أسامة حويج العمر: المرارة في الأدب ثمرة حلوة يتذوقها العقل
شؤون ثقافية
الاثنين 28/4/2008
رزان حبيب
استطاع أسامة العمر أن يقدم أديبا يعمل بصمت ودأب في جمال القصة بأنواعها, يفاجئك حضوره في المراكز الثقافية بأنه يقدم الإنساني الطازج والمنتقى بروح السخرية المرة في جعبته الابداعية أكثر من عنوان: ربطة لسان إنسان العصر الحديث وغيرها حول مجمل أعماله الابداعية كانت لنا هذه الوقفة مع أسامة حويج العمر.
> أسامة حويج العمر .. قصص تحمل نزعة مرة في السخرية هل تجد أن هذا اللون من الأدب مازال رائجاً?
>> تظل السخرية في الأدب موجودة ورائجة طالما ظلت المعاناة الإنسانية والصراعات مع الذات ومع الآخر قائمة أرى أنها تزداد يوما بعد يوم والمرارة في الأدب ثمرة حلوة يتذوقها العقل بمتعة قبل أن يهضمها لتدخل القلب والروح لأن تحت عنوان المرارة الفنية ينضوي عنوان آخر هو المضحك المبكي وما أكثر الأشياء المضحكة المبكية في حياتنا اليومية.
فنحن نتذوق مرارة محمد الماغوط وزكريا تامر وعزيز نيسن بسعادة روحية غامرة .
المرارة الأدبية والفنية حلاوة للعقل والقلب والوجدان.
> ساهمت في مهرجانات القصة القصيرة جدا أين وصلت هذ الموجة من الأدب هل تأطرت وأخذت شكلها الحقيقي?.
>> القصة القصيرة جدا موجود منذ آلاف السنين فالغالبية العظمى من قصص الكاتب الإغريقي إيسوب الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد هي قصص قصيرة جدا وكذلك العديد من قصص الكاتب البلغاري إيلين بيلين .
أما في التراث العربي فلها حضور واسع كما في كتاب »مجمع الأمثال« لأبي الفضل بن أحمد الميداني و»قصص العرب« لمحمد أحمد جاد المولى ونوادر جحا وقرقوش وغيرها كثير.
أما في الأدب الحديث فقد كتب جبران العديد من القصص القصيرة جدا وبخاصة في كتبه »السابق« و»المجنون« و»التائه« بالإضافة إلى الكثير من قصص زكريا تامر ووليد إخلاصي, لكن الفارق أن التقعيد أو التنظير لهذا النوع من الكتابة لم يظهر إلا في السنوات القليلة الماضية, المأساة هي وجود قصور معرفي كبير عند المثقفين لدينا فالحقيقة الصارخة هي أن الكتاب والشعراء والنقاد لا يقرؤون !! وهذه الحالة الغريبة العجيبة تزداد يوما بعد يوم الأمر الذي أدى إلى الهجوم على القصة القصيرة جدا وكتابها وسلطوا الأضواء الساطعة على المصطلح وأغفلوا النص ومن اللافت للنظر أن العديد ممن كانوا يهاجمونها أصبحوا الآن من كتابها!!
لكن الكلمة الأخيرة تظل للإبداع الحقيقي.
>مجموعاتك القصصية تحمل عناوين مثيرة هل ثمة قاسم مشترك بينها?
>> القاسم المشترك هو المفارقة التي تختزل المعاناة الإنسانية وتكثف الآلام التي تثقب الروح بحرابها الجهنمية أنا أهتم كثيرا بعناوين كتبي لأن العنوان المنتقى بعناية هو جواز مرور جيد إلى محتويات الكتاب.
> لمن تقرأ من كتاب القصة القصيرة?
>> أقرأ للعديد من كتاب القصة القصيرة كيوسف إدريس ويوسف الشاروني ومحمد المخزنجي وعزيز نيس وأوهنري وإبراهيم صموئيل الذي اعتبره أهم كتاب القصة القصيرة في سورية وربما في الوطن العر بي.
>
في مجموعتك الجديدة بضع قصص قصيرة جدا جدا لماذا لم تفرد لها مجموعة جديدة?.
>> أنا لا أحب الفصل بين القصص بسبب حجمها لأن القصة هي قصة سواء أكانت قصيرة أم قصيرة جدا أم قصيرة جدا جدا.
القصة القصيرة جدا هي الابنة الشرعية لهذا العصر
الـ "ق ق ج" مخلوق فضائي فاجتنبوه !، الابداع هو تحطيم مستمر للقواعد والاتيان بقواعد جديدة.
ومن الطبيعي والحال هذه القول بان الابداع هو الذي اوجد الاجناس الادبية وليس ا لعكس ما يهم في النص الادبي هو ان يكون جميلا مؤثرا مستوفيا لشروط ا لابداع سواء اكان رواية ام مسرحية ام قصة قصيرة ام قصة قصيرة جدا وما اكثر الروايات الضخمة التي القينا بها في زاوية قصية من زوايا مكتبتنا امانة بين يدي الغبار بعد ان نكون قد نسينا اسمها واسم مؤلفها لانها لم تترك ادنى اثر فينا وما اكثر النصوص القصيرة جدا التي اجبرت ذاكرتنا على حفظها مدة طويلة من الزمن وهذا الكلام ينسحب على الشعراء الذين خلدهم بيت واحد من الشعر لكننا اعتدنا على الاطر المحددة والاحكام المسبقة وقياس النتاج الادبي بالمسطرة والقلم وبالتالي قص كل ما نراه زائدا عن الحاجة ورميه - للاسف الشديد- في سلة المهملات قررنا شن الهجوم الكاسح على كل محاولة للتجديد تبتغي بث دماء جديدة في عروق الادب ان اخطر شيء يمكن ان يحدث في حياتنا الثقافية هوان تسحبنا دوامة المصطلح الادبي وننسى النص ذاته وهذا ما حدث في موضوعة القصة القصيرة جدا ما ادى الى نشوب معارك طاحنة على صفحات الجرائد هي ابعد ما تكون عن الادب والنقد الادبي !
الامر الذي ادى بدوره الى ولادة ضغائن واحقاد شخصية فضاعت النصوص بين اللكمات والركلات !! والنتيجة:
لقد تم اختزال قضية ثقافية الى احقاد شخصية ومما زاد الطين بلة هو دخول العديد من اشباه الكتاب والذين اغرتهم محددية مساحة القصة القصيرة جدا فضاع الصالح مع الطالح.
لقد تم التعامل مع الـ ق ق ج من قبل بعض من يدعون النقد وكأنها مخلوق آت من الفضاء الخارجي وتناسوا جذورها الموجودة في التراث العربي والعالمي كما في كتاب مجمع الامثال لابي الفضل بن احمد الميداني وقصص العرب لمحمد احمد جاد المولى ونوادر جحا وقرقوش وغيرها كثير ,أما في الادب الحديث فقد كتب جبران الكثير من القصص القصيرة جدا وبخاصة في كتبه (السابق) و(المجنون)و( التائه) . وقد تطرق الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي الى ذلك في كتابه (هكذا تكلم جبران) الذي صدر مؤخرا بالاضافة الى العديد من قصص زكريا تامر ووليد اخلاصي لكن الفارق ان التقعيد لـ "ق ق ج" لم يظهر الا في السنوات القليلة الماضية.
وفي الادب العالمي تجدها عند الكاتب الاغريقي ايسوب والكاتب البلغاري ايلين بيلين وغيرها .
القصة القصيرة جدا هي الابنة الشرعية لهذا العصر ..
عصر السرعة والنزق واللهاث وراء لقمة العيش
بحيث لم يعد هناك وقت للجلوس على مقعد في حديقة عامة او في غرفة الجلوس والاستمتاع بقراءة رواية جميلة او مسرحية متميزة وبتركيز تام والانتهاء منها في جلسة واحدة دون ان يداهمنا الشعور بالملل
الـ ق ق ج ابنة هذا العصر بامتياز بدليل انتشارها الكبير في السنوات القليلة الماضية ليس في سورية وحسب وانما في العديد من البلدان العربية.
لقد كانت الروايات في القرن التاسع عشر تمتد حتى مئات واحيانا آلاف الصفحات اما غسان كنفاني الروائي والقاص الفلسطيني الكبير ابن القرن العشرين فان العديد من اشهر اعماله الروائية يمكن قراءتها في جلسة واحدة من بينها (رجال في الشمس 93 صفحة) و ( ما تبقى لكم 70 صفحة والامر ذاته ينطبق على روايات الطيب صالح .
هل هذا ينتقص من اهميتهما ككاتبين كبيرين .. وهل يمكن ان نسميها روايات قصيرة جدا?!
واخيرا وليس آخرا اورد هنا ما قاله الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز في كتابه : (غريق على ارض صلبة) ان اقصر قصة عرفتها في حياتي هي للكاتب الغواتيمالي اوجوستو مونيتروسو وهي تقول
: (عندما استيقظت من نومي كان الديناصور لا يزال هنا)
(وثمة قصة اخرى اعجبتني كثيرا حتى اشعلت بداخلي نوعا من الحسد انها احدى قصص الف ليلة وليلة وهي تحكي عن الصياد الذي طلب من زوجة صياد آخر ان تعيره ثقالة الشبكة مع وعد منه ان يهديها اول سمكة يصطادها وبالفعل نفذ وعده واعطاها اياها وعندما كانت تفتحها لتقوم بشيها وجدت بداخل معدتها ماسة بحجم ثمرة الجوز).
وفق: صحيفة الثورة- ثقافة -الخميس 14/10/2004, بقلم:اسامة الحويج العمر
قصص قصيرة جداً ـــ أسامة الحويج العمر
*ـ قمامة الدنيا
بينما كنتُ ماراً من أحد الأزقة الضيقة, لمحتُ طفلاً رَثَّ الثياب لا يتجاوزُ الخامسة من العمر يُفتِّشُ في حاوية القمامة عن شيءٍ ما, اقتربتُ منه وسألته:
ـ ما الذي تبحثُ عنه يا صغيري؟
أجابني بصوتٍ ناعم:
ـ سمعتُ أمي تقول لأبي صباح اليوم والدموع تنهمرُ من عينيها بأنَّ المال هو قمامةُ الدنيا... هلاّ تكرَّمتَ وفتشت معي يا عم علّنا نجدُ شيئاً منه؟!
*****************************************************************
*ـ فرحي وحزني
على الحدود الفاصلة بين فرحي وحزني, وقفتُ أتأملُ نفسي, تساءلتُ:
ـ هل أدخلُ ضمن حدود هذا. أم ضمن حدود ذاك؟
تابعتُ سيري وأنا أنظرُ ذات اليمين وذات الشمال والحيرة تملؤني, وفي النهاية قررتُ البقاء على خط سيري الحالي, كيلا أشرب من عسل الفرح حتى الثمالة... فأصبح بعيداً تماماً عن الواقع, ولا أن أنزلق إلى مستنقع الحزن فأسقط في قاعِ جحيمٍ لا قرار له!
************************************************
*ـ إعلان ـ قبور للبيع
للبيع قبر واسع ومريح في وسط العاصمة, الانخفاض الطابقي 4 من 4 م, مساحة 100 متر, إكساء ممتاز سوبر ديلوكس, مع حديقة واسعة فيها جميع أنواع الأشجار المثمرة والأزهار ذات الرائحة الزكية, فسحة سماوية, شرقي قبلي, إطلالة رائعة على الآخرة, طابو أخضر, السعر 7 ملايين ليرة فقط لا غير, يوجد هاتف, مع تكييف في الصيف, تدفئة مركزية في الشتاء, الاتصال من الساعة 2 إلى الساعة 4 من بعد الظهر (للجادين فقط)!!
*******************************************************
*ـ نزيف
بعد سنواتٍ من النزيف المتواصل, المغلَّف بعشرات علامات الاستفهام.. اكتشفتُ أني كنتُ متكئاً على الزاوية الحادة للحياة!
**************************************************
*ـ إعاقة
عندما رأيت المعاناة التي تعرضت لها السلحفاة في حديقة منزل جيراني بعد أن انقلبت على ظهرها دون قصد منها.. أدركتُ أنَّ الحماية هي شكلٌ من أشكال الإعاقة!
*********************************************
*ـ البقية تأتي
يحكى أنَّ الأطفال في العالم الأول أصبحوا يولدون وهم يضحكون بصورةٍ متواصلة بسبب فرط الرفاهية التي وصلت إليها أممهم, أما أطفالُ العالم الألف فأصبحوا يولدون وهم يبكون بكاءَ ممضاً يدمي القلوب, قد يستمر سنوات عديدةً بعد ولادتهم, بسبب التخلف المخيف الذي وصلت إليه شعوبهم.. والبقية تأتي!!.
************************************************
*ـ معدة خاوية
شَقَّتْ كسرةُ خبزٍ جافةٌ طريقها بصعوبةٍ إلى معدة متسوّل لم يذق الطعام منذ أيام, أحسَّت بالوحدة الشديدة داخل معدة مظلمة وخاوية تماماً, خامرها شعور من أُلقي به في زنزانة انفرادية دون سبب, انتظرت بعض الوقت لعلَّ شيئاً من الطعام يهبطُ إليها من الأعلى ليخلِّصها من هذا الكابوس الذي تغلغل فيها بصورةٍ مريعة... لكن دون جدوى, حاولت العودة من حيثُ أتت.. بلا نتيجة, فأُصيبت باكتئابٍ حالك السواد وماتتَ قبل أن تُهضم!!
*****************************************************
*ـ ظلامُ الإنسان
في ليلةٍ صافية, طُرق بابُهُ بهمجية, لم يلبث أن كسر الباب دخل رجلٌ كثُّ الشاربين, جحيميُّ الوجه, على كتفيه نجومٌ كثير, صفعه... ركله... تطايرت الدِّماء من فمه وأنفه.. اقتاده في سيارة صغيرةٍ لا لون لها, وفيها تابعوا مهمتهم حتى تحول إلى جوربٍ عتيقٍ ممزق, ألقوا به في سردابٍ شبيهٍ بشريان عجوز قتله التدخينُ للتو... مع غيره من الجوارب الممزقة, ولم يلبثوا أن نقلوه إلى زنزانةٍ منفردة. وهناك استأنفوا مهمتهم بمنتهى النشاط والحماسة حتى تحول إلى هباب إنسان, ثم خرجوا وهم ينفضون الغبار عن بزَاتهم ونجومهم.
من كوّة الزنزانة, نظرت إليه نجمةٌ بذعرٍ وقالت لنفسها:
ـ نحن نُضيءُ ليل الإنسان.. وهؤلاء يُحوِّلون حياته بنجومهم السداسية إلى ظلامٍِ دامس؟!
*ـ الدائرة
أثناء سقوطها عن حافة المنضدة, تساءلت قطرةُ الزيت قائلةً:
ـ هل أنطبعُ على الأرض مُتَّخذةً شكل المربع.. أم شكل المثلث؟ أو ربما شكل المستطيل؟ لا.. لا قد.. يكونُ المعين هو أفضل ُالأشكال.
وبعد أخذٍ ورد قالت لنفسها وهي تتنهد:
ـ من الأفضل أن أترك نفسي على سجيتها.
وسرعان ما سقطت على الأرض مُتخذةً شكل الدائرة... وكذلك فعلت القطراتُ من مختلف الأنواع, فنظرت إليها الكواكب والنجوم والنظامُ الدوريُّ للحياة نظرات ذات معنى...
*****************************************************
*ـ المطرقة والمسمار
ما إن قرَب النجارُ المطرقة من رأس المسمار لإدخاله في عارضة خشبية حتى سألته المطرقة بلهجةٍ بالغة التهذيب:
ـ هلاّ سمحت لي يا صديقي العزيز أن أُربت على رأسك إعجاباً بما يحمله من عقلٍ ذكي؟
أجابها المسمارُ وقد استطال من شدة الفخر:
ـ على الرحب والسعة..
فبدأت المطرقةُ تُربَتُ على رأسه بلطف, لكنه ما إن أصبح أكثر ثباتاً بين ثنايا الخشب حتى ارتفعت الوتيرةُ فجأةً, فاستحالت إلى طرقاتٍ عنيفة, فصرخ المسمارُ وهو يئنُّ من الألم:
ـ ما هذا.. ما الذي حدث؟!
نهرته المطرقة بلهجةٍ قاسية قائلةً:
ـ اسكت!..وتوالت ضرباتُها التي غدتْ أشَدَّ عنفاً, وبلغت ذروتها في اللحظة التي أصبح فيها رأسُ المسمار موازياً تماماً لسطح العارضة الخشبية.
************************************************
*ـ ضياع
قالت نجمةٌ وُلدت منذ فترة قصيرة لأمها بشيءٍ من القلق:
ـ أخشى أن أضيع في هذا الكون المترامي الأطراف يا أمي... أريدُ أن التصق بك.
أجابتها أُمُّها بثقة:
ـ أبقي مكانك يا صغيرتي ولا تخشي شيئاً على الإطلاق.
ـ كيف ذلك يا أمي؟ ألا ترين إلى هذا الفراغ المخيف الذي لا يُقيمُ وزناً لأيّ شكلٍ من أشكال الحدود؟
ـ هذا الكونُ يا صغيرتي يخضعُ لنظامٍ بالغِ الدقة والصرامة. ولولاه لما استمرَّ في الوجود..
ـ ما دام الأمرُ كذلك.. لماذا يتعرَّضُ الكثيرُ من بني البشر للضياع مع أنَّ مساحة الحبيبة الملونة التي يعيشون عليها لا تُذكر بالمقارنة مع مساحة الكون؟!
عندما سمعت النجمةُ الأمُّ هذا الكلام تنهَّدت دون أن تنبس ببنت شفة.