RE: تأملات حرة .
هذا المقال له علاقة وثيقة بالشريط و ازمة الحداثة
................................................
من القاهره
عندما تدخل الاصوليه دوله؟
بقلم : د. عبدالمنعم سعيد
القصه الحقيقيه للسياسه في المنطقه العربيه والاسلاميه خلال العقود الاخيره قامت علي التحدي الذي شكلته جماعات اصوليه متنوعه التشدد والغلو للدوله الوطنيه الحديثه وموسساتها. وبالنسبه للمورخين فان البدايه كانت مع سقوط الخلافه العثمانيه في نظر البعض, ومع مولد جماعه الاخوان المسلمين في نظر البعض الاخر, ومع قيام دوله اسرائيل لدي البعض الثالث, اما الفريق الرابع فيري البدايه في موجه العنف الديني التي شهدها الشرق الاوسط في السبعينيات, والتي شملت ما عرف بمحاوله انقلاب الكليه الفنيه العسكريه, واغتيال الشيخ الذهبي وقيام الثوره الاسلاميه في ايران وحتي اغتيال الرئيس انور السادات.
ولكن ربما كانت بدايه القصه اقل اهميه من جوهرها, فمنذ بدايه القرن العشرين اخذت الدول العربيه والاسلاميه الحديثه في الظهور في شكل حركات للاستقلال عن الاستعمار, وفي شكل موسسات متنوعه بدا العالم يعرفها مثل الدستور والبرلمان والوزاره والنقابه وموسسات المجتمع الاهلي والصناعه الحديثه والبنوك وشركات التامين, وبالطبع كل وسائل الاعلام الحديثه من اول الصحافه المكتوبه وحتي شبكات الانترنت. وبرغم ان هذه الموسسات لم تعمل ابدا بنفس الكفاءه التي عملت بها في البلدان التي ولدت فيها, او حتي بنفس الكفاءه التي عملت في بلدان العالم غير العربيه والاسلاميه المختلفه, فانها ظلت العماد الذي قامت عليه الوحدات السياسيه المختلفه, وكان التحدي الاساسي الذي يواجه النخب المختلفه هو دفع هذه الموسسات لتعمل بنفس الكفاءه التي تعمل بها في البلدان الاخري.
بالرغم من اتفاق السلام بين طالبان باكستان والحكومه الباكستانيه الاان طالبان خرقت الاتفاق واتجهت الي مواصله القتال
جوهر القصه التي اثرت علي عمليات الاصلاح والتغيير وممارسه السياسات الداخليه والخارجيه كان وجود تيار الاسلام السياسي, الذي مهما تعددت ابعاده واتجاهاته ودرجات الاعتدال والراديكاليه فيه, فان جوهره بقي يرفض الدوله الحديثه كليا او جزئيا, وسعيه الدائم الي تغيير اعمدتها او تطويعها, وفي كل الاحوال اذابه الحدود ما بين الداخل والخارج, خاصه فيما يتعلق بالعالم الاسلامي. ومن يعد الي الادب السياسي للحركات الاسلاميه, او الي التجارب الاسلاميه التي تم تطبيقها بالفعل في السودان وافغانستان وايران وفلسطين فسوف يجد عملا دءوبا من اجل تغيير شكل الدوله وموسساتها المعروفه, وكسرا للحدود بين الداخل والخارج, ومناكفه وصداما مع النظام الدولي القائم.
ومادام المسلمون امه واحده, او هكذا ساد الاعتقاد بين انصار هذه الحركات فان من حق كل منهم الانتقال من بلد الي اخر, والتدخل في شئون البلاد الاخري, والسعي لتغييرها الي الطريق القويم, ومن ثم كانت الحركات الاسلاميه عاده تضم عناصر من بلدان شتي, اما حركه الاخوان المسلمين فقد اسست تنظيما دوليا خاصا بها برغم وجود تنظيم دولي اخر يضم الدول الاسلاميه هو منظمه الموتمر الاسلامي.
وقد اخذ التحدي الذي تمثله الجماعات الاصوليه اشكالا مختلفه ما بين الممارسه السياسيه السلميه, ودرجات مختلفه من العنف, وفي بعض الاحيان قامت استراتيجيه التيار المعتدل علي فكره اما نحن المعتدلون او العنف, ولكن الجوهر في النهايه ظل واحدا, وهو تغيير الدوله المعاصره التي عرفها العالم, واستبدالها بدوله اخري تعود الي قرون سابقه اصولها.
وخلال الفتره القصيره الماضيه عاش العالم العربي والاسلامي ثلاثه تجارب جديده لتلك المواجهه بين التيارات الاسلاميه والدوله, وكلها تعطينا بعضا من المعرفه عن الاليات السياسيه المستخدمه من قبل هذه التيارات من اجل تدمير الدوله واقامه دوله اخري بديله, او تطويعها لكي تكون دوله اخري مختلفه عما يعرفه العالم من دول.
حركه بوكو حرام طالبان نيجيريا او افريقيا, ولدت عام2003 في نيجيريا, ومعناها بلغه الهاوسا الشائعه في نيجريا تحريم التعليم الغربي. ويتزعم الحركه الداعيه محمد يوسف, والذي اسس قاعده عرفت باسم افغانستان في اطراف مدينه كانام في ولايه بوتشي, ضمت الي جانب النيجيريين بالطبع عناصر من الدول الافريقيه المجاوره ابرزهم التشاديون. ويعتقد اعضاء الحركه ان نيجيريا جاهزه للثوره' الاسلاميه', فانخرطوا طوال السنوات الست الماضيه في انشطه دعويه وسياسيه مسلحه انتهت قبل اسابيع قليله بمواجهات داميه ضد القوات الحكوميه, وهي المواجهات التي خلفت اكثر من600 قتيل, فضلا عن مقتل محمد يوسف زعيم الحركه.
وما بين نشاه الحركه ونهايتها فانها سعت الي اقامه مجتمع يطبق الشريعه بصوره حرفيه علي نمط حركه طالبان في افغانستان بعد ان تبنت ايديولوجيه تكفيريه لا تقبل الحلول الوسط, فكل من يخالف الحركه وافكارها اعتبر مرتدا يستحق القتل. وكما هي العاده في مثل هذه الحركات فقد بدات بالانفصال عن المجتمع الذي تتهمه بالكفر والفسوق, والهجره الي مجتمع جديد يقوم علي التعاليم الاسلاميه النقيه, واقامه الصلاه في مساجد منفصله واطلاق اللحي وارتداء اغطيه حمراء وسوداء, ورفض بعض المسلمات مثل ان الارض كرويه وان المطر ناتج عن البخار, حيث نجح زعيم الحركه في اقناع انصاره بان كل ذلك من صنع الله فقط, وليس للطبيعه دور فيه.
واستغلت الحركه الظروف المعيشيه الصعبه التي يواجهها المجتمع النيجيري(140 مليون نسمه ينتمون ل200 عرقيه), فضلا عن انتشار الفقر والبطاله من اجل اجتذاب عناصر شابه اليها. ومع ذلك فان الحركه لم تسع الي اقامه مجتمع اكثر عداله او يكون اكثر كفاءه وقدره علي التنميه الاقتصاديه والاجتماعيه, وانما عمدت الي هز الاستقرار من خلال شن هجمات بقنابل المولوتوف والمناجل علي مراكز الشرطه ومنشات حكوميه. وعلي خلفيه قيام قوات الشرطه باعتقال زعيمها, قامت الحركه بتنظيم احتجاج ضخم في26 يوليو الماضي في ولايه بوتشي, بحجه رفض نظام التعليم الغربي في المدارس والمطالبه بالتوسع في تطبيق الشريعه, وسرعان ما اتسعت المواجهات لاربع ولايات اخري حتي انتهي الامر الي ما انتهي اليه.
القاعده والحوثيون في اليمن هم الاكثر شهره في العالم العربي الان, وقد اتي تحركهم علي خلفيه ثلاثه تحديات تواجه اليمن: الاول, ينطلق من تنظيم القاعده الذي وجد في اليمن بيئه خصبه بعد الضربات الموجعه التي تعرض لها في العديد من انحاء العالم لاسيما في العراق وافغانستان. والثاني, من قبل جماعه الحوثيين في محافظه صعده وجبالها. والثالث, ما يسمي بالحراك الجنوبي الذي يتمثل في مطالب شعبيه بالانفصال عن اليمن الشمالي, ويلقي دعما من جانب تنظيم القاعده والحوثيين رغم الاختلاف الايديولوجي فيما بينهم.
وبالنسبه لنشاط تنظيم القاعده, فقد عاد الي الظهور مره اخري في اليمن, ساعيا الي اقامه اماره اسلاميه هناك بعد الضربات التي تعرض لها في العراق وافغانستان, كما قام بتنفيذ عمليات قتل واختطاف عديده في الفتره الماضيه, كان منها قتل ثلاثه اطباء امريكيين واصابه رابع بجروح في هجوم نفذه مسلح علي مستشفي للكنيسه المعمدانيه في جنوب صنعاء في30 ديسمبر2002, وفي18 مارس2003 قتل امريكي وكندي ويمني بالرصاص, واصيب كندي اخر بجروح في شرق صنعاء, كما قتل ثمانيه سياح اسبان وسائقان يمنيان واصيب تسعه اشخاص بجروح في انفجار سياره مفخخه في2 يوليو2007.
وهكذا استمرت حوادث القتل والخطف للسائحين والاجانب حتي مست العمليات التي قام بها التنظيم وفقا لمصادر متعدده سياده الدوله اليمنيه في اكثر من مناسبه: الاولي, قيام طائره امريكيه بدون طيار عام2002 بقصف سياره كانت تقل عناصر من تنظيم القاعده دون علم السلطات اليمنيه او التنسيق معها, ثم اعلنت واشنطن ان العمليه تمت عبر اتفاق مع السلطات اليمنيه. والثانيه حسب مصادر مختلفه مبادره الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للقاء الرئيس الامريكي السابق جورج بوش واثنائه عن فكره اجتياح عسكري امريكي لموقع تنظيم القاعده باليمن اثر احداث الحادي عشر من سبتمبر.
اما بالنسبه لتمرد الحوثيين, فقد كان نتاجا لانشقاق جماعه من داخل الفرقه الزيديه في اقصي شمال اليمن في منطقه صعده, قاده حسين الحوثي الذي قتل في مواجهات مع القوات الحكوميه عام2004, فحل محله اخوه عبد الملك الحوثي الذي ما زال يقود المواجهات مع الحكومه, والتي وصل عددها حتي الان الي ست مواجهات. وتتعدد اسباب المواجهات بين القوات الحكوميه وحركه الحوثيين في اليمن, ومنها محاوله الحوثيين الانفصال واقامه اماره اسلاميه علي المذهب الشيعي الزيدي, والسيطره علي اجزاء شاسعه من صعده وما حولها حتي منطقه بني حشيش القريبه من صنعاء, والاستيلاء علي عشرات المدارس الحكوميه واستغلالها في نشر الفكر الشيعي الزيدي, ومنع اللجان الفنيه من الوصول الي المديريات التعليميه في مناطق بمحافظه صعده,
مما ادي الي توقف العمليه التعليميه في الشهادتين الاساسيه والثانويه لمده يومين في يونيو2009, ويضاف الي ذلك اسر عدد من الجنود والاستيلاء علي معدات الجيش, وتدمير البنيه التحتيه في مناطق مختلفه, وقصف القصر الجمهوري بمحافظه مارب, وفرض زكاه وتبرعات علي المواطنين لتمويل انشطه الحركه, لاسيما ما يتعلق بنشر المذهب الشيعي الزيدي, واقامه عدد من النقاط المسلحه والحواجز علي الطريق بين محافظه صعده والعاصمه صنعاء.
وقد اعلنت الامم المتحده ان عدد النازحين بسبب الصراع في محافظه صعده بشمال اليمن وصل الي اكثر من مائه الف نازح. كما اصدرت منظمه غير حكوميه احصائيه لنتائج المواجهه الخامسه بين القوات الحكوميه والحوثيين في اليمن التي نشبت في مايو2008, قدرت فيها عدد الضحايا بعشرين الف يتيم وعشره الاف معاق وسته الاف شخص بدون عائل, وسته مخيمات للنازحين, وتضرر مائه وعشرين الف شخص من جراء الحرب. وتقول مصادر في الحكومه اليمنيه ان الحرب استنزفت ما لا يقل عن ملياري دولار, بخلاف مساعدات ماليه تلقتها الحكومه من اطراف اقليميه قدرت ب500 مليون دولار, فضلا عن مبالغ اخري دفعت بشكل متقطع عن كل يوم خلال ايام القتال وهي المبالغ التي وصلت الي مليوني دولار.
حركه طالبان باكستان غزت الانباء العالميه بعد المواجهات الداميه التي شهدتها باكستان في الشهور الماضيه, وكانت احد اهم نتائج الاتفاق الذي ابرمته الحكومه الباكستانيه مع الحركه في فبراير2009 تحت شعار الشريعه مقابل السلام, والذي قضي بتنازل الدوله الباكستانيه عن جزء من سلطاتها وسيطرتها, مع منح طالبان الحق في فرض القوانين التي تختارها في المناطق الواقعه تحت سيطرتها مقابل القاء السلاح ووقف المعارك. لكن طالبان خرقت الاتفاق ورفضت تسليم السلاح, بل اتجهت الي مواصله القتال من اجل فرض حكم الشريعه خارج وادي سوات وصولا الي نشرها في جميع انحاء باكستان.
وفي سبيل تحقيق ذلك قامت الحركه بالاستيلاء علي مقار رسميه ومبان تعود الي منظمات غير حكوميه ومساجد, وبث عبر شبكه الانترنت صوره فيديو لتنفيذ حكم الجلد علي فتاه دون سن العشرين ادينت بارتكاب جريمه الزنا, واغلاق مدارس الفتيات, والسيطره علي المحاكم ومصادره وثائقها, ووضع حواجز علي الطرق وزرعها بالالغام, وحظر الموسيقي في وسائل النقل العام واغلاق جميع محال بيع الاسطوانات والاشرطه الموسيقيه, وقطع رووس العديد من قوات الشرطه, ومواصله الزحف الي اقليم بونر الذي لا يبعد عن العاصمه سوي60 ميلا.
وحسب تقرير منظمه العفو الدوليه عام2009, فقد ارتكبت الحركه انتهاكات خطيره لحقوق الانسان منها شن هجمات مباشره ضد المدنيين وعمليات اختطاف واحتجاز رهائن وتعذيب واساءه معامله وقتل للاسري. ففي اكتوبر2008, قتل انتحاري من الحركه اكثر من80 شخصا من المدنيين العزل وجرح اكثر من100 شخص في مجلس للسلم في منطقه اوركزاي, ممن كانوا يضعون استراتيجيه لتقليص حوادث العنف في المنطقه. كما احتجزت الحركه عشرات الرهائن بينهم دبلوماسي افغاني وايراني وباكستاني وصحفي كندي ومهندس بولندي. وفي سبتمبر2008 احتجزت طالبان في سوات عددا من الرهائن الاجانب لارغام الحكومه علي اطلاق سراح136 معتقلا من اعضائها.
هذه الحركات الاسلاميه في الدول الثلاث نيجيريا واليمن وباكستان تتسم بالغلو والتطرف, وكلها تقوم علي اقتطاع جزء من الدوله وانشاء الاماره الاسلاميه التي تكون بمثابه القاعده التي يجري الانطلاق منها, وهو ما لا يختلف كثيرا عما جري في افغانستان والصومال من قبل, وحتي في غزه( بعد انقلاب حماس), وفي رفح الفلسطينيه( بعد محاوله اقامه الاماره الاسلاميه) موخرا. وبالطبع فقد تنجح هذه الحركات احيانا, او تفلح في تقسيم الدوله بينها وبين انصار الدوله المدنيه, او حتي بينها وبين عناصر اسلاميه اخري تختلف معها في المذهب او في تفسيرات فقهيه او حتي درجه التشدد والعنف.
ولكن الهدف في النهايه يظل واحدا ويتلخص في اضعاف الدوله الحديثه ومنعها من الاندماج في العالم المعاصر, بل وخروجها عليه بطريقه او باخري. وربما كان هذا هو التحدي الحقيقي الذي لم تفلح النخب السياسيه في البلاد العربيه والاسلاميه في ان تجد له حلا خلال القرنين الماضيين, والارجح ان الحل لن يوجد ما لم يتم النظر الي القضيه في جوهرها وليس في تفاصيلها, فالسوال ليس عن اي دوله نريد بقدر ما هو هل نريد الدوله نفسها ام لا؟!.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 08-29-2009, 03:34 PM بواسطة بهجت.)
|