المؤمنون يدعون أن الله هو أصل الخير و الأخلاق و انه انعم على الإنسان بالقوانين الأخلاقية لكي ينظم حياته و يختبر قوة إرادته. و الملحدون يدعون أن الإنسان هو مخترع الأخلاق لحاجته إليها و أنه لا يحتاج إلي دين أو إله لكي يعلمه كيف يقيم مجتمعا أخلاقيا آمنا. و بين الإدعائين يمكن أن نعقد مقارنة تكشف لنا مدى صحة أو خطأ كل إدعاء.
الأخلاق الإلهية :
هي الأخلاق النابعة من الله الكامل الذي لا يخطئ أبدا و لذلك هي نظريا أخلاق صعبة التنفيذ و لا ينفذها بشكل كامل إلا الأنبياء و القديسين. و لهذا تم إختراع آلية التوبة إلي الله و من ثم غفرانه للآثام و الخطايا. و لكن لان ممارسة الأخلاق لا تزال صعبة اوجد الله بدائل أكثر سهولة للمؤمن و هي الطقوس الدينية التي لا تفيد احدا و لكنها تريح ضمائر المؤمنين الذين يجدون في ممارسة الأخلاق مشقة كبيرة مثل الصلاة و الصوم و الحج أو تناول جسد الإله المزعوم و دمه.
يعني بدلا من التواصل مع الناس و مودتهم و محبتهم يستطيع المؤمن أن يقيم الصلاة ليريح ضميره ببعض الحركات دون أن يتعب نفسه بممارسة الخير أو إتباع الاخلاق, و بدلا من أن يتصدق للفقراء يستطيع أن يصوم شهرا في السنة أو أكثر و لكن من يستفيد من هذا الصيام ؟
أما الحج أو تناول جسد الإله و دمه فهي شعائر وثنية بإمتياز لها قوة غفران الخطايا و إراحة ضمير المؤمن إلي أجل غير مسمى. فهو يستطيع أن يسرق و يؤذي و يبطش ثم يحج إلي بيت الله الحرام أو ياكل جسده و يشرب دمه فيرجع طفلا بريئا كما ولدته أمه خاليا من أي آثام و مستعدا للموت و الحساب.
إذن فالله يعلم أن الإنسان لا يستطيع السلوك بأخلاق طيبة فيسهل له الموضوع مرة بالتوبة و مرة بالطقوس و مرة بالإيمان. نعم, فعند الكثير من المؤمنين يعفيهم الإيمان من ممارسة أي سلوك أخلاقي معتمدين على نصوص دينية مقدسة و بالتالي يكفي أن يقول " لا إله إلا الله محمد رسول الله " لكي يضمن الجنة أو يؤمن بالمسيح ربا و مخلصا لكي يضمن ملكوت السماوات.
بل و من أجل التسهيل إلي الحد الأقصى يختزل الله الأخلاق في ممارسات شكلية جوهرها المظهرية و النفاق فالحجاب مثلا أسهل من العفة و الذقن الطويلة أسهل من حسن المعاملة. بل إن الله يبيح للمؤمن كل ما يجده صعبا لتحقيقه مثل إباحة تعدد الزوجات للرجل فقط لكي يسهل عليه الخضوع لأوامره و نواهيه.
ثم و مع كل تلك التسهيلات و التخفيضات على السلوك الأخلاقي تجد المؤمن يتفاخر بالأخلاق التي دعا إليها دينه و ليس بالأخلاق التي يمارسها هو فعلا. و لكن حتى الأخلاق التي يدعو لها الدين تتضمن أوامر وحشية بالقتل و الرجم و قطع الأيدي و الأرجل و الجلد و .. و ..
يعني أفضل ما في الأخلاق الإلهية قد يكون شنيعا و مع ذلك يتم تسهيله و تبسيطه إلي الحد الأقصى ثم الحفاظ على ذلك جامدا متحجرا بإسم الإحترام و التقديس. و بعد ذلك يكلمك المؤمن عن الأخلاق و القيم و كانه يحتكرها بمجهوده.
الأخلاق الملحدة :
هي أخلاق نابعة من الإنسان الناقص الذي يخطئ أحيانا و يصيب أحيانا, و لأن الإنسان ليس كاملا فهو يتطور مع الزمن و يطور أخلاقه معه, و لا يوجد ما يلزم الإنسان بممارسة الأخلاق أو الإعتماد عليها و لذلك تبدو الأخلاق الملحدة سهلة التنفيذ إلي حد كبير.
و يعتمد السلوك الأخلاقي على إرادة الإنسان الحرة المنفردة و التي ترى في مصلحة الناس و مجد الإنسانية هدفا مغريا للسلوك الأخلاقي. و يصعب الأمر بسبب أن الملحد لا يوجد لديه من يغفر خطاياه بمجرد إعلان التوبة و تأدية بعض الصلوات الرخيصة و لذلك فكل خطأ يرتكبه يظل لصيقا به و يدينه إلي يوم مماته و إن كان يستطيع إصلاح ما إرتكبته يديه من أخطاء فبتلك الوسيلة فقط يستطيع ضميره أن يستريح. يعني هو إنسان عملي يخطئ عمليا و يصلح أخطاؤه عمليا و لا يعفيه من الجرم إله او غفران سماوي.
مسألة أخرى تجعل الأخلاق الملحدة أكثر صعوبة هي أنه لا توجد طقوس سهلة التنفيذ تعفي الإنسان من ان يكون أخلاقيا لأنه لابد أن يكون إيجابيا و يكون حسن المعشر و أمين و ودود و مخلص في عمله لكي ينام مرتاح الضمير.
و أيضا لا يوجد إيمان أو كفر يعفي الإنسان من ممارسة الأخلاق فسواء كان الله موجود أم لا فإن هذا لا يشكل أي فارق في إن التضحية بالوقت و المجهود و المال من أجل خدمة الناس هو العمل الأخلاقي بشرط أن يكون الفاعل خالص النية محبا للناس ساعيا لمنفعتهم و سعادتهم و ليس طامعا في أجر إستثنائي بعد الموت.
إذن لا التوبة و لا الطقوس و لا الإيمان موجودين للملحد لكي يعفيه من ممارسة الأخلاق الطيبة و أيضا لا يوجد إله لكي يهديه قوانين اخلاقية جاهزة ليعفيه من التفكير و الإبداع في فهم و تنفيذ الأخلاق. بل على الملحد أن يفكر لوحده و يتخذ قراراته الأخلاقية على مسئوليته الخاصة و تلك طبعا مسئولية كبيرة لا يتحملها الشخص المؤمن بوجود إله.
و مع كل تلك الصعوبات المصحوبة بالممارسة الأخلاقية الملحدة نجد أن الأخلاق الملحدة هي الأخلاق العالمية التي يتفق عليها الناس مثل التي أقرتها الأمم المتحدة في إعلانات حقوق الإنسان و هي أخلاق صعبة التنفيذ و مكلفة للأفراد و الدول على حد السواء و لكنها قيم و مبادئ مهمة لها القدرة على تشكيل حياتنا و تطويرها نحو الأفضل.
أما الشخص المؤمن فلديه قناعة بأنه الأفضل و الأنقى و الأكثر صلاحا لمجرد أنه مؤمن رخيص و كسول و لا يفعل شيئا لخدمة الناس سوى الدعاء و المزايدة على تدين الناس و ممارساتهم الباطلة, و هذا هو الفارق الحقيقي بين أخلاق المؤمن و أخلاق الملحد ان الأول يقول و يزايد و يرغي و يزبد و يستبد و يمكر و يحكم على الناس و في النهاية لا يفعل شيئا. أما الملحد فيتحمل وصمة الإلحاد لمجرد أن الملحدين أقليات غير معترف بها و يناضل لكي لا يشتم أو يهان لمجرد أنه ملحد و مع ذلك يمارس حياته و هو على خلق لكي لا يفقد إحترامه لنفسه في النهاية.
و لهذا قال فيورباخ : أن الوهم مقدس في أيامنا بينما الحقيقة دنسة.