المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري: هل يتدخل لمساعدة ثورة 17 فبراير في ليبيا؟
المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري: هل يتدخل لمساعدة ثورة 17 فبراير في ليبيا؟
براء الخطيب
\15q-0.htm
مدينة بنغازي المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ثاني أكبر المدن الليبية بعد طرابلس العاصمة، تشتعل بتظاهرات الثوار المعتصمين في ميدان التحرير 'ميدان المحكمة سابقا'، على الرغم من هبات الرياح القادمة عبر البحر محملة برطوبة بخار الماء، لكن لا الرطوبة ولا الرياح ولا الأمطار استطاعت أن تطفئ النار المشتعلة في مخازن الأسلحة في منطقة الرجمة، التي تبعد عن مدينة بنغازي أربعين كيلومترا تقريبا، وكانت طائرات 'القذافي' قد قصفت مخازن الأسلحة (3 مخازن) لتدميرها قبل أن تقع في أيدي الثوار، وكان من نتائج هذا القصف المباشر- الذي تم في الظلام الدامس- قتل أكثر من 35 وإصابة أكثر من 120 من الثوار والمواطنين الذين يسكنون في المنازل القريبة من منطقة القصف، التي لم تفرق بينها الطائرات المهاجمة (طائرتان طبقا لبعض شهود العيان) وبين مخازن الأسلحة.
في مدينة بنغازي لا يوجد شارع واحد يصلح لسير السيارات كثيرة العدد التي تجوب المدينة، ولا توجد أية بنية تحتية صالحة لحياة البشر، مما دفع الكثير من المراسلين الأجانب الى ان يتساءلوا: 'أين ذهبت كل عائدات النفط في ليبيا؟'.
في بنغازي أحياء بلا أية خدمات إنسانية وبيوتها أقرب إلى البيوت العشوائية في أفقر 'عشوائيات' القاهرة أو بيوت 'الحيطيست' و'المزاليط' في الجزائر، أو في أفقر بيوت 'دير الزور' في سورية، ويسألك كل من يقابلك في بنغازي أين مليارات النفط؟ أين تبجح القذافي بأن كل أموال النفط يتم توزيعها على الشعب الليبي؟ الشعب الليبي الذي حرمه 'العقيد' من ثرواته، اليوم يسفح 'العقيد' دم زهرة شبابه، اليوم يصف 'العقيد' شعبه (الذي كان شعبه حتى يوم 16 شباط/فبراير سنة 2011) بـ'الجراثيم' و'الجرذان' و'المهلوسون'، اليوم يزعق 'العقيد' بأن على الشعب الليبي أن يرحل كله خارج وطنه، لكنه سوف يبقى فيه هو وحده مع سيف وحمزة والساعدي وعائشة، وبقية أبناء صفية، سوف يبقى هو ولن يرحل وعلى الشعب الليبي أن يرحل خارج وطنه.
في مدينة بنغازي لا بد لمن كان من خارج ليبيا ويريد أن يتفهم حقيقة ما يحدث اليوم في ليبيا على جميع المستويات (الاجتماعية والسياسية والعسكرية) أن يلتقي ثلاث شخصيات ليبية، اكتسبت أهميتها من موقفها المساند لثورة 17 فبراير منذ بدايتها، حيث لعبت هذه الشخصيات الثلاث دورها (ومازالت) في إذكاء روح الثورة والدفاع عنها: الشخصية الأولى (ترتيب الشخصيات هنا ليس بأهمية الشخصية، لكنه بأسبقية لقائي معها) هو الحاج محمد عمر المختار، الذي يلقبونه هنا بلقب 'بن شيخ الشهداء'، وكان الرجل قد أعلن تأييده لثورة 17 فبراير منذ لحظاتها الأولى، والحاج محمد يسعى إليه اليوم كل مراسلي صحف وفضائيات ووكالات أنباء العالم بأسره، دونا عن كل الصحف العربية التي تصدر في الوطن العربي باستثناء صحيفة لبنانية واحدة.
الحاج محمد وجد نفسه اليوم موزعا على عدسات المصورين والقنوات الفضائية، وعلى الرغم من كل هذه الضجة التي حوله في بيته فإنه لم ينس أن يطلب لي كوبا كبيرا من القهوة العربية وطبقا كبيرا من 'الزميتة' وهي حلوى ليبية شعبية مصنوعة من بعض الحبوب المطحونة والمعجونة بالتمر الرطب، وطوال مدة اللقاء القصير (لم يستغرق اللقاء أكثر من نصف ساعة) بسبب وجود محمد مبروك مراسل قناة 'الحياة' المصرية المستقلة، وأكد الحاج محمد المختار، أن ليبيا وطن واحد موحد، وسوف يبقى كذلك للأبد، لكل الليبيين من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وأن قبيلة 'المنفة' التي ينتسب إليها لا يحتاج افرادها إلى من يناديهم للانضمام لثورة 17 فبراير، لأنهم لا يخالفون له رأيا، وبما أنه هو شخصيا قد انضم لثورة الشعب منذ لحظاتها الأولى فإن قبيلة 'المنفة' يمكن اعتبارها قد انضمت للثورة منذ اللحظة الأولى، تبعا لتقاليد القبيلة التي هي جزء من الشعب الليبي، والقذافي كاذب ومنافق فثورة 17 فبراير قام بتفجيرها شباب ليبيا، حيث انضم لها الشعب الليبي بكل أطيافه السياسية والاجتماعية، وليس كما يدعي 'الكاذب' بأن من يعلنون التمرد عليه هم عملاء 'القاعدة' المدعومون من خارج ليبيا، وهذا 'المنافق' كان قد تعامل بمنتهى الخسة والنذالة مع رفات 'شيخ الشهداء عمر المختار' ونقلها من مدينة بنغازي إلى مدينة سلوق، وان المكان التاريخي لرفات 'شيخ الشهداء' أصبح مهجورا اليوم وأحاطته بعض الأبنية الحكومية والتجارية (مبنى الخطوط الجوية الليبية، مصرف الوحدة، مبنى صندوق التقاعد، المعرض الصناعي، دار الكتب الوطنية)، وقد أكد لي الحاج محمد المختار أنه سوف يجدد الطلب للمسؤولين بعودة رفات 'شيخ الشهداء' إلى مكانه التاريخي، كما أنه لابد من العفو عن كل من ينضم إلى ثورة 17 فبراير من الليبيين الذين تعاملوا مع نظام القذافي سابقا، ولم يعلنوا تأييدهم لثورة 17 فبراير منذ بدايتها.
الشخصية الثانية (مازال ترتيب الشخصيات هنا ليس بأهمية الشخصية، لكنه بأسبقية لقائي معها): هو المستشار مصطفى عبد الجليل وزير العدل السابق، ورئيس المجلس الوطني الليبي (30 عضوا)، وقد قابلته في مدينة البيضاء، التي تبعد عن بنغازي بأربعمئة كيلومتر تقريبا، وكان المستشار ينهي لقاءه مع مجموعة من منظمة سويدية لحقوق الإنسان كانوا يريدون الحصول على بيان بأسماء الشهداء في مدينة البيضاء، وقد أكد المستشار (وأنا أنقل كلماته حرفيا) أن 'المجلس الوطني هو الممثل الوطني الشامل لكل مناطق ليبيا ومدنها وكافة قراها، وأن المجلس يستمد شرعيته من مجالس الشباب الثوري في كل المدن المحررة، وحتى المدن الأخرى التي سوف يتم تحريرها لاحقا، وأن الدور الأهم والمفصلي هو الذي قام به شباب ليبيا الذي استطاع تحقيق أماني كل الشعب الليبي من أجل إزاحة النظام الفاسد وتغيير الحكم، وقد تشكل المجلس الوطني في 27 شباط/فبراير، وهو يقدر الدعم الدولي للدول والمنظمات، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ما يتعرض له الشعب الليبي من جرائم ضد الإنسانية، بسبب انعدام التوازن بين نظام حكم مسلح وشعب أعزل يطلب الحرية، وقد فوض المجلس الوطني لتمثيله دوليا جميع سفراء ليبيا الذين استقالوا وممثليها في الأمم المتحدة والجامعة العربية، كما عين عمر الحريري مسؤولا عسكريا للحفاظ على سلامة وأمن البلاد، ومحمود جبريل إبراهيم الورفلي مسؤولا عن إدارة الأزمة والتعامل مع الوضع الحالي والتواصل مع الخارج، بمساعدة علي عبد العزيز العيساوي مسؤولا للشؤون الخارجية لليبيا، وقد فوض المجلس الوطني هذين المسؤولين في التفاوض مع الخارج من أجل التوصل إلى الاعتراف الدولي بالمجلس الانتقالي، الذي يستمد شرعيته من المجالس المحلية عن ثوار 17 فبراير'.
الشخصية الثالثة: هو أمين اللجنة الشعبية للأمن العام (وزير الداخلية) المستقيل اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي، الذي يبدو الهدوء الشديد عليه حيث يختفي خلف ملامحه الهادئة أسى حقيقي يختلط بغضب يحاول أن يسيطر عليه وأسمعه (أنقل كلماته هنا بالحرف الواحد) وهو يقول: 'القذافي شخص عنيد جدا، وهو يعرف أنه لا مكان له خارج ليبيا، لأنه كان فيما مضى دائما بالنسبة للعالم الخارجي علامة استفهام فما بالك به اليوم، أنا أستبعد خروج القذافي من ليبيا إلى إحدى الدول التي يرتبط مع أغلب رؤسائها بصداقة، والقــــذافي لديه خياران، إما أن يأمر أحد أعوانه بقتله بحيث لا تكون حياته انتحارا فيفقد الدنيا والآخرة، وإما أن يخرج بنفسه حاملا سلاحا ويواجه الثوار المسلحين بصدر عار فيقتلوه، أنا لا أرجح احتمال خروج القذافي لمعرفتي الشخصية التامة بأنه إنسان مغرور جدا وعنيد ولا يقبل بأن يهزمه أحد. وبالنسبة لمســــألة تكوين حكومة مؤقتة فقد حضر إلي المستشار مصطفى عبد الجليل ومعه مندوبون من ثلاث مناطق، وهي البيضاء ودرنة وطبرق وهم متفقون، وقد تكلم معي المستشار مصطفى عبد الجليل عن الحكومة المؤقتة، فقلت له ان هذا الإجراء هو الصحيح، لأني كنت أنصح به في الأيام الماضية، ويجب أن يكون هناك شخص يتحدث باسم ليـــبيا وشعبها إذا ما اضطررنا لطلب معونة أو سلاح، يا أخي الشعب الليبي يتعرض للإبادة.
قبل انسحاب الكتيبة من بنغازي بيومين جاءني اتصال من طرابلس وأبلغوني أنه ستأتي قوات من طرابلس لتأمين مدينة بنغازي، وبالفعل وصلت طائرة للمطار، وفوجئت باتصال من ضباط يتبعوني وأخبروني أن كل من في الطائرة هم من ذوي البشرة السمراء، فقلت لهم أن يخبروني عن السبب في إرسال هذه الكتيبة بالذات فكانت الإجابة بأن هذه الكتيبة هي كتيبة اللواء الأسمر، وهذا اللواء موجود في منطقة مرزق، وهم جنود من ذوي البشرة السمراء تحت إمرة اللواء، علي كنة التارقي، وهو أحد الضباط الأحرار، وهذه الكتيبة موجودة منذ وقت طويل، وقد استعنا بهم في حرب تشاد، وقد اتصلت بعدها بالفريق، أبو بكر يونس جابر، وقلت له إن هذا التصرف غير لائق وسيزيد الأمر سوءا، وأكدت له أن الوضع في بنغازي لا يحتاج إلى قوات أخرى، فوافق، واستجاب بعد استشارة العقيد معمر القذافي، وكانت هناك أيضا طائرتان أخريان من المنتظر إنزالهما في بنغازي وعلمت أنه تم توجيههما إلى مدينة البيضاء، أما الطائرة الثالثة التي كان من المفترض أن تنزل حمولتها في بنغازي فحملت ركابها من جديد وغادرت، في اليوم التالي اتصل بي العقيد القذافي شخصيا وسألني عن الأوضاع فقلت له بأنها سيئة جدا وأنه لم يعد هناك في بنغازي سوى القوات الخاصة التي تم توزيعها على المنشآت المهمة مثل الكهرباء والمياه، والمصرف المركزي، وكل الأماكن الحيوية في المدينة، وقد قال لي القذافي بالحرف الواحد (لابد من أن يتم ضرب هذه المظاهرة وسأرسل طائرات لضرب المتظاهرين) فقلت له لا تفعل ذلك لأن هذا سيتسبب في مذبحة كبيرة ولن يؤدي لأية نتيجة طالما لا يوجد جنود على الأرض، وأخبرته أن ذنب من سيموت سيكون في رقبته، وبعد حوالي ربع ساعة من الكلام اقتنع العقيد القذافي بعدم جدوى استخدام الطائرات، أو هكذا أظهر لي بأنه اقتنع، والآن تسألني عن احتمالات التدخل الأجنبي، دعني أقل لك بكل وضوح، الشعب الليبي يتعرض لإبادة حقيقية على يد العقيد وكتــــائبه، هناك تهـــديد شديد لأرواح الليبيين وسنضطر لطلب مساعدة الأصدقاء والأشقاء، دعــني أوضــــح لك بأن وزير الدفاع الإماراتي الشيخ الفريق محمد بن زايد أبدى استعدادا لأية مساعدات سواء عسكرية أو مدنية،
وأؤكد لك بأنه تربطني علاقة صداقة قوية مع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الآن في مصر، لكن لو طلبت منه معونة عسكرية أو أية مساعدات فسوف يسألني لمن سأعطيها، ولكن عندما يكون هناك شخص مسؤول ومعترف به ليبيا ودوليا فمن الممكن أن يستلم المعونة أو المساعدات العسكرية ويوقع باستلامها'.
والآن فإن المجلس الوطني في ليبيا اكتسب شرعيته الليبية تماما، وفي ما يبدو جليا بالنسبة للمجلس الوطني فإنه لن تمضى سوى أيام قليلة حــــتى يحصل على الشرعية الدولية، أو هكذا تبدو الأمور في ليبيا حاليا، فـــهل يفتح ذلك باب المساعدات العسكرية من مصر إلى الشعب الليبي؟ المسألة مطروحة بإلحاح في ثورة 17 فبراير، أم أن 'العقــــيد قائد ثورة الفاتح' التي أطاحت بها (وقريبا جدا بقائدها بعد 42 سنة من القمع) ثورة 17 فبراير سوف يتنحى قبل ذلك؟ وبالذات بعد حرق كل نسخ الكتاب الأخضر وهدم تماثيله في كل الأراضي الليبية المحررة، بل وحفر الأرض في بنغازي واستخراج الألواح الرخامية التي كانت اللجــــنة الثقافية العامة قد حفرت عليــــها كتاب القذافي الأخضر حتى تتعلم منها الأجيال الليبية القادمة، وتم تدميرها والخلاص منها للأبد.
' كاتب وروائي مصري
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=...qpt480.htm & arc=data\2011\03\03-15\15qpt480.htm