أولاً : حبيبي علي الله يرضى عليك ، بحبش أنا اللف والدوران ، بحب الصراحة والوضوح بدون أي لبس أو غبش ، فتأويلاتك التافهة - مع احترامي - للتدخل الإيراني في العراق لا يقبلها العقل ، ويمكن بكل بساطة أن تنطبق على ما يحصل في سوريا ، فسوريا أيضاً آوت المعارضة التركية الكردية وأيضاً هي نظام معادي - ضمنياً - للدولة التركية بسبب إحتلال لواء الإسكندرونة ، ولكن سبب هذا التقارب هو الضعف السوري والتهاون الرسمي وليس شيئاً آخر ، ولو كانوا راديكاليين مثل الخميني لما وجدت مثل هذا التقارب ، كذلك لو كان الخميني بمثل ليونة الموقف السوري من جاره لما كان الموقف العدائي العراقي منكم هكذا كذلك .
بخصوص التدخل الإيراني في العراق لتأمين قواعدها من امريكا ، بالله بتحكي جد ؟ يا رجل هل قرأت عن عشرات الممؤتمرات والاجتماعات السرية الايرانية الأمريكية في العراق ؟ من يسمعك يعتقد بأن العمليات الشيعية - التي تقودها ايران في العراق - شغالة على ابو ودنها ، يا عزيزي لك ان ترجع للآراء كافة المحللين والسياسيين عن سلبية التدخل الايراني ، بلا شك كان تدخلاً سلبياً ممقوتاً وتحت عين الجيش الأمريكي وسمعه وبصره وبرضاه فضلاً عن دوره في تجييش وزيادة الإحتقان الطائفي ، فالمرجعيات والقيادات الشيعية ولائها لإيران قبل العراق .

ثانياً : أردوغان لم يغدر بحليفه الأسد ، بل هو تأخر كثيراً في خطوته تلك ، وفي البداية اتخذ موقفاً وسطاً بين النظام والشعب ، وهدد أمريكا اذا ما أقدمت على أي تدخل ضد بشار الأسد شخصياً ، وطالب بشار بالإصلاح وتفهم مطالب الشعب ، ولكن النظام الرسمي لم ينصاع لهذه الأمور ، ولذلك تطرف الموقف التركي لصالح الشعب السوري في الفترة الأخيرة ، فضلاً عن انه لا يوجد اي اتفاقية في العالم تقول بعدم الوقوف مع الشعوب بسبب وجود بعض لاتفاهمات مع حكومات هذه الشعوب ، وبالمناسبة الاستخبارات السورية والنظام السوري بشكل عام ليس له القدرة على مواجهة تركيا الآن ، الجيش التركي في أيام يصل دمشق .

ثالثاً : بخصوص ما فعله أردوغان ، فبالنسبة إلي تصريح واحد من اردوغان ضد اسرائيل يساوي ألف تصريح من قبل ايران وسوريا ، بسبب احتلاف ظروف الطرفين ، فتركيا تعتبر حليف استراتيجي لإسرائيل ، بل هي أكبر حليف استراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط ، وأردوغان شل هذه العلاقات وهزها وضررها بشكل كبير جداً لا يمكن جبره او تصليحه ، وهو يسير في طريق مليئ بالأشواك في مثل هذا المضمار ، وفي السنوات المقبلة سيكون الموقف التركي من فلسطين ليس مؤثراً فحسب بل مؤثراً جداً أكثر من تأثير النظام السوري أو الإيراني .

رابعاً : بخصوص حماس فحماس اتخذت موقفاً حيادياً فيما يخص أي شأن داخلي عربي ، وهي ليست معنية باثارة عدواة هذا النظام أو ذاك ، بل هي على العكس تماماً تحفظ الجميل لأي كان وهذا ما قالت به في بيانها اليتيم وأكدت عليه ، فلماذا تحشر حماس في الموضوع ؟
أتشبه موقف حماس الذي اختار الحيادية المطلقة وفي نفس الوقت انصارها يقفون مع الثورة السورية بشكل مطلق بموقف حزب الله الداعم بشكل مطلق للنظام السوري ؟

أما عن اللواء كشخص ، فهو يرى في مثل هذه العلاقات بأنها علاقات مؤقتة ، اي التقاء مصالح بين عدة أطراف متحالفة ، مع وجود خلفية تراثية وقومية ودينية مشتركة لمواجهة عدو واحد ، وفي حالة زوال هذه المصالح فستقزم حماس عند هذه الأطراف ولا أظنك تنكر ذلك ، ورغم ذلك نحن نحفظ الجميل لأي كان .

وبالمناسبة غول وأردوغان طالبوا بفتح مكتب لحماس في تركيا ولكن الجيش التركي رفض ، على أنه في الجهة المقابلة ، لماذا لا تفتح ايران أو سوريا مكتب تمثيل لطالبان مثلاً وهي حركة مقاومة مشروعة ضد محتل خارجي ؟ مع العلم بان طالبان خلال سنوات ستجبر العالم أجمع على الاعتراف بها ؟ ومع العلم أيضاً فإن تركيا طلبت من طالبان رسمياً بأن تفتح لها مكتباً رسمياً في أنقرة .

السيد رحمة العاملي :
أنا إلى الآن لم أضع قناعاتي الفكرية في هذا الموضوع لأنه كتب ليس حرصاً على المصالح العربية ولا حرصاً على المبادئ الإنسانية والإسلامية بل كتب لمواجهة مصالح أخرى تتعارض مع المصالح التي تؤيدها ، ولكني واجهتك بنفس المنطق والأساس والمنطلق الذي تحكم به على الآخرين ، وأكدت لك ذلك ولكنك بدل أن تنتبه لكلامي هذا وترد عليه استشهدت بمقولة للإمام علي ، وحينها توقفت عن الرد لأنه من المعضلات توضيح الواضحات .
ولا أعلم إصرارك على تقويلي ما لم أقل يندرج تحت باب " الكفر عناد " أو باب " نصف الحقيقة ضلال " أو باب " الخطأ في الفهم يسبب خطأ في الإستنتاج " .

فالمنطق والأساس الذي تحاكم به أردوغان ينعدم تماماً عندما تحاكم به ايران ومصالحها في العراق وأفغانستان ، لأنني وجدت لك مقالاً يهاجم أردوغان وسياسته في سوريا وغيرها ، وفي نفس الوقت لم أجد لك مقالاً واحداً يتحدث عن تصريح أبطحي مثلاً " لولا ايران لما سقطت العراق ولا افغانستان " ولا مقالاً واحداً عن تصريح خاتمي " نحن قدمنا المساعدة الكبيرة للإطاحة بأفغانستان والعراق " ولا مقالاً واحداً يتحدث عن تعهد نجاد بجانب محمود كرزاي في أفغانستان عن مواجهة الإرهاب ولا أظن الارهاب الذي يفهمه كرزاي يختلف عن الإرهاب الذي تفهمه أمريكا ، ولم أجد لك مقالاً واحداً يتحدث عن عشرات الاجتماعات السرية بين أمريكا وايران في العراق ، ولم أجد مقالاً واحداً يتحدث عن الدور الأمريكايراني في العراق لتقاسم الكعكعة .

إنما وجدت مقالاً يهاجم أردوغان - ويا لعجائب القدر بأن السيد رحمة انتبه لمشروع أردوغان بعدما ناقض النظام السوري والإيراني - بسبب موقفه من النظام السوري الأخير .

أما لو جئت لموقفي الأساسي ، فأنا ضد أي تدخل خارجي في الشأن السوري الداخلي الآن ، ضده بالمطلق وبدون أي هوادة ، لا لشيء إلا لأن أي تدخل أمريكي أو أوروبي معناه الإتيان بحكومة مسخ مثل حكومة كرزاي في أفغانستان أو حكومة المالكي في العراق ، وهذا هو موقف أغلب جموع المعارضة سواء الشعبية أو النخبوية - باستثناء بعض الأصوات الغير مرغوب فيها والتي تعتبر امتداد للنظام السابق مصل خدام وغيره - وأظنك تعلم موقف الإخوان في سوريا كذلك من التدخلات الخارجية ، فهم يرفضونها بشكل مطلق ، وانسحابهم من جبهة الخلاص الوطنية كان بسبب دعوات بعض أفرادها بالتدخلات الخارجية في سوريا والصلح مع اسرائيل ، وأما العراق فنحن نريد حكومة توافق وطنية مع الجميع ولا يقصي فيها أي أحد أي أحد وهذا كان موقف الإخوان حتى منذ عهد الرئيس السابق صدام حسين ولكنكم قوم لا تفقهون .

فلا داعي لمثل هذه اللغة التعبوية الغير مجدية ، والتي تستخدمها الأنظمة الشمولية لتضليل الشعب عن المطالب الأساسية التي يطالب بها باشغاله بقضايا أخرى ، فما دخل مطالب الإصلاح والتنمية والحرية التي ترفعها المعارضة كشأن داخلي ، بملفات الشأن الخارجي مثل الموقف من المقاومة ومن الكيان الإسرائيلي ؟ هل يوجد سوري واحد ممن يخرج ليريق دمه في سبيل الحرية يريد سلاماً مع اسرائيل ؟ يا صديقي من يقدم دمه الآن من أجل حريته الإنسانية سيقدم دمه غداً في سبيل تحرير بلاده من دنس الإحتلال الإسرائيلي الذي صمتت عنه قيادتك لمدة اربعين عاماً أو يزيد .

نعود للدور الوظيفي التركي ، هل تعتقد بأن تركيا دولة وظيفية لدى أمريكا وهي التي تفوق قوة ايران السياسية والعسكرية أضعاف مضاعفة ؟
تركيا دولة محورية ودورها دور محوري وليس وظيفي ، وهذا ما تحاول أن تثبته وأن تفرضه في الفترة القادمة ، وهذا ما انعكس على الموقف من القضية الفلسطينية والموقف من القضايا العربية بشكل عام ، ومن العجيب أن تركيا بدأت تقلص حجم تبادلها التجاري مع اسرائيل في نفس الوقت الذي تزيد ايران الممانعة والمقاومة من هذا التبادل ، لو قلت بأن الموقف التركي يعمل لخدمة مصالحه مثلما تفعل ايران لكان كلامك أقرب للعقل من أن تجعل من دولة مثل تركيا دولة وظيفية لأمريكا وأيضاً تجعلها دولة وظيفية لمصالح إسرائيل ؟ هل تعي ما تقول حقاً يا سيد رحمة ؟ هل دولة مثل تركيا بقوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية وارثها التاريخي والحضاري تعمل لخدمة دولة صغيرة مثل إسرائيل ؟

والأعجب من ذلك هو حديثك عن الإحتلال الأمريكي للعراق وكونه حلقة من حلقات محاصرة ايران وسوريا ، وهذا الكلام غير صحيح بالمطلق ، بل هو كلام مضحك جداً ، ولا أظن عاقلاً يتفوه به ، لأن اسقاط العراق كان أكبر خدمة تقدمها أمريكا لإيران ، فهي اسقطت أكبر خصم لإيران في منطقة الشرق الأوسط ، الخصم الذي ألجمها وأفشل مشاريعها وأسقطها على جدار البوابة الشرقية ، والانفتاح الإيراني في العالم الإسلامي جاء بعد سقوط هذا النظام وليس قبل سقوطه ، ولولاه لما كان فيران هذا الدور المحوري المؤثر في المنطقة ، كما أن الإحتلال الأمريكي للعراق أوجد ورقة ضغط قوية جداً لإيران وهي الطائفة الشيعية الموجودة في العراق وما يمكن أن تحدثه من بلبلة في صفوف الجيش الأمريكي هناك في حالة أمرت ايران مراجع هذه الطائفة باعلان الجهاد ضد الإستعمار الأمريكي .

تبقى سوريا ، وهنا دعني أخبرك بأن هذه الحلقة من أضعفها وأسقطها هي المقاومة السنية في المثلث السني ، التي أرهقت الجيش الأمريكي وميزانيته في العراق ، وجعلته يعيد حساباته في حالة أراد احتلال دول أخرى ، فأصبح همه الوحيد هو كيفية الخروج من وحل العراق بأقل الخسائر الممكنة بدل أن يفكر في استعمار دول أخرى .

بخصوص الورقة الأمريكية ، ثق تماماً بأن النظام السوري وقعها منذ زمن ، وقعها يوم أن خرجت مادلين اولبريت في جنازة حافظ الأسد واجتمعت سراً مع ابنه بشار ، ووقعها يوم أن خرج مخلوف ليذكر العالم الدولي بهذه الورقة بأنها ستنتهي في حالة سقط النظام السوري ، ورغم ذلك فالجموع المتظاهرة خرجت بشكل عفوي وشعبي ، وستستمر سواء وافقت المعارضة في الخارج ام لم توافق ، ستستمر حتى تحقيق مطالبها المشروعة .

ولنا عودة .