الأصدقاء و الزملاء و الأخوة و الخصوم الشرفاءو ...و ....
الزميل المحترم ثندر .
بداية لا يفوتني أن أشكرك على مداخلتك و جهودك في إثراء الحوار .
مازلت ألاحظ انك لم تقرأ الشريط و ربما يكون هذا طبيعيا بشكل ما فالشريط طويل و متنوع ولا يمكن قرائته مرة واحدة ، و لكن هذا لن يمنعني من التعليق على ردك كما لو كنا نبدأ من البداية و ليس من الشريط .
كما فهمت يمكنني أن ألخص النقاط التي أثرتها في :
أولآ : التعليق على السببية causality ، و مبدأ اللاإحتمالية Improbability.
أنت تقول " أما عن فكرة أن مبدأ اللاإمكانية يعمل بشكل أكبر مع من صمم المصمم ، فهذا مبحث آخر يا بهجت ولا شك أنك عندما تقول به تنطلق من الفلسفة المادية " ، هل أفهم من هذه العبارة أنك تعتقد أن مبدأ "اللاإحتمالية" هو منتج فلسفي لا يقول به سوى الماديون ، هناك بالقطع سوء فهم ما ، فنحن نتحدث عن مبدأ منطقي يفهمه الجميع ،ولا يحتاج أي نوع من الإيديولوجيات أو الفكر الفلسفي . هل المثاليون مثلآ يرون كل شيئ محتمل حتى لو خالف المنطق العلمي ؟. لو دققنا سنجد أنك تقول ضمنيا بهذا المبدأ مثل كل الخلقيون creationists الذين يرون أن الإله خلق العالم بالصورة التي عليه وفقا لتصميم سابق ، فهم يرون " اللاإمكانية " لظهور هذا العالم بشكل عشوائي ،و بالتالي فافتراض الإله الخالق الذكي هو ما يفسر التصميم الظاهر في الطبيعة . هذا التصميم البادي و عدم إمكانية ظهوره بشكل عشوائي هو الذي دفع الإنسان البسيط إلى تصور وجود خالق ، كي يفسر الروعة و الإعجاز في بناء الكون . أليس هذا تماما ما تقول به و تحاول تأكيده بالأمثلة التي تضربها بالعقرب و الفراشة ؟. لهذا لا أدري لماذا تصر على التبرؤ من ذلك المبدأ ؟ .
نحن نمد الخط على استقامته لا أكثر ، فنقول أن مبدأ السببية يجعلنا نقول أن افتراض خالق للكون يثير سؤالآ منطقيا عمن خلق هذا الخالق ،و من الذي خلق الخالق و هكذا ارتدادا لا نهائيا ،و بالتالي فأن يظهر الخالق الذي هو بالقطع اكثر تعقيدآ من العالم الذي خلقه بشكل عشوائي او بلا سبب ، سيكون أكثر "لاإحتمالية " Improbability من ظهور العالم بلا سبب . و هذا يفسر ما أقوله بأن " سبق أن ذكرت أن مبدأ اللاإمكانية يعمل ضد وجود عالم غير مصمم ، و أن نفس المبدأ يعمل بشكل أكبر كثيرا ضد التسلسل النهائي لمصممين يصممون آلهة بالغي القدرة و العلم .أي أننا أمام معضلتين أحدهما " التصميم البادي " و يمكن حلها خلال آليات مادية تم اكتشافها بالفعل أهمها الإختيار الطبيعي ، و الأخرى " تسلسل الآلهة حتى لا نهاية " لا يمكن حلها أبدآ .و بالتالي فمبدأ اللاإمكانية يعمل لصالح نظرية التطور و ليس لنظرية الخلق " .
مرة أخرى أتمنى ان يكون واضحآ أن كلآ من المبدئين "السببية causality ، و اللاإحتمالية Improbability " هما مبدئان منطقيان كانا يحتج بهما الخلقيون ولا علاقة لهما بأي نوع من الفلسفة .
ثانيا : الفلسفات المادية و المثالية و التساؤلات عن الوعي .
مبدئيا أجد أن رؤيتينا للفلسفات و دورها متفارقتان ، فالفلسفة التي أقرها ليست الفلسفة التأملية المنتجة للمعرفة ، و لكنها الفلسفة التحليلة التي تعمل كأداة نقدية عقلانية للمعارف التي تنتجها العلوم . هذه قضية تطول بالفعل و يمكن أن أشير إلى موضوعات طرحت فيها هذه الرؤية ،وهي في إجمالها ما يمكن أن يطلق عليه الوضعية المنطقية logical positivism . أؤكد أيضا انه لا يمكن أن تثبت صحة الفلسفة المثالية أو أي فلسفة أخرى خلال براهين عملية ، فهذا تبسيط بالغ لطبيعة الفلسفة ودورها .
أنت تثير هنا قضية هامة بالفعل هي قضية الوعي Consciousness ، و ما يرتبط بها بالوعي بالذات self awareness ، وهي قضية أكبر كثيرا من أن نلم بها بشكل عاجل ،و هناك بالقطع رؤية أخرى مختلفة لما طرحته ، أخشى انها ستكون أكثر تعقيدآ . فكرت سابقآ أكثر من مرة أن أطرح هذه القضية الفلسفية والبيولوجية و العلمية بشكل مستقل خاصة أثناء طرح موضوع " هل الكون معقد أم بسيط ؟, مجرد رؤية " ، و لكني أشفقت على نفسي من جهد خارق جديد بلا عائد يعتد به ، لهذا فكرت أنني لن أطرح هذه القضية و لكني ربما قمت بدراسة موجزة و نشرتها كمدونة .
هذه القضية كانت تقليديا قضية فلسفية وجودية ،و لكنها أصبحت قضية علمية بامتياز ، و أذكر أن د. زويل خلال لقاء منذ عامين و في توقيت مقارب للتوقيت الذي شغلتني فيه هذه القضية ذكر أنه – رغم تخصصه العلمي الدقيق- مشغول بهذه القضية أيضا كقضية تطرح بكثافة في الأوساط العلمية .هذه القضية تحديدا موضوع لعدد من العلوم مثل فلسفة العقل philosophy of mind ، علم النفس psychology ، علم الأعصاب neuroscience ، الذكاء الصناعي artificial intelligence ، علم المعرفة cognitive science ، و علم الذكاء العصبي Cognitive neuroscience . لدى بالفعل قائمة من الكتب التي تتناول هذه القضية و التي أشكرك أن أثرتها ، و هذه بعض العناوين لمن يريد من الزملاء . بداية أذكر الفيلسوف الكبير " جون ر . سيرل " John Searle ، و هناك كتابه الهام " العقل – مدخل موجز " له ترجمة باللغة العربية من إنتاج عالم المعرفة بالكويت ، و هو كتاب رائع . أذكر لسيرل تعبير هام هو أن " الوعي يأبى التعريف " "consciousness refuses to be defined" ، هناك أيضا كتاب جيمس تريفل بعنوان " هل نحن بلا نظير " أيضا من انتاج عالم المعرفة ، كتاب ثالث من عالم المعرفة هو " الذكاء الإنساني " د. محمد طه . هناك أيضا على الشبكة Stanford Encyclopedia of Philosophy.
[/color]
ثالثا : السؤال عن أصل الحياة و ظهور ال DNA .
من المهم أن نؤكد على حقيقة أن نظرية التطور تتناول التقدم في أشكال الحياة ،و لكنها لا تتناول كيف نشأت الحياة . هذا لا يمنع من وجود نماذج تطورية تشرح إحتمالات لكيفية بداية الحياة ،و لكنها كلها لا تقدم تفسيرآ محدد لبداية الحياة بشكل مؤكد . ربما يمكننا في المستقبل أن نعرف كيف يمكن للمواد غير الحية من تشكيل مادة حية بشكل طبيعي ،و لكن هذا سيكون خارج نظرية التطور ، و التي يقتصر مجالها كما قلنا على شرح كيف تطورت الحياة على الأرض .
خلال هذا الشريط تحدثت عن مبدأ الأنثروبي و هو فرضية إحصائية . عدد الكواكب في مجرتنا من مليار إلى 30 مليار كوكب ،و يوجد في الكون حوالي 100 مليار مجرة ،و بالتالي سيكون لدينا على الأقل 100 مليار مليار كوكب ، ولو افترضنا أن إحتمال ظهور الحياة سيكون منخفضا جدا واحد إلى مليار أو حتى 100 مليار ، فالنتيجة أنه ممن الممكن أن تظهر الحياة في مليار كوكب ، و منهم بالطبع كوكب الأرض ، و حتى لو افترضنا أن هذه النسبة تنخفض إلى 1 إلى 100 مليار مليار ، فيمكن أن نتصور ظهور الحياة على الأرض بدون تصميم ذكي يعيدنا للسؤال القديم و من صنع الصانع ؟.
رغم هذه الفرضية فإن العلم لم يتركنا حيارى ، علينا إذآ أن نسأل ماذا حدث يوم 19 مايو 2010؟
يعتبر هذا اليوم يوما تاريخيا بكل المقاييس فى مسيرة الإنجاز العلمى..ففيه أعلن د.كريج فنتر رئيس المعهد الذى يحمل إسمه فى كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية..عن تصنيع أول خلية حية فى المعمل..أو بتعبير آخر "خلق حياة صناعية"..وهو بالطبع إنجاز لم يسبقه إليه أحد..وقد أنفق المعهد 40 مليون دولارا على هذه التكنولوجيا..وقال الدكتور فنتر فى معرض تصريحاته عن هذا التطور أنه سيعود على البشرية بنفع هائل خاصة فى مجالات إنتاج الأدوية والوقود ومكافحة تلوث البيئة..وتواردت الأنباء عن عقد اتفاقات بين شركات الأدوية الكبرى وشركات إستغلال الطحالب لتمويل أبحاث د. فنتر فى مقابل الإستفادة التجارية من خلاصة تجاربه المعملية..
وعلى الرغم من أن الإنجاز أثار جدلا كبيرا ليس فقط بين العامة ولكن أيضا فى قلب الأوساط العلمية ،فقد اتفق الجميع على أهميته المحورية البالغة وأنه نقطة تحول هائلة فى تاريخ العلم..
لكى يصل الدكتور فنتر ورفاقه إلى هذا الإنجاز..كان عليهم أن يكدوا لعشر سنوات عبر رحلة كفاح مبهرة داخل معاملهم...وأثمرت تلك الرحة عن صنع الخلية الحية عبر الخطوات التالية
1- قام الفريق بتحليل تركيب المادة الوراثية (الدى ان ايه) لبكتيريا بدائية تسمى "مايكوبلازما مايكويدس" وهو نوع بدائى من الميكروبات يصيب الماعز..وفى حالة هذه المخلوقات البدائية تعتبر المادة الوراثية هى المركز الذى يتحكم فى كل وظائف الخلية وسلوكياتها..نستطيع أن نقول أنها جهاز التحكم فى الخلية...
2- قام العلماء بتصنيع مادة وراثية من مجموعة أحماض محضرة معمليا ثم ركبوها عن طريق الكمبيوتر بنفس الترتيب الطبيعى الخاص بالمايكوبلازما فى داخل خلايا فطرية طبيعية..مع إضافة بعض الشفرات للتمييز بين الخلايا التى ركبوا مادتها الوراثية والخلايا الطبيعية
الدوائر الصفراء هى الشفرات التى ميز بها الفريق الدى ان ايه الصناعى والباقى عبارة عن تقليد منسوخ للدى ان ايه الطبيعى تم تركيبه فى المعمل..
3- بمجرد أن تم زرع الخلايا الجديدة داخل الفطريات قامت بالتكاثر وأنتجت ملايين البكتيريا المماثلة تماما للخلايا ذات المادة الوراثية الصناعية بشفراتها المميزة..
هذا هو التطور المعملى المذهل الذى يفتح آفاقا لاستخدام نفس التكنولوجيا مستقبلا فى توليد خلايا ذات خصائص مميزة مؤثرة...مثلا خلايا تمتص العوادم من الجو...أو خلايا تنتج لقاحات..طاقة فى حالة حسن الإستخدام أو أمراض فتاكة فى حالة سوء الإستخدام..ناهيك عن إستعمالات أخرى ربما يعجز العقل البشرى المعاصر عن تخيلها..
وصلة
اضغط هنا من فضلك
حسنا .. بعد كل هذه الجهود أرى أن زميلنا ثندر و كل زملائنا المؤمنين لن يسلموا بكل تلك الإحصائيات و التجارب . و أقر أن معهم بعض الحق فهم يريدون نظرية بلا ثقوب و إلا سارعوا بوضع إله ما داخلها ليملأ الفراغات . الفيزيائيون الذي أرى نفسي أحد مواطني مملكتهم الفاضلة فنتيجة خيانة أحد أصدقائنا الكيميائيين هو د. أحمد زويل ، تم كسر الفاصل بيننا و بين الفيزيائيين ،و بالتالي ألحقونا بهم طبقا لقاعدة إلحاق الفرع بالأصل . هؤلاء الفيزيائيون كانوا يراقبون باعجاب معركة البيولوجيين العظماء من أجل الحقيقة و المعرفة ،و لهذا لم يكن مفاجأة أن تقدم أحد رموزهم العظيمة " ستيفن هوكنج " ومد يده برؤية ستعيد تشكيل العقل الإنساني لأجيال قادمة " التصميم العظيم The Grand Design " ،و سيصبح من الميسور للإنسان أن يفهم بشكل أعمق كثيرآ كيف ظهر الكون كله و ليس بعض ظواهره كالحياة فقط .
أما كيف هذا . فتلك قضية أخرى . أعتقد أن لدي فهم مناسب لأفكار هوكنج خلال قرائتي الأولى له ،و لكني أعتقد أنه سيكون علي أن أخصص حوالي 80- 100 ساعة من العمل الدؤوب لأستطيع تبسيط هذه الأفكار و عرضها ، هذا الجهد سأبذله في كل الأحوال و لكني أتشكك كثيرآ أنه سيكون هناك أحد على الجانب الاخر عند عرضها ، ليس فقط نتيجة الكسل العقلي و لكن أساسآ نتيجة الخوف و افتقاد الشجاعة العقلية .
للشريط تتمة .