(06-28-2011, 02:01 AM)حنيفا على الفطرة كتب: كثيراً ما نسمع على هذا لموقع عبارة : انني ملحد لكني إنسان أخلاقي ...
فكرت بهذه العبارة و قلبتها من نواحي مختلفة فخرجت بخلاصة بسيطة :
الغالبية العظمى من الملحدين يعتنقون المادية كفلسفة حياة , و من منطلق مادي بحت لا مكان فيه للإيمان ببعث بعد الموت و حساب و ثواب و عقاب , تبدو فكرة إلزام الإنسان نفسه بمعايير أخلاقية فكرة لا معنى لها البتة و غير مربحة ربحاً مادياً ملموساً-كونهم لا يؤمنون بغير المادة-, فشخص هكذا حاله يناسبه تبني قانون الغاب أو تبني مقولة البقاء للأقوى..
أما وجود أخلاق لدى بعض الملاحدة فمرده كما أعتقد إلى :
1-بقايا موروثات دينية في مرحلة ما قبل الإلحاد .
2-ضغط المجتمع و الخوف من النبذ.
3- القانون.
شوف يا عزيزي
ربما لا يوجد ملحدين مشهورين بإنتماءهم للناس و حبهم للناس و تضحيتهم من أجل ناسهم مثل غاندي الهندوسي و الأم تريزا المسيحية مثلا ..
ربما تجد الكثير من الملحدين يتبرعون باموالهم لتحسين أوضاع الفقراء أو يشاركون بقوة في منظمات مدنية تهدف لحماية حقوق الإنسان أو منظمة مثل أطباء بلا حدود أو غيرها ..
و لكن البطولة أو الزعامة الاخلاقية ( لو صح التعبير ) لا وجود لملحدين فيها و ذلك لثلاثة أسباب :
1- إن الإلحاد دعوى حديثة نسبيا
2- إن الملحدين هم أقليات في معظم دول العالم حتى الآن
3- أن عصرنا الحاضر هو عصر العمل الجماعي فالعمل الفردي البطولي قد إنتهى زمنه.
لكن على العكس هناك جزارين و طغاة محسوبين على الإلحاد برغم أنهم كانوا مؤدلجين بأيدولوجيات عنيفة و دموية مثل ستالين و هتلر, لكن واحد مثل محمد صاحب الإسلام لا يفرق كثيرا عن هتلر أو ستالين و الفرق فقط هو في إمكانيات عصره.
إذن فليس كل المؤمنين ملائكة او شياطين و ليس كل الملحدين ملائكة أو شياطين.
أصلا لا يوجد ملائكة و لا شياطين : النوع العاقل الموجود و المعروف هو البشر فقط.
على كل حال الأخلاق ليست بالكلام و التنظير بل هي قرار و عمل ..
طبعا نحن محتاجين للتنظير أو لوضع إطار عام لأخلاق إنسانية عالمية لكيلا لا يتورط المرء في قتل أو نهب او إغتصاب مستلهما الأوامر الإلهية في الجهاد و السبي, لكن الأخلاق هي قرار و عمل أساسا ..
و أنا لن أقول لك أني ملاك أو حتى قديس فأنا مثل أي إنسان آخر لي اخطائي و أعمالي الجيدة, و إن كنت مهتم بفهم الأخلاق و إدراك معانيها لكي أهذب نفسي و أرتقي بها. بل إن من أهم أسباب تركي للأديان و الآلهة هو إنحطاط الأخلاق النظرية في الأديان و التطبيقية عند المؤمنين بها على حد السواء.
يعني أستطيع ان أقول لك بفخر أني ملحد لأني ( و ليس لكني ) إنسان أخلاقي ..
إنسان أخلاقي بمعنى أني مؤمن بأهمية و جدوى الأخلاق و ليس بمعنى أني رائع أو قديس.
أما لو كان هناك إنسان مؤمن و أخلاقي فأخلاقه هي رغما عن دينه و إيمانه لأن الدين يكبل العمل الأخلاقي و الإيمان يكبل الفكر الأخلاقي و الأسباب أنا شرحتها في مداخلتي الأولى في الشريط و أنت تجاهلتها و رحت تحاول عكس الآية و رمي الكرة في ملعب الملحدين بدلا من الدفاع عن أخلاق دينك و فهمك لمعنى الأخلاق.
و عموما من الواضح انك غير مطلع أصلا على فكر الملحدين أو الفلسفات الملحدة ..
الفلسفة المادية و الطبيعية الوجودية هي فلسفات وجود و ليست فلسفات حياة و الفارق ضخم, فلسفة الوجود معنية بالميتافيزيقا أو ما هو موجود و ما هو غير موجود و لكن فلسفة الحياة معنية بكيفية التعاطي مع الحياة عن طريق الأخلاق و الأفكار.
يعني المادية فلسفة وجود و الطبيعية الوجودية فلسفة وجود و البوذية فلسفة حياة و الإنسانية فلسفة حياة و إن كانت تؤكد على المادية و الطبيعية الوجودية.
بإختصار : المادية لا شان لها أصلا بالأخلاق لانها تتعاطى مع الوجود و ليس مع الحياة.
و بالتالي فالمادية لن تلزمك بالاخلاق و الأخلاق أصلا ليست إلزام بل هي حب الناس لمن لديه القدرة على الحب. لكن البوذية او الإنسانية تنظّر لك فلسفات حياة و أخلاقيات محددة تستطيع أن تعتمد عليها في حياتك كما تستطيع أن تعتمد على نفسك بالكامل في تحديد أولوياتك الأخلاقية و كيفية تعاطيك مع الحياة بدون فلسفة.
طبعا وجود ملحدين يتبعون قانون الغابة و البقاء للأصلح وارد و لكنك تتناسى أن هناك العديد من الفلسفات الملحدة منها الأخلاقي و منها اللاأخلاقي و تلك الحرية الموجودة في الإلحاد تعبر عن ثراء فكري و حرية لن تعرفها أبدا و انت مؤمن بخرافات من العصور البائدة.
أما الموروثات الدينية لدى الملحد فهو ما حدث لستالين حيث أنه تربى تربية أرثوذكسية متزمتة و لذلك حين إعتنق الماركسية أصبح في مثل تزمت دينه السابق لأن الدين أساسا يؤكد على التعصب و الكراهية و الحقد و نبذ الآخر. اما الملحد الذي تحرر من دينه فعلا بحيث يعمل عقله فلن تجده عدوانيا من الأساس بل سيميل طبيعيا للتفاهم و التفاوض و الإقناع و التوصل لحلول وسط و هو ما لا تعرفه الأديان من قريب أو بعيد.
يعني غاندي لم يكن سيصبح غاندي لو تمسك بهندوسيته و لم يتعلمن, لم يكن سيقبل الآخر المسلم و يدافع عنه حتى مماته و الأم تريزا لو كانت مسيحية متزمتة ما كانت ستساعد فقراء الهنود بغض النظر عن دينهم أو إيمانهم. لهذا فالعلمانية و الإلحاد هما الأساس النظري لأي توجه أخلاقي و إلا فالتعصب و نبذ و الآخر.
أرجو أن يكون ردي وافيا.
كل ود.