تاريخ الأحواز
تبلغ مساحة الأحواز 324.000 ألف كيلو متر مربع .
حدود الأحواز ، يحدها من الغرب العراق ، ومن الجنوب الغربي الخليج العربي والجزيرة العربية ،
ومن الشمال والشرق والجنوب الشرقي جبال زاجروس الشاهقة الارتفاع والفاصل الطبيعي بين الأحواز وإيران .
يبلغ تعداد سكان الأحواز ثمانية ملايين عربي .
ثروة الأحواز : البترول، الغاز الطبيعي، الزراعة، ثروات طبيعية أخرى
الأحواز إحدى الأقطار العربية التي تقع شرق الوطن العربي .
الأحواز وطن عربي سليب، وهو احد الأجزاء العربية المغتصبة من الوطن العربي .
كان عام 1925 عام احتلال الأحواز من قبل حكومة إيران.
بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة الأحواز (عـربستان) عـبر التاريخ
يرجع وجود العرب في منطقة حوض كارون (الأحواز) الى زمن تاريخي سحيق يرتبط بتكون الأحواز نفسه . وهم يكونون الى يومنا هذا الأغلبية الساحقة المطلقة فيه. والحقيقة الراسخة هي ان الأحـواز (عـربستان) وطن عربي ، وان عروبتها لم تكن وليدة ظرف تاريخي طارئ، و إنما هي أمر ثابت في أعماق التاريخ يعود في أصوله الى جذور ماض عريق في عروبته والى طبيعة تكوّن الأحواز منذ أول نشأته.
والتاريخ القديم يؤكد أن عرب الأحواز ظلوا أسياد ساحل الخليج العربي، وأن الفرس و ملوكهم لم يتمكنوا أبدا من التقدم نحو البحر، وأنهم (تحملوا صابرين على مضض بقاء هذا الساحل ملكا للعرب) (1)، و لعل خير تعليل يوضح عجز الفرس عن ركوب البحر هو ما جاء به سير بيرسي سايكس أحد المهتمين بدراسة تاريخ فارس ، حيث قال : (ليس هناك شيء يوضح تأثير العوامل الطبيعية في ميول الناس وسلوكهم أكثر من النفور والكره اللذين يظهرهما الفرس دائما نحو البحر الذي تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة) (2(
ويجمع الباحثون في كتابات الرحالة الجغرافيين الذين جابوا المنطقة وكتبوا عنها على أنه ليس بين هؤلاء الرحالة من ذكر أو أشار الى تبعية الأحواز(عربستان) للحكم الفارسي، بل إنها كانت عندهم عربية الطبيعة تماما ، و إنها تعتبر مع القسم الأسفل من بلاد مابين النهرين وحدة جغرافية طبيعية و حضارية شاركت في الماضي في ازدهار الحضارة السومرية و الأكادية ثم برزت بعدها سماتها العربية، و ترسخ سلطان حكمها العربي حتى جاء النفوذ العربي الإسلامي وامتد عـبر بلاد فارس و تجاوزها(3(
و إذا أردنا ان نعرج قليلا على تاريخ الاحواز ما قبل الميلاد نجد ان:
عندما بدأت المياه تنحسر عن الأحواز في الألف الثالث قبل الميلاد. بدأ في استيطانها شعب سامي خضع في بادئ أمره لسلطان المملكة الاكدية في العراق. لكن هذا الخضوع لم يتصف بالدوام والاستقرار بسبب ثورات العيلاميين الذين سيطروا على الاحواز (عربستان) و غاراتهم المتقطعة على بعض المدن الاكدية. حتى استطاع العيلاميون اكتساح المملكة الاكدية و احتلال عاصمتها أور، و انشئوا المملكة العيلامية التي بسطت سلطانها على الأقوام السامية التي تستوطن الاحواز (عربستان).
و جاء دور البابليين الذين اخضعوا المملكة العيلامية الى سلطانهم في عهد حمو رابي سنة 2094 قبل الميلاد ثم ظهرت الدولة الأشورية التي احتلت عاصمة الأحواز، تستر سنة 646 قبل الميلاد لكن حكم الأشوريين للاحواز لم يستمر طويلا فقد استطاع الكلدانيون و الميديون القضاء على الأشوريين، ثم و خضعت الأحواز للكلدانيين.
وحينما ظهرت المملكة الأخمينية و غزت الأحواز سنة 539 قبل الميلاد لم يغيروا من نظام الحكم في هذا القطر العربي لاستمرار الساميين في التمتع باستقلالهم الذاتي و قوانينهم البابلية. و لم يحاول الأخمينيون فرض ديانتهم الزرادشتية على الأحواز و إنما تركوا لسكانه حرية الخضوع لقوانينهم الخاصة.
و بعد ذلك خضع الأحواز لحكم الأسرة السلجوقية و البارثية. و لما ظهرت الأسرة الساسانية بسطت سيطرتها على الأحواز سنة 241 ميلادية. لكنها لم تستطع إخضاع الأحواز إخضاعا تاما بسبب الثورات المستمرة فيه، الأمر الذي كان يفرض عليها توجيه حملات عسكرية لمواجهة هذه الثورات حتى اقتنعت المملكة الساسانية بصعوبة حكم العرب فسمحت لهم بإنشاء إمارات تتمتع بالاستقلال الذاتي. و يذكر شفيق أرشيدات ان الأحواز(عربستان) طيلة عهد الساسانيين و حتى أوائل القرن الرابع الميلادي، أرض عربية خالصة تربطها بفارس روابط دفاع عسكري و تعاون تجاري. و كان شعب الاحواز (عربستان) في هذه الفترة شعب عربي تحكمه أعرافه و تقاليده العربية و تربطه بالإمبراطورية الفارسية سلطة اسمية وولاء رمزي.
في هذه الفترة (135 قبل الميلاد - 637 ميلادية) كانت كل بلادنا خاضعة لحكم الإغراب البيزنطيين و لم تقم خلال طول هذه الفترة، دولة مركزية واحدة قوية تمثل سيادتها، و تستعيد حرية أجزائها، فالفرس في الشرق، كل الشرق ، بما في ذلك مابين النهرين، الذي سماه الفرس(أيراه) فعربناه الى عراق، و الروم في الغرب كل الغرب، من شمال غرب إنطاكية حتى غزة، على مساحة واسعة تشمل القد س والشام والمناطق الوسطى جميعا، و كان علينا ان ننتظر الإسلام، و حركة الفتح العربي الإسلامي، و معركتي القادسية والمدائن، حتى يبدأ تحرير الهلال الخصيب (المشرق العربي) من الاستعمارين الفارسي و البيزنطي آنذاك، فتحررت العراق و الأحـواز من براثن الاستعمار الفارسي و لحقت الهزيمة النكراء بالجيش الفارسي ألساساني سنة 636 ميلادية بقيادة القائد العربي الإسلامي سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية الكبرى واستكمل تحرير الأحواز سنة 637 ميلادية، و ألحقت بولاية البصرة حتى العام 132 هجري، ثم صارت ولاية مستقلة في العهد العباسي ( 132 هـ - 256 هـ )، و صارت احد المراكز المهمة في تجارة للدولة العباسية المركزية حين أولى العباسيون، الأحواز و جنوب العراق اهتماما خاصا.
ثم بعد ذلك الدولة العباسية ضعفت و تتهاوت و وقعت تحت نفوذ الفرس و الترك، ثم لا ننسى ان المنطقة برمتها كانت تتأرجح بين التبعية للدولة المركزية العباسية المتهاوية أو تستقل عنها بإمارة خاصة، حتى سقوط الخلافة العباسية على أيدي المغول في العام 316 هـ / 1258 م.
دولة المشعشعين العربية:
ولما ضعف المغول، تحررت الأحواز واستقلت على يد محمد بن فلاح، و هو من أرومة عربية تعود الى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي تمكن بمساعدة بعض القبائل العربية من تأسيس إمارة عربية في الأحواز و كانت عاصمتها مدينة الحويزة حيث سميت بإمارة المشعشعين العربية، التي ما لبثت ان اتسعت حتى شملت مناطق واسعة من ارض العراق، حتى بغداد. و كانت النقود تضرب باسم المشعشعين في مدينة( تستر) و (دسبول - قنطرة القلعة) وهما مدينتان احوازيتان عام 914هـ/1516م. استكملت دولة المشعشعين سيادتها على الأحواز(عربستان) كلها و على المناطق المجاورة لها، في الوقت الذي لم يكن فيه للفرس أي وجود سياسي، و بقيت فارس طيلة العصور الوسطى مجرد تعبير جغرافي. و لكن في عام 1501م أنشأ إسماعيل ألصفوي الدولة الصفوية، و ذلك أيام حكم المشعشعين في الأحواز(عربستان)، فبدأت عندئذ مرحلة متميزة من مراحل تاريخ المنطقة، إذ ظهر ألصفويون كقوة جديدة مقابل قوة العثمانيين، و بدأ بينهما صراع حاد أصبحت فيه الأحواز أحدى ساحاته. فقد تعرضت الأحواز لهجوم فارسي صفوي و تم احتلال مدينتي دسبول وتستر الشماليتين لفترة وجيزة، و عندئذ ظهر مبارك بن عبد المطلب بن بدران الأمير المشعشعي الذي حكم من عام 1588 م الى عام 1616 م و يعتبر حكمه عصرا ذهبيا لإمارته حيث استطاع فرض سيطرته على أنحاء الأحواز كلها، و طرد الفرس الغزاة و استرد مدنه الشمالية منهم (4).
أما الرحالة الايطالي بتروديلافالي الذي زار حوض نهر كارون الى مصبه في شط العرب، فقد ذكر ان الشيخ منصور بن عبد المطلب الذي حكم من عام 1634 م الى عام 1643 م كان يسيطر على شط العرب الى درجة انه لم يسمح لأية سفينة بأن تمر إلا بعد ان تدفع ضريبة لوكيله، و أنه كان على اتصال دائم مع حاكم البصرة، كما أنه كان يقاوم بقوة محاولات شاه عباس الأول التدخل في شؤون إمارته الداخلية(4). كما لاحظنا ان هذه الإمارة الأحوازية كانت تتوسط سلطتين كبيرتين تتنازعان السيطرة عليها هما الفرس بقيادة الأسرة الصفوية، والعثمانيون.
و كان على الأمارة العربية الاحوازية ان تحمي نفسها باستمرار من هاتين الدولتين الطامعتان بها، حيث كانت حروب كثيرة تدور بين الإمارة العربية ألمشعشعية و الدولتين المذكورتين و النصر كان حليفا للإمارة ألمشعشعية آنذاك.
كان ألمشعشعيون من الشيعة، و كانوا أكثر من هذا إنهم هاشميين، يعود نسبهم الى الإمام علي عليه السلام، و كذلك كانت تدعي الأسرة الصفوية التي أسسها الشاه إسماعيل بن صيرر إنها ذات نسب هاشمي متصل بالإمام علي (ع) نفسه. و لكن هذه القرابة المذهبية و العائلية لم تكن حائلا دون تكرار هجمات ألصفويين على الاحواز لاحتلالها، بل كانت هذه القرابة تستخدم لغرض الاحتلال، كما كان العثمانيون من الجانب الآخر يستخدمون التمايز المذهبي (بوصفهم من السنة ) لتبرير هجماتهم على الإمارة الشرقية، و إكمال إطباقهم على البلاد العربية.
حكمت أمارة المشعشعين الأحواز زهاء خمسمائة عام. و استطاعت إبعاد الأحواز عن النفوذ العثماني والفارسي بكل جدارة. و هناك أدلة كثيرة على ذلك فحينما حاول ألصفويون احتلال بغداد طلبوا المعونة العسكرية من الدولة ألمشعشعية على أساس ان الدولة العثمانية عدوتها المذهبية. لكن الأمير المشعشعي منصور أجاب الشاه ألصفوي(إذا كان الشاه ملكا على فارس فأنا أيضا ملكا في الاحواز (عربستان) و لأقليمة للشاه عندي). و بعد هزيمة ألصفويين وقعت معاهدة 1639م بينهم وبين العثمانيين. و اعترفت هاتان الدولتان في هذه المعاهدة باستقلال الدولة ألمشعشعية في الأحواز.
وقد خاضت الدولة ألمشعشعية عدة معارك ضد الفرس كان الانتصار حليفهم فيها. كما إنها ضمت البصرة و ألقرنه إليها فترة من الزمن. و بصورة عامة فإنها استطاعت ان تحافظ على استقلال الأحـواز بعيدا عن الفرس و العثمانيين. و قد انتهى حكم الدولة ألمشعشعية سنة 1724م.
و بعد ألمشعشعيين، توالت على الأحـواز (عربستان)، التي استطاعت أكثر من أية منطقة أخرى ان تصمد أمام ألسيطرتين التركية و الفارسية. تأسست في الأحواز إمارات عدة و منها إمارة كعب آلبوناصر(1690 م)، و إمارة كعب آلبوكاسب (1832م)، و إمارة القواسم، و إمارة المنصور، و إمارة آلبوعلي، و إمارة المرازيق، و إمارة بنو حماد، و إمارة ألعبادلة ... و هذه الإمارات كما نلاحض إنها إمارات عربية، أمنّت استمرار السيادة القومية و الاستقرار لقطر الأحـواز العربي خلال القرون و العصور الماضية. و حافظت على عروبة الاحواز رغم الأطماع الفارسية الدائمة، و الصراع الفارسي العثماني، و التكالب البرتغالي البريطاني على خيرات الأحواز و الشرق، و قرصنتهم و دسائسهم السياسية ومكائدهم العسكرية حتى سقوط الدولة العثمانية و الاحتلال البريطاني الفرنسي لها، و معاهدة سايكس بيكو، و تقسيم المشرق العربي الى دول و دويلات، و اقتطاع أجزاء منه مثل الأحـواز و منحها للفرس، و فلسطين و منحها لليهود، و سلخ إنطاكية و ألاسكندرون من سوريا و منحها للأتراك ...
إذا نتأمل الماضي و الحاضر نجد ان الغربيون كانوا و مازالوا بحاجة الى الأتراك والفرس واليهود في تمزيق الجسم العربي من خلال هذه المثلث الاستيطاني الجاثم على صدر الأمة العربية.
إمارة آلبوناصر العـربية ألكعبيه:
كانت رئاسة القبائل العربية الكعبية المعروفة في جنوب الأحـواز الى عائلة آلبوناصر و قد اتخذوا مدينة ألقبان مقرا و مركزا لإمارتهم و كان أعظم رجل منهم تولى الإمارة هو الشيخ سلمان بن سلطان ألكعبي. و في عام1160هـ/1747م نقل الشيخ سلمان مركز أمارته من مدينة ألقبان الى مدينة الفلاحية في منطقة الدورق و اتخذها مقرا لإمارته، أسس إمارة آلبوناصر الشيخ ناصر بن محمد ألكعبي و هو أول رئيس معروف لبني كعب في إمارة آلبوناصر حيث سميت هذه الإمارة(باسمه إمارة آلبوناصر).
حكم إمارة آلبوناصر من أبيهم كل من الإخوة علي و محمد و عبد الله و رحمة و سرحان أولاد ناصر مؤسس الإمارة و كان ذلك من عام1690م-1722م.
ومن بعدهم تولى الإمارة الشيخ فرج الله بن عبد الله ألكعبي عام 1722م و حصلت في أيامه حروب دامية بينه وبين القاجاريين (ملوك فارس) و قد حاصرهم محمد حسين خان بجيش قوامه ثلاثون إلفا من العجم و الأكراد و استطاع رجال كعب ان يفكوا الحصار وفي النهاية انتصر كعب وخسر القاجار في تلك المعارك.
و يعتبر سلمان بن سلطان بن ناصر من أقوى الأمراء العرب الذين حكموا هذه الإمارة حيث رأت الإمارة في عهده الإصلاح والتقدم والعمران. فخفر الأنهر و شق الطرق و أقام السدود و نظم الزراعة. كما انشأ الشيخ سلمان ألكعبي أسطولا بحريا جاب مياه شط العرب و الخليج العربي حيث ارهب أساطيل الانكليز والفرس والعثمانيين في ذلك الزمان.
وفي عام 1747م تمكن الشيخ سلمان من نقل إمارته من ألقبان الى الفلاحية في الدورق بعد قتال عنيف بينه وبين الغزاة الفرس.
كما ان الشيخ سلمان ارهب باشا بغداد في وقته كما اشتبك أسطوله مع الأسطول البريطاني التابع لشركة الهند الشرقية فدحرها و استولى على سفينتين منها -سالي و اليخت- و سحبهما الى ألقبان.
لقد قضى الشيخ سلمان أكثر سنوات حكمه في تركيز دعائم إمارته و حماية استقلالها إضافة الى المنجزات العمرانية و الاقتصادية التي نفذها في إمارته.
و في عام 1767م توفي الشيخ سلمان، و بعد وفاته تولى الإمارة من بعده أولاده و أحفاده و كان آخر من تولى هذه الإمارة هو الشيخ عبد الله بن عيسى بن غيث بعد وفاة أخيه رحمه بن عيسى بن غيث و الذي سار على نهج أخيه في منازعاته مع الشيخ جعفر و استمر الوضع على هذه الحالة حتى عهد الشيخ خزعل آخر و أقوى أمراء آلبوكاسب الذي نازعه على المشيحة الشيخ عبد الحسن بن عبود بن محمد أمير الفلاحية الملقب بشيخ المشايخ و لم ينجح حتى توفي.
إمارة آلبوكاسب العـربية ألكعبيه:
بعد ان انتقل آلبوناصر من مدينة ألقبان الى الفلاحية في الدورق تخلفت ثلاث اسر كعبيه هما ألنصار، ألدريس، البوكاسب. و بقوا قاطنين على ضفاف نهر كارون في جزءه الجنوبي و شط العرب فانقسمت بني كعب الى قسمين قسم منهم في الفلاحية و الآخر في جزيرة عبادان و مدينة المحمرة.
و من نتائج هذا الانقسامات تلاشت قوة كعب التي لعبت دورا ايجابيا في حكم إمارة الاحواز و في منطقة الخليج العربي، لكن حل محلها فخذ آخر منها هو قبيلة البوكاسب و التي أسست أمارة المحمرة العربية و كان قيامها هناك ضرورة اقتضتها السيطرة على مدخل نهر كارون الشريان الرئيسي لحياة الإمارة الاقتصادية. الذي بدأ الغرب حينئذ يوجه أنظاره إليه لاستغلاله والنفاذ منه الى مشارف الاحواز و ما جاورها طمعا في خيراتها و ثرواتها الطبيعية.
فكان مرداو عميدا للأسرة ألكاسبيه التي سكنت ضفاف كارون في مدينة المحمرة و الحاج يوسف هو الابن الأكبر لمرداو والذي خلف إياه في رئاسة القبيلة و على يده تم عمران مدينة المحمرة عام1812م و التي شيدت على أنقاض المدينة التاريخية(بيان) القديمة و قد كان السبب في ازدهار المحمرة ظهور أهميتها الدولية، مما جعل بريطانيا متمثلة بشركة الهند الشرقية تفكر بإدخالها ضمن مناطق نفوذها، كما ثار حول تبعيتها نزاع عثماني فارسي طويل.
يمثل الحاج جابر بن مرداو الذي تولى الرئاسة بعد أخيه يوسف عهدا جديدا في تاريخ الأحواز فهو يعد المؤسس الحقيقي الأول لإمارة المحمرة و واضع الحجر الأساسي لكيانها السياسي.
من ابرز ما حدث في المحمرة أيام الحاج جابر بن مرداو هو تعرض المحمرة للهجوم العثماني بقيادة علي رضا عام1837م إلا انه كان هجوما خاطفا لم يغير شيئا من الكيان السياسي للإمارة فتألق فيه نجم الحاج جابر بعد ان خرج العثمانيون منها.
فالحاج جابر و أبناءه من بعده الشيخ مزعل والشيخ خزعل لم يخضعوا لا للسيادة الفارسية ولا للسيادة العثمانية كما لم يعترفوا بمعاهدة ارض روم الثانية عام1847م ، كانت هذه المعاهدة الاستعمارية التوسعية هدفها وضع حد للنزاع الفارسي العثماني و تقسيم الحصص بينهما في الأحواز والعراق، و بذلت عدة محاولات لتسوية هذا النزاع، و كان آخرها عقد مؤتمر في أرض روم بين الدولتين العثمانية و الفارسية بتوسط كل من بريطانيا و روسيا القيصرية، و قد تمخض هذا المؤتمر الاستعماري الظالم عن عقد معاهدة مجحفة لا تمثل إرادة شعب الأحواز وتطلعاته نحو الحرية و الاستقلال و حقه في تقرير مصيره ،بل هي معاهدة بين دول لا تمثل انتمائها التاريخي و الاجتماعي و القومي و السياسي لتلك الأرض العربية، بل هم دول استعمار و غزو و احتلال و ظلم و طغيان، فكل ما يصدر عنهما باطل و غير شرعي غير قانوني، لأن هذه المعاهدة صدرت من لا يملكون الحق الشرعي في الأحواز، لأنهم غرباء عن تلك الأرض العربية و لا يمتون بصلة لها و لشعبها و لا لتاريخها في والحاضر و المستقبل، إنهم دول استعمار غزوا و احتلال، سميت تلك المعاهدة بمعاهدة ارض روم الثانية و التي عقدت في عام1847م. (و تنص المادة الثانية من المعاهدة الاستعمارية على ان تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية على مدينة المحمرة و مينائها و جزيرة خضر. أما باقي مواد المعاهدة فأنها تبحث بوجه عام في قبائل الحدود وشؤون الزوار و أمور الملاحة و التجارة و قد تم التصديق على المعاهدة الظالمة بعد اتصالات سياسية دامت سنين عديدة.
إن ما يعنينا من هذه المعاهدة النصوص الخاصة بالأحـواز (عربستان)، و لو تأملنا فيها لبرزت لنا أكثر من ملاحظة على تلك المعاهدة:
أولا- قررت المعاهدة مصير شعب ضد إرادته و بدون أن يعطى فرصة للإسهام في تقرير مصيره، إذ تفاوضت أطراف غير معنية على منطقة لم تخضع لأي منهما في أي وقت مضى، فقد كانت مستقلة تماما عن الحكومة الفارسية باعترافها الرسمي، كما إن العثمانيون عجزوا عن تثبيت نفوذهم فيها، و لكن كلا منهما منحت ما لا تملك للأخرى. و بالرغم من ذلك فأن الوثائق اللاحقة لهذه المعاهدة تثبت كلها أن الأحواز(عربستان) لم تخضع حتى بعد المعاهدة للدولة الفارسية ، وأن هذه اكتفت م عربستان بولاء رمزي فقط .
ثانيا- تضم المعاهدة بين أحكامها و بنودها شروطا غامضة، مما تسبب في استمرار النزاع على الأحواز، فقد قسمتها المعاهدة إلى منطقتي نفوذ جعلت للدولة الفارسية المنطقة التي (تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس) أما ما عداها فتكون تبعيتها للدولة العثمانية، فالتقسيم إذن كان على أساس عشائري قبلي، و كان من الصعب تطبيقه، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية بعدئذ إلى الاحتجاج عليه بمذكرتها الإيضاحية للسفيرين البريطاني و الروسي التي طلبت فيها تفسيرا عن كيفية إجراء هذا التقسيم.
ثالثا- اعتبرت المعاهدة مناطق بني كعب من المناطق المعترف بتبعيتها لفارس، و هذا ادعاء باطل، لأن قبيلة بني كعب لم تتنازل عن سيادة أراضيها لفارس أو لغيرها قط، كما أنها لا تمت لها بأي صلة قومية أو ثقافية. و يبدو أن الدولة العثمانية عقدت المعاهدة دون أن يكون لديها اقتناع كاف للتنازل الذي التزمت بهي بموجبها، و إن هذا التنازل كان نتيجة ضغط خارجي من روسيا القيصرية و بريطانيا آنذاك، من أجل تحقيق مصالحهما في المنطقة.
رابعا- اقتصر تنازل الدولة العثمانية في المعاهدة على مدينة المحمرة و مرساها وجزيرة خضر (عبادان)، و لم يمتد هذا التنازل إلى الأجزاء الأخرى من الأحـواز. و بالرغم من هذا التنازل فأن الأحـواز ظلت من حيث الواقع مستقلة عن حكومة طهران التوسعية الاستعمارية، و لم يعترف شعبنا العربي ألأحوازي بالمعاهدة و إنما اعترضوا بشدة عليها و على جميع المستويات و الأصعدة و بمختلف الوسائل الحضارية والجهادية النضالية و قاوموا تلك الاتفاقية الغير شريعية التقسيمية التوسعية الاستعمارية.
خامسا- أخذت فارس نفسها تطعن بالمعاهدة بعد توقيعها و ادعت بعدم شرعيتها بحجة أنها كانت مفروضة عليها بالقوة و الضغط من قبل روسيا و بريطانيا و أنها قبلتها مكرهة و أن المندوب الفارسي تجاوز صلاحياته عند توقيعها، و أخيرا إن البرلمان الفارسي لم يصدقها.
سادسا- كانت المعاهدة من الضعف بحيث جعلت العثمانيين أنفسهم يتعرضون لها بالنقد و الرد. فقد وضع درويش باشا عضو لجنة الحدود تقريرا في عام 1852م أورد فيه خلاصة السندات المتعلقة بالمحمرة و عبادان و ما يجاورها، و حذر من بقائها تحت السيطرة الفارسية، و جاء ببعض البنود التي تؤكد على أن بساتين النخيل و المقاطعات الزراعية في الأحـواز كانت تديرها السلطات العثمانية، و أثبتت استقلال الحويزة و نفي خضوعها للسيطرة الفارسية.
و قد لجأ الفرس إلى أساليب و طرق مختلفة مباشرة و غير مباشرة للسيطرة على الأحواز (عربستان) و عندما فشلوا في ذلك أصدر ناصر الدين شاه القاجاري مرسوما ملكيا يعترف بالاستقلال الذاتي للاحواز (عربستان) و بأمارة الحاج جابر عليها و ذلك كان في عام 1857م، و قد دامت إمارة الحاج جابر على الأحواز أكثر من نصف قرن قضاها في تدعيم استقلاله و بناء كيان إمارته السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي. ثم توفي الحاج جابر عام 1881م بعد ان تجاوز التسعين من عمره فانتقلت الإمارة إلى ابنه الشيخ مزعل.
الشيخ مزعل بن مرداو:
تولى أمارة المحمرة الشيخ مزعل بعد وفاة أبيه الحاج جابر بن مرداو و قد نازعه عليها شقيقه الشيخ محمد بن الحاج جابر إلا ان الظروف رجحته على أخيه الأكبر الذي سكن البصرة إلى إن وافته المنية هناك.
كانت علاقة الشيخ مزعل الخارجية مع المنتفك من آل سعدون في العراق متينة جدا حيث التجئوا إليه عندما طاردتهم السلطات العثمانية و بقوا في رعايته في الأحواز مدة تزيد على السنتين ... كما ان علاقته بشيوخ الكويت كانت جيدة لكن بما يتعلق بعلاقته بالقبائل العربية في الاحواز لم تكن مرضية تماما.
بريطانيا تمكنت من فتح نهر كارون للملاحة التجارية الدولية بعد ان استطاعت من أن تقنع شيخ مزعل بان هذا المشروع سوف يطور المنطقة اقتصاديا و هكذا أبخرت بواخر (لنتش أخوان) صاحبة الملاحة في الرافدين و في كارون آنذاك. في ذلك الوقت حاول شيخ مزعل ان ينافس البريطانيين في التجارة في نهر كارون الاحوازي بعد ان ادخل سفينته البخارية الخاصة مياه كارون مما فشل في بقاء العلاقات ودية مع بريطانيا(5). و بذلك دخلت الأحواز عهدا جديدا في تاريخ العلاقات الدولية تحت إشراف بريطاني مباشر و في عام 1890م تأسست قنصلية بريطانية لهذا الغرض في الأحواز.
دامت إمارة الشيخ مزعل ستة عشر عاما نافسه في أواخرها حكمه ألأخ الأصغر له الشيخ خزعل و قد تمكن بعض الحاشية من اغتياله في 2 حزيران عام 1897م عندما كان ينزل الى قصره في الفيلية من قارب صغير يسمى (بلم - كلمة احوازية وعراقية أيضا تعني قارب صغير) بجانب القصر كما قتل معه سبعة عشر رجلا آخر من حاشيته. و هذه الحادثة بقت غامضة لحد ألان و تختلف الروايات حول هذا الاغتيال.
الشيخ خزعل بن مرداو:
تولى رئاسة إمارة المحمرة بعد مصرع الشيخ مزعل أخوه الشيخ خزعل (1897م - 1925م)، و يعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث، و قد لعب دورا رئيسيا في أحداث منطقة حوض الخليج العربي و الأحـواز(عربستان) في الربع الأول من القرن العشرين و قد ساهم مساهمة فعالة في أحداثه و احتل مكانة مرموقة بين أمراء الجزيرة العربية وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سلمان بن سلطان ألكعبي (1737م - 1767م) الشخصية البارزة التي حكمت إمارة الأحواز أبان القرن الثامن عشر الميلادي.
شهدت إمارة الشيخ خزعل أحداثا غاية في الأهمية و هي:
1- تفجر النفط في الأحـواز عام 1908م مما أدى ذلك الى التكالب الفارسي و البريطاني و الغربي على مد يد السيطرة عليها و توسيع النفوذ الاستعماري فيها.
2- تبلور المصالح الأجنبية في منطقة الخليج العربي.
3- نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م حيث كان موقع أمارة الأحواز الاستراتيجي خطيرا أبانها.
4- كما شهدت انهيار الحكم القاجاري في فارس (إيران) وقيام الحكم البهلوي مكانة ذلك الحكم الذي غزا عربستان واحتلها في عام 1925 .
و عندما قررت بريطانيا غزو العراق أبان الحرب العالمية الأولى رأت ان تشمل الى جانبها شيوخ الإمارات المحلية القائمة على ضفاف الخليج العربي لتؤمن مواصلاتها عبر الخليج الى الهند فوعدتهم بتعهدات للمحافظة على إماراتهم و أوضاعهم الراهنة و ضمان حريتهم و إعلانهم شيوخا مستقلين تحت الحماية البريطانية فرضا أمراء العرب بهذه التعهدات السياسية البريطانية، و حصلت صداقة بين بريطانيا و بين البارزين من الأمراء كالشيخ خزعل أمير المحمرة و شيخ الكويت.
و لما اندلعت الحرب العالمية الأولى و أصبحت الدولة العثمانية في الجانب المضاد لبريطانيا صدرت الأوامر بإرسال قوات بريطانية إلى عبادان و قد أعطيت في حينها مبررات لتلك الحملة منها صيانة النفط في الأحواز من اجل الاستهلاك البريطاني... و قد اشترك الشيخ خزعل مع البريطانيين في الحرب لطرد الأتراك من البصرة و بذلك توفير الأمان لإمارة الأحواز و التحقت السفن البريطانية الموجودة في نهر كارون بالحملة البريطانية و تم الاتصال بالمحمرة و قد كان الشيخ خزعل في جميع مراحل الاحتلال عونا للانجليز في حربهم في المنطقة لأنه كان بأمس الحاجة إلى دعم قوة أجنبية مثل بريطانيا كي يعزز إمارته بوجه كل من الدولة الفارسية و العثمانيين.
كان الشيخ خزعل من جملة المرشحين للملوكية على عرش العراق و لكن رأى الشيخ خزعل ان الدبلوماسية الانجليزية غير متحمسة لترشيحه عندما طلب منه المستر بيل سكرتير الشؤون الشرقية في دار الاعتماد البريطانية في بغداد بالكف عن الخوض في مثل هذا الأمر ليفسح المجال أمام الأمير فيصل للفوز بعرش العراق، و من جهة ثانية لا تريد بريطانيا فوز الشيخ خزعل لان هذا معناه قيام وحدة طبيعية بين الأحـواز و العراق حيث قد يترتب على بريطانيا مشاكل سياسية معقدة، ثم بعد ذلك تنازل الشيخ خزعل عن ترشيحه لعرش العراق للأمير فيصل.
و ليس بخافٍ على احد ان شخصية الشيخ خزعل التي انضوت تحت سلطتها قوة العرب في المنطقة تلك القوة التي تمثل تيار القومية العربية التي تعاديها الرجعية الفارسية منذ ازدهار الدولة العربية في الإسلام لاسيما و إن الشيخ خزعل قد بدأ شأنه في الصعود بعد ترشيحه لعرش العراق ودخوله في معاهدات مع بريطانيا و أصبحت له مكانه مرموقة في العلاقات الدولية في المنطقة ومقابل هذا أخذ رضا خان يفكر ويخطط كيف يمكنه القضاء على شيخ خزعل و جاء هذا في مذكرات رضا شاه نفسه حيث قال "من الضروري القضاء على أمير عربستان الذي استمر أعوام طويلة يعيش أميرا مستقلا داخل حدود أمارته و يسانده الأجانب مساندة تامة في إعماله و ليس لحكومة طهران أي سلطة عليه".
رضا خان يبرز نجمه في إيران:
و في عام 1921م أصبح رضا خان قائدا عاما للقوات المسلحة الفارسية بعد ان أطاح بوزارة ضياء الدين الطباطبائي ثم رئيسا للوزراء و في عام 1925م نصب نفسه ملكا على فارس.
وهنا غيّر رضا شاه المقبور سياسته تجاه روسيا و في هذا الأثناء تحسنت العلاقات بين موسكو و طهران، خصوصا و إن السوفيت فوجئوا مفاجأة سارة عندما تولى رضا شاه الحكم في فارس لاعتقادهم بأنه يرأس حركة وطنية ثورية و على اعتبار بان انقلابه هذا حدث تاريخي يدشن بداية عهد جديد كما خيل لهم ان الدكتاتورية العسكرية ستكون مرحلة انتقالية نحو نظام جمهوري و قد تمخضت العلاقات الحسنة بينهما الى إبرام معاهدة عام 1921م التي اعترفت باستقلال فارس التام و تنازلت روسيا عن كل مالديها من المقاطعات الفارسية كما تنازلت عن جميع الديون التي كانت لها على فارس، و بهذا أرادت روسيا ان يبقى الجو صافيا لها لكي يمكنها الوصول الى المياه الدافئة في الخليج العربي للقضاء على نفوذ بريطانيا الاستعمارية ومصالحها البترولية و التجارية في المنطقة وصولا إلى الهند.
فوجدت بريطانيا من الحكمة و من مصلحتها السياسية و الاقتصادية إن تستمر في شد أزر رضا شاه ليتمكن من الوقوف أمام التيار الشيوعي، كي يكون سدا أمام تمددهم للمياه الدافئة (الخليج العربي) من جهة و من اجل بسط سيطرتها على الدولة الفارسية كي تحول دون فوز الروس بالنظام الجديد في بلاد فارس. كي تضمن لها استمرار و حفظ مصالحها في فارس و الخليج العربي.
رضا خان انتهز هذه الفرصة و هذا التقارب البريطاني و طلب منها أن تتخلى عن حماية أمارة الأحواز و عن أميرها الشيخ خزعل ليتمكن من احتلالها عسكريا وضمها إلى مملكته فاستجابت له بريطانيا ومهدت له القضاء على الحكم العربي في الأحـواز حيث سهلت له القضاء على الشيخ خزعل في 20\4\1925م.
و لما علم الشيخ خزعل ان رضا خان ملك فارس ينوي غزو واحتلال الأحواز أخذ يعد العدة للوقوف بوجه الخطر الفارسي الداهم و كان يطمح من الانجليز الوفاء بتعهداتهم السياسية لحماية الأحواز و تقديم المساعدات العسكرية له. لكن بريطانيا نقضت عهدها مع الشيخ خزعل و لم تحرك ساكنا لنجدته و لعبت دورا دبلوماسيا عذرا ضده حين مهدت سبل المفاوضات بين الشيخ خزعل و الحكومة الفارسية من جهة و حشد الجيوش الفارسية على حدود الأحواز (عربستان) من جهة أخرى.
المصدر