مصر أولآ
(3)
نماذج الحالة المصرية
.
" إذا مالدينا ليس ثورة بل انتفاضة ثورية "
كي نتفهم الحالة المصرية الان ، علينا أن بطور نموذجا إجتماعيا و سياسيا تعبر عن تلك الحالة ، و لدينا بالفعل نماذج ثلاث مختلفة لهذه الحالة و ما يماثلها من الإنتفضات السياسية . النموذج الأول و يمكن توصيفه بالثورة المستمرة ، النموذج الثاني و يوصف بكونه إنتفاضة ناجحة ، النموذج الثالث وهو الفوضى و إنحلال الدولة المصرية .
تحديد هذا النموذج الذي نعمل عليه ليس ترفا فكريا ، لأنه سيكون الإطار الذي يشكل تصورنا لواقعنا السياسي و يجري الحوار حوله ، بغير هذا التحديد سنسقط في الإرتجال الذي يميز الحوار العام السائد في مصر اليوم ، و الذي لن يؤدي سوى إلى الصراعات و الفوضى و تحويل الفرصة المتاحة إلى أزمة دائمة .
أولآ : النموذج الأول . الثورة المستمرة .
التوصيف .
قام المصريون في 25 يناير بثورة شاملة ، هذه الثورة أبهرت العالم كله بسلميتها و مثاليتها . يقود شباب التحرير هذه الثورة ،و هم الذين وكلوا المجلس الأعلى ووزارة عصام شرف بإدارة البلاد تحت إشرافهم ، و يعاودون إشعال الثورة كل فترة لضمان استمرارها .
ملامح النموذج الثوري المفترض .
1- هذا النموذج هو النموذج الرومانسي المعتمد لدى جماعة التحرير ،و الذي يشبع غرور المصريين ،ويوحي لهم بالفخر و الإحساس بالتميز و القوة . وهو النموذج الذي تتحدث عنه الصحف ووسائل الإعلام بلا انقطاع ،و ترى الحيود عنه ليس نتيجة وجود خطأ في العاريف ـ بل في التطبيق !.
2- هذا النموذج جرى تسويقه بقوة في بداية الإنتفاضة ، بحيث بدا كما لو كان يشكل شرعية النظام ، و بناء على هذا المفهوم الثوري ، ظهرت مجموعات متنافرة و بعضها هزلي بالفعل تزعم قيادة الثورة و تحتكر التعبير عنها ، بل و نجحت في فرض شخصية سياسية باهتة و مجهولة رئيسا لوزراء مصر ،و نجحت بشكل أشبه بمسرحيات اللامعقول في تطويع المجلس العسكري لمطالبها على الأقل في البداية .
3- شباب التحرير و الراعيون الرسميون لهم هم قادة الثورة ،وهم من يصدرون الأوامر التي يجب أن يطيعها المجلس الأعلى و إلا ثاروا عليه و نحوه كما فعلوا من جهاز الأمن ، هؤلاء الشباب يمتلكون سلطة أدبية تجيز لهم توجيه السباب و الإهانات للجميع بما في ذلك قادة المجلس العسكري ،وما دون هذا المجلس ،و كل من لا يروق لهم او ينتقدهم مجرد فلول ،وهم ينجحون كثيرا في دفع صنيعتهم د.عصام شرف إلى إصدار القوانين التي تجرم مخالفيهم !.
4- بناء على هذا النموذج تصبح التظاهرات و الإعتصمات و تحطيم هياكل الدولة و مؤسساتها كالجيش و الشرطة و القضاء ، و أيضا مرافقها الأساسية أداة ثورية لفرض مطالب " الثورة الدائمة " و تحديد مسار الوطن ، الأمر الذي يجعل د. ممدوح حمزة أحد رموز هذا النموذج يهدد بالإستيلاء على مرافق المياه و الكهرباء لو لم يخضع المجلس الأعلى لمطالب الثورة " مطالبه هو و جماعة ينفق عليها " .
5- يتحول هذا النموذج بالتدريج ليصبح نموذجا للمراهقة الثورية هذا المرض الثوري يقوم على رفع شعارات طوباوية براقة و لكنها بالغة التطرف لا تعبر عن المرحلة التاريخية والاجتماعية للتطور ، وقد طرحت قضية المراهقة الثورية في موضوع مستقل .
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=44561
هل نحن في ثورة ؟.
عندما ندقق في تعريف ما حدث في 25 يناير بشكل علمي سنجد اننا أمام ما يعرف بالإنتفاضة و ليس بالثورة ، فهاك شروط لتعريف الثورة لا ينطبق أي منها على إنتفاضة 25 يناير .
1- الشرط الأساسي و المبدئي للثورة الذي لا بد من توفره هو قيادة معروفة معترف بها من الجميع ، فكان هناك اليعاقبة في الثورة الفرنسية ،و لينين في الثورة البلشفية و خوميني في الثورة الإسلامية ، وهذا لم يحدث نهائيا في مصر ، ففي الحالة المصرية لم يكن هناك أو أشباه لقادة ،ولا أعتقد أن هناك من يرى محمد البرادعي قائدا لشيء سوى لرحلاته المتعددة لسويسرا .
2- الثورة تهدف إلى تغيرات أيديولوجية جذرية في طبيعة النظام ، فالفرنسون تحولوا إلى الجمهورية الديمقراطية ، و الروس إلى السيوعية ، و الإيرانيون إلى الدولة الشيعية و ولاية الفقيه ، وهذا لم يحدث أو يطالب به أحد في مصر سوى الإسلاميون ، فليس هناك من يطالب بالتحول إلى الإشتراكية ،أو إقامة خلافة سنية أو .... .
3- تقود الثورة فلسفة تميزها و تكسبها طبيعتها كما حدث عندما قادت الماركسية الثورة البلشفية و الإمامية الإثنى العشرية وولاية الفقيه الثورة الإسلامية في إيران ،وهذا أيضا غير متوفر ولا شيء قريب منه ؛ اللهم لو اعتبرنا دموع وائل غنيم و شتائم أسماء محفوظ أو وقاحة الأبراشي و السرديات الجنسية لعلاء الأسواني فكرا ثوريا خاصا بمصر .
4- الثورة لابد لها من أهداف مسبقة متفق عليها من الجميع ،وهذا أيضا لم يحدث . فكل أهداف الإنتفاضة المصرية تم ارتجالها أثناء الأحداث و بضغط منها ، هذه الأهداف لم يكن متفقا عليها من قبل ، فالإنتفضاة كانت مجرد رد فعل على ممارسات النظام و تسعى لتغيره ،و كان اسقاط النظام هو الهدف الوحيد الذي اتفق عليه لاحقا ، بعد ذلك لم يكن هناك هدف واحد اتفق عليه الجميع .
5- تهدف الثورة إلى الإستيلاء على الحكم و قيادة البلاد بواسطة قادة الثورة ، وهذا لم يحدث فلا توجد قيادة أساسا للإنتفاضة المصرية حتى تستولى على الحكم . ولا أعتقد ان هناك كثيرون يمتلكون الخيال الكافكاوي الذي يرى وائل غنيم رئيسا و ممدوح حمزة رئيسا للوزراء و عمرو واكد مديرا للسياسة الخارجية و جورج اسحاق مديرا للأمن القومي و .... و أسماء محفوظ متحدثة رسمية لمصر .
6- الثورة هي صناعة المستقبل ،و لكن مالدينا مختلف ، فهناك غياب المشروع القومي و الرؤية المستقبلية ليس فقط لدى الشباب بل أيضا لدى النخب المثقفة ، فالمصريون توقفوا منذ زمن طويل عن استشراف المستقبل ، مفترضين ان المستقبل لن يأتي أبدآ ،و بالتالي فمصر تفتقد أي مشروع قومي في أي مجال ، كل مالدينا مشروعات سلفية وخطط تفصيلية للعودة إلى الماضي الكئيب . هذه الرؤية الماضوية ساحقة لا نعرف غيرها ، فحتى الشباب لا يفكرون سوى في الإنتقام من مبارك و نظامه ، أما المستقبل فلا يشغل أحد حتى المسئوليين .
إذا مالدينا ليس ثورة . ذلك لا يقلل من أهمية ماجرى حتى 11 فبراير ، و لكن أيضا لا يصف ما حدث بعد ذلك . نحن لم نعد في ثورة بل في مرحلة انتقالية لإعداد الدولة المصرية لنظام جديد ، و أي تصنيف آخر فهو بروباجندا و نوع من الخداع المقصود ، و بالتالي فالمطالب الثورية التي يطالب بها جماعة التحرير ،و التي تهدد المجلس العسكري لو تقاعس عن تنفيذها هي مجرد نوع من الدجل و " البلف " ، ببساطة هي مطالب من لا يستحق ممن لا يملك !.
للموضوع بقية .