"يجب .. و يجب .. و يجب" ذكرني بأسلوبي في الانشاء في مرحلة الاعدادية. كنت أرسم بالكلمات الطريق الى مدينة أفلاطون الفاضلة ب "كلمات لست أعنيها" لأني أمام "واجب" مدرسي من جهة وهذا ما يريد الآخر سماعه من جهة ثانية و لأنه طريق ارسم به صورة "مثالية" لشخصي مع اني أعي و أدرك أنها مختلفة عنها كثيرا و تصل حد التناقض معها أحيانا .. و الهدف؟ نيل علامة عالية. الموقفان متشابهان برأيي.
لا أدري كيف يريدوننا أن نصدق و نترجم تلك المثل و القيم و نحن نرى ميثاق حقوق الانسان نفسه و هيئة الأمم المتحدة نفسها باتا صورة بلا صوت! و نرى أن الجهات التي أطلقتها هي التي تنتهكها كلما اقتضت مصالحها.
كما لا أدري ان كان من الممكن أن يتطور الانسان أخلاقيا بالأوامر و النصائح و ال "يجبات" و دون أن يشبع حاجاته الأساسية في الغذاء و الأمن كحد أدنى! (هرم ماسلو). ما نراه هو ازدياد تمركز رؤوس الأموال في أيدي حفنة قليلة ليقع في طواحين الجوع و الفقر مئات الملايين من البشر كل عام ..... هؤلاء البشر المسحوقين انسحاق السواد بأي منطق نأتي لنطالبهم بأن يكونوا "أرق من النسمة و أجمل من ملاك" how come و how go أيضا؟
الكلام عن نبذ العنف يخفي سما زعافا مقصودا... فالعنف الخفي أشد و أنكى. الأزمة العقارية العالمية التي شحتت أغلبية العالم الأخضر و اليابس هل استخدم فيها اي شكل من أشكال العنف؟
بنود اتفاقية التجارة .. وصفات صندوق النقد الدولي ... و غيرها الكثير الذي جنى و لا يزال على الدول الفقيرة ... هل استخدم فيها اي عنف؟
صور العنف الخفي هذه و الكثير غيرها لا يتطرقون اليها -سارا عليها برايي- بل يخدرون الشعوب المغلوبة على أمرها بمعسول الكلام ليمر الحسام بأقل الصعوبات و التكاليف عليهم.
الدعوة الى معاملة الآخر "كما يحب أن يعامل" رائعة. و رائعة جدا الاشارة الى أن ذلك غير ممكن الا في أجواء تتحقق فيها الحرية و العدالة. حسنا .. ان كان الغرب فشل بقصد عن حل النزاعات و الحروب في بؤر التوتر بل انه أشعل بعض الهادئ من بقع العالم و ان كان يساند حكومات الاستبداد و الاستعباد فكيف سيتحقق احترام الآخر والقبول به؟ أم على أنغام الانفجارات و دخان الأسلحة المحرمة دوليا و تكسير عظام المعارضين في السجون؟ ثم أنهم بأنفسهم يقولون أنها لا تتحقق الا بشروط الحرية و العدالة!
حين يقولون لنا أن "جميع الناس عليهم مسؤولية تنمية مواهبهم من خلال العمل باجتهاد، ويجب أن تتاح لهم فرص متكافئة في التعليم والعمل. وعلى كل شخص أن يولي الدعم للمحتاجين والمحرومين والمعوقين وضحايا التمييز" منين مئات ملايين البشر ستنمي مواهبها و هي تلهث و راء لقمة عيش قد تجدها و قد لا؟؟
اضافة الى ان المحتاجين و المحرومين و المعوقين و ضحايا التمييز هم أغلبية سكان العالم!!
يعطون الناس "حق الدفاع عن النفس" لتجسيد موقف "حقاني أوي" بينما نعرف جيدا و بالخبرة التاريخية أن الغرب و وكلائه المحليين هم من يخلق الوقائع و الأحداث التي نضطر للدفاع عن النفس فيها ضدهم. و بعد ذلك يشترطون القاء السلاح من أجل فتات موائد مفاوضات.
باختصار:
بيع كلام منمق جيدا .. و لأن الشعوب تلقفته بلهفة لم نسمع بذلك الاعلان حتى اليوم. بل ان أصحابه لم يتعبوا أنفسهم في تسويقه .. لأنهم عارفون أنه "انشاء".