الكرامة: ظاهريا قد لا يختلف إثنان على المفاهيم السابقة و لا يختلف إثنان عن الرغبة بتبنيهما - لكن على مستوى واقعنا لزم أن نحدد معانيهما و بالتالي الطرق و السبل الواجب إتباعها للوصول لإحساس تقمص تلك المفاهيم.
و يحضرني هنا مثال شديد الوضوح و هو دولة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و كسر قوتها و كرامتها و عزتها و تدمير بنيتها التحتية بالكامل ثم الطامة الكبرى بترويعها بالقنابل النووية و هي الفعلة التي لم تتكرر بعد ذلك نهائيا على مستوى العالم.
كما يحضرني - قسرا - الصورة الحالية لليابان صاحبة الإقتصاد المارد و المخيف - نسبة للغرب الذي أزاقها بالأمس مرارة الهزيمة و ليس لنا - و صاحبة اليد العليا في مجالات عديدة عالميا.
ما هو إذا مفهوم العزة و الكرامة لدى هذا الشعب و ما الطريقة التي تبعها لتبني تلك المفاهيم؟ و هل تختلف مفاهيمهم لتلك الألفاظ عن مفاهيمنا؟
و هل يختلف إثنان على عزة و كرامة اليابان و الشعب الياباني حاليا؟
فإذا إختلفنا فما تحديدنا لتلك المفاهيم - و هل موتنا و دمارنا و كسر كل مقدراتنا هو نفسه مفهومنا للعزة و الكرامة؟ أم أنه قد يكون إضطرار أحيانا و تضحية من البعض لأجل الوصول لكرامة الكل؟
و إذا لم نختلف - فهل نستشف من ذلك أن الطريق التي نسلكها لتبني عزتنا و كرامتنا خاطئ و مضلل و لا يقود لما نويناه عند أوله؟
ما هي العزة و الكرامة إن لم تكن في قوتنا الإقتصادية و الإجتماعية و إكتفاءنا الذاتي و تكاملنا مع العالم في سيمفونية متكافئة؟ و من قبل كل ذلك قوتنا العلمية و التكنولوجية بوصف كل المجالات السابقة تحصيل حاصل لها؟
و ما هي إن لم تكن عزة و كرامة أي مواطن منا في وطنه و مدينته و شارعه و بيته أولا قبل أن تكون في صورته بالعالم؟
و ما هي إن لم يكن بمقدور الفرد النوم مطمئنا على مستقبله و أولاده و مشاركته بكل قرارات حياته؟ فخورا ببيته و مدينته و وطنه و منتجات بلاده و بقدرته على أن يكفل أسرته في عيشة كريمة؟
إذا كانت هذه هي الكرامة - فحتما - و بوجه عام و ليس في هذا الموقف أو ذاك و ليس بهذه الحرب أو تلك - حتما نحن لا نتبنى أي طريق للكرامة.
بل نحن نتبنى طريقا أوصله لنا اليأس التام و أصبح الموت بكرامة هو هدفنا بدلا من الحياة بكرامة.
-
السؤال الثاني و الأهم حول قدرتنا على تفكير إستراتيجي أكثر تجريدا يتعالى على الخلافات الجزئية و المذهبية و الأيديولوجية - كضرورة لإمكان التوقف للحظة و إستشفاف أين يتجه سربنا و مجتمعنا بوجه عام؟
فبغض النظر عن مبرر أو ضرورة هذه الحرب أو تلك - هذا الموقف أو ذلك - و بغض النظر عن مكسبنا أو خسارتنا التكتيكية المرحلية من هذا أو ذاك - السؤال الهام الذي يجب أن يطرح نفسه:
و ما هو هدفنا الإستراتيجي؟
ثم ما هي التكتيكات المناسبة تبنيها للوصول لهذا الهدف؟
فمناقشة الجزئيات و الأهداف المرحلية التكتيكية تصبح دربا من العبث في غياب هدف إستراتيجي تعمل في إطاره تلك الجزئيات في منظومة متكاملة.
فسنجد منا من يتخذ تكتيكا مرحليا مثل الحرب مثلا كهدف إستراتيجي مما يؤول تحت ظروفنا هذه إلى الموت و الموت فقط كهدف إستراتيجي نهائي لمجتمعاتنا.
بل و سنجد من يتبنى الحرب من منظور هدف سيادة مذهب ما على الآخرون بل و العالم - و في ظل الظروف المحيطة و نظرا لشدة ضعفنا نسبة للعالم - سيطبق هذا المنظور بوجه أكبر على ذواتنا أولا كوننا أضعف من تطبيقه على العالم - فليفجر الإستشهاديون من جميع الأطراف أنفسهم في الأطراف الأخرى لكي ينظفوا المجتمع و ينقوه لمذهبهم أولا ثم نتفرغ للعالم أو في أثناء حروبنا الأخرى.
لن تكون المناقشة مجدية حينئذ - عن النتائج الرجوة من تلك الحرب أو هذا الموقف العنتري - فالنتيجة و الهدف واحدة و هي الحرب ذاتها - و لا يهم أية حسابات لنتائج أخرى.
أي أنه و بإختصار في غياب إطار إستراتيجي لمجتمعاتنا - لن تكون المناقشات التكتيكية و المرحلية سوى عيث.
-
و السؤال الأخير: إذا كان الهدف الإسترتيجي الموحد غائبا عن مجتمعاتنا - فهل ستتركنا آلة التطور الطبيعي بقوانينها الإنتقائية الصارمة نهيم على وجوهنا بلا هدف - بل هل سيتركنا حتى المجتمع العالمي من حولنا - سواء كان رأينا بالمجتمع العالمي بالسلب أو الإيجاب - بأنه ظالم أم أخلاقي - كافر أو مؤمن؟
أم سكون للطبيعة رأي آخر و ستضع لنا هدفا إستراتيجيا من عندها - يخدم قوانينها هي بغض النظر عن مبادئنا و فكرنا و أهدافنا نحن؟
و هلا توقفنا في لحظة سمو على خلافاتنا المذهبية و الطائفية و القومية .. لكي نحاول أن نستطلع الهدف الذي فرض علينا - أو بمعنى آخر أين ينتهي بنا محصلة الطرق و الأهداف و التكتيكات التي نسلكها جميعا بكل طوائفنا و مذاهبنا و قومياتنا؟
لك و لضيوفك كل إحترامي ,,,