هاجس اﻷقليات
"من المؤكد أنه إذا تطرفت أقلية ما فإنها لا تستطيع جر اﻷكثرية معها إلى التطرف ، ولكن إذا تطرفت أكثرية ما فإنها تجر معها كل اﻷقليات إلى مستنقع التطرف"
لماذا أشدد على موضوع اﻷقليات في سوريا ؟
ربما ﻷنه العامل اﻷكثر تفجيراً وإلحاحاً في أي قضية وطنية مطروحة في الوقت الحاضر ...
لقد عاشت سوريا خلال العقود مجموعة من القضايا الملحة وكانت في عين العاصفة في كثير من اﻷزمات والتي مرت بسلام ، ليس ﻷن المجتمع السوري منفتح بطبيعته فقط ، بل ﻹن اﻷزمات التي عاشتها سوريا كان في جلها خارجي ، يؤدي بالمجتمع السوري إلى التوحد عند اﻷزمات .
لكن اليوم بات من الواضح أن على المجتمع السوري أن يواجه مشاكله الداخلية ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية واﻷخيرة هي أسهل المشاكل بالنسبة لسابقتيها .
إن المجتمع السوري في تلاوينه وتعدديته وأطيافه أنتج خلال حقبته الحديثة حزبين سياسيين رئيسين كان لهما أكبر اﻷثر في تاريخ سوريا الحديث ، وهما حزب البعث العربي الاشتراكي ، وجماعة اﻹخوان المسلمين .
ولأن كان هناك العديد من الاحزاب التي ظهرت في فترة ظهور هذين الحزبين مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي ، والشيوعيين والعديد من اﻷحزاب والتوجهات السياسية إلا أنها لم تلعب الدور الرئيسي كما لعب حزب البعث دور رئيسياً في مرحلة الستينيات وإلى اﻵن وجماعة اﻹخوان المسلمين في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات .
إن هذين الحزبين وصراعهما على السلطة في فترة معينة لم يرسم معالم تاريخ سوريا الحديث وحسب ، بل يبدو أنه سيرسم مستقبل سوريا أيضاً ...
فالصراع بين هذين الحزبين وإن كان صراع سلطة بالظاهر ، لكنه صراع خيارات عاشته سوريا وتمزقت بين خيارين لا ثالث لهما ... فإما العروبة ممثلة بفكر حزب البعث وإما اﻹسلام ممثل بفكر اﻹخوان المسلمين .
واليوم عاد هذا الصراع ليظهر من جديد على الساحة السورية مع ظهور بضع معطيات جديدة كمشكلة اﻷكراد الذين هم سوريين ولكن لا ينتمون للقومية العربية وهم خارج إطار اﻹخوان المسلمين السياسي .
ومن هنا تبدأ قضية اﻷقليات الدينية والعرقية بالتفاعل لتشكل موزاييك معقد في المشهد السوري تلعب فيه دور بيضة القبان في أي تغيير محتمل للمجتمع السوري وعبوره نحو العصر .
إن عملية تجاهل هواجس اﻷقليات في أي محاولة تغيير في المجتمع السوري لا يعدو كونه دفن للرؤوس في الرمال ...
هذه الهواجس التي لا تعالج بالشعارات ، فالجميع يبيع الشعارات في سوريا ، ولا تعالج ببيانات فالجميع قادر على كتابة البيانات الشعرية ....
طيب ما رأيكم أن أروي لكم قصة ؟
حدث ذات مرة يا سادة يا كرام ، أن كان بدواً يعيشون مجاورين لمزارعين حضر ويقومون دائماً بالتعدي على كروم وبساتين المزارعين ويقومون بالرعي الجائر دائماً في هذه البساتين .
المزارعون يشتكون دائماً للسلطات ولا يلقون آذاناً صاغية بسبب فساد الشرطة واﻷجهزة الحكومية ... إلى أن قام أحد المزارعين وهو شاب بالطلب من البدو أن لا يعاودوا النزول في بساتينهم ، فأردوه قتيلاً بطلق ناري ...
حاول المزراعون أن يشتكوا للسلطة فلم يلقوا أذناً صاغية ... فقاموا بالهجوم على البدو ونشبت مشاجرة جماعية فاستعملت اﻷقلية البدوية اﻷسلحة النارية مع اﻷكثرية الحضرية المجردة من أي سلاح ، فما كان إلا أن امتد هذا الشجار الجماعي ﻷن يشمل منطقة بأكملها انتفضت مع المزارعين الحضر ضد البدو وأحرقوا بضعة منازل التي كان أصحابها يقومون بإطلاق النار العشوائي على الناس ....
آها نسيت أن أقول لكم ... يصدف أن المزارعين ينتمون إلى طائفة والبدو ينتمون إلى طائفة أخرى ...
التفت أهالي المنطقة وانتفضوا على الدولة بسبب عدم سماع مظالمهم واستعمالها القوة المفرطة معهم مع أنهم لم يكونوا معتدين ...
آها نسيت أيضاً أن أقول لكم ... حاول البدو أن يحرقوا جوامعهم إنتقاماً لحرق بيوتهم وحتى يصورون أن المشكلة طائفية ، فما كان من المزارعين وأهالي المنطقة إلا أن ذهبوا إلى الجوامع وقاموا بحراستها وحمايتها منعاً لحرقها وتطور اﻷمور .
قناة الجزيرة تعلن أن هناك عملية حرق للجوامع في المنطقة ، والمغتربين يتصلون من الولايات المتحدة ليسألوا .. ما القصة ؟ ... فقد قرأوا في أحد الصحف المحلية في الولايات المتحدة أن هناك مناوشات طائفية وحرق للجوامع ...!!
مع أن أحداً لم يجرأ على الاقتراب من الجوامع بعد أن تكفل أهالي المنطقة بحمايتها ...
آها نسيت ، ويبدو أنني دائم النسيان ... نسيت أن أقول لكم أن هذه القصة حقيقية وليست من نسج الخيال ... ونسيت أن أقول لكم هذا هو المجتمع السوري بل وهذا هو المجتمع العربي ...
عندما يقترب اﻷمر من الدين والطوائف ، فلا داعي لاستعمال العقول فهي ترف لا نحتاجه ... وتصبح الغرائز هي المحرك اﻷساسي ﻷي فعل أو ردة فعل لنا كشعوب ...
فكون الشجار لا يعدو شجار جماعي بين مزارعين حضر ورعاة أغنام بدو ، صور على أنه مشكلة طائفية بكل ما للكلمة من معنى .
أخيراً دعوني أسألكم سؤال صغير عن ثورجية الانترنت الذين بدأوا فتح باب الاحتجاجات بأول يوم غضب سوري ، وإذا كنتم تذكرون التعليقات التي كتبت يومها عن حافظ اﻷسد "النصيري" ... وعادوا بعد شهر تقريباً ليحددوا أيام غضب ويشعلون المنطقة بدعوات الحرية مع إسقاط التوصيفات الطائفية من صفحاتهم ... ما هذا الوعي "الفضائي" الذي حل على ثورجية الانترنت في أقل من شهر ... هل تخلصوا فعلاً من طائفيتهم في أقل من شهر أما أن اﻷمر لا يعدوا تلميعاص للخطاب وتقديمه مغلف بالسلوفان ؟!! .
في النهاية يا عزيزي "ابن سوريا" إن انفتاح المجتمع السوري على التيارات الدينية من مثل القاعدة كما ذكرت أنت سابقاً سيؤدي إلى وجود قاعدة في كل أقلية دينية ، ووجود اﻹخوان المسلمين سيؤدي بنا إلى وجود إخوان في كل طائفة .
وبالتالي سيربح المتدينون وتجار الدين وسيصبح لدينا ألف قرضاوي وسنخسر أنا وإياك وطنا اسمه سوريا كنا نحلم بالارتقاء به نحو اﻷفضل ... فمبروك علينا .
ملاحظة : هذه المرة هي من المرات القليلة التي أتمنى بل ومستعد للصلاة فيها ، إذا كان هذا يفيد كي أكون مخطئاً . فنحن نأمل بالعبور إلى مستقبل أفضل ولكننا لا نستطيع ضمان عدم وجود مجانين يحرضون مغفلين على إشعال حروب أهلية .
وللموضوع بقية إن أحببتم ...