مواقع جهادية تكشف تهديدات تنظيم القاعدة باستهداف الكنائس المصرية
خبراء: المؤشرات ترجح صدق البيانات.. والهجوم يحمل بصماته
القاهرة: محمد عبده حسنين
كشف عدد من المنتديات الجهادية الأصولية على شبكة الإنترنت عن تهديدات خطيرة سابقة، أطلقها تنظيم القاعدة في العراق، يدعو فيها للقيام بعمليات انتحارية ضد الكنائس المصرية خلال أعياد رأس السنة، وبررت هذه الجماعة، التابعة لتنظيم القاعدة، استهداف الكنائس، بعدم إطلاق سراح كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، وهما سيدتان مصريتان، تعتقد الجماعة أن الكنيسة تحتجزهما بعد اعتناقهما الإسلام، وهو ما تنفيه السلطات والكنيسة المصرية.
وقال خبراء في الحركات الإسلامية، إن المؤشرات الأولية لعملية الإسكندرية الإرهابية، ترجح مصداقية هذه التهديدات وتبعث على تصديقها، خاصة أن الهجوم يحمل بصمات تنظيم القاعدة، من حيث التكتيكات والآلات المستخدمة فيه وعدد الضحايا، والتطور النوعي للهجمات الإرهابية في مصر، كما شددوا على ضرورة التعامل مع ما ينشر على هذه المنتديات الإرهابية بحذر وعدم الاستهانة به، ومتابعته بشكل دائم.
ونشر منتدى أصولي يسمى «شبكة شموخ الإسلام»، بيانا لتنظيم «دولة العراق الإسلامية»، يدعو لاستهداف عدد من الكنائس القبطية في مصر وأوروبا خلال أعياد رأس السنة، ويوضح البيان المنشور بالموقع أسماء بعض الكنائس المستهدفة، وبينها كنيسة القديسين بالإسكندرية، التي استهدفها التفجير الأخير، حيث توجد بالتفصيل أسماء وعناوين هذه الكنائس في مصر.
كما نشر المنتدى عددا من الرسائل لمستخدميه تدعو لتنفيذ التهديد باستهداف الكنائس، إحداها تقول «قم ودع عنك الرقاد.. مهم بخصوص تفجير الكنائس أثناء الاحتفال بعيد الكريسماس». وأخرى: «السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإننا لم ننس فعلكم الشنيع في الكنانة مصر وخطفكم للمسلمات اللاتي أبين إلا أن يتخلصن من وهم ما تسمونه نصرانية، وعليه أتوجه بندائي هذا إلى نفسي وإلى كل مسلم غيور على عرض أخواته بتفجير دور الكنائس أثناء الاحتفال بعيد الكريسماس، أي في الوقت الذي تكون فيه الكنائس مكتظة».
وقال د. عمرو الشوبكي، الخبير المصري في الجماعات الإسلامية، إن هذه المؤشرات والتهديدات تكشف حتمية متابعة هذه المواقع والارتياب من المعلومات المنشورة عليها، لكن بالطبع لا يؤخذ كلامها على أنه مسلم به. موضحا، أن أصابع الاتهام في هذه العملية تشير إلى تنظيم القاعدة، خاصة أن التنظيم أطلق منذ شهرين تحذيرات بالقيام بمثل هذه التفجيرات ضد الكنائس في مصر.
وأشار الشبكي إلى أن مصر شهدت في السنوات الأخيرة الكثير من العمليات الإرهابية، لكنها لم تكن بمثل هذه الحرفية والدقة، ومعظمها كانت عمليات بدائية بسيطة ومحدودة، في حين أن هذه العملية فيها من تعقيدات وحرفية وعدد كبير من الضحايا.
ونشر موقع «شبكة شموخ الإسلام»، نماذج لعبوات ناسفة وكيفية تصنيعها، حيث عرض الموقع صورا لعبوات يدوية مختلفة، منها ما هو على شكل قنينة، ومنها على شكل علب بيبسي كولا يتم إدخال المواد المتفجرة داخلها.
من جهة أخرى، نفت «شبكة المجاهدين الإلكترونية»، وهي منتدى جهادي آخر، علاقتها بتفجيرات كنيسة القديسين، على الرغم من أن الشبكة نفسها نشرت قبل الحادث قائمة بمواقع وعناوين الكنائس المصرية المستهدفة في احتفالات رأس السنة «الكريسماس». لكن القائمين على الشبكة حذفوا جميع المواضيع والبيانات التي تدينهم، والمتضمنة إشادة وتأييدا للعملية الإرهابية ضد كنيسة القديسين، بالإضافة إلى بيانات أخرى تتضمن تهديدات بشن هجمات إرهابية جديدة ضد الكنائس المصرية، بالإضافة إلى مواضيع تشرح بالصور طريقة تصنيع القنابل والمتفجرات.
وكانت الشبكة نفسها قبل يومين قد هددت بشن هجمات جديدة ضد الكنائس المصرية، وقالت الشبكة في بيان على موقعها: «وصلتكم رسالة المجاهدين واضحة صريحة وخطت تلك الرسالة بالدماء، ولكن لحماقتكم لم تفهموا ولم تستوعبوا الدرس حتى الآن».
وتوعدت الشبكة قائلة: «والذي لا معبود بحق سواه، لنجرين نهر النيل بدمائكم، ولنجعلن حياتكم جحيما في الدنيا قبل الآخرة، ولنرهبنكم كما أرهبنا أسيادكم في أميركا ودول أوروبا، ولنجعلنكم عبرة لكل معتبر، فقد سللنا عليكم سيوفنا الحداد، ولن تعود السيوف إلى أغمادها حتى نرى أخواتنا أو نهلك دون ذلك».
وعلقت الشبكة على حادث كنيسة القديسين وقالت: «إنما هذا أول الغيث، فسلم أسرانا وأسلم تسلم وإلا فالسيف بيننا».
وعلق ضياء رشوان، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والخبير في الحركات الإسلامية، على ذلك بالقول، إن تنظيم القاعدة ليست له مواقع على الإنترنت منذ عام 2006، بعد أن تم تدميرها كلها، وإنما توجد له منتديات، بعض هذه المنتديات يتم تركها عمدا من جانب الجهات الأمنية، من أجل متابعة هذه التنظيمات الجهادية واختراقها، ومعرفة أفرادها وتعقبهم. وفي ما يتعلق بمصداقية ما ينشر على هذه المنتديات، أكد رشوان أن هناك عدة معايير فنية للتأكد من ذلك، يعرفها خبراء مكافحة الإرهاب على الإنترنت. مشيرا إلى أن أسلوب العملية يحمل بصمات وتفكير تنظيم القاعدة، كذلك كثرة المواد المستخدمة، بهدف وقوع أكبر عدد من الضحايا، إلى جانب اختيار المناسبات. وهناك احتمالية أن يكون مرتكب الحادث مصريا، إلا أنه ربما يكون على اتصال مع «القاعدة» عن طريق الإنترنت، وربما بمثل هذه المواقع. إلا أنه أوضح أن المسؤولية النهائية عن الحادث لا يمكن الجزم بتنظيم القاعدة قبل أن يرسل بيانا واضحا وصريحا يحدد فيه مسؤوليته عن العملية، ومن القائم بها، مثل إعلانات بن لادن، وبالتالي تبقى كل هذه توقعات واجتهادات تنتظر الحقائق المجردة.
يشار إلى أن شبكة شموخ الإسلام هي شبكة «جهادية إسلامية» تدعو للقيام بأعمال إرهابية ضد من سموهم أعداء الإسلام، وهي تقول إنها صفحة تابعة لـ«الدولة الإسلامية»، التي تم إعلانها منذ أكثر من عامين. كما تعرف نفسها بأنها «شبكة مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي»، وتؤكد أن انتماءها وولاءها التام والمطلق هو لـ«إخواننا الموحدين شرقا وغربا ممن انتهجوا نهج الطائفة المنصورة علما وعملا وخلقا».
وتدعو الشبكة متابعيها إلى الأخذ بالأسباب في كل ما يخص أمنهم واتصالهم وتواصلهم عبر الإنترنت، وتحذرهم مما تسميه «الشبكات المشبوهة» التي أعدها «أعداء لاستقطاب مناصري الجهاد».
________________________________________________________________
لا أحبذ الدخول في نقاش مع القراء، ليس انتقاصا، وإنما من باب إفساح المجال لوجهات النظر، وحفظ حق القارئ في أن يعبر عن رأيه، إلا أن رسالة وردت من قارئ استوقفتني كثيرا، حيث أرسل معلقا على مقال الأمس «إلى المصريين: قفوا وقفة صدق» قائلا: «لي أيضا وقفات مع هذا المقال وكاتبه صاحب النظرة من الاتجاه الواحد».
يقول القارئ، بملخص رسالته، «لماذا تتحدث عن العملية الإرهابية ولا تتحدث عن مسبباتها، لا أريد أن أبرر هذا العمل الإرهابي، ولكن ألا ترى أن محاولة تقوية النصارى في مصر ومغازلتهم من قبل النظام ليس حبا فيهم ولكن فقط من أجل إضعاف الإسلاميين», مضيفا أن من شأن ذلك أن يحرق الجميع! وهذا تحديدا ما أفزعني بالرسالة، فأيا كان الاختلاف، والانتقاد، للحكومة المصرية، أو غيرها من الحكومات، فهل هذا كلام مقنع؟ بالطبع لا، خصوصا أن القارئ يختم: «المسلم الحق هو من يجعل الإسلام منهجا شاملا لحياته فنحن جميعا نفتخر مع الشيخ القرضاوي بما تحقق وليس وحده».
وهنا لن أخوض في جدال ديني، أو سياسي، ولكن لماذا لا نستحضر قصة درسناها في مدارسنا، وسمعناها من مشايخنا مرارا لنرى كيف أننا نهدم بيوتنا بأيدينا، فالقارئ يقول إن النظام يتقرب إلى «النصارى» في مصر لإضعاف الإسلاميين، ومن سماهم القارئ بالنصارى ما هم إلا جزء من مصر، وليس اليوم، بل منذ فجر الإسلام النقي. وهنا مربط الفرس.
فالقصة التاريخية العظيمة تقول إن قبطيا سافر من مصر إلى المدينة المنورة ليشكو للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابن فاتح مصر وأميرها عمرو بن العاص لأنه ضرب ابنه. وعلى الفور أحضر الخليفة عمر بن الخطاب أمير مصر وابنه محمد إلى طيبة الطيبة، واقتص للقبطي، وقال وقتها الخليفة الفاروق مقولته العظيمة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». فلمن كان يتقرب الخليفة الفاروق وقتها، هل للنصارى، كما يقول القارئ، أم لقوى علمانية؟
حاشا، بل كان الخليفة عمر بن الخطاب أقرب إلى العدل، وهو أقوم، كان الخليفة الراشد يحفظ الذمم، ويحافظ على السلم، ويعصم الدماء. فهل هذا هو الإسلام الذي يقصده من يقولون بأن الإسلام هو الحل؟ أشك، ما دمنا نرى هذا مصريا نصرانيا، وهذا مصريا مسلما، أو ذاك سنيا، وهذا شيعيا، وهكذا، فلو نهجنا هذا النهج لما بقي لنا أمن في أوطاننا، ولما بقيت لنا أوطان أصلا.
ولذا نقول إننا في معركة أفكار مرعبة، خطرها يتهدد أمننا ومستقبلنا، وما لم يتم التصدي لهذه الأفكار وتصحيحها من قبل مؤسسات الدولة، بكافة مرافقها في العالم العربي، وتنمية حس المواطنة، فإن القادم أشد خطرا. واجبنا أن نحافظ على حق العيش المشترك، وعصمة الدماء، وواجبنا أن نصحح المفاهيم كل صباح ومساء.
حذرنا مما حدث في العراق، وها هو اليوم يصل إلى مصر، ولا نعلم إلى أي مدى يذهب هذا الشر، ولذا فهذه دعوة للعقلاء بأن يجعلوا صوتهم أعلى من صوت التطرف والمتطرفين.
tariq@asharqalawsat.com
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=602225&issueno=11725