( سر الخاتمية / محاضرة للمفكر احمد القبانجي )
بدءً ألفت انتباه القارئ الكريم إلى أن لدى أحمد القبانجي برنامجاً ثقافياً متكاملاً يبدأ بالتركيز على القضايا الدينية الملحة، ليتم بعدها الانتقال إلى محاضرات تركز على المدارس الفكرية الأوربية وعلى القضايا الثقافية وما يعانيه المثقف العراقي من غموض وإشكاليات خصوصاً ما يتعلق منها بكيفية الانتقال من الثقافة القديمة إلى الثقافة الجديدة وخاصة في المجال الديني، لأنه أصبح معروفاً أن القبانجي يعالج المسائل الدينية بعيداً عن الغيب والوحي، لإن التمسك بتفسير الأمور بالغيبيات يزيد في الغالب من الغموض والتعقيد، فلم تعد الأجوبة القديمة تجدي نفعاً في ظل انتشار العلم والمعرفة، فالعقل البشري اليوم يختلف إختلافاً كبيراً عما كان عليه قبل مئة سنة.. نتيجة للتطور وسرعة التغيرات التي تحدث من حولنا، بفعل توفر وسائل الاتصال والقنوات الفضائية والانترنيت والإعلام وحتى أفلام الكارتون.
لهذا فإن القبانجي يسلط الضوء في كل مرة على قضية محددة من قضايا الفكر ضمن سلسلة من المحاضرات التي لا تقدر بثمن، قضايا تشغل بال المثقف الواقف وسط متاهة فكرية شبه مطلقة، فلا الفكر الإسلامي ولا الفكر الإلحادي قادر على انتشال هذه الروح الباحثة عن الحقيقة أمام أسئلة لم تعد تقتنع إلا بأجوبة محددة، أجوبة تتفق والعقل، فلم يعد تغييب العقل يجدي نفعاً ولم يعد هو الحل، بل إن الحلول كلها باتت تكمن اليوم في العقلانية، التي أثبتت قدرتها على النجاح وخلق مجتمعات سعيدة ومرفهة، يكفي اليوم أن ننظر إلى الغرب لنرى ثمار العقلانية، فهناك المؤسسات والقوانين والحريات والحقوق، ودقة التنظيم والاستقرار والازدهار، هناك العلم والإبداع والإنتاج، وهنا التخلف بأشد صوره، هنا الاستهلاك المطلق، وهنا كل أنواع الإنتهاكات لحقوق الإنسان، ترى إلى أين ستؤول أحوالنا لولاهم؟؟!!.
يعتبر سر الخاتمية قضية دينية داخلية، فهناك آية واحدة في القرآن بخصوصها وحديث نبوي واحد، ولا يوجد أي شيء من خارج الدين كالعقل يؤيد ذلك، لذلك فإن غموضاً يلف موضوع الخاتمية الذي يعد من أساسيات الإسلام، فكل مسلم ينظر إلى النبي محمد كخاتم للأنبياء. ولولا آية {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماًْ} التي وردت في سورة الأحزاب لما أمكن إثبات خاتمية النبي، فضلاً عن حديث نبوي في غزوة تبوك عندما خلف النبي الإمام علي على النساء والأطفال في المدينة، الأمر الذي دعا المنافقين للسخرية من علي لأن النبي لم يصطحبه معه للمعركة بل تركه في الخلف مع النساء، فقال النبي لعلي [ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي]، وهذا حديث مشهور ومذكور لدى كلا الفريقين.
لدينا إذن نص قرآني واحد وحديث نبوي واحد بهذا الخصوص، ولدينا سؤال كبير (مالداعي لختم النبوة ؟). أليس من المفروض أن الله سبحانه وتعالى وبقاعدة اللطف الإلهي أن يرسل دائماً الأنبياء والمرسلين لهداية البشر؟. ألا تشكل الخاتمية خلافا للقاعدة أعلاه؟؟؟ فما هي المبررات؟؟
إننا لو قلنا بالخاتمية فان هذا يعني بان الإسلام خاتم الأديان والنبي محمد خاتم الأنبياء، وهذا يعني حقانية الرسالة، لأن الباطل يذهب جفاءا وليس له قرار أما الحق فيثبت. بما يعني أن العقائد والأحكام والمعارف التي جاء بها الإسلام صالحة إلى يوم القيامة، بمعنى أن البشرية لا حاجة لها إلى دين جديد.
هناك أربع نظريات ناقشت أو تناقش الخاتمية.
النظرية الأولى: وهي النظرية السائدة التي تقحم الغيب في النبوة من خلال القول بأن الله هو الذي قضى بمشيئته بأن يكون النبي محمد خاتم الأنبياء. هذه النظرية تواجه عدة إشكاليات أمام استنطاق العقل لمعرفة مدى مقبوليتها لأننا دائماً مع المبررات العقلية في المسائل العقلية، فتقبيل الحجر الأسود ليس له أي تبرير عقلي، بعكس الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر فإنها تصبح عقلية أو معقولة، لأنك ترى الحكمة فيها. فنحن نريد إكتشاف الحكمة في مسألة الخاتمية، فالله لا يصدر عنه أي شيء غير حكيم، لأن التوقف الفجائي في الفيض الإلهي يصبح مثار سؤال.
الإشكال الأول هو في وجه الوحي، معنى الوحي، حقيقة الوحي، فالوحي هو عبارة عن وعي وجداني، أو تغير وجودي في قلب النبي دون أن يكون هناك تغير معرفي، فالمعارف الموجودة في القرآن جميعها كانت موجودة إما في التوراة أو في الإنجيل، فضلاً عن الأحكام التي كانت موجودة قبل الإسلام وقام بإقرارها، أي لا توجد معرفة خاصة بالقرآن إلا وكانت موجودة في المحيط الثقافي والبيئة الثقافية لنبي الإسلام، إذن هذا المعنى السائد للخاتمية من خلال العنصر الغيبي (إن الله قطع النبوة) هذه المعرفة غير موجودة، يعني معرفة خاصة بالقران، وقلنا إن الوحي ليس من شأنه إضافة معرفة للنبي، الوحي تغير في وجود النبي من خلال اتصاله بالله وفق المدة التي قضاها في الغار، أي تغير جوهر أو روح النبي فأصبحت روح إلهية، فالمعارف التي نطق بها النبي في القرآن كانت بدوافع إلهية فقط وليست بمعارف جديدة، لأنها كما أشرنا كانت موجودة، هذا المعنى للخاتمية يتعارض مع تفسيرنا للوحي، وقد أثبتنا أن الصحيح هو الوحي وجداني أو الوجودي وليس المعرفي كما في محاضرة حقيقة الوحي. هذا الرأي للخاتمية يتقاطع مع نظريتنا في الوحي الوجودي.
هناك إشكال آخر، فنحن نعرف "أن الله حكيم" وعندما يقرر أن هذا الدين هو الدين الخاتم فهل يُعقل أن يترك البشرية آلاف السنين متحيرين وهو يعلم جيداً كما نعلم نحن أن بعد النبي قد حدثت تحريفات عديدة للدين؟؟؟، فالإسلام وصل إلى الصين على يد المبلغين، والمعلوم أن لكل مبلغ مذهبه وفهمه الخاص للدين أي بمعنى أنه يستحيل أن يصل الدين الإسلامي الخالص إلى الناس جمعيا من خلال مبلغين يختلفون في المذاهب والرؤية. فمن أين للصيني أو الأفريقي أن يعرف أن هذا المبلغ سني أو شيعي؟؟!!! إذن نستطيع أن نقول: إن ختم النبوة يتعارض مع الحكمة واللطف الإلهيين.
في إطار نفس النظرية يقول الشيخ مرتضى المطهري في كتابه "النبي الأمي" نحن لا نعتمد فقط على الآية الموجودة في سورة الأحزاب التي تحدثت عن ختم النبوة، بل إن هناك سبباً آخر وآية أخرى تقول بكمالية الدين الإسلامي، وأن القرآن قرر هذه الحقيقة بـ {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم}، بمعنى كمالية الدين في أصوله وفي العقائد.. أي وصلت إلى الناس بشكل كامل، الاختلافات في الجزئيات، الفقهاء يستنبطون من هذه الأصول كما في قول الإمام الصادق "علينا إلقاء الأصول وعليكم أن تفرعوا"، فالدين كامل ولهذا لا يحتاج إلى نبي لإكمال الدين، هذا وجه آخر لإثبات خاتمية النبوءة اعتماداً على النص.
وعلى فرض أن الدين الإسلامي أكمل الأديان إلا أن المشكلة ليست في الفقه، فالفقه جزء صغير من الدين، لان الدين يخضع لتفسيرات العرفاء، علماء التفسير، علماء اللغة ، علماء التاريخ الإسلامي وكلها تدخل في دائرة معارف الدين، الفقه يمكن له أن يكون كاملاً لأن الفقهاء يطبقون الأصول ويجتهدون في التفاصيل، إلا أن الإسلام أوسع من الفقه، خصوصا في السلوكيات العبادية، ففي الوقت الحاضر ليس التغير في الجزئيات بل في الأصول، لأن الفكر الإسلامي مبني على بلاد الإسلام وبلاد الكفر أوالتمييز بين الأفراد على أساس العقيدة (المسلم وغير المسلم)، التمييز بين الناس على أساس العقيدة أصل من أصول الإسلام، ولا يوجد فقيه يقول بمساواة الحقوق بين المسلمين والمسيحيين. الفقه يعتمد على أصول تختلف كلياً عن الأصول في عصرنا الحالي، التمييز بين الناس حالياً يتم على أساس المواطنة، العراقيون لهم حقوق متساوية بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق، المجتمع الحديث يقوم على أساس التمييز من خلال المواطنة، المصري في العراق لا يمكن أن يتنعم بنفس حقوق العراقي في العراق. وهذا شيء طبيعي ومن ثوابت العصر، فإذن،، الأسس تغيرت وهذا يستدعي بالمحصلة الحتمية تغيرا في الأحكام، فلا معنى للقول بأن الإسلام كامل في الأصول (أصول الفقه)، وبالجزئيات يمكن إيجاد الحلول لكل المسائل المستحدثة مثل الضمان الاجتماعي أو البنوك الربوية أو الصلاة على القمر، المشكلة ليست في الجزئيات بل في الأسس، مجتمعاتنا تختلف في الأسس عن المجتمع الديني السابق، فلا يكفي أن نقول أن الإسلام كامل، لإن الإسلام كان كاملاً عندما لم تكن هناك حدود جغرافية، الحدود كانت تتغير كلما توسعت الإمبراطورية الإسلامية.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بـ {رضيت لكم الإسلام ديناً} لأنه يفترض أن نرضى نحن بالإسلام لا أن يرضى الله، لأن الله كان راضياً بالإسلام منذ أن بعث محمد، المشكلة كانت بعدم رضا المشركين بالإسلام.
هناك شواهد في القرآن تدحض تفسير الخاتمية، فهناك أكثر من آية تؤكد وجود رسل إلهيين بعد محمد، وهذه وردت في آيتين في القرآن لكن يتم إخفاؤها من قبل رجال الدين، (وكما تعلمون هناك فرق بين الرسول والنبي، فالنبي هو رسول من الله ولكن لديه ولاية تشريعية، أما الرسل فيقع على عاتقهم هداية الناس إلى الطريق الصحيح، لهذا فان المسيح ليس نبي، هو رسول من الله جاء لإصلاح الخلل في شريعة اليهود). هذا المعنى نراه في عدة آيات من سورة الأعراف حيث جاء الخطاب فيها عاماً "يا أيها الناس" وكل خطاب يبدأ بهذه العبارة فهو خطاب موجه للناس الموجودين ومنها يقول {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (انظر رسل بمعنى الجمع وليس رسول مفرد)، فهذا خطاب موجه إلى الأحياء ويوافق الوحي الوجداني ويوافق رؤية العرفاء، وعلى رأسهم ابن عربي الذي يقول إن الوحي مستمر ولم ينقطع الوحي، فلا يمكن أن ينقطع الفيض وإلا شكل ذلك نقصاً في الحكمة الإلهية، الوحي الإلهي لم ينقطع إلا أن الشريعة انقطعت، أي النبي بما له من ولاية تشريعية لأنه بعد ذلك يجب على الفقهاء أن يأتوا بأحكام مأخوذة من القرآن والسنة، وعلى المقننين أن يأتوا بقوانين وليس لهم القول بان هذه القوانين من الله مثلا، تماما مثل مقنني القانون العراقي (الدستور). فالدساتير كلها وضعية وليست من الله. بل من البشر، الأمر المهم هنا معرفته وملاحظته أن الشريعة الأخيرة التي نزلت من الله هي الإسلام لهذا فإن النبي محمد خاتم النبيين وليس خاتم المرسلين بنص هذه الآية.
وآية أخرى في سورة الزخرف {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} فهل المقصود هم المرسلون من قبل ألف سنة؟!، القرآن يقول إذا ما حصل عندك شك فاسأل، ويقول له اسأل المرسلين من قبلك فهل المقصود لوط،أو نوح، أو يعقوب ،أو يوسف، أم المرسلين الموجودين في زمن النبي، مثل العلماء الربانيين، فالطباطبائي (صاحب تفسير الميزان) يقول: إن المقصود هم علماء اليهود الواعون والمنصفون، إذن هناك علماء مرسلون من الله. الآية تقول اسأل العلماء... العلماء الربانيين المخلصين، هؤلاء رسل من الله، ولسنا هنا نقصد رسل من الله المطلق، بل من الإله الوجداني الذي يفرض على المرء أن يصلح من أمر الإنسانية، لأن من ينشر الخير والمحبة بدوافع إلهية فهو رسول إلهي.
النظرية الثانية: نظرية إقبال اللاهوري، هو عارف ويؤيد الوحي الوجودي وليس الوعي المعرفي، (تغير وجود النبي ووجدانه إلى نور الهي)، ولديه تفسير للخاتمية يقول إن السر في الخاتمية يعود إلى أن الناس في زمان النبي كانوا يعيشون مرحلة الطفولة الفكرية وبالغرائز، والنبوة من الدوافع الغريزية للإنسان، دوافع فطرية، وبفضل دعوة النبي والإسلام للتعقل نضجت العقلانية في المجتمع فلم تعد حاجة للدين لأن الناس سوف يقومون باكتشاف الحق والخير والصلاح بعقولهم. وهذا تسويغ الخاتمية، وهذا الرأي يشبه رأي العارف الغربي بريجسون الذي يقول بتقسيم المراحل، فبحسبه فإن الأنبياء قد ظهروا في المرحلة الغريزية والآن لا حاجة للأنبياء لان البشرية وصلت من النضج والرشد العقلي الى مستويات مذهلة بحيث هي نفسها تعرف الحق والعدالة وتضع القوانين السليمة للمجتمع ولا حاجة للقوانين والتشريعات السماوية، فالنبي محمد بهذا التعريف صار يقف في الحد الوسط بين القديم والجديد بين مرحلة الطفولة ومرحلة العقلانية، وآخر مرحلة من الطفولة هي مرحلة النبي ومرحلة ما نزل على صدره، وما بعدها أخذ الناس ينضجون عقلياً وظهر فيهم علماء وفلاسفة وفقهاء وما أن نضجت البشرية أكثر استغنت عن الشريعة أصلاً في مجال الحقوق والعدالة والقوانين، لهذا فلا داعي لإرسال نبي وهذا رأي إقبال اللاهوري. هذا الرأي أفضل من الرأي السابق ولكن فيه بعض الإشكالات ولا يمكن التسليم له، نحن نطرح أربع نظريات وكلها لها مبرراتها ولها أدلتها، والمجتمع والقارئ هو الذي يختار، ولا نقول بأحقية أي نظرية، النظرية التي تجيب على أغلب الأسئلة ولا ترد عليها إشكالات ستكون بالتأكيد هي النظرية المقبولة.
بالنسبة إلى نظرية إقبال اللاهوري التي ذكرها في كتاب "إحياء الفكر الديني"، هذه النظرية تواجه إشكالاً، وهو: إذا كان الإسلام هو الذي طور العقلانية "أفلا تعقلون" أو "أفلا تدبرون" والقرآن هو الذي أعطى للعقل البشري زخما ثم بعد ذلك أصبح العقل هو المنتج وهو المولد، إذن لماذا تحرك العقل لدى الغرب، وتخلف لدى المسلمين؟؟!!
لو قلنا بوجود العقلانية في الإسلام لما وجدنا فيه التخلف، الحضارة الإسلامية لم تبدأ من القرآن، لم يحرك القرآن العقلانية إلا بعد ترجمة كتب اليونان في العصر العباسي في عصر الرشيد والمأمون والمعتصم، حتى في عصر الازدهار الإسلامي كان الفضل لكتب اليونان والفرس، وكل العلماء مثل ابن رشد وزكريا الرازي وابن سينا والفارابي اقتبسوا من فلاسفة اليونان مثل أرسطو وافلاطون.
للدكتور عبد الكريم سروش نظرية ثالثة في تفسير وسر الخاتمية، يقول: إن التجربة النبوية أي هذا القرآن وكل الكتب المقدسة تحكي عن تجربة نبوية قلبية في قلب النبي، وهذه الكتب المقدسة هي تفسير لما كان النبي يشعر به من حالات وجودية عرفانية، لهذا يؤكد بأن القرآن والكتب السماوية لم تأت بمعارف جديدة، فما في التوراة من وصايا لموسى (الألواح)، كلها موجودة في ضمير الإنسان، لا تقتل ، لا تزني، لا تشرك بالله، لا تكذب، لا تشتهي زوجة جارك، كلها موجودة في عقل الإنسان. موسى دعا لتقوية الأخلاق، القرآن كذلك، لكن القرآن يختلف عن الكتب السماوية السابقة بأن النبي محمداً أعطى للناس تجربته وصوته الإلهي بدون تفسير، أي مادة خام، لذلك ففي كل عصر يأتي الناس ويقرأون القرآن ويقولون هذا هو نفسه الذي نزل على النبي وكأنما الوحي القرآني مستمر لحد الآن. فانك عندما تقرأ القرآن تشعر وكأنما القرآن نزل الآن، لهذا تنتفي الحاجة إلى نبي جديد.
التوراة والإنجيل فيها صراحة، ففي الإنجيل تشعر بأن عيسى هو الذي يتحدث، وكلها عبارة عن تجربة عيسى وحياته، أحاديث عيسى، وكذلك التوراة والتلمود فانك لا تجد فيها "النغمة الإلهية"، ميزة القرآن شعور القارئ بأن الله يخاطبه هو شخصياً، مثلا سورة الكوثر {إنا أعطيناك الكوثر *فصل لربك وأنحر * إن شانئك هو الأبتر} هذا خطاب للنبي، ولكنه ممتد مع الزمن فتشعر بأنك أنت أيضاً المخاطب، فنعم الله كثيرة عليك، وهذا الخطاب موجه للكل. وكلمة أنحر يقصد بها إنحر أهواءك.
لكن تبقى لدينا بعض الإشكالات، فالقول بوجود الخطاب الإلهي إلى يوم القيامة يتنافى مع نظريتنا، لأننا قلنا القرآن هو تفسير لما كان يعيشه النبي من دوافع إلهية، هذه التفاسير تمثل في الحقيقية تفسير التفسير، القرآن هو تفسير النبي للوحي الوجودي، النبي بذهنه فسر الوحي بما يتطابق مع ثقافة ذلك الزمان، والآن تغيرت الثقافات، فلا يمكنني الإذعان بأن الله يأمرني بأن أقتل الذين رفضوا دعوة النبي محمد من أهل الكتاب وأرى أن هذا الخطاب لا يشملني لأنني لست المدعو، في الآية {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} أو آيات تخص العبيد أو الرق، إذن هذا القرآن هو تفسير النبي لما كان يعيشه من أجواء عرفانية وروحية في ذلك الزمان والآن تغيرت الظروف والثقافات، بمعنى أن الكثير من الأحكام الواردة في القرآن غير حجة أو واجبة علينا، لأننا نختلف في الأصول، فنحن نعيش وفق مبدأ المواطنة وهم كانوا يعيشون وفق العقيدة.
النظرية الرابعة: هي نظريتنا في ختم النبوءة.
نظريتنا تشبه نظرية دارون في أصل الأنواع من حيث الانتقال التدريجي في الأنواع، هذا لا يتعارض مع القول بأن الله هو الخالق ولكن ضمن أسباب طبيعية بمعنى أننا لا نريد تحويل كل شيء إلى الغيب، نكتشف الأسباب الطبيعية للقضايا الدينية والعقائد الدينية، وهذا يعني عقلنة الدين، وعقلنة القضايا الدينية، نريد اكتشاف أسباب معقولة ولا نريد دائما أن نلقي بها إلى عالم الغيب ونقول الله هكذا أرادها، على سبيل المثال لماذا (12) إمام؟ أو لماذا النبوة؟ ولماذا (24000) نبي؟ لماذا ليس في الصين أو إفريقيا أي نبي؟ فيأتي الجواب : هذا من غيب الله الذي لا نعلمه. فإعادة كل شيء إلى الغيب لا يحل المشكلة.
نظريتنا هي الوحيدة القادرة على الإجابة بعيداً عن الغيب.
آية خاتم الأنبياء وردت في سورة الأحزاب وهذه السورة جاءت بعد واقعة الأحزاب في السنة الخامسة للهجرة أي بعد (18) ثمانية عشر سنة من البعثة. فلماذا لم يخبرنا القرآن بذلك طيلة ثمانية عشر عاما؟؟؟؟ ألم يكن من الممكن أن يذكر القرآن ذلك في أول سورة، لماذا الانتظار (18) سنة ليعلن عن ذلك. فما السبب وراء ذلك؟؟؟؟
نفهم من هذا أن النبي هو الذي قضى على النبوءات من بعده!!!!، النبي هو الذي جعل من نفسه خاتم النبيين وطبعا بدوافع إلهية.
ففي الإجابة على الأسئلة يكون أساس نظريتنا.
قلنا ثمانية عشر عاما مرت على النبوءة ولم ترد أي إشارة للختم، إذن حصلت بعد الأحزاب (الخندق)، وعند مراجعتنا للتاريخ الإسلامي في تلك الفترة نشاهد بدايات لإرهاصات معينة منها بروز مسيلمة الكذاب، وأن النبي لم يكن له ولد.
هذا التحليل يخلصنا من مشاكل عديدة منها مشكلة زوجات النبي، لأن المعروف أن النبي في تاريخه تزوج من (30) زوجة، وبعد وفاته بقيت له (9) زوجات، البعض منهن طلقهن، والبعض منهن {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} لكن النبي رفضها لأنها لم تكن جميلة.
دائماً ما نلاحظ أن علماء الإسلام يؤكدون أن السبب في تعدد زوجات النبي هو للتقريب بين القبائل، وهذا الكلام يمكن أن يكون معقولا جدا حين تزوج النبي (أم حبيبة بنت أبي سفيان) لأنها بنت عشيرة مخالفة للنبي (ويكفي إنها ابنة أبي سفيان)، أما أن يتزوج ثلاثين امرأة، واحدة منهن هي بنت أبي بكر وهو صديق النبي، وأخرى بنت عمر، أو (أم سلمة) التي لم تكن من عشيرة، لا بل إن معظم زوجات النبي لم يكن من عشائر قوية، أو أن يتزوج من صفية بعد أن قتل كل أهلها وعشيرتها، فأي عشيرة بعد ذلك كان النبي يريد أن يكسبها؟!!، فهو قد أمر بقتل بني قريظ كلهم، بعد واقعة الخندق، فجويرية يهودية وصفية يهودية، فإذن دفاع علماء الإسلام عن ظاهرة تعدد زوجات النبي هو دفاع ضعيف، وغير معقول، فكسب العشائر إذن لم يكن هو الأساس.
سبب آخر يذكره صاحب الآيات الشيطانية أو المستشرقون وهو إظهار أن النبي شهواني، فيذكرون قصة زينب، وعائشة (حينما تزوجها وهي طفلة)، وصفية اليهودية، كذلك من قرأ كامل النجار فهو يقول بشهوانية النبي، وهذه ليست موضوعية، لأنه لو كان النبي شهوانياً لما اختار بعض النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن الأربعين، أو امرأة سوداء اللون، أو غير جميلة. فلو كان النبي شهوانياً لتزوج الجميلات والصغيرات (حاله حال باقي الملوك والجبارين).
السبب المعقول الذي يرتبط مع سر الخاتمية وأراه أصح من السببين السابقين، (سبب كسب العشائر أو سبب شهوانية النبي)، هو أن النبي كان يريد ولداً، وكان يريد لهذا الولد أن يتحمل من بعده أعباء النبوة، تماما مثل بني إسرائيل، مثل يعقوب وأولاده جميعهم لغاية عيسى، كلهم أنبياء وكلهم من بني إسرائيل، فكان النبي لما ابتكر النبوة للعرب أراد أن يكون لهم انبياء مثل بني إسرائيل ويكونون من صلبه، ولهذا تأخر الإعلان عن خاتمية النبوة لمدة (18) سنة. كان النبي خلالها ينتظر أن يصبح أباً لولد، وكان يتزوج ويتأمل تحقيق ذلك، فكان يتزوج الجارية والحرة، الصغيرة والكبيرة، الباكرة وكل الأنواع من الزوجات من أجل الولد، ولم يتحقق له ذلك، وعندما يأس من الولد بعد (18) سنة وظهرت بوادر نبوءات جديدة أحس بالخطر على الإسلام، فإذا لم يقل أنه خاتم النبيين لجاء مسيلمة الكذاب من بعد وفاته وبالمناسبة مسيلمة لم يكن كذاباً.. المسلمون هم من اطلقوا عليه هذه الصفة، ولو صار مسيلمة بعده نبياً لما سمي بالكذاب.
إذن خوف النبي على الدين جعله يأتي بخاتمية النبوءة، هذه النظرية تجيب على عشرات الأسئلة وتحل المشاكل ولا تترك نهايات سائبة للغيب، فهي تجيب على أسئلة تتعلق بكثرة زوجات النبي، وتنفي شهوانية النبي لأن النبي كان يريد ولداً يخلفه في النبوة، فلم يكن شهوانياً ولم يكن يريد كسب العشائر، كان يطمح فقط أن يصبح ابنه نبياً من بعده، ونظريتنا تفهم السر في تأخر إعلان خاتمية النبوءة مدة ثمانية عشر عاماً.
والشاهد على ذلك: أن آية تحريم الزواج المجدد على النبي وردت في نفس سورة الأحزاب التي تقرر خاتمية النبوة {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من ازواج ولو أعجبك حسنهن} فهذا التزامن في ختم النبوة مع تحريم الزواج المجدد يؤيد ما ذكرنا من أن النبي كان يهدف من وراء الزواج المتعدد الحصول على ولد يخلفه في النبوة.
إذن النبي هو الذي قطع النبوة لأسباب عديدة، فلو لم يقطع النبوة لكان من الممكن أن يدعي النبوة من بعده مسيلمة أو أي احد آخر، ويتخذون ذلك مغنماً ووسيلة لأطماعهم.. النبي إذن أراد الحفاظ على هذا الدين، وبعد ذلك يأتي الأئمة، أئمة لا يدعون ديناً جديداً رغم ان لهم نفس الإمتياز من إلهام أو ولاية تكوينية، وولاية تشريعية ولهم الحق أيضاً في استصدار أحكام تخالف القران، وقد قمنا في محاضرة سابقة بايراد موارد قام فيها أئمة من اهل البيت كالإمام الصادق بمخالفة القران، إذن للإمام نفس دور النبي لدى الشيعة، القبول بإمام أفضل من القبول بنبي حفاظاً على الدين، الإمام يستنبط من الأصل (القرآن والسنة)، أما نبي جديد فيمكن له أن يغير الدين كله، فأعلن النبي نفسه خاتم النبيين بعد أن يأس من الولد وبعد أن لاحظ بروز حالة إدعاء لنبوة من قبل آخرين قد يؤدي الى محو ما جهد في ارسائه.
هذه النظرية لا ترد بشأنها الإشكالات التي أثيرت على النظريات الأخرى، لأننا نقول بخاتمية النبوة التشريعية. في الوقت الحاضر لا نحتاج إلى شريعة إلهية، واذا كانت الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع فهذا لا يعني إجبار الالتزام بها، وإنها صحيحة التطبيق، اليوم نحتاج إلى شريعة بشرية، شريعة العقلاء، الشريعة التي أثبتت إنها انفع وأفضل من الشريعة السماوية التي كانت صالحة لذلك الزمان.
حالياً لا نحتاج إلى نبي. العقلانية تضاعفت آلاف المرات، فهل إن ختم النبي يعني ختم الدين؟ الجواب، كلا. القرآن لم يقل الإسلام خاتم الأديان، القرآن قال النبي خاتم الأنبياء.
الشريعة الإسلامية الآن ناقصة، ليست فقط ناقصة بل إنها ضد العقلانية، ولا يمكن تطبيقها، فالشريعة الآن ظالمة في الكثير من الموارد، (الحدود، القصاص، قضايا المرأة)، وكلها ظلم في ظلم، ولا يمكن أن تطبق، إذن النبي بوصفه يملك الولاية التشريعية فهو كان خاتم المشرعين السماويين وليس خاتم المرسلين، الرسول والرسل الإلهيين مستمرون إلى يوم القيامة ونقصد بهم المصلحين، من أمثال رسل عيسى، بولص كان رسول ولكن ليس من الله، إذن الرسل مستمرون إلى يوم القيامة والناس لا يحتاجون إلى شريعة الهية.
المصدر :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=246244
http://www.alzakera.eu/music/religon/religon-0278.htm
الموقع الرسمي :
http://www.alwjdan.org
http://www.facebook.com/note.php?note_id...0639133366