اخي الكر يم فارس اللواء
ان اتفهم حاجة القرضاوي في محاولته للتأسيس للمفاهيم الديمقراطية في دائرة اللاهوت الاسلامي، واتفهم انها مسألة ليست بالسهلة لغياب الفكر الاسلامي عن هذه الساحة منذ عصور.
واعتقد انك تتفق معي ان التراث الاسلامي المتوفر في غالبيته لايقدم مجالا للثقة بنوايا الحركات الاسلامية مهما اختلفت الصياغات، خصوصا على قاعدة ان الطروحات الفكرية الاسلامية، مهما كانت جميلة الصياغة، غير ملزمة عمليا، إذ لامرجعية في الاسلام. وما يقوله القرضاوي الان ليس بالضرورة وجهة نظر البقية او " الاكثرية"، على الرغم من انها في ذاتها صياغات فضفاضة وتملك العديد من الثغرات التي تسمح بالتسرب من اي التزامات في المستقبل، إذا صعد اتباع هذه النظرة الى السلطة.
نحن نرى ان الجماعات الاسلامية السياسية في السودان وغزة والصومال وافغانستان وايران لم يقدموا اي نموذج حضاري يمكن الاعتزاز به او التوجه نحوه كمثال مشرق. فهل اختلف الاسلام هناك، ام انهم بإنتظار ولادة قرضاويهم الخاص؟
ومع ذلك نرى ان طرح القرضاوي ذاته ليس بناضج تماما. لننظر الى نوع الديمقراطية " الطيبة" التي ينادي بها حيث يقول :
(" والمسلم الذي يدعو إلى الديمقراطية إنما يدعو إليها باعتبارها شكلاً للحكم، يجسد مبادئ الإسلام السياسية في اختيار الحاكم، وإقرار الشورى والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الجور، ورفض المعصية، وخصوصًا إذا وصلت إلى " كفر بواح" فيه من الله برهان.
ومما يؤكد ذلك : أن الدستور ينص ـ مع التمسك بالديمقراطية ـ على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين، وهذا تأكيد لحاكمية الله، أي حاكمية شريعته، وأن لها الكلمة العليا.
ويمكن إضافة مادة في الدستور صريحة واضحة، إن كل قانون أو نظام يخالف قطعيات الشرع.فهو باطل، وهي في الواقع تأكيد لا تأسيس.
لا يلزم ـ إذن ـ من الدعوة إلى الديمقراطية اعتبار حكم الشعب بديلا عن حكم الله، إذ لا تناقض بينهما. ) انتهى الاقتباس.
وهذا يتناقض مع موضوعك الاخر ( قراءة في كتاب الوطن والمواطنة)
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=41846
حيث يقوم على تعريف المواطنة التالي:
(يُقصد بالمواطنة تساوي أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الوطن الواحد سواسية من دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو الموقف الفكري أو الوضع الطبقي.
وترتكز المواطنة على قيم محورية هي: المساواة، والحرية، والحق في المشاركة في إدارة المجتمع والمسؤولية الاجتماعية.)
وكما افهم فالمقال يسوق لقيمة المواطنة موضوع التعريف، انطلاقا من ان الامة هي الامة الجغرافية وليست العقائدية، ولكن الدستور هو للامة العقائدية وهذا تناقض وانتهاك.
ان الديمقراطية لاعلاقة لها بالاكثرية والاقلية الدينية، بل ولايجوز " للاكثرية الدينية" حتى ان تشرع قوانين عقائدية تنتهك فيها اقلية من اتباع دينها انفسهم، إذ ان ليس كل المسلمين مؤمنين او لهم المذهب نفسه او حتى لديهم الرغبة ان يصبح عليهم وكلاء الله يقررون لهم ماهو الحرام وماهو الحلال وماعليهم ان يلبسوا وان يأكلوا وكيف يتناكحوا او حتى إن يراقبوا صلواتهم وصومهم.
والديمقراطية لاتعني ان الاكثرية الدينية من حقها تشريع القوانين الدينية ، حتى لو تفضلت واعلنت انها " تسمح" بالحرية الدينية في إطار الاديان السماوية، لتبقى القوانين الدينية من حق المؤسسات الدينية خارج الدولة.
ان الدولة هي ملك جميع مواطنيها على نفس المستوى، وبالتالي لايجوز لها ان تكون طرفا بين مواطنيها على اساس الدين او المذهب او الجنس او العرق. وجميع المواطنين، بغض النظر عن انتمائهم الديني لهم الحق نفسه في التعبير عن الرأي بما فيه التبشير او الارتداد او إقامة ديانة جديدة، وهذا الامر من الواضح انه لاتعترف به ديمقراطية القرضاوي ولاتتفهمه وهو الذي يعتبر " الكفر البواح" جريمة، بالتناقض مع حقوق الانسان والمواثيق الدولية.
وشخصيا لااثق على الاطلاق ان دولة شريعتها الاسلام قادرة على التعامل مع النساء والرجال على اساس المساواة بالحقوق كما يدعي بالتعريف، مما يجعلني اعتقد ان الامر برمته لايزيد عن نثر الرمال بالعيون في محاولة للالتفاف على السمعة القديمة لاغير