عزيزي هولمان .
تحية طيبة .
نظرا لأن الموضوع طويل بالفعل و سبق أن طرحت أكثر من شريط عن الإرهاب و الفتنة الطائفية ، منها شريط يغطي كثير من الفرعيات ، فقد أعدت طرحه في الفكر الحر ،هو موضوع " من أجل مصر .. المسلم و المسيحي .. لا للطائفية و التمييز .."
اضغط هنا
اقتباس:لا بد أنك تتفق معي بأن الجماعات الإرهابية في خطها العام هي صنيعة أجهزة الاستخبارات العالمية .
دون دخول في تفاصيل كثيرة طرحتها في موضوعات عديدة ، سأجيب بايجاز ، أحاول ألا يكون مخلآ .
رغم أني أتمنى أن يكون ذلك صحيحا ،و لكني لا أرى الأمور كذلك . الإرهاب منتج طبيعي للثقافة الإسلامية الأصولية ،و التنظيمات الإرهابية نشأت بشكل تاريخي مصاحبة المسار الإسلامي . يا صديقي .. كان هناك دائما مكون عنيف ظهر في الثقافة الإسلامية منذ بواكيرها الأولى ، و ليس مصادفة أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين جرى اغتيالهم في حوادث إرهاب واضحة .
و لعل الخوارج هم أول جماعة مارست الإرهاب الديني بشكل منظم في الإسلام . هب الخوارج في صدر الإسلام لإصلاح الدين ، فأفسدوا الدين و الدنيا جميعا ، لقد أبلوا أصدق البلاء و لكن في قتال المسلمين ، بينما لم يخرج منهم رجل واحد لقتال المشركين لأنهم يرون مخالفيهم من المسلمين كفرة أولى بالقتال ! لقد أرادوا أن يصبحوا رمزا للإسلام الصحيح فما فعلوا سوى أن أصبحوا لصوصا وقتلة يلعنهم الله واللاعنون .
ربما لا يعرف البعض أن كلمة اغتيال بالإنجليزية assassination مأخوذة من كلمة حشيش العربية ، إشارة إلى أهم الجماعات التي مارست الإرهاب المنظم و عرفها التاريخ القديم و هي التي لجأت إلى الاغتيال السياسي كأسلوب نمطي في ممارستها وتلك هي جماعة ( الحشاشين ) ، و من المعروف أن هذه الجماعة كانت تستخدم نبات ( الحشيشة ) بهدف تخدير أعضائها و دفعهم للقيام بأعمال فدائية خارقة تحت تأثير المخدر . هذه الجماعة هي فرع من طائفة الإسماعيلية النزارية ، استولت عام 483 هجرية على قلعة ( آلموت) الجبلية المنيعة الواقعة في سلسة جبال البرز جنوب بحر قزوين ( إيران حاليا ) تحت قيادة مؤسس الجماعة الحسن بن الصباح الشهير المعروف بشيخ الجبل ، و منذ ذلك التاريخ وحتى سقوط القلعة على يد المغول عام 654 هـ تمكن حسن الصباح و خلفاؤه من تأسيس أغرب دويلة عرفها التاريخ هي دولة الحشاشين التي تحدت بنجاح سلاطين السلاجقة . إن هناك أوجه تشابه عديدة بين الجماعات الإرهابية التراثية خاصة الخوارج و الجماعات الإسلامية المتطرفة الحديثة مثل تنظيم القاعدة و تنظيم الجهاد و غيرها . و أوجه التشابه أراها عديدة ، ربما لا محل لها الان .
تاريخيا تعتبر جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أسسها المرحوم حسن البنا عام 1928 أول جماعة سياسية تستخدم خطابا دينيا ، أي إسلاموية بالتعبير السياسي المعاصر ،و قد اختلف البنا عن المجددين الذين سبقوه مثل جمال الدين الأفغاني و الإمام محمد عبده ورشيد رضا ، لأنهم كانوا أصحاب فكر فقط ،بينما هو رجل حركة و سياسة و يقول حسن البنا بوضوح : " من قعد عن التضحية معنا فهو آثم " .
و الحقيقة الناصعة التي أقولها ببساطة هي (أن الإخوان المسلمين و خلفائهم جماعات الإسلام السياسي يعتمدون الإرهاب وسيلة منذ البداية ، و أول من خط سنة الإرهاب هو المرشد الشيخ حسن البنا نفسه . و يقول محمود الصباغ – الرجل الثاني – في الجهاز أن من تعاليم الجهاز الخاص :اغتيال المشرك – اغتيال من أعان على قتال المسلم باليد أو بالمال أو باللسان ( لاحظ أن ذلك كله تقديري ترك لأعضاء الجهاز ) – إيهام القول ( الكذب ) للمصلحة – الحكم بالدليل و العلامة و الاستدلال ( بواسطة الجماعة بالطبع ) .
بالطبع لدي ما يوثق كل ذلك ،و ربما أكون طرحت بعضا منه هنا في نادي الفكر ،و لكني لا أريد ان أشغل هذا الحوار بتلك التفريعات ، سوى لو أراد أحد الزملاء نفي ما أقوله ، أو طلب تأكيدآ له .
أما عن دور المخابرات الأجنبية ، فهي محاولة توظيف تلك الجماعات لخدمة أهدافها ،و لكنها لم تصنعها بداية . أوضح تلك المحاولات العلاقة بين المخابرات البريطانية و جماعة حسن البنا لضرب الوفد ،و دور المخابرات الأمريكية و السعودية لتوظيف الإخوان لضرب مصر الناصرية ، و استغلال أمريكا للجماعات الإسلامية للعمل ضد القوى التقدمية و من ثم القوات السوفيتية في أفغانستان . هناك حديث أيضا عن استغلال المخابرات الإيرانية تنظيم القاعدة في العراق لتحقيق بعض أهدافها ، رغم اني لست متأكدا من صدق المعلومة الأخيرة و قد تكون دعائية .
اقتباس:إن التركيز في هذه الفترة على الأقباط لا يستهدف الأقباط بقدر ما يستهدف مصر ... فأنا لست ممن يتوقفون عند ظاهر الصورة (جماعات إرهابية وأحداث طائفية وحسب) .
يبدوا أننا نرى الوقائع المصرية بنظرة مختلفة . في الشريط الذي أعدت تنشيطه " من أجل مصر .. المسلم و المسيحي .. لا للطائفية و التمييز .." شرحت وجهة نظر مختلفة عن أسباب الإحتقان الطائفي في مصر ،و لا أراه نتيجة مؤامرة أو مخطط خارجي ، بل هو إفراز حقبة من الأصولية الوهابية المظلمة بدأت مع عصر السادات ، أما ما يلقاه المسيحيون من دعم خارجي الآن فهو نتيجة منطقية تماما لروح العصر ، الذي يرفض قهر الأقليات و تهميشها ،و بكل صراحة المصريون غافلون كثيرا و سيعرضون أنفسهم لعقوبات دولية لو استمروا بهذا الأداء الطائفي المتدني ،وهذا ما توقعته منذ سنوات طويلة ،و أتمنى عدم حدوثه ، فمصر ستدمرها العقوبات ،و المصريون لا يصمدون للضغوط طويلآ ، خاصة أن مياه النيل قد تكون أحد عناصر تلك العقوبات . العالم يدلل نظام السعودية لأنه أفضل البدائل ،و العالم في حاجة للبترول بدون احتلال مصادره هناك ، أما مصر فلا أهمية اقتصادية لها ،ولن يبكي عليها أحد ، فلا أحد يبكي على الفقير المفتري !.
يا عزيزي .. لو قرأت الشريط الذي طرحته ستجد أني عرضت رؤية مختلفة لإدارة الملف الطائفي .
أن تصبح الكنيسة دولة بديلة للمسيحي ، لم يعد احتمالآ بل واقعا و منذ فترة طويلة . أما عن إدارة الدولة للملف الطائفي فأراه خاطئا من البداية . تاريخيا هناك ثلاث قضايا سيادية في مصر ، تشكل الواجب الأول للرئيس هي .. التراب الوطني ، نهر النيل ، الوحدة الوطنية .و لكن أهم تلك الملفات تركت للبيرقراطية المصرية فدمرتها .
مشكلة الوحدة الوطنية في مصر ليست مشكلة سياسية ،و لكنها مشكلة ثقافية من الطراز الأول . لن يمكن للمصرين عبادة إله السعودية و الإحتفاظ بالعالم و مسيحييهم في نفس الوقت ، و عليهم العودة لإلههم الشافعي المتسامح القديم ، أو دفع ثمنا باهظا لحب من طرف واحد .