دور ووظيفة الدين
دور ووظيفة الدين
أن هذا الانتشار الواسع للأديان وهذا التمسك القوي بها والمحافظة عليها وعلى استمرارها , لابد أن يكون له عوامله وأسبابه , وأن يكون له دور ووظيفة هامة اجتماعية وفردية نفسية وفكرية , و إلا لما نشأت واستمرت هذه الأديان .
وكذلك من مبدأ " أن كل موجود لابد من وجود عوامل وعناصر وأسباب وجوده " يجب معرفة أسباب وعوامل نشوء الأديان واستمرارها.
فللذرائعية دور كبير في نشوء الأديان , أي للدين وظيفة نفسية واجتماعية عندما نشأ , وليس فقط المنطق والفكر السبب في وجوده .
لقد قيل : أن الأديان تسعى إلى فرض قواعد سلوكها الحسن .
وإن نزعة البشر- التي لا يمكن كبحها - نحو التكتل حول ألوهيات، تستجيب إلى سلوك منتخب للتطور بغرض تحقيق هدف تكيّفي . كسلوك تم إفرازه خلال عملية التطور من أجل تفضيل التعاون بين الأفراد و جعل المجموعة أكثر قدرة على البقاء . فمن خلال مقارنة بين عديد الأديان في العالم يستنتج أنه كلما شجعت المجموعات البشرية القيم المشتركة و الأخوّة و السلوكيات الأخلاقية، كانت فرص بقاء المجموعة أوفر . وهكذا يكون السلوك الديني آلية لضمان بقاء الجماعة مثلما هو الحال بالنسبة للسلوكيات القرابية أو للدفاع عن الأرض .
ونحن نجد أن هناك سلوكيات "أخلاقية" قد برمجت لدى أصناف من الحيوان عن طريق آليات بسيطة ومباشرة مثل التعلق وغريزة الأمومة والإيثار على النفس والخوف والتراتب.
وإننا نجد في أديان اليوم طيفا كاملا من السلوكيات. فـ"أديان الشفاء" كمذهب الكنيسة الإنجيلية تشهد اليوم عودة قوية.
وداخل السجون يوفّر اعتناق الإسلام لأفراد انساقوا إلى الانحراف إطارا أخلاقيا .
وتوفر البوذية الغربية هيكلا للتفكير و التأمل للعديد من الأفراد الباحثين عن الرضى والتفتح الشخصي .
ويمكـّن الدين من ربط صلات بالمجموعة. وهو ما يمثل أيضا أحد أسباب نجاح الشعائر المعاصرة المستهوية للجماهير.
ونجد آخرين ينخرطون في تنبؤية سياسية/دينية واضعين كل آمالهم في التغيير المجتمعي . وربما يكمن سر هذا النجاح في أن الجاذبية الدينية لا تقتصر فقط على "شعور ديني" خالص من العسير تحديد ملامحه بل إنها تتعداه لتشمل كامل سلسلة الانفعالات و التمثلات الذهنية التي تستطيع أن تستحوذ على الكثير من العقول ذات الانتظارات المتعددة .
حاجة الفرد والمجتمع إلى الدين , دور ووظيفة الدين الاجتماعية والفردية
لقد عرف غالبية المفكرين والفلاسفة دور وأهمية الدين وسعوا للدفاع عنه وعن استمراره , حتى وإن وجدوا بعض الثغرات والتناقضات فيه , كل منهم بطريقته , وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
فهناك حاجة الإنسان النفسية للدين , فهو يؤدي عدة وظائف تمكن الإنسان من تحمل مشاكل الحياة والتحقيق للرضا النفسي والفكري , والأمل في معونة الآلهة , والشكر على ما يصيب الإنسان من حظ سعيد. والأهم أنه يلغي عبثية الحياة ( الانبثاق من العدم والعودة للعدم ) ويعطي للحياة معنى وأمل .
نعم لقد حقق التقدم الحضاري والعلمي الكثير للإنسان وسهل له حياته , ولكن تبقى أهم مشكلة وهي مشكلة الموت التي لم يستطاع حلها , ولكن الدين حقق حلها بطريقة فعالة ومجدية .
وللدين دور ووظيفة اجتماعية هامة جداً , الأخلاق والتشريعات الاجتماعية , فهو يضع ويحدد وينظم العلاقات الاجتماعية ويجعل الأفراد يتبنون نظم وعلاقات محددة بإرادتهم الذاتية ودون فرضها عليهم , لأن هذه النظم والعلاقات والمناهج في التعامل والتقييم للعلاقات الاجتماعية , تلقن للأفراد منذ ولادتهم فتكون بمثابة برمجة أولية وأساسية لهم يتم اعتمادها والمحافظة عليها بقية حياتهم ( أي تصبح دستور حياتهم ) , وإن كانت تلك الأنظمة والتشريعات بسيطة ومحدودة ولم تعد كافية لتناسب الأوضاع الاجتماعية المعقدة الحالية .
وهذا بعكس الأنظمة والقوانين الحديثة التي تفرض أثناء حياة الفرد ويكون تقبلها واعتمادها لا يتم بسهولة . بالإضافة إلى تطور وتسارع ظهور قوانين جديدة باستمرار لكي تجاري التطورات الاجتماعية والحضارية السريعة , صحيح أنها بعد فترة تنتشر وتعم بين الأفراد ويتم اعتمادها من قبل الأغلبية ولكن هذا يستغرق وقت طويل بعكس المبادئ والقيم الدينية التي ترسخ منذ الولادة .
فللدين والعقائد دور ووظيفة اجتماعية وفردية ذاتية هامة , فهو غالباٌ ما يحقق الكثير من الانسجام والتوافق والسعادة للأفراد ويساهم في تماسك ونمو المجتمع , إي له موجباته الواقعية و إلا لما كان هذا الانتشار والنمو له ( فكل موجود له مكونات وجوده ) .
" والمهم لدى كل منا المفيد والسعيد له أولاٌ , ومن ثم المفيد لأسرته وجماعته ومجتمعة . والصحيح والغير الصحيح يأتي لاحقاٌ "
من أين يستمد الفكر الديني قوته , وسهولة انتشاره
في رأي الكثيرين من الأم ومن الأسرة وفي مرحلة الطفولة .
فكما تورث الأم أطفالها لغتها تورثهم أفكارها وقيمها وبالتالي عقائدها , التي هي ورثتها عن أمها وأسرتها . فكل إنسان ينطلق من دين وعقائد آبائه , وقلائل الذين يسعوا لتطويرها أو تغييرها .
لذلك نلاحظ هذا التمسك القوي من غالبية الناس بعقائدهم الموروثة من آبائهم , وهذا لأن هذا الموروث هو أول ما يسجل في عقلهم , وهو يكون الأساس الذي سوف يبنى عليه .
وهذه الأفكار أو البنيات الفكرية أو الكائنات الفكرية التي توضعت في دماغهم أولاً , سوف تسعى للمحافظة على نفسها وتقويتها وانتقالها إلى الآخرين , فهي تسعى بكافة الطرق لتبرير وتقوية نفسها , وهذا نلاحظه بوضوح على كافة البشر .
فالفكر الديني أو العقائد الموروثة هي الإعلام الأول الذي يدخل إلى عقل الإنسان , لذلك هو الأقوى , وهذا تابع لخصائص وآليات عمل الدماغ أو العقل .
فمهما كان الأعلام اللاحق قوي يصعب عليه التغلب على الأفكار الموروثة , وفي الواقع هذه الأفكار والعقائد الموروثة هي التي تؤثر وتوجه هذا الإعلام , طبعاً ضمن حدود معينة . لنأخذ اليهود و دولة إسرائيل مثلاً .
إن اليهود يرثون أفكار دينية قديمة جداً وهي متواضعة الدقة بشكل كبير , ومع هذا يقومون بتبنيها والمحافظة عليها , ويستخدمون في ذلك أحدث الأفكار وكافة القدرات المادية وغير المادية , وهذا التناقض ظاهر بشكل جلي .
فالفكر الديني أقوى بكثير مما يتصور الكثيرين , إن استجاباتنا وتصرفاتنا الموروثة اجتماعياً والتي هي نتيجة حياتنا الاجتماعية كثيرة جداً , فالمجتمع الذي نعيش فيه يبرمجنا فكرياً وعقائدياً ويبرمج غالبية تصرفاتنا . إننا مقلدون ومحافظون في أغلب تصرفاتنا واستجاباتنا ونادراً ما نغير ونجدد , وعندما نفعل ذلك تقاوم تصرفاتنا من قبل غالبية أفراد المجتمع .
إن كل منا تبرمجه الحياة الاجتماعية حضارياً وثقافياً وعقائدياً , وعندما نتقدم بالعمر تصبح أكثر من 90 بالمئة من استجاباتنا محددة بالذي اكتسبناه من مجتمعنا , فنحن إذا دققنا بتصرفات كبار السن نجد أنها ثابتة ومحددة , وهي تتكرر في كافة الظروف المشابهة ونجد أنه يصعب تغييرها أو تعديلها . فانفعالاتنا بكافة أشكالها السارة أو المؤلمة أو الغاضبة , وكذلك أحكامنا وأهدافنا وغاياتنا وأفكارنا , تصبح محددة بشكل كبير , ونحن حتى بعد معرفتنا ذلك نواجه صعوبات كبيرة عند محاولتنا تغيير ذلك .
فالإنسان يرث خصائصه الفزيولوجية والبيولوجية عن طريق الجينات من أسلافه , وهذه تحدد الكثير من خصائصه .
وكذلك يرث من مجتمعه غالبية أنماط استجاباته وتصرفاته , فهو يرث لغته ودينه وثقافته ... وما يرثه غالباٌ ما يكون متوافق ومنسجم ومتكيف مع الأوضاع والظروف المادية والاجتماعية والفكرية الموجود فيها . لذلك الموروث غالباٌ ما يكون هو الأفضل والمفيد والسعيد له والمفيد للمجتمع , هذا إذا لم تحدث تطورات كبيرة تؤدي إلى تغيير خصائص هذا المجتمع .
البعض وجد الدين متناقض مع المعارف العلمية الدقيقة ومع التفكير المنطقي , وأن هناك عشرات الأدلة الواقعية والمنطقية والعلمية التي تؤكد أن الديانات جميعها نشأت في مرحلة معينة من تطور الإنسان بعد أن كان يعيش حياة اجتماعية بلغت حداٌ معيناٌ من الثقافة .
فبعضهم مثلاً يجدوا أن الاختبار والمكافأة والعقاب لا تتفق نهائياٌ مع تعريف الله , لأنه إذا كان الله بهذه القدرات ألا نهائية فمن المستحيل أن يقوم بمثل ذلك , فهو العليم بكل شيء , أي الزمن مفتوح بالنسبة له , وهم يقولون أن هناك الكثير من البراهين والدلائل التي تدل على عدم وجود ألله كما وصفته الأديان , وكانوا يراهنون على أن الأديان سوف تنتهي في مدة أقصاها خمسون سنة , وهم واثقون من ربح الرهان .
ولكن أغلبهم أدركوا أنهم خسروا الرهان بشكل واضح , فالأديان تزداد قوة وانتشار وخاصة الدين الإسلامي . فهم لم يحكموا على الأوضاع والظروف بشكل موضوعي ولم يراعوا كافة العوامل والعناصر الموجودة . فقد كان هناك الكثير من العناصر والمؤثرات الاجتماعية والنفسية والفكرية التي لم يحسب لها حساب , وهذا ما جعلهم يظنوا أن الأديان سوف تنتهي .
وكما ذكرنا أن الأديان عندما نشأت كان ذلك نتيجة لوظيفتها النفسية والفكرية الهامة جداٌ , وكذلك كان لها أيضاٌ وظيفة اجتماعية هامة وأساسية . فقد كان لها دور إيجابي فردي ذاتي , ودور اجتماعي و إلا لما تشكلت وانتشرت .
يجب أن نميز بين المفيد وبين الصحيح , لأنه ليس ضرورياٌ أن يكون الصحيح هو المفيد والسعيد, ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي :
إنسان مريض بمرض سوف يوميته بعد بضعة أشهر , أقرباؤه علموا بذلك هل يقولون له الوضع الصحيح لحالته أم لا . طبعا لن يقولون له الحقيقة فالمهم بالنسبة لنا في الدرجة الأولى الأحاسيس والمشاعر . فما هو تأثير معرفة الحقيقة بالنسبة لهذا المريض إن تأثير مؤلم , لذلك يفضل اعتماد الكذب أو إخفاء الحقيقة .
وأغلبنا يقول " نريد العنب وليس ضرب الناطور" أي نريد المفيد والمفرح السعيد لنا بالدرجة الأولى ثم المفيد والسعيد للآخرين , ثم المفيد للمجتمع ككل , والتدين يحقق لنا ذلك .
معيقات أداء الدين لدوره , وهي :
أ - عدم عموميته , فهناك تعدد الأديان وهذا له تأثيراته السلبية الكبيرة جداً , فهذا يؤدي إلى تعدد الانتماءات وظهور العنصرية وتولد الصراعات بين العقائد الدينية المختلفة , فإذا كان هناك دين واحد لكل البشر عندها تحل الكثير من المشاكل , لأن الصراعات بين أديان مختلفة لن توجد , وتنتظم العلاقات الاجتماعية حسب هذا الدين وتكون سهلة التوحيد .
ب – تطور المجتمعات الحضاري والفكريي والمعرفي المستمر , وهذا يؤدي إلى ضرورة أن يكون الدين متطور, ولكن هذا يتضارب مع أهم خصائص الدين التي هي الثبات وقدسية المبادئ .
فالتطورات الاجتماعية والاقتصادية وتطور ونمو المعارف أصبح حتمي وهذا يفرض على الأديان أن تجاريها وتتطور معها ولكن هذا غالباً يصعب تحقيقه , فمن أسس الدين المبادئ الثابتة المقدسة وهذه توجب عدم تغيرها . فالأوضاع والظروف الاجتماعية ليست ثابتة فهي في تغير وتطور مستمر بطيء أو سريع , وحدوث التغير في الأوضاع تستدعي تغير في الاستجابات والتصرفات . لو لم يكن هناك تطور للمجتمع لكان الدين المعتمد بعد تبنيه من كافة أو أغلب الأفراد , سوف ينتظم مع خصائص هذا المجتمع خلال فترة زمنية , وتستقر الأمور وتصبح التناقضات و الصراعات بين أفراده في حدها الأدنى .
أن هذا يفرض على الأديان أن تتطور لتناسب الأوضاع الجديدة وتتكيف معها, و إلا سوف تسير نحو الانتهاء , وهذا ما يحصل بالفعل وإن كان الكثيرون لا يلاحظوه وهناك الكثير من المفكرين الذين أدركوا ذلك وهم يسعون إلى تطوير دينهم , مثل نصر حامد أبو زيد وغيره بالنسبة للدين الإسلامي .
إننا الآن في وضع تغيرات سريعة إن كانت مادية أو اجتماعية أو ثقافية , فنحن في مرحلة تطور سريعة تحدث زلزلة أو هز للأسس الثقافية و العقائدية الموروثة , والغالبية تسعى للمحافظة على الموجود , وهي تستطيع دوماٌ أن تجد المبررات له , ونحن نشاهد كيف يبرر غالبية المفكرين إي وضع أو فكرة أو أي دين وبشتى الطرق ,فكثير من رجال العلم المسلمين الآن يقبلون بنظرية تطور الأنسان ولا يعتبرونها متناقضة مع أسس الدين الإسلامي , وكذلك يقبلون بالكثير من المعارف العلمية الدقيقة وإن كانت غير متوافقة مع الدين فيوافقونها مع مضمون الدين . ولكن هل هذا التبرير دقيق ؟
هناك عدة طرق للتعامل مع الدين أوالعقائد من أجل تحقيق الفوائد المرجوة :
التمسك أفكار وتعاليم وطقوس الدين المعتمد , ولمحافظة والثبات عليها بشكل كامل , وهذا له ميزاته وفوائده , وخاصة في حال ثبات الأوضاع الاجتماعية وباقي أمور الحياة .
ولكن في حال تطور الأوضاع الاجتماعية وأمور المعيشة والحياة , تظهر أمو تعيق الدين عن تحقيق دوره الإيجابي .
لذلك ينشأ السعي لتطوير الدين مع المحافظة عليه كي يقوم بدوره الضروري .
أو يتم السعي لبناء أو تشكيل دين أو عقائد ( منهج في الحياة ) جديد
الإصلاح الديني أو تطوير الدين هل هو ممكن ؟
في الواقع العقائد والأديان هي دوماً في تطور ظاهر أو مستتر , والإثبات على ذلك وجود المذاهب والفرق ضمن الدين الواحد الأصل , وهذا ظاهر في غالبية الأديان بشكل واضح . فالتطور والسعي لملاأمة الظروف والأوضاع تفرض على العقائد والأديان التطور, كي تتحقق الفائد المرجوة منها وتقوم بدورها الإيجابي الاجتماعي والفردي .
أن منهج التطوير للأوضاع الاجتماعية ( وبالذات العقائد والأديان ) , كان يعتمده غالبية المفكرين باعتباره الطريق الأنسب والمتاح لتحقيق التكيف مع الأوضاع الاجتماعية المستجدة , وكان ينجح غالباً , لأنه يحافظ على الأسس الموجودة والمعتمدة من الغالبية . فهو أفضل من اعتماد منهج التغيير الجذري أو الكلي للأوضاع الاجتماعية الذي كان غالباً ما يفشل , وهناك أمثلة كثيرة من التاريخ تؤيد ذلك .
وبالنسبة لدينا نحن المسلمين الآن , من الضروري القيام بالتطوير المناسب للدين , و استمراره في تحقيق أهدفه وغايته الضرورية والهامة في حياتنا أكانت أهداف وغايات أجتماعية أم أهداف وغايات فريدية ذاتية نفسية وفكرية , وهو ضروري لتحقيق مسايرة تقدم باقي الشعوب .
لكن السعي لتطور الدين جوبه بممانعة كبيرة وقوية من غالبية رجال الدين المحافظين , وأعاقت تحقيقه بشكل مناسب ومجدي .
لقد استخدم غالبية المفكرين المجالات والأمور التي يمكن من خلالها تطوير الدين مع الإبقاء على أسس وجوهره لتحقيق دوره الأساسي والهام . ولكنهم جوبهوا بقوة المتدينين المحافظين , وحصل صراع معهم وكان تحقيق التطوير ليس بالأمر السهل أبداً فهم يملكون قدرات وقوى واسعة وكبيرة .
فالمشكلة الكبرى هي في الصراع مع المحافظين الكثر والأقوياء اجتماعياً و إعلامياً , والذين يسعون بقوة لتعليم النشئ الجديد وباقي الأفراد البسطاء ( و برمجتهم ) على التقيد بالأصول والمحافظة عليها , وممانعة أي تعديل أو تطوير لها .
فالمعركة معهم غير متكافئة نظراً لكثرتهم , وتبنيهم من قبل غالبية وسائل الإعلام , نظراً لما يحققوا لهم من مكاسب مادية نتيجة جمهورهم الواسع الذي يستمتع بمتابعتهم ( تجارتهم رائجة بشكل رائع ) . وحجتهم التي يوظفونها في مما نعة التطور هي : أن تطوير الدين هو هدم له ويهدد بقاؤه , وهذا يسهل أقناع الكثير من المتلقين به مع أنه غير دقيق , ولكن تطور الدين كما ذكرنا حاصل شئنا أم أبينا والإثباتات كثيرة .
لننظر إلى الدول التي حققت التكيف مع الأوضاع الجديدة وبالتالي التطور والتقدم مع الإبقاء على أسس وجوهر دينها أو عقيدتها مثل اليابان والصين والهند وبعض الدول الأوربية وماليزيا الدولة ذات الأغلبية المسلمة . وبعض الدول العربية مثل عمان ودولة الإمارات .
ماذا اعتمدت في تعاملها على الإبقاء على أسس الدين وتوفيقه مع الأوضاع الجديدة الخاصلة ؟
إن أهم ما اعتمدته هو : العمل على تقدم المجتمع ككل باعتماد مقومات الدولة الناجحة ( وهي كما نعلم كثيرة تشمل كافة مجالات الحياة الاجتماعية ) , مع أعطاء الأولوية للحرية الشخصية التي تبيح للأفراد تبني شكل وطبيعة الدين أو العقيدة التي يتبناه الفرد , و تعاملت مع الأفراد المحافظين والأفراد المجددين على نفس المستوى , وسمحت لهم بممارسة حريتهم , ولكن دون فرض رؤياهم أو منهجهم في الحياة على الآخرين . وتم فصل الدين عن أمور أدارة الدولة .
وفي الواقع هذا متوفر بشكل أساسي في الدين الإسلامي وبشكل واضح ( حرية الاعتقاد ) لا لبس فيه , والدلائل والإثباتات كثيرة جداً , ولكن مع هذا نحن نلاحظ لأسباب ومصالح شخصية , الكثيرين من المحافظين قد وكلوا أنفسهم كقضاة يحاسبوا الآخرين المختلفين معهم ويسعون ليفرضون عليهم إرادتهم ورؤياهم بالقوة , وذلك بتوظيف واستغلال مراكزهم الدينية التي يملكونها .
يجب التعامل مع الدين والتدين بشكل يحقق الفوائد وتحاشي العوامل السلبية الناتجة عن التدين المتزمة المحافظ .
فالمطلوب كما وجد " كانت " ضرورة اعتماد الدين , وهذا من أجل تحقيق المفيد والأفضل للمجتمع ككل والأفضل للأفراد , وتحاشر اعتماد الصحيح إذا كان ضاراً , أي تحاشي اعتماد نتائج البحث الفكري الدقيق إذا كان يعيق تأدية الدين لوظيفته . فالمطلوب المفيد وليس الصحيح في غالبية الأمور بالنسبة إلينا .
إن الشعور بأنه لا بد لهذا الكون من خالق أو موجد , موجود لدى الغالبية العظمى لكافة شعوب الأرض , وهذا يمكن اعتماده من أجل تحقيق توافق أديان وعقائد كافة الشعوب .
|