العراق ملحقية إيرانية .. الاحتفال برحيل الخميني
الاحتفال بوفاة الامام الخميني في شهر حزيران لعام 2011 في العراق
من حق النظام الإيراني أن يفتخر بنصره الكبير في شطب وإلغاء العراق
في الخامس من يونيو 1989 رحل الإمام الخميني عن الحياة في إيران بعد عشرة أعوام من قيام الثورة الإيرانية العام 1979
والتي غيرت التاريخ و المعادلات في إيران و المنطقة و العالم أيضا ,وفي خلال سنوات قيادته العشر قضى منها ثمانية أعوام في حالة حرب مع العراق ( 1980/1988 ) و التي كانت حربا مدت طوق النجاة للنظام الديني الإيراني فتحت غطاءها وهدير مدافعها وضجيج صواريخها و أطنان جثثها بمراحلها المتغيرة و المتعاقبة وتمكنت المؤسسة الدينية الإيرانية من ضرب وتصفية جميع القوى الوطنية الإيرانية وفرض دكتاتورية ولاية الفقيه و تحول الأوضاع في إيران بأسرها نحو نهايات غامضة ومفتوحة لجميع الاحتمالات كما نرى اليوم
, رحيل الامام الخميني كان في وقتها حدثاً جللاً هز الوضع الإيراني وأثار صدمة سرعان ما انقشعت بفعل الزمن و مجيء قيادة دينية وفقهية بديلة هي التي تقود اليوم وتخلت حتى عن الطبقة و النخبة السياسية و الفكرية التي كانت تحيط بالخميني ومنهم الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني الذي يتعرض اليوم لحملة تصفوية و تسقيطية واضحة المعالم, وكذلك زعماء الإصلاح الإيراني كالسيد مير حسين موسوي الذي رأس الحكومة الإيرانية في أعقد فترات الحرب مع العراق و كذلك آية الله مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق ورئيس حملات الحج الإيرانية فضلاً عن وجوه قيادية سابقة فاعلة في الحرس الثوري والدولة الإيرانية , وطبعاً لا يمكن الحديث عن مرحلة الخميني من دون الإشارة لرحيل نائبه الأسبق الذي أبعد عن الخلافة في أيام الخميني الأخيرة وهو الراحل آية الله الشيخ حسين منتظري الذي شكل التعامل الرسمي الإيراني المجحف قمة التردي الأخلاقي و السلوكي للمجموعة المتطرفة الحاكمة اليوم. وطبعاً بعد الأزمة الداخلية و البنيوية العنيفة التي ضربت إيران بعد فضيحة الانتخابات الرئاسية الأخيرة و التزوير الكبير الذي حصل وحملات الرفض الجماهيرية لما حصل و اشتعال الشارع الإيراني فإن الطغمة الحاكمة تحاول استثمار المناسبات الدينية و السياسية لصالحها ومنها قضية الذكرى السنوية لوفاة الخميني و التي تجاوزت هذه المرة الحدود الإيرانية أو الجنوب لبنانية ودخلت بكل قوة للعراق, نعم للعراق الذي عانى شعبه كما عانى الشعب الإيراني من آثار الحرب المنسية الطويلة , وبما يعزز القناعة الشاملة بأن الاحتلال الإيراني للعراق قد أصبح حقيقة في ظل الاحتلال الأميركي, وهي واحدة من أغرب المتغيرات و الظواهر في تاريخ السياسة الدولية , فالمبالغة المفرط بها في الاحتفال بذكرى رحيل الخميني في مدينة النجف العربية العراقية هو إشارة واضحة بالكامل لحجم ودرجة النفوذ الإيراني المتضخم الذي يجتاح العراق و الذي حوله فعلا لاقليم سقيم ومريض و مفتت مرتبط بالنظام الإيراني و بالمرجعية الفقهية و الولائية لولاية الرفيق السيد علي خامنئي من دون أن نشير للدور الاستخباري الإيراني و المنهجي الكبير للمؤسسة الدينية الإيرانية في العراق , وطبعا هذا الوضع ليس غريبا بالمرة في ظل دور الشعب العراقي المفجع في ايصال عملاء النظام الإيراني و القوى السياسية التي أسسها النظام الإيراني في العراق خصوصا جماعة المجلس الإيراني الأعلى الذي ساهم الخميني الراحل شخصيا في تأسيسه و مباركته عام 1982 و المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق كما نعلم جميعا هو مؤسسة إيرانية قلباً و قالباً و تأسيساً وولاء وكان رئيسه الأول هو السيد محمود هاشمي ( آية الله شاهرودي ) حاليا لاحظوا تغيير ترنيمة الأسماء و العناوين لقيادات النظام الإيراني فهم عراقيون حين الطلب و إيرانيون حتى النخاع في الواقع لذلك فإن احتفالات جماعة المجلس الإيراني في العراق وهم اليوم القوة العسكرية الضاربة فيه ليست غريبة عن واقع الحال , و التأكيد على الذكرى السنوية لوفاة الخميني في هذا العام بالذات يعني بأن النفوذ الإيراني السياسي وحتى الفقهي و المرجعي قد تجاوز كل الأطر و بات يهدد حقيقة بتحويل العراق لحديقة خلفية للنظام الإيراني , و الغريب أن أحد قيادات و اتباع حزب الدعوة الذي يدعي الخلاف مع النظام الإيراني كان قد بارك تلك الاحتفالات المبالغ بها في النجف و اعتبرها دليل ارتباط العراقيين بالثورة الإيرانية
, كما أن الحكومة الإيرانية وضمن إطار تمددها و فرحتها بهيمنة عملائها في العراق كانت قد اشترت المنزل الذي كان يقيم فيه الخميني خلال لجوئه في النجف بمبلغ مليون دولار من صاحبه لتحوله لمتحف تاريخي في خطوة ستكون أشبه بمسمار جحا إيراني في تلك المدينة العربية العريقة , و يبدو أن إفلاس النظام الإيراني على المستوى الداخلي في إيران قد عوضه بنقل احتفالاته المبالغ بها للعمق العراقي الذي يعيش تداعيات حقيقية من الضعف و الهوان و قلة الحيلة في ظل التناطح و الصراع على السلطة بين قادة الأحزاب الطائفية التعبانة المعروفة, تلك الاحتفالات بالطريقة التي حدثت تستهين بدماء العراقيين في لحظات تاريخية سابقة استنزف فيها الشعب العراقي أبشع استنزاف في ظل الحرب الشرسة التي كانت قائمة بين البلدين و التي كان بإمكان الخميني وحده ايقافها و حقن نزيف الدماء و امتصاص الثروات الذي استمر ستة أعوام بعد انسحاب الجيش العراقي من العمق الإيراني في صيف 1982 و الإصرار الإيراني على مواصلة الحرب حتى اسقاط نظام صدام و إقامة الجمهورية الإسلامية في العراق
وهو الأمر الذي لم يتحقق وقتها بعد أن أجبر قادة النظام الإيراني على تجرع كأس السم و إيقاف تلك الحرب في صيف 1988 بعد التصعيد العسكري الخطير , إلا أنه للحقيقة و التاريخ فبفضل حماقات و غباء و طيش و عدوانية نظام صدام حسين تسنى للولايات المتحدة الأميركية أن تحقق هي لا غيرها و بدماء المارينز الهدف الإيراني بإقامة الملحقية الصغيرة لجمهورية الولي الإيراني الفقيه بعد أن نجحت نجاحا منقطع النظير في ايصال جماعة النظام الإيراني للسلطة في العراق ليؤدوا مهمة تحقيق الحلم الإيراني في التمدد القومي و الستراتيجي ووفقا للأساليب النفسية المعروفة عن الإيرانيين. من حق النظام الإيراني أن يفتخر بنصره الكبير في شطب و إلغاء العراق فعلى الرغم من الغزوات و الهجمات الإيرانية على شمال العراق و مصرع الكثير من أبناء الشعب العراقي من الأكراد و سكان القرى الحدودية نرى القوم وقد احتفلوا بنيروزهم الجديد في النجف لم لا.. أليس العراق عضوا مؤسسا و فاعلا في حلف نيروز الجديد ?... لقد بزغ عراق العجم و أنزوى عراق العرب.. و تلك الأيام نداولها بين الناس.. ومبروك للعراقيين الذين بصموا بديمقراطية رائعة على بيع بلدهم لإيران ولا حول و لاقوة إلا بالله...
إلهي حتى ظهور المهدي احفظ لنا الخميني.
*كاتب عراقي
جريدة السياسة