(10-01-2010, 07:25 PM)خالد كتب: عزيزي وقرة عيني بهجت،
عبدالناصر يمكن نقده لأنه زعم شيئا وأتى بغيره
أما حكام السعودية فهم متماهون مع ما يزعموه، فلا حاجة لنقدهم،
القوم يقولون أنهم مستبدون، وأتباعهم يقولون أنهم مستبدون، وأعداؤهم يقولون أنهم مستبدون، فما الجديد الذي سأقدمه؟
في حال اتفقت معك أن حكام السعودية مجرمون مستبدون لا يأبهون بالإنسان مطلقا، فهل تتفق معي أن عبدالناصر كان مستبدا يزعم الديمقراطية وأن استبداده أتى على حسناته فأكلها جميعا؟
بعدين آل سعود من عنزة وأنا من قريش، شلون صاروا معك قومي؟
ثم لا احمل جنسيتهم ولا تابعيتهم ولم ازرهم
ولا يوجد هنا في النادي فيما أرى يسبح بحمدهم ويشكر لهم متخذا لهم أندادا تعبد من دون الله
شكرا أنك لم تخرج عن ظني بكم قيد أنملة
خالد ..
لست أدري لماذا يصيبك هذا الإسهال العاطفي . إني لا أخاطب زوجتي بقرة عيني ، فكيف صرت قرة عينك أنت .. لم لا تناديني كما يتنادى المقاتلون بأسمائهم ؟.

يبقى قبل أن أتناول موقف عبد الناصر من الديمقراطية ،و ما تسميه الإستبداد و أراه أكبر من الإستبداد و أسميه الدكتاتورية ، أذكرك أنه سبق لك طرح مداخلتك هذه في العام الماضي و في نفس المناسبة و بنفس العبارات تقريبا ، و أشبعناك ردآ فلم تحر جوابا ، فما هو الجديد الذي دعاك لتكرار يفترض ديمومة الوجود و تعطل التاريخ ، لم لا تبدأ حيثما توقفنا ؟.أم هذا هو كل مالديك و عليك ندر أن تكرره في كل مناسبة تخص عبد الناصر ؟ .

أما شكرك أني لم أغير ظنك ، فمما يدهشني أن تكون لكم كل تلك الظنون كما لو كنتم تحملون فكرآ ما . ثق أن ظنك لا يعنيني في شيء سوى خشيتي أن يرضى عني من لا أرضى رضاهم ، رضى هو نبراس تخلف بعد رقي و تخبط بعد مضاء و جهالة بعد حضارة .
إن جمال عبد الناصر أصبح تجربة تاريخية تملكها أمته العربية ،وهي وحدها التي حكمت له . لن يمكن لك أن تضيف شيئا لأكوام المقالات و الكتب التي تحاول إدانة عبد الناصر ،و التي يدفعنا معظمها من فرط سخافتها و تهافتها إلى مزيد من التقدير للرجل! .
إن الحقيقة متعددة الوجوه ، و شخصية تاريخية مثل عبد الناصر لابد أن تختلف حولها الآراء و تتصارع الأفكار . نعم هناك حملة مستمرة من الإسرائيليين والإسلاميين و السعودية و المخابرات الأمريكية ضد تجربة عبد الناصر لقتله ميتا بعد أن حاولوا اغتياله حيا ، و لكن عبد الناصر دائما عصي على التغييب .
لا أحد هنا باليقين يؤله عبد الناصر أو يراه مجردآ من الأخطاء بل ربما الخطايا ،و لكن التجربة هي حساب ختامي مثل حساب البنوك ، و حساب عبد الناصر كما نراه هو حساب دائن ،و رصيده الأساسي هو النموذج و الغاية و الروح التي قادت تجربة عبد الناصر . إن عبد الناصر يعني لنا بالأساس انبعاث الروح القومية و عنفوانها ، الانحياز للشعب في جموعه ، رفض الهيمنة الأجنبية ، الطهارة الثورية و التجرد في الخدمة العامة ، الإحساس بالعزة و الكرامة ، التجربة الوطنية الموحية و المميزة ، الأمل في مكان تحت الشمس . عبد الناصر لم يبدأ باستلام رواتب من الإنجليز كالسعوديين ،و لم ينته باستلام راتب من المخابرات الأمريكية كملك الهاشميين ، و لم ينهب المال العام ككل الحكام العرب ، و لكنه عاش براتبه من الحكومة المصرية ، هذا الراتب لم يكن كافيا لتجهيز ابنته الكبرى ، فاستبدل جزءا من معاشه كأي موظف مصري صغير ، لهذا عبد الناصر ظله أخضر و حبه كطائر في القلب ينقر .
من الجدير بالملاحظة أن عبد الناصر الذي تراه مدانا مستبدآ ، هو ذاته الذي يحظى بسمعة عالمية ، و سجلت مكتبة جامعة أوكسفورد من 12 سنة أنه كُتب عن عبد الناصر ما يزيد على الثلاثة آلاف كتاب بلغات مختلفة، هذا بخلاف الدراسات والندوات والرسائل الجامعية والمحاضرات والأحاديث في الفضائيات المرئية والمسموعة مما يصعب حصره عمليا ، و هذا طبيعي بشكل ما فالعالم المتحضر يفارقكم في كل شيء تقريبا ، هو على الأقل يعرف كيف يحترم أعدائه الشرفاء .
1- لست أدري ما هو المقصود بأن جمال عبد الناصر: هو المستبد أو أبو الديكتاتورية العربية؟ ، هل هو أول دكتاتور عربي ،و أنه الذي ألهم باقي الدكتاتورين العرب سلوكهم السياسي ،و أنه أتى لعالم عربي ديمقراطي فحوله لعالم دكتاتوري مستبد ؟.
2- أتى عبد الناصر لعالم عربي لا يعرف من الديمقراطية سوى ديكورها فقط ، و مضى عبد الناصر منذ 40 سنة و لم ينجح العالم العربي في تحويل هذا الديكور لشيء حقيقي . إن دور جمال عبد الناصر في قضية الديمقراطية لم يكن ايجابيا و لكنه أيضا لم يكن سلبيا . منذ تصريح 1923 ، و بداية أول انتخابات تشريعية في مصر عام 1924 و حتى عام 1952 أي لمدة 28 سنة ، كان حزب الوفد هو حزب الأغلبية الشعبية و لكنه لم يصل للحكم سوى أقل من ثلث تلك الفترة ، و هذا مرشد لتقييم الديمقراطية الليبرالية في مصر قبل 52 .
3- لم يكن محمد نجيب رحمه الله يفكر في الديمقراطية ،و كان يكرر دائما أن البلد في حاجة لفترة طويلة تحت حكم الجيش لينصلح حاله ،و لكنه فقط عندما فقد نفوذه فكر في الديمقراطية كفزاعة لزملائه ، هذا نفس موقف كل من تركوا الحكم من رجال قيادة الثورة ، و أرى أن جمال عبد الناصر وحده من بين زملائه هو الذي يجعلنا نتحدث عن ثورة 23 يوليو و ليس انقلاب 23 يوليو .
4- لن أحاول أن أسوق عبد الناصر كزعيم ديمقراطي وفقا للمعايير الليبرالية ، إن عبد الناصر كان مؤمنا بنظرية تبعية جميع السلطات للثورة و أهدافها . وهو في ذلك كان متأثرا بالمفهوم الماركسي في إخضاع السلطات الثلاث لطبقة البروليتاريا .إن فشل تجربة الديمقراطية الليبرالية من جانب ،و طغيان فكرة السلطة الثورية الواحدة من جانب أخرى ، و أن الأحزاب هي تعبير عن طبقات ،و أن تعدد الأحزاب يعني تعدد الطبقات ،و سيؤدي ذلك إلى تفجر الصراع الطبقي ، قد أدى لنتيجته الحتمية و هي رفض الديمقراطية الليبرالية ،و يمكن أن تقول الإستبداد الكامل المقصود ، إن مفهوم كل الأنظمة الوطنية خلال فترة ما بعد الكولونيالية هو تكثيف السلطة و مركزيتها ،وهذا كان موقف عبد الناصر بوضوح وبلا أي ديكور ، على الأقل حتى بعد حدوث هزيمة 1967 ، التي يبدوا أن عبد الناصر فكر بعدها في تبني شكلا أكثر تعددية و سماحا .
5- أتفق مع المداخلة النافذة للعلماني حول ضرورة تقدير البعد الزمني و المناخ السائد ، إننا لا نستطيع أن نحكم على مرحلة تاريخية من واقع مرحلة تاريخية أخرى ، إن السياسة في جوهرها هي فن تحديد الأسبقيات و ليس فقط تحديد الأهداف ، إن الديمقراطية لم تكن على رأس أسبقيات عبد الناصر ، فلا يمكنك الحديث عن بدلة سموكنج لجائع محتل ، سيبدو ذلك هروبا من الواقع و الاتجار بالأحلام ..
6- حسنا يا خالد .. أراك غير مدرب على الحوارات السياسية ، إذا لم لا تتنحى جانبا الآن .. و سأقوم بدور الناقد لعبد الناصر !. مع عبد الناصر ربما يكون النقد الأكثر واقعية و إيلاما هو الحديث عن الدور الزائد للسلطة ، عن التجاوزات الأمنية و الحراسات و الفصل التعسفي ، ( هكذا سأغششكم كيف توجعون !) . و لكني سأكون شخصا آخر إذا أعطيت سؤالا لا أملك جوابه . حسنا يا سادة : دعونا نفرق بين الدكتاتورية العسكرية و الثورة ، دكتاتورية عبد الناصر كانت مؤلمة و متجاوزة و لكنها كانت دكتاتورية الثورة ،و ليست دكتاتورية جمال عبد الناصر .ولو تخلى عبد الناصر عن الثورة بعد عام 1956 ، لما احتاج لكل تلك السلطة ، فقد كان يمكنه أن يظل حاكما ديمقراطيا لمصر إلى ما شاء الله له . و لكن عبد الناصر كان لديه مشروعا عربيا كبيرا ،و هذا المشروع قاده للتناطح مع قوى الطغيان و الإستعمار الكاسحة ، لهذا بحث عن القوة و تمسك بها .
7- إن افتقاد نظام عبد الناصر إلى التنظيم الشعبي الحقيقي الذي يعبر عن مبادئ الثورة و تجربة الناصرية ، كان الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الناصرية . لقد كانت القوى المستفيدة من الثورة غير مؤهلة للتعبير عن مصالحها ، و هكذا ظهرت تنظيمات مصنوعة من الانتهازيين التي باعت الثورة و عبد الناصر عند ناصية الشارع و لأول مشتري .
8- حسنا و بالرغم مما يمكن قوله عن مبررات تاريخية تجيز لعبد الناصر و غيره من قادة الثورات تركيز السلطة وما يسمى بالعنف الثوري في مواجهة العنف الرجعي و الإمبريالي ،ومع تسليمنا بكل تجاوزات السلطة الناصرية ، فهل كانت تلك التجاوزات فعلا كما يصورونه منذ رحيل عبد الناصر و إلى اليوم ؟.الإجابة هي لا ، نعم هناك تجاوزات و لكن في المقابل هناك حملة تشهير مستمرة منذ بداية عصر عبد الناصر و إلى اليوم مولتها و أدارتها المخابرات الأمريكية و السعودية و الإخوان و المتأسلمين ، و بعد أن غرسوا البذرة و تعهدوها بالرعاية يتركونها اليوم على لسان جيل جديد بريء و ضحية ، يراد له أن يفقد الوعي حتى يفقد الهوية .
9- إن التجاوزات تظل دائما تجاوزات و العنف يبقى عنفا ،و لكننا نتحدث عن ثورة وطنية تواجه أعتى قوى الهيمنة ، كان أقصى عدد للمعتقلين في وقت واحد هو 5000 معتقل ،وهو رقم فاحش لدولة تحت الحماية الأمريكية و لكن ليس لدولة معادية لأمريكا . نذكر أيضا ان الهند الديمقراطية عرفت رقم 400000معتقل في وقت من الأوقات . !.
10- عقب وفاة جمال عبد الناصر فتحت قضايا التعذيب ،و بعضها حرض عليه من آخرين ، و بلغ مجموعها جميعا 300 حالة ، منها 13 حالة جاسوسية !.وكان هناك 200 حالة فصل بقرارات . تلك كلها تجاوزات ترقى للجرائم ، ولكن لنتذكر 20عاما من التغيير الإجتماعي و التنمية و التصدي للإمبريالية .أيضا لنقارن ذلك بالثمن الذي دفعته الثورات الأخرى في فرنسا وروسيا و إيران ،و لن أتحدث عن مجرد انقلابات في ليبيا و السودان .
11- هناك من يصور جمال عبد الناصر كسفاح دموي ،و هناك من يصوره ملاك لا يعرف ما يحدث ،و كلاهما مخطأ . عبد الناصر كان قائدا لثورة و يواجه تحديات حقيقية وقوى جبارة ، و عبد الناصر كان يحمل مشروعا قوميا و ضميرا وطنيا و شجاعة تاريخية . اتخذ عبد الناصر قرارته و تحمل نتائجها ، و لكن باعثه دائما كان مصالح الأمة و سلامة النظام الثوري ، وليس تكريس سلطانه الشخصي و حماية أسرته و تحويل البلد إلى ضيعة . لقد كرس عبد الناصر السلطة و استخدمها بقوة و عنف أحيانا و لكن لصالح الشعب و ليس ضده .
12- عندما يتحدث د/ عبد العظيم أنيس أو محمود أمين العالم أو د/ إسماعيل صبري عبد الله أو محمود السعدني أو غيرهم من معتقلي الناصرية عن تجربتهم السياسية يشيدون و بحرارة بجمال عبد الناصر الذي اعتقلهم و يرفضون حتى مقارنته بخليفتيه ،بالطبع هذا ليس لأنهم يحبون المعتقلات و لكن لأنهم نسوا معتقلات عبد الناصر و تذكروا فقط وجهه الذي بقى في التاريخ .. جمال عبد الناصر قائد الثورة العربية التحررية .و هذا حسبه .
أحب أن يكون واضحآ أنني لا استهدف خالد ، فإني لا أكتب مستهدفا أحدا لذاته ، كما أنه لم يسبق أن غير أحد أفكاره نتيجة حوارات الشبكة . هدفي واحد وحيد .. التعبير عن الحقيقة كما أراها .. أن أروي نصيبي من الحقيقة كما أعرفها . أما أين تذهب هذه الحقيقة فلا أهتم لذلك ، فالحقيقة التي لا تقوى على البقاء لا أهمية لها ولا جدوى . يبقى أني لست ناصريا بالمعنى السياسي كما ربما تعلمون ، إني أتناول عبد الناصر في سياقه الطبيعي كتاريخ ، تاريخ بأدوات التاريخ وبرودة أحكامه ، جورج بوش أصبح تاريخا الان ، بينما عبد الناصر و مصطفى النحاس و علي ابن أبي طالب و النبي محمد سياسة يومية في عالمنا المجمد بالدوجما و الخرافات !.
أنتظر من الزميل خالد ردآ قويا على هذه المداخلة و ليس تكرارا لمداخلته التاريخية العام القادم أو في ذكرى ميلاد عبد الناصر .
بالمناسبة .. لقد (غششته) مرة ولكن عليه الإعتماد على نفسه لاحقا .أيضا لا داعي لقرة عيني .. فمع رجل خشن كالقنفذ مثل بهجت يفضل ألا تقترب كثيرا و أن تخاطبه باسمه فقط .
......................