مجلة آيات للإعجاز العلمي
تحياتي للجميع
منذ فترة طويلة و أنا راقد في سبات صيفي ، و أقول دائماً أني أرغب في العودة إلى النادي و إلى ساحة العقائد و الأديان ، الأفكار و الخواطر لم تبرحني ففي كل جملة تُقال هنا أو هناك فكرة و في كل سطرٍ نقرأه قصة ، منذ أيام و أثناء تصفحي لبعض المجلات في إحدى المكتبات وجدت مجلة باسم (آيات) و كان وصفها بأنها " شهرية علمية متخصصة في الإعجاز القرآني"
فاشتريتها – و كانت العدد التاسع - و بدأت أتصفحها ، و وجدت فيها العديد من الموضوعات ، منها الجديد و منها القديم ، سأعرض بعضاً منها خلال هذه المشاركة .
رسالة إلى ناسا :
هذا ما تقرأه في الصفحة الأولى من المجلة ، العنوان يغريك بقراءة المقال ، ترى ما الذي يملكه الإعجازيون ليرسلوه إلى ناسا ؟؟؟؟
المقال باختصار هو رسالة تطمين لوكالة ناسا الأمريكية بأنه يستحيل أن يضيع لها أي رائد فضاء أو يموت خارج الغلاف الجوي للأرض ، و ذلك استناداً لآيتين في القرآن تقولان عن الأرض :
" منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارةً أخرى " طه 55
" فيها تَحيَونَ و فيها تموتون و منها تُخرَجون " الأعراف 25
يقول صاحب المقال (سمير عمران و هو بالمناسبة المدير العام للمجلة) :
" ... و أفهم منها – أي الآية – أن الله سبحانه و تعالى سوف يبعثنا من هذه الأرض (و منها نُخرجكم) إلى يوم الحساب ، كما أنشأنا منها أول مرةٍ (تارةٍ أخرى) ، و لم يستثنِ الله تعالى من ذلك أحدا .
من ذلك أستنتج أنه لن يكون هنالك أية حالة وفاة لأي رائد من رواد الفضاء خارج الأرض ، و تضيع فيها جثته في الفضاء أو تترك على سطح أي كوكب غير الأرض ، و إن حصلت بعض الوفيات فإن المركبة ستعود به إلى الأرض كي يُدفَن فيها و يبعث منها ، و لن يكون هنالك حياة يقيم فيها الإنسان على أي كوكب آخر فيموت و يُدفن على سطحه " انتهى الاقتباس .
في البداية كنت قد قررت أن أُدرج هذا الكلام و أرسم في النهاية أيقونة (لا تعليق) ، لكني فكرت و قررت أن أعلّق بالتالي :
أولاً : نحيي هذا الأستاذ على ثقته الشديدة بالقرآن و ما فهمه من القرآن ، فهو يضع عقيدته و عقيدة من يصدّق مقولته هذه على المحك في حال اختفى رائد فضاء في الفضاء .
ثانياً : يصعب على المرء أن يخفي حسرته على هذه العقلية السلبية في التعامل مع الواقع و العلم ، فوكالة ناسا التي تصرف ملايين الملايين من أجل تصوير سطح كوكب مثل المريخ ، و تصرف مثلها من أجل تأمين سلامة الرواد في الفضاء و عودتهم سالمين ، يأتي من لم يساهم في كتابة حرفٍ واحد في هذه المجلدات الضخمة من علم الفضاء ليخبر ناسا بهذه الطرفة التي لا نعرف هل نضحك عليها أم نبكي لها .
ثالثاً : هل من المستحيل العقلي أن يختفي إنسان في الفضاء ؟؟؟؟
تخيلوا معي أن ناسا سمعت بهذا المقال و قررت أن تلقي بجثة إنسان ليسبح في الفضاء ، جثة إنسان ليس له أحد أو إنسان وصى أن يُطلق في الفضاء أو لأي سبب ، فهل هذا مستحيل عقلاً ؟؟؟؟
رابعاً : في حال حدث أن ضاع إنسان في الفضاء و لم يعد إلى الأرض ، ماذا سيكون موقف كاتب هذا المقال ؟؟؟
أتخيله سيقول – كما قال في بداية مقاله – من اجتهد فأصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر .
و أتخيّل أحداً غيره أكثر حنكة سيقول : نعم ، لقد ضاع في الفضاء ، لكن ما يدريك لعل الله قبل أن يأمر إسرافيل لينفخ النفخة الأولى يعيده إلى الأرض و يعيد كل من تشردوا في الفضاء فيدفنهم فيها ثم يبعثهم من جديد ؟؟؟
تلك هي المقالة الأولى في هذه المجلة ، سألحق صورة للمقالة كاملة في نهاية هذه المشاركة لمن شاء الاستزادة .
نظرية الانفجار الكبير :
:
في الصفحة السابعة يطل علينا الأستاذ الدكتور زغلول النجار و هو أحد مستشاري هذه المجلة بمقال يتكلم فيه عن نشأة الكون و مصير الكون .
و يتلخص كلامه في نشأة الكون بقوله ص 9 :
" هذه الشواهد و غيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم و جعلتها أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم ، و نحن المسلمين نرقى بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف و أربعمائة من السنين يخبرنا بقول الله تعالى : [COLOR=Red]" أوَلم يرَ الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما و جعلنا من الماء كل شيءٍ حي أفلا يؤمنون " الأنبياء 30 انتهى الاقتباس .
و لنا وقفات مع هذه الفقرة و بقية المقال الذي سأنشر صورته في نهاية هذه المشاركة :
أولاً : نلاحظ من بداية المقال اعتماد الكاتب على أسلوب إبهار القارئ بالكم الكبير من المصطلحات التخصصية في علم الكون و المادة مما يملأ القارئ شعوراً بالرهبة تجاه كلام صادر عن عالم متخصص خصوصاً عندما يقرأ تحت اسم الزغلول الوصف التالي ( أستاذ علوم الأرض و زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم ) ، و هذا الأسلوب تجده متبعاً في الكثير من مقالات الإعجاز العلمي ، يذكر لك مقدمة طويلة عريضة يحشوها بالمصطلحات الأجنبية و الأسماء الأجنبية ثم يذكر لك الآية موهماً إياك أن كل تلك الحقائق العلمية المذكورة موجودة في كود سري داخل الآية لم يستطع أحد كشفه من قبل .
ثانياً إذاً فالآية تتكلم عن سماوات موجودة و أرض موجودة لكنهما ملتصقتان ببعضهما البعض (كانتا رتقاً) ثم تم فصلهما عن بعض (ففتقناهما) و الفتق يعود عليهما و ليس على الرتق (الجرم الابتدائي) كما يقول الزغلول لأنه استخدم صيغة المثنى .
ثالثاً : لو كان هناك إعجاز علمي و سبق علمي في هذه الفكرة ، فيجب أن نمنحه لحضارة الرافدين قبل ستة آلاف سنة ، و غيرها من الحضارات السابقة حيث لم تخل حضارة من ذكر التصاق السماء بالأرض ثم الفصل بينهما و الأصل المائي للوجود .
يقول فراس السواح في كتابه (مغامرة العقل الأولى / ط 12 ) ص 36
"و كذلك الأمر فيما يتعلق بفكرة لقاح السماء و الأرض المتحدتين ، و الفصل بينهما فيما بعد ، ففي الأسطورة المصرية نجد "جيب" إله الأرض المذكر ، و "نوت" إلهة السماء المؤنثة في حالة اتحاد . و قد تزجا من بعضهما سراً دون إذن من الإله رع . فلما علم كبير الآلهة بذلك أرسل إله الهواء "شو" الذي أبعدهما عن بعض عنوة . و منذ ذلك الوقت و الإله شو يطأ بقدميه جيب الصريع ، و يرفع بذراعيه القويتين السماء "نوت" . و في الأسطورة الإغريقية نجد "جيا" الأرض ، الأم الأولى ، التي كانت أول إله يخرج من العماء البدئي ، تلد مظيرها أورانوس إله السماء الذي يغطيها من كل الجوانب ، وتتحد به لتلد بقية الآلهة ، ثم يتم التفريق بينهما عنوة . و في الأسطورة البابلية يقوم الإله مردوخ بشطر جسد الآلهة تعامة ، المياه الأولى إلى نصفين ، فيرفع الأول سماء ، و يبسط الثاني أرضاً ، و في الأسطورة التوراتية ، يقوم إله العبرانيين يهوه ، أيضاً ، بفصل المياه الأولى إلى شطرين ، رفع الأول إلى السماء و بسط الثاني الذي تجمع ماؤه في جانب ، و برزت منه اليابسة في جانب آخر . أخيراً أثبت لنا القرآن الكريم واقعة فصل السماء عن الأرض بقوله : " أو لم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما " . ..................................... ثم يقول في ص 37 " و في أساطير كثيرة من الشعوب البدائية المعاصرة لنا نجد تكرار لأسطورة فصل السماء عن الأرض . ففي نيوزيلاندة و تاهيتي و جزر كوك ، يروي السكان الأسطورة التالية : بعد أن اتحدت السماء بالأرض انجبتا عدداً من الآلهة الصغار الذين كانوا يعيشون في ضيق و ظلمة لشدة التصاق السماء بالأرض ، فقرروا التمرد على هذا الوضع بزعامة الإله الجريء "تاني" الذي رفع السماء بقوة ذراعيه حتى استقرت مكانها ، ثم قال لتبق السماء بعيدة عنا ، أما الأرض ، فلتبق قريبة هنا أماً رؤوماً . " انتهى الاقتباس .
ثالثاً : نخلص مما سبق إلى أن فكرة فصل السماء عن الأرض غائرة في القدم و قد قالت بها ثقافات كثيرة قديمة قد يكون الإسلام آخرها ، و لكن هل حقاً هذه الفكرة تتلاءم مع ما يقوله العلم و تقوله نظرية الانفجار الكبير ؟؟؟؟
نظرية الانفجار الكبير تقول أن الكون بدأ من انفجار نقطة متناهية في الصغر كثافتها عالية جداَ جداً أدى انفجارها إلى ظهور الكون ، و ظهرت المجرات و النجوم و من ثم الكواكب ، و كما هو معروف أن الأرض جاءت بعد تكوّن المجرات و الشمس بمليارات السنين . و حسب النظرية و مما يدل عليه اسمها أن انفجاراً حدث و ليس فتقاً أو شقاً ، فالانفجار يعني انتشار المادة من نقطة محددة بشكل شعاعي إلى مساحة أوسع ، أما الفتق و الشق فيعني أن يكون لدينا جسم ما فنقوم بفتقه أي شقه إلى جزئين ، كفتق الثوب ، و هذا التشبيه يخالف معطيات نظرية الانفجار الكبير الذي أدى إلى انتشار الكون من نقطة متناهية في الصغر .
إذاً فحسب الانفجار الكبير لم يكن هناك فتق بالمعنى الذي توهمه زغلول النجار ، و لو تابعنا التسلسل الزمني حسب النظرية ، لوجدنا أن الانفجار حدث ما بين 10 إلى 20 مليار سنة ، بينما تكون الأرض لا يتجاوز الخمسة مليارات سنة ، فكيف تكون انفتقت هي و السماوات عن بعضها البعض ؟؟؟؟
رابعاً : ماذا سيقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار في حال ثبت فشل نظرية الانفجار الكبير ؟
هناك أبحاث تتكلم عن خطأ الاستنتاجات التي تم استنتاجها بناءاً على حركة المجرات المتباعدة و الإشعاع الموجود في خلفية قبة السماء ، ترى هل سيقول أن القرآن مخطئ لأنه قال بنظرية الانفجار الكبير أم سيقول أن له أجر من أخطأ في حين أنه كان يطمح بأجرين لمن أصاب !!!!
راجع هذا المقال حول خطأ النظرية :
إضغط هنا
خامساً : نأتي لنتساءل عن معنى السماوات و معنى السماء .
و الحديث في هذه المسألة يطول ، لكن لو قلنا أن السماء هي كل ما علا حسب تفسير المفسرين ، و أنها تلك التي تحتوي الكواكب و النجوم (و لقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح و حفظاً) ، فهذا يعني أن الصفحة السوداء المليئة بالنجوم اللامعة في الليل هي السماء ، و الأرض هي جزء صغير في بطن هذه السماء ، فكيف يصح عقلاً أو لغةً أن نقول أن الأرض و السماء كانتا جرماً واحداً و انفتق إلى جزئين ؟؟؟؟؟؟
الأرض عبارة عن ذرة لا تكاد يكون لها وجود في القبة السماوية التي بها ما يُقدّر بألف بليون بليون مجرة ، فكيف تكون هي و السماوات (لاحظ ليس سماء واحدة) جرماًواحداً فانفتق ؟؟؟؟
هذا الربط بين الآية و بين نظرية الانفجار الكبير مثير للسخرية و الشفقة في نفس الوقت ، و لا ينجح إلا في عقل من تصور أن الأرض تعادل السماء في الحجم ، و أنهما مثل صدفتي المحارة ، و هذا هو التصور الذي كان يدور في عقل محمد و غيره ممن عاصروه ، لذلك لا تجده يذكر السماوات إلا و ذكر الأرض معها و كأنها تعادلها في الحجم ، و من يراجع الخاطرة 13 ما بعدها يجد شرحاً مفصلاً لهذه الفكرة .
و حال زغلول النجار و غيره من الإعجازيين في مطّ النص و ليّه حتى يلائم معطيات العلم الحديث تذكرنا بمضجع "بروكيروستوس" حسب الميثولوجيا الإغريقية و التي ملخصها أن قاطع الطريق العملاق الجبار " بروكيروستوس" كان يقوم بتمديد ضحاياه فوق المضجع ، فمن كان أطول من الفراش قطع قدميه ، و من كان أقصر يقوم بشده حتى يتلاءم مع طول الفِراش .
سادساً : لو قمنا بمراجعة كتب التفسير لمعرفة معنى هذه الآية فنجد أنها لن تتجاوز الفهم الموروث عن الحضارات القديمة من أن السماء و الأرض كانتا ملتصقتين ثم فُصِل بينهما بالهواء .
و قد تجد تفسيرات أخرى تتكلم عن فتق السماء إلى سبع سماوات و الأرض إلى سبع أرضين ، لكني أجد هذا التفسير غير منطقي لأن الآية قالت " أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً " و لم تقل "أن السماء و الأرض" ، أي أن السماوات متكونة أساساً و أن الفتق تم بعد ذلك .
و هناك تفسير لابن عباس يقول أن السماء كانت رتقاً و الأرض كانت رتقاً و عندما خلق الله أهل الأرض فتق السماء بالماء و فتق الأرض بالزرع ، و قد أُعجب ابن عمر بهذا التفسير أيما إعجاب ، و استدل عليه بقوله في نهاية الآية " و جعلنا من الماء كل شيءٍ حي" .
و هذا كما ترون ليس له علاقة بإعجاز علمي يتكلم عن نظرية الانفجار الكبير ، بل هو عجز علمي ينقل موروث الحضارات السابقة بعجره و بجره .
سألحق صورة للمقالة كاملة في نهاية هذه المشاركة لمن شاء الاستزادة .
هناك مقالات أخرى مبنية على الفهم الخاطئ أو التدليس على القارئ تحتاج للكثير من المراجعة ، ربما في وقتٍ لاحق .
تحياتي
صورة الغلاف
رسالة إلى ناسا
مقال الزغلول ص 1
مقال الزغلول ص 2
مقال الزغلول ص 3
مقال الزغلول ص 4
مقال الزغلول ص 5
موقع المجلة على النت