{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #1
عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
عن الصبايا

( من ديوان كتاب الصور )

-1-
الأخريات سوف تطول عليهن الطريق
صوب الشعراء المظلمين ,
بلا انقطاع سيستفهمن من العابرين
إن كانوا ابصروا أحدهم يغني
أو يداعب بأصابعه الأوتار
وحدهن الصبايا لا يسألن
عن الجسر المفضي إلي الصورة ,
يرسمن فحسب ابتسامة وهن أكثر ائتلاقا
من أنهار لؤلؤ تنسكب في كؤوس فضة .


كل واحد من أبواب حياتهن يفضي
إلي شاعر
وإلي العالم



- 2-
سيكون شعراء من يتعلمون
منكن يا صبايا أن يقولوا ما تكن في عزلتكن الباردة
منكن يتعلمون كيف تعشن نائيات
مثلما تكتسب المساءات من كبار النجوم
عادة الأبدية


ينبغي ألا تهب إحداكن نفسها للشاعر أبدا
مهما اشتهت عيناه المرأة
أنتن في خاطره صبايا
والمشاعر النابضة في معاصمكن
سوف تتحطم تحت ثقل الديباج


اتركنه وحيدا في جنينته
حيث استقبلكن كنساء خالدات
في دروب نزهته اليومية
قرب مصاطب ترتقب في الظلام
أو في حجرته حيث تتدلي من محملها قيثارته


إذهبن ! ... الظلام يزحف , وحواس الشاعر
ما عادت تبحث عن أصواتكن وهيئاتكن
الطرق يحبها هو طويلة وخالية ,
بدون هالة النور تلك تحت عتمة أشجار الزان
كما يحب حجرته ساكنة تماما .
... وهو يسمع أصواتكن تختلط في البعيد
بأصوات رجال يتفاداهم في تعبه
فتأسي ذاكرته الطيبة إذ يفكر
بأن الجميع يرونكن .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبها في فوريسفيده worpswede . وضع القسم الأول منها في 29 سبتمبر 1900 والقسم الثاني في 9 , 10 أكتوبر 1900 , وقد صغنا العنوان علي الجمع لأن المقصود هنا عامة الفتيات , حتي إذا كان الشاعر يفكر لدي كتابة هذه القصيدة بفتاتين من بين مجموعة ( الفنانين ) المذكورة , هما النحاتة كلارا فيستهوف زوجته القادمة وصديقتها الرسامة باولا بيكر ( التي سيكتب هو مرثيتها في 1907 قصيدة جناز ) , رغم زواجه اللاحق يعبر ريلكه هنا عن عدم تلاؤم العلاقة العشقية والإبداع الفني , وهو موضوع سيعود إلي طرقه في ( الجناز ) المشار إليه , وفي أغلب علاقاته مع النساء سيكون الشاعر حاضرا وغائبا في آن معا .

ترجمة عن الألمانية وتعليق كاظم جهاد


- يتبع –

كوكو
05-02-2011, 01:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
العلماني غير متصل
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
*****

المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
مشاركة: #2
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
2141521
Rose_rouge

--------
نبذة حول الشاعر: راينر ماريا ريلكه / Rainer Maria Rilke


عُرف الشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه المولود بمدينة براغ التشيكية في العام 1875 منذ صباه المبكر بحساسيته المفرطة إزاء العالم المحيط به، وميله الشديد إلى العزلة والانقطاع إلى التأمل. وبعدما تأكد من عدم قدرته على الانضمام إلى حياة الجماعة قرر أن يحيا حياةً بوهيميةً متفردة عمادها الشعر والفنّ والترحال. وتناول ريلكه في أدبه الشعري والنثري موضوعات مختلفة، غنية في تفاصيلها تستند بدرجة رئيسية إلى وقائع حياته المضطربة. لكن ما يتميز به أسلوب ريلكه هو ليس فقط استعراضه للوقائع الحياتية وتجاربه الذاتية، إنما الكيفية التي عالج بها الموضوعات الإنسانية الجوهرية، وذلك عبر رؤية فلسفية عميقة غير قابلة للاندثار، ومنها موضوعات الحبّ والطفولة والحنين والأمل والكراهية والبؤس والعزلة والصداقة والموت. ولعل مفردات الحنين والموت والعزلة كانت طاغية على إبداع الشاعر والناثر في أعماله المبكرة، إثر تجارب قاسية خاضها في طفولته وصباه كوفاة شقيقته الأكبر، وخروجه من المدرسة العسكرية وطلاق والديه، على سبيل المثال. بيد أن تلك المعاناة وجدت، نثرياً، ذروتها القصوى في "يوميات مالته لاورتس بريغه" Die Aufzeichnungen des Malte Laurids Brigge وهذا بالتحديد ما أضفى عليها طابع المعاصرة وجعلها بعيدة تماماً عما هو قومي ألماني محض. وثمة ميزة أخرى تتسم بها أعمال ريلكة المبكرة المعروفة بأجوائها السوداوية المفرطة في اليأس والرعب، وهي أنها يمكن أن تتخذ منحى ساخراً أحياناً مثلما تشهد قصصه بشكل خاص.

الفنّ كمصدر للجمال
وتعود القدرة التصويرية البارعة التي تتسم بها هذه الأعمال إلى انشغال ريلكه بالفنّ المعماري وولعه بالفنون التشكيلية، لاسيما النحت. ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن ريلكه نحّات شعري أراد أن يحوّل جمادات العالم الخارجي إلى رموز نفسيه وفكرية، أي أنه أراد محاكاة العالم المستقل عن الذات بصفته مجموعة من الصور الحيّة وذلك عبر عملية التشيؤ الشعري Dinggedicht القائمة على رصد التحوّل في المناخ النفسي من خلال الإسقاط الذاتي على الشيء المستقل نفسه، أي تحويل الجمادات إلى رموز شعرية. فالشجرة لا تعني لريلكة شجرة حتى وأن كتبها على النحو، إنما الأمل أو الحبّ أو الحياة برمتها، وكذلك مع الألوان وتحولات الفصول وغيرها من الرموز الطبيعية. لكن هذه الكتابات غالباً ما تحاكي الأعمال النحتية، مهتمةً بالتفاصيل وما هو هامشي لتبعث فيه الحرارة والحياة. وقد فعل ريلكه ذلك كلّه تيمناً بالنحاتين الكبيرين الإيطالي مايكل إنجلو والفرنسي أوغسطت رودان، الذي اشتغل ريلكه سكرتيراً له بضعة شهور في باريس. ولكي ينحت ريلكه قصائده وقصصه فإنه يحاول انتزاع الأشياء من طابعا السكوني السلبي وتحويلها إلى وحدات إيقاعية وجوديّة وحسيّة، تعبّر عن الذات المحمولة خارجاً، أي أنه يقوم بعملية تطهّر ذاتيه مطّردة بغية تخليص الذات من الأزمات النفسية والتراكمات الفكرية على نحو فنّي. فيمنحُ ذلك الشيءَ المستقل الحريّةَ التامة، لكي يعبّر عن نفسه بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية، ولكي يمنح كذلك الحريةََ التامة لنفسه، باعتباره شاعراً، لإعادة صياغة هذه القراءة الحسيّة صياغةً موضوعيةً وفنيّةً بدرجة خاصة.

كشف الذات
لشيء الوحيد الذي يمكن أن يعتبر تجاوزاً للذات المبتلية بالمعاناة عند ريلكه هو كشف هذه الذات، أي تعريتها إلى حدّ ما، ثم تجسيدها جمالياً، مثلما فعل الفيلسوف نيشته الذي تأثر به ريلكه في أعماله المبكرة. وكان الفنّان الإغريقي، والمغني الإلهي، أورفيوس، هو من أوائل الساعين إلى إعادة صياغة الذات من خلال أناشيده التي كان يسحر بها حتى الأموات ليبعث فيهم الحياة، والذي استعار ريلكه اسمه ليضعه عنواناً لآخر عمل شعري "سونيتات إلى أورفيوس" Sonette an Orpheus، التي جعل منها شاهدة شعرية على قبر الراقصة البارعة فيرا كنوب التي فارقت الحياة وهي لم تبلغ التاسعة عشرة من عمرها، والتي كانت تذكّره بشقيقته التي رحلت قبل ولادته، مما جعل الأمّ تنظر إلى ريلكه بصفته تجسيداً حيّاً لشقيقته، حتّى أنها كانت تجبره على ارتداء أزياء الفتيات قبل دخوله إلى المدرسة العسكرية.

البعد الفلسفي للشعر
كان ريلكه قد وقع في بداية حياته الأدبية تحت تأثير الفلسفة الوجودية ممثلةً بنيتشه وكيركيغارد الذي حاول ريلكه محاكاة تأملاته، فضلاً عن الكثير من الإشارات والإحالات المباشرة، بل حتى التراجم التي تناولت أفكار هذا الفيلسوف الدنماركي. بيد أن أعمال ريلكه لم تقتصر على تمثّل الفلسفة الوجودية، إنما عالجت قضايا إنسانية كبرى مثل الدين والسياسية والثورة الاشتراكية والتغيير الاجتماعي. ومن الملامح البارزة التي اتسمت بها أعماله التي وصفها الكاتب النمساوي روبرت موزيل بأنها من أعظم ما كتب باللغة الألمانية منذ القرون الوسطي، هو المسعى "الأخلاقي" الحثيث لتحويل الأدب إلى دين قائم على الحبّ. والحبّ عند ريلكه هو تخطي الذات الـمُحبّة للوصول إلى مرحلة متقدمة من مراحل الوجود الـمُحَبّ الذي لا يضطر إلى تزييف ذاته إرضاءاً للمحب، بل يجعل الحبّ نفسه كبيراً وعميقاً في قلبه وعواطفه، ليتوافق مع حبّه، محتفظاً في الوقت نفسه بجوهره نقيّاً، رحباً، مستقلاً عن محبة الآخر. فالحبّ إذاً هو الفيض الروحي، الذي يغمر الآخر دون أن يطلبه هذا الآخر. ويتطلب هذا النمط من الحبّ الإلهي البحثَ الصارم عن الله في الذات الإنسانية التي تنزع دائماً إلى الحلول في الذات الـمُحبّة الكبرى، الناضجة والمتخيلة حسيّاً وميتافيزيقياً. وذلك يعني التحرر من القيود الأرضية والاجتماعية كلّها مثلما توحي كتابات ريلكه، بغية تحقيق دين جديد قوامه الحبّ، ولا شيء غير الحبّ. وأصيب ريلكه بمرض سرطان الدم، اللوكيميا، ففارق الحياة عام 1926 في قرية فال مونت بالقرب من بحيرة جنيف.

----------------

عن موقع :  الموسوعة العالمية للشعر العربي
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 05-04-2011, 11:29 AM بواسطة العلماني.)
05-04-2011, 11:25 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #3
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه

اقتباس:ومن الملامح البارزة التي اتسمت بها أعماله التي وصفها الكاتب النمساوي روبرت موزيل بأنها من أعظم ما كتب باللغة الألمانية منذ القرون الوسطي، هو المسعى "الأخلاقي" الحثيث لتحويل الأدب إلى دين قائم على الحبّ. والحبّ عند ريلكه هو تخطي الذات الـمُحبّة للوصول إلى مرحلة متقدمة من مراحل الوجود الـمُحَبّ الذي لا يضطر إلى تزييف ذاته إرضاءاً للمحب، بل يجعل الحبّ نفسه كبيراً وعميقاً في قلبه وعواطفه، ليتوافق مع حبّه، محتفظاً في الوقت نفسه بجوهره نقيّاً، رحباً، مستقلاً عن محبة الآخر. فالحبّ إذاً هو الفيض الروحي، الذي يغمر الآخر دون أن يطلبه هذا الآخر. ويتطلب هذا النمط من الحبّ الإلهي البحثَ الصارم عن الله في الذات الإنسانية التي تنزع دائماً إلى الحلول في الذات الـمُحبّة الكبرى، الناضجة والمتخيلة حسيّاً وميتافيزيقياً. وذلك يعني التحرر من القيود الأرضية والاجتماعية كلّها مثلما توحي كتابات ريلكه، بغية تحقيق دين جديد قوامه الحبّ، ولا شيء غير الحبّ.

شكرا لمرورك الجميل عزيزي العلماني New97

كوكو
05-04-2011, 09:24 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #4
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
ريلكه: قل لي، من هم هؤلاء المسافرون ؟
هاشم صالح



كان يشعر بأنه فارغ من الداخل وعاجز عن كتابة اي شيء. ربما انه ليس كالشعراء العرب الذين يتحفونك بأشعارهم حتى بعد ان يكون الشعر قد هجرهم منذ زمن طويل، فإنه لم يكتب شيئا. كان ينتظر نهاية الحرب لكي يرى شيئا ما وسط هذا الضجيج، ثم جاءته دعوة سويسرا لكي تثير فيه الرغبة القديمة للسفر، وتذكر عندئذ انه كان مسافرا عريقا في كل انحاء اوروبا، بل ووصل به السفر الى افريقيا الشمالية ومصر بعد الاندلس وجنوب اسبانيا.

الواقع أن ريلكه كان شخصا تائها، بلا منزل ثابت، وبلا علائق او روابط. كان يعيش نوعا من «الحرية الحرة» اي الحرية المطلقة التي تحدث عنها ذلك المجنون الآخر: آرثر رامبو. وهي الحالة الوحيدة المناسبة للكتابة الشعرية، وربما لكل كتابة .

يصل. ريلكه الى محطة القطار مبكرا كعادته لكي يجد مقعدا مناسبا يطل على النافذة ويتيح له ان يرى المناظر الطبيعية ـ وهي خلابة ـ على طول الطريق. أكثر شيء كان يصعب على ريلكه هو ان يجد نفسه محصورا بين شخصين في رحلة سفر! عندئذ كان يشعر بالاختناق، وربما بالهلع الشديد. لا. افضل شيء هو ان تكون حرا داخل القطار وخارجه: اي جسدك في الداخل وعيناك وروحك كلها في الخارج.

وابتسم الحظ لريلكه فاذا بامرأة حسناء شابة تجيء لكي تجلس الى جانبه. لنتخيل، ولو للحظة، ان موظفا كبيرا بكرش كبير هو الذي جاء وجلس بدلا من هذه المرأة.. ما الذي كان سيحصل؟ كان ريلكه سيختنق حتما وينغص عيشه طيلة الرحلة. وربما رمى نفسه من الشباك.

فجأة تدخل امرأة مريضة وتقف في الممر الى جانبهما بعد ان امتلأ القطار، فاذا بالشابة الحسناء، جارة ريلكه، تنهض مباشرة لكي تعطيها مكانها. للوهلة الاولى لم ينتبه الشاعر للأمر. ولكن عندما ادرك ما يحصل اذا به يقفز من مكانه قفزة واحدة ويقترح مقعده للمريضة، ويعتذر لأنه تأخر في عرضه عليها.

واتفق ريلكه مع الشابة الحسناء على تبادل الجلوس في المقعد المتبقي. فعندما تكون هي جالسة يكون هو واقفا، والعكس بالعكس.. ولحسن الحظ فإن هذه الحالة لم تطل، فقد وجدوا مقعدا للمريضة.. وهكذا عاد ريلكه للجلوس الى جانب جارته. وابتدأ الحوار الذي يحصل عادة بين مسافرين في رحلة طويلة.

قال لها ريلكه بأنه يشعر بالفرح والاثارة لامكانية السفر من جديد بعد ان جمدته الحرب طيلة خمس سنوات في ميونيخ، ثم انتقل الحديث من موضوع الى آخر حتى وصل الى الأدب. وقالت له المرأة بأنها تقرأ حاليا رواية «رومان رولان» التي ظهرت للتو. فأجابها ريلكه بأنه يعرف رومان رولان الذي كتب نصا عام 1912 في اسبانيا. وفيه وردت هذه العبارة المهمة التي تتحدث عن «الاحاسيس القصوى للوجود»: اي عن الحالات الحديّة المتطرفة، التي لا يعرفها الا «المجانين» تقريبا.

ثم تشعب الحديث وطال دون ان ترد فيه كلمة واحدة عن اعمال ريلكه. والواقع انه كان يشعر بالمتعة الداخلية لأنه شخص مجهول بالنسبة لها، لأنه شخص عادي كبقية الاشخاص الذين يمكن ان نلتقيهم صدفة في السفر، ولكن فجأة راح يطرح عليها هذا السؤال:

ـ هل تهتمين بالشعر يا سيدتي؟

فأجابته بعد تردد وتلعثم: اهتم «بأصدقائي» القدامى من امثال غوته و«موريك»، وهو شاعر مشهور في المانيا، ولكن غير معروف كثيرا في الخارج. واما من المحدثين فلا يعجبني الا رينيه ماريا ريلكه!..

على المقعد اهتز ريلكه وانفعل، ولكن دون ان يكشف عن هويته حتى الآن. فهو يريد ان يظل مجهولا بالنسبة لها لكي تظل المحادثة طبيعية، عفوية، على طول الخط.

عندما اقترب القطار من الحدود السويسرية اخذ ريلكه يشعر بالقلق لأن الشرطة سوف تفحص اوراق المسافرين. وبما انه مشهور بهلعه الداخلي بسبب وبدون سبب، بما انه مسكون بشيء لا يستطيع ان يسيطر عليه، فإنه خاف من ان يكون جواز سفره ناقصا او لاغيا مثلا.

عندئذ استدارت المرأة نحوه ونظرت اليه بنوع من الثقة والاستعلاء وقالت اتبعني فقط، ولا تهتم.. ثم ذهبت كي تأكل شيئا تاركة ريلكه وراءها. وعندما عادت، او في طريق العودة، اعترضها شخص وسألها:
من اين تعرفين رينيه ماريا ريلكه؟ فأجابته مندهشة: ولكن لا اعرفه على الاطلاق! بحياتي لم أره..

فرد عليها الرجل: مستحيل. كنت جالسة معه طيلة الرحلة، وقد رأيتكما منخرطين في حديث طويل.. عندئذ فهمت المرأة من هو هذا الشخص الذي يجلس الى جانبها، فهرعت الى مقعدها ووجدته يستقبلها واقفا بالابتسامة بعد ان شعر بأن أمره قد انكشف وانفجرا بالضحك معا.

هذه هي باختصار قصة الرسائل الموجهة الى رفيقة في السفر. وقد ترجمها الفرنسيون مؤخرا ونشروها لأول مرة. وقدم لها الناقد «مارك بيتي» بدراسة ممتعة تحت عنوان: «شاعرية اللقاء». وهل هناك اجمل من لقاء الصدفة، اللقاء غير المتوقع؟

كان ريلكه، مثل هولدرلين، يسكن العالم شعريا. كان يحوّل كل شيء الى شعر، الى لحظة متوترة، كثيفة. هل كان يحلم بعلاقة جنسية او غرامية مع تلك المرأة؟ أم بعلاقة عاطفية روحية فقط؟ أم بالكل دفعة واحدة؟ لا يهّم. المهم انه كان يحلم بعلاقة حرة تصل الى حد «اللاعلاقة» اذا جاز التعبير، علاقة قائمة على الدهشة والمفاجأة، علاقة قادرة على ان تخرجه من نثرية العالم. والواقع ان العلاقة انتهت بعد وصول القطار الى محطته الاخيرة. او قل انها استمرت بعد ذلك لفترة قصيرة وبشكل روحاني خالص، ثم توقفت نهائيا. ولم يبق منها الا تلك الرسائل التي تبادلاها عن بعد، وربما كان هذا كل ما يطلبه ريلكه. كان يريد ان يظل نقطة او فاصلة في حياة تلك المرأة المجهولة التي لن يراها بعد الآن ابدا. فقط الرسائل سوف تكون صلة الوصل بينه وبينها.

فهذه هي الحالة الشعرية ايضا. الشعر لا يزدهر الا بالفراق. بحياته الوصال لم ينتج شعرا له معنى. انظروا الى ابن زيدون: أضحى التنائي بديلا عن تدانينا..

لقد كانت تلك المرأة اشراقة خاطفة او لمعة في حياة ذلك الشاعر الذي لم يعرف الا الكوابيس والدهاليز الداخلية. وهذا يكفي. ينبغي عدم تعقيد العلاقة اكثر من ذلك او تطويرها، ينبغي تحويلها الى «لا علاقة»: اي الى ذكرى، الى قصيدة.. كل العلاقات تتحول يوما ما الى علاقات:
تتفكك، تنحلّ، تذوب، ولا يبقى منها الا بقايا في اعماق القلب المهجور.

الشاعر، بهذا المعنى، هو اكبر «انتهازي» على وجه الارض. انه يحول كل شيء الى شعر، او قل انه يستثمر كل شيء من اجل توظيفه كوقود للقصيدة الشعرية.


قول «مارك بيتي» في المقدمة العامة للكتاب بما معناه: الشاعر بحاجة الى مُعاش، وتكدّسات المعاش. ثم يتخمر هذا المعاش ويتكثف في اعماق الذاكرة، او اعماق اللاوعي. وبعدئذ، وكأنما بقدرة قادر، ينفجر فجأة على هيئة قصيدة. لهذا السبب تبدو لنا القصيدة وكأنها معجزة عندما تحصل، عندما يقذف بها الشاعر على الورق. القصيدة بهذا المعنى حظ نادر، انها غلطة، او فلتة لا يجود بها الزمان الا قليلا.

انها عبارة عن تفاعلات كيميائية تصهر الحياة المعاشة والذكريات عن طريق النسيان، ثم تحولها فيما بعد الى حقيقة شعرية في لحظة ما لا نعرف متى تحصل، بهذا المعنى فليس الشاعر هو الذي يكتب القصيدة، وانما هي التي تكتب نفسها من خلاله، او تملي نفسها عليه.

وبالتالي فأول شيء ينبغي ان يحسنه الشاعر هو: النسيان. ينبغي ان يهضم كل العلاقات والذكريات، ويسحقها ويصهرها من خلال هذه التفاعلات الكيميائية. وبعدئذ ما عليه الا ان ينتظر لكي تجيء القصيدة، او لا تجيء..


وهذا الكلام ليس الا ترجمة شبه حرفية لما يقوله ريلكه في مقطع شهير من كتابه «دفاتر مالت لوريدز بريج»: «لكي تكتب بيتا واحدا من الشعر ينبغي ان تكون قد رأيت مدنا عديدة، وبشرا عديدين واشياء لا تحصى، وينبغي ان تعرف حتى الحيوانات. ينبغي ان تعرف (او تتحسس)
كيف تطير العصافير، وكيف تتفتح الازهار في الساعات الاولى للفجر. ينبغي ان تستطيع التفكير او اعادة التفكير بدروب في مناطق مجهولة، وبلقاءات غير متوقعة، وبرحيل كنا نراه يقترب منذ زمن طويل. ينبغي ان تستطيع التفكير بأيام الطفولة التي لم تتوضح مجاهيلها بعد.. ينبغي ان تستطيع التفكير بصباحات على شاطئ البحر، بل وبالبحر نفسه، بالبحار، بليالي السفر التي ترتعش عاليا جدا والتي تطير مع كل النجوم. ولكن لا يكفي ان تفكر في كل ذلك او تتذكره، وانما ينبغي ان تتجمع لديك ذكريات كثيرة عن ليالي حب مختلفة.. وينبغي ان تعرف كيف يحتضر الموتى وان تجلس الى جانبهم لكي تعرف كيف يموتون، وينبغي ان تكون النافذة مفتوحة مع الضجة التي تجيء من بعيد.. بل ولا يكفي ان تكون لك ذكريات. وانما ينبغي ان تعرف كيف تنساها عندما تكون عديدة. ينبغي ان تكون مقدرتك على الصبر كبيرة لكي تنتظر عودتها بعد نسيانها. وذلك لأن الذكريات لا معنى لها الا بعد ان تنصهر فينا، بعد ان تختلط بدمائنا وعروقنا، وعندما لا يعود لها اسم ولا هوية. عندما تصبح منصهرة فينا انصهارا كاملا، عندئذ، وعندئذ فقط، يمكنك ان تكتب الكلمة الاولى من بيت الشعر..».

هذا الكلام يذكرنا بالطبع بكلام ابي تمام، او ابي نواس عندما جاءه شاب يريد ان يصبح شاعرا وطلب نصيحته فقال له: احفظ مائة الف بيت من الشعر، ثم انسها، وبعدئذ اكتب الشعر.. (اقول ذلك وانا انقل من الذاكرة البعيدة)..النسيان اذن عملية اساسية: انه يعني الهضم، فالتمثل، فالاستيعاب. الشخص الحفَّّاظ الذي لا يستطيع ان ينسى لا يمكن ان يكون مبدعا. قد يصبح اكاديميا كبيرا، ولكنه لا يمكن ان يكون شاعرا عبقريا. العبقري هو شخص يسحق الاشياء في داخله سحقا ويحول الرصاص الى ذهب والقصيدة هي حصيلة لتفاعلات كيميائية معقدة لا يعرف الا الله سرها..

• الكتاب: رسائل إلى رفيقة في السفر Lettres a une Compagne de Voyage
• المؤلف: رينيه ماريا ريلكه Rainer Maria Rilke
• منشورات باريس: Paris

علي هذا الرابــــــــط


كوكو
05-04-2011, 09:55 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
العلماني غير متصل
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
*****

المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
مشاركة: #5
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
(05-04-2011, 09:24 PM)coco كتب:  
اقتباس:ومن الملامح البارزة التي اتسمت بها أعماله التي وصفها الكاتب النمساوي روبرت موزيل بأنها من أعظم ما كتب باللغة الألمانية منذ القرون الوسطي، هو المسعى "الأخلاقي" الحثيث لتحويل الأدب إلى دين قائم على الحبّ. والحبّ عند ريلكه هو تخطي الذات الـمُحبّة للوصول إلى مرحلة متقدمة من مراحل الوجود الـمُحَبّ الذي لا يضطر إلى تزييف ذاته إرضاءاً للمحب، بل يجعل الحبّ نفسه كبيراً وعميقاً في قلبه وعواطفه، ليتوافق مع حبّه، محتفظاً في الوقت نفسه بجوهره نقيّاً، رحباً، مستقلاً عن محبة الآخر. فالحبّ إذاً هو الفيض الروحي، الذي يغمر الآخر دون أن يطلبه هذا الآخر. ويتطلب هذا النمط من الحبّ الإلهي البحثَ الصارم عن الله في الذات الإنسانية التي تنزع دائماً إلى الحلول في الذات الـمُحبّة الكبرى، الناضجة والمتخيلة حسيّاً وميتافيزيقياً. وذلك يعني التحرر من القيود الأرضية والاجتماعية كلّها مثلما توحي كتابات ريلكه، بغية تحقيق دين جديد قوامه الحبّ، ولا شيء غير الحبّ.

شكرا لمرورك الجميل عزيزي العلماني New97

كوكو

أنا هو من يشكرك يا صديقي على "لفت انتباهنا" لهؤلاء المبدعين الأفذاذ الذين يستطيعون دائماً أن يجمّلوا عالمنا ويملؤوا أرواحنا "بكؤوس من عبير" - كما يقول "جبران" -.

واسلم لي
العلماني
05-06-2011, 12:49 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
minatosaaziz غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 335
الانضمام: Aug 2010
مشاركة: #6
الرد على: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
جميلة ، بس الترجمة مهما كانت عبقرية لا تنقل العظمة في اللغة الاصلية .
05-24-2011, 02:15 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أسامة مطر غير متصل
بطلت أتجوز القضية ... إسألوني ليه
*****

المشاركات: 1,149
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #7
الرد على: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
رائع ... لم أكن أعرفه ... يا لجهلي ...
ماذا تعني كلمة "أنتلاقا"؟
05-24-2011, 04:13 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
تموز المديني غير متصل
عضو جديد دائما
*****

المشاركات: 1,165
الانضمام: Jun 2004
مشاركة: #8
الرد على: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
كاظم جهاد صحفي شاعر ومترجم عمل طويلاً في مجلة الكرمل الأدبية الراقية تحت إدارة محمود درويش
أجمل ترجمة قرأتها لريلكيه هي ترجمة الشاعر الكبير أدونيس وهو كان أول من عرّف به القارئ العربي {على ما أظن} وكانت ترجمة رائعة في كتاب كبير يمثل أعمال شبه كاملة لريلكه...
ولم أستغرب أن قامت الكرمل بترجمة جديدة عبر سكرتير التحرير آنذاك كاظم جهاد وهو رغم أنه مترجم جيد إلا أن ترجمته هذه جاءت سريعة إلى حد ما..


لم أبحث عن ترجمة أدونيس في النت.. عندي فقط الكتاب الورقي

شكرا كوكو لهذا التذكير بهذا الشاعر الصوفي الأوربي


تحية 87
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 05-24-2011, 05:17 PM بواسطة تموز المديني.)
05-24-2011, 05:14 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #9
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه

اقتباس:ماذا تعني كلمة "أنتلاقا"؟

( مالك يا أسامة , يعني هي دي اللي وقفت معاك 10 )

في المعجم الوسيط : ائتلق البرق : لمع وأضاء , تألق البرق : ائتلق , تألقت المرأة : تزينت وبرقت .
و تألقت ( يعني المرأة ) : شمرت للخصومة , واستعدت للشر

يرسمن فحسب ابتسامة وهن أكثر ائتلاقا
من أنهار لؤلؤ تنسكب في كؤوس فضة .

يريد أن يقول أنهن حين يبتسمن فقط يتألقن مثل أنهار لؤلؤ , تصور أنهار لؤلؤ , ( وشوف اللولي بيضوي إزاي ) تنسكب في كؤوس فضة
شايف مقدار اللمعان والإضاءة والإشراق عندما تبتسم الصبايا
والشعراء العرب عرفوا هذه الصورة وكتبوها كثيرا
اكتب في جوجول : تبسم + لؤلؤ( علشان الأسنان ) + مرجان ( علشان اللثة )


كوكو
05-24-2011, 06:52 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أسامة مطر غير متصل
بطلت أتجوز القضية ... إسألوني ليه
*****

المشاركات: 1,149
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #10
RE: عن الصبايا - راينر ماريا ريلكه
(05-24-2011, 06:52 PM)coco كتب:  
اقتباس:ماذا تعني كلمة "أنتلاقا"؟

( مالك يا أسامة , يعني هي دي اللي وقفت معاك 10 )

في المعجم الوسيط : ائتلق البرق : لمع وأضاء , تألق البرق : ائتلق , تألقت المرأة : تزينت وبرقت .
و تألقت ( يعني المرأة ) : شمرت للخصومة , واستعدت للشر

يرسمن فحسب ابتسامة وهن أكثر ائتلاقا
من أنهار لؤلؤ تنسكب في كؤوس فضة .

يريد أن يقول أنهن حين يبتسمن فقط يتألقن مثل أنهار لؤلؤ , تصور أنهار لؤلؤ , ( وشوف اللولي بيضوي إزاي ) تنسكب في كؤوس فضة
شايف مقدار اللمعان والإضاءة والإشراق عندما تبتسم الصبايا
والشعراء العرب عرفوا هذه الصورة وكتبوها كثيرا
اكتب في جوجول : تبسم + لؤلؤ( علشان الأسنان ) + مرجان ( علشان اللثة )
كوكو
شكرا لك على صبرك الجميل ...
عتبك على البصر ...
الكلمة إذا
أئتلاقا
و ليست
أنتلاقا
EmroseEmroseEmrose
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 05-24-2011, 07:10 PM بواسطة أسامة مطر.)
05-24-2011, 07:03 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 3 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS