ستون عاماً من الوصاية الأبوية على الـ U N

الأمم المتحدة والعولمة والديمقراطية
في عصر العولمة، العالم قرية صغيرة.

مواطنو القرية الصغيرة يعشقون الحرية والمساواة والحقيقة العلمية.

فلا تحجبوا عنها رياح الديموقراطية.


بمناسبة انعقاد الدورة الستين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، ينطرح السؤال التالي: ألم يحن الوقت بعد لهذا الطفل الستيني أن يبلغ سن الرشد وأن تُرفع عنه الوصاية الأبوية؟ أم أنه لن يبلغ سن الرشد إلاّ بعد أن يتمكن من"قتل الأب" المؤسس؟
في ما يلي لمحة سريعة عن نشأة االهيئة الدولية ودورها في التأثير على مسيرة العولمة وعلى مضمونها
كانت الحرب العالمية الأولى بمثابة منعطف حاسم في مسيرة "العولمة" (قبل الكلمة) التي بدأت قبل ذلك بما يقارب القرن من الزمن وتحديدا بعد اكتشاف قوة البخار وتطبيقاتها الصناعية والثورة التي أحدثتها في وسائل النقل والمواصلات وفي الصناعات الأخرى فقصرت المسافات بين البلدان وامتدت شبكة من السكك الحديدية تربط بين مدن القارة الواحدة، وأحيانا أكثر من قارة وارتفعت أعمدة الدخان في أجواء المدن الصناعية وتضاعفت إنتاجية المصانع وضاقت الأسواق التقليدية عن تصريف البضائع. والعالم مقسم بين الامبراطوريات القديمة، فرنسا وإنجلترا بصورة خاصة. وأدى التنافس الشديد بين الدول الصناعية على مناطق نفوذ وأسواق لتصريف منتجاتها الصناعية، إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والكل يسعى للحصول على المزيد من مناطق النفوذ في التقسيم الجديد للكوكب. فمن هو المنتصر الأكبر في الحرب العالمية الاولى؟ هذه الحرب التي كرست ولادة المجتمع العالمي، ولادة عسيرة، بعد عملية مخاض دامت حوالي قرن من الزمن.
على أثر الحرب العالمية الأولى أدركت الولايات المتحدة، بحكم الدور الحاسم الذي لعبته في هذه الحرب، أنها الدولة الأقوى في العالم. ولماذا لا تهيمن على العالم ككل وبطريقة غير مباشرة تحت ستار هيئة دولية تكون في خدمتها؟ هكذا دعت الولايات المتحدة الأمريكية الدول المنتصرة إلى تأسيس "عصبة الأمم" كهيئة دولية، نوع من حكومة عالمية. ولم تستطع عصبة الأمم أن تمنع اندلاع الحرب العالمية الثانية. في نهاية الحرب اجتمع ممثلو الدول المنتصرة بمبادرة الولايات المتحدة أيضاً على تأسيس "منظمة الأمم المتحدة" بديلا لعصبة الأمم، معلنة أن هدفها الرئيسي هو حفظ السلام العالمي ومنع نشوب حرب جديدة.
بعد الحرب العالمية الثانية وخلال كل فترة الحرب الباردة استقر الوضع العالمي على توازن القوى أو "توازن الرعب" بين المعسكرين. وكان هذا التوازن إيجابيا بالنسبة لمناطق عديدة باستثناء المنطقة العربية ذلك أن التوازن العالمي كان يشتمل على ضمان توازن إقليمي في صالح إسرائيل دائما. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فرغت الساحة الدولية للولايات المتحدة بلا منازع، تفعل ما تشاء بالمنظمة الدولية وتكيل بمكيالين أو أكثر، وإذا لم تكن المنظمة طائعة فهي تدير ظهرها للمنظمة وتفعل ما تشاء بدون المنظمة الدولية وتجر وراءها أو تدفع أمامها عددا من الدول لإضفاء نوع من الشرعية الدولية على تصرفاتها التعسفية. فهذه هي حقيقة المجتمع العالمي الذي لم يتجاوز بعد مستوى أنظمة السلطة الفردية المطلقة السائدة في المجتمعات العربية.
كما نطالب بإقامة نظام ديموقراطي على مستوى الدولة الوطنية (القطرية أو القومية)، نظام قائم على مبدأ المساواة التامة بين المواطنين الأحرار بمعنى الحرية/المسؤولية الشخصية، مسؤولية الشخص عن نفسه، عن مصيره ومصير إنسانيته/ الإنسانية جمعاء، وبالتالي دولة القانون والمؤسسات ودولة الكفاءة العلمية والجدارة الأخلاقية والشفافية بدلا من دولة الشخص الفرد الواحد ورجاله، دولة العلاقات الشخصية ثم العشائرية، الطائفية والعقائدية في أحسن الحالات وربما أسوئها.
كذلك على مستوى المجتمع العالمي مطلب الديموقراطية من المطالب الأكثر إلحاحا إن لم يكن أكثرها. فالعالم بأجمعه في أمسّ الحاجة إلى نظام عالمي ديموقراطي قد تكون منظمة الأمم المتحدة نواة هذا النظام إذا ما تم تحويلها إلى "حكومة" عالمية منتخبة ديموقراطيا من الشعوب، لا من الحكومات، وإنشاء برلمان عالمي منتخب ديموقراطيا من قبل الشعوب أيضاً، على غرار البرلمان الأوروبي مثلاً. هذه أمور معقولة إذن ممكنة، خاصة الآن وقد أصبح العالم بمثابة قرية صغيرة تدور حوله المعلومة مرات عديدة خلال ثوان معدودة. ما يسمى بالعولمة هو أمر واقع، واقع في الاقتصاد، واقع في السياسة وفي الإعلام وفي العديد من المجالات التي تغطيها وكالات الأمم المتحدة المتخصصة (اليونسكو، اليونيسيف، برنامج الأمم المتحدة للتنمية ...)، هذه الوكالات تكون بمثابة الوزارات في الحكومة العالمية.
يبقى أنّ النظام السياسي السائد حاليا في العالم هو أقرب إلى النظام الاقطاعي منه إلى النظام الديموقراطي، حيث السيد الإقطاعي الأكبر يجيز لنفسه ما لا يسمح به لغيره، يتمتع بصلاحيات مطلقة لا يردعه رادع وكأنه الرب الأعلى. العولمة التي يريدها الشعب، بل شعوب الأرض قاطبة تريدها عولمة ديموقراطية تتماشى مع التحولات الديموقراطية الجارية هنا وهناك وما زالت في عدد من البلدان مطلبا شعبيا ملحّا وربما الأكثر إلحاحا، ولا يقلّ إلحاحا عن مطلبي القضاء على الفقر والقضاء على الإرهاب. ولا شك في أن التحولات الديموقراطية هي من العوامل الفاعلة إيجابياً في عملية استئصال آفة الفقر وآفة الإرهاب من على سطح الكوكب. ولسان حال هذه الشعوب يقول:
لا للعولمة الإقطاعية في ظل هيمنة السيد الأكبر! ونعم من أجل عولمة ديموقراطية تقوم على أساس مفهوم "المواطن العالمي"، وهو نفسه مواطن الدولة الحديثة كوحدة أساسية في بناء المجتمع العالمي ، مواطن العالم Citoyen du Monde، وعلى مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين، بالغي سن الرشد، بدون أي تمييز في الجنس أو لون البشرة، أو المعتقد الديني وغير الديني أو الانتماء العرقي أو الثقافي أو غير ذلك من أشكال التمييز المختلفة الموروثة عن عصور الجهل بحقيقة الإنسان الأولى والأخيرة من حيث هو محل الحقيقة ومصدر القيمة.

خلاصة القول، على ضوء تجربة الخمس عشرة سنة المنصرمة في الوضع العالمي، نلاحظ أنّ المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية تكمن في النظم السياسة السائدة فيها وهي أقرب إلى الطراز" الصدّامي" منها إلى أي شكل آخر. وهذه المشكلة هي نفسها التي يعاني منها المجتمع العالمي، مجتمع الدول والشعوب والهيئات الدولية حيث يسود قانون الأقوى. ولكن الأقوى لا يلتزم بقانون وإن كان هو واضعه. بالنسبة للمراقب من داخل الساحة العربية أو من خارجها فلا بد أن يلاحظ أنّ النظام العالمي الجديد لم يجلب شيئاً إيجابياً للمنطقة سوى الحروب الإقليمية والأهلية وما زال النزاع العربي ـ الإسرائيلي بدون حل بسبب التعنت والغطرسة الإسرائيلية وبتشجيع من الـ Big Brother وكلاهما يضرب عرض الحائط بالعديد من قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي إذا ما لم يُستخدم حق الفيتو لمنع اتخاذ أي قرار.
في هذا المجتمع العالمي في ظل هيمنة الـ Big Brother بسلطته الفردية المطلقة يبدو وكأن هناك تحالفا طبيعياً بين نظام Big Brother والنظم "الصدّامية " وكأن العولمة الأمريكية هي تكريس لنظام السلطة الفردية المطلقة على المستوى العالمي كما على صعيد النظام الصدامي المحلي . في حين أن المطلوب هو عولمة ديموقراطية أي أن تكون هيئة الأمم المتحدة بمثابة حكومة عالمية ولكن ديموقراطية وتستند إلى برلمان عالمي منتخب ديموقراطيا من شعوب العالم بكل نزاهة وحرية. فالحكومة العالمية والبرلمان العالمي في العولمة الديموقراطية يجب أن يكون لهما القدرة والصلاحية لاعتماد القوانين والقرارات المتوافقة مع حقوق الإنسان والقدرة على فرض احترام هذه القوانين والقرارات على الجميع دون استثناء وإلغاء الإمتيازات الموروثة عن أزمنة بائدة، مثل امتياز حق النقض (الفيتو) للدول العظمى الخمس، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي أو غيره من الامتيازات والتجاوزات والكيل بمكيالين واعتبارات من نوع "هؤلاء هم أبناء السيدة وأولئك .أبناء الجارية

كما نطالب بإقامة نظام ديموقراطي على مستوى الدولة الوطنية (القطرية أو القومية)، نظام قائم على مبدأ المساواة التامة بين الموطنين الأحرار بمعنى الحرية/المسؤولية الشخصية، مسؤولية الشخص عن نفسه، عن مصيره ومصير إنسانيته/ الإنسانية جمعاء، وبالتالي دولة القانون والمؤسسات ودولة الكفاءة العلمية والجدارة الأخلاقية والشفافية بدلا من دولة الشخص الفرد الواحد ورجاله، دولة العلاقات الشخصية ثم العشائرية، الطائفية والعقائدية في أحسن الحالات وربما أسوئها.
كذلك على مستوى المجتمع العالمي مسالة دبموقراطية النظام العالمي الجديد. فالعالم بأجمعه في أمسّ الحاجة إلى نظام ديموقراطي عالمي انطلاقا من منظمة الأمم المتحدة إذا ما تم تحويلها إلى حكومة عالمية منتخبة ديموقراطيا من الشعوب، لا من الحكومات، وإنشاء برلمان عالمي منتخب ديموقراطيا من قبل الشعوب أيضاً، على غرار البرلمان الأوروبي مثلاً. هذه أمور معقولة إذن ممكنة، خاصة الآن وقد أصبح العالم بمثابة قرية صغيرة تدور حوله المعلومة مرات عديدة خلال ثوان معدودة. ما يسمى بالعولمة هو أمر واقع، واقع في الاقتصاد، واقع في السياسة وفي الإعلام وفي العديد من المجالات التي تغطيها منظمات الأمم المتحدة المتعددة بدورها.
يبقى أنّ النظام السياسي السائد حاليا في العالم كوحدة سياسية اجتماعية هو أقرب إلى النظام الاقطاعي منه إلى نظام ديموقراطي، حيث السيد الإقطاعي الأكبر يجيز لنفسه ما لا يسمح به لغيره. في هذا النظام البطركي الأبوي ( على حد تعبير هشام شرابي) البطريرك يتمتع بصلاحيات مطلقة لا يردعه رادع وكأنه الرب الأعلى. العولمة التي تريدها الشعوب هي عولمة ديموقراطية ولا العولمة الإقطاعية في ظل هيمنة السيد الأكبر.

عندما تنظر للأمم المتحدة ومجلس الأمن وتوسيعه وعملية الاصلاحات المقترحة يخيل إليك أنك أمام نظام دكتاتوري أو رجعي وتتذكر الأنظمة العربية الحالية..

من يعلق الجرس وينسحب من هذه الهيئة المسخ؟!