كلمة عملاء ليست مسبة أو شتيمة فنظام بشار عميل لإسرائيل ولإيران .....الحياة والسياسة بدون تعامل أو عمالة للخارج مستحيلة ....من حق أي طرف أن يكون عميل وينام على الجنب يلي يريحوا ....بالنهاية الصراع على سوريا بين معسكرين بمشاركة العملاء السوريين لكلا الطرفين ...
هل يخاف الإسرائيليون من الأسد أم يخافون عليه؟ 18/08/2011
ياسر الزعاترة
بوسع أصدقاء النظام السوري -لاسيما القوميين منهم- أن يستخدموا الكثير من الوقائع المنتقاة من هنا وهناك في سياق إثبات "المؤامرة" التي يتعرض لها نظامهم الحبيب من قبل الإمبريالية والصهيونية، لكأن الكيان الصهيوني كان يصل الليل بالنهار في ترتيب المؤامرات الرامية للتخلص من النظام الجبار الذي يشكل تهديدا لوجوده، رغم أنه لا يمانع في تسوية تعترف له بـ78 % من فلسطين (هذه الحقيقة ينساها المدافعون عن النظام بدعوى المقاومة والممانعة).
ينسى هؤلاء أيضا أننا حين كنا نتحدث عن مقاومة النظام السوري وممانعته، فقد كنا نفعل ذلك في ضوء الواقع القائم على الأرض عربيا، من حيث وجود أنظمة من لون نظام حسني مبارك لا تني تتبرع بتقديم الخدمات الأمنية والسياسية للكيان الصهيوني، مما يعني أنه وفق مفاهيمنا (الأيديولوجية) -وهي مفاهيمهم (أعني القوميين)- ليس مقاوما ولا ممانعا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنها مفاهيم تؤكد رفض دولة العدو واعتبار الصراع معها صراع وجود وليس صراع حدود.
ألا يشكل النظام السوري جزءا لا يتجزأ من منظومة الاعتراف العربي بالقرارات الدولية التي تقول إن دولة العدو كاملة الشرعية ومشكلتها الوحيدة هي عدم التزامها بالقرارات الدولية؟!
صحيح أن النظام السوري قد ساهم في إخراج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، ولكن الأخير ليس من أرض إسرائيل بحسب الرأي السياسي السائد (وليس الديني أو التوراتي)، الأمر الذي ينطبق على قطاع غزة بقدر ما، فضلا عن أريحا "المدينة الملعونة" بحسب التوراة.
لا يقلل هذا من قيمة المقاومة البطولية التي تفرد بها حزب الله (بقرار سوري بالطبع)، فلولاها لكان الجيش الصهيوني لا يزال هناك. وفي كل الأحوال، لم يكن ذلك كله سوى جزء من دفاع النظام عن نفسه، وليس دفاعا عن القيم والمبادئ، مع أننا لا نحاكم النوايا في تقييم المواقف السياسية.
بتحرير الجنوب اللبناني والتزام حزب الله بالقرارات الدولية الجديدة بعد حرب يوليو/تموز لم تعد ثمة مقاومة من لبنان، وارتاح العدو من وجع رأس تلك الجبهة، وإن أبدى قلقا كبيرا من تسلح الحزب بسبب الاحتمالات التالية غير المضمونة، وخاصة ما يتصل بإمكانية المواجهة مع إيران فيما خصَّ مشروعها النووي، وبالتالي رد الحزب على عدوان إسرائيلي عليها، وإن بدا الأخير مستبعدا في ظل الظروف الراهنة.
اليوم يبدو سؤال "ما إذا كان الإسرائيليون يريدون بقاء الأسد أم لا؟" جدليا إلى حد ما، والواضح أن الأمر لم يُحسم تماما لجهة إلقاء الثقل السياسي في هذا الاتجاه أو ذاك، لاسيما أن تل أبيب لم تر حتى الآن أن النظام برسم الانهيار السريع، فيما لا ينكر قادتها أن عموم الحراك الشعبي العربي قد فاجأها كما فاجأ الآخرين.
لكن المعطيات الأكثر وضوحا ما زالت تشير إلى أن الإسرائيليين يرغبون في بقاء الوضع على حاله لأكثر من اعتبار، أولها أنهم حيال نظام تعودوا عليه ويعرفون تماما سقفه السياسي، وقد وجهوا له أكثر من صفعة حامية خلال السنوات الأخيرة لم يكن رده عليها يتجاوز الكلام (قصف مفاعل دير الزور، اغتيال أكثر من شخصية سياسية وعسكرية وأمنية سورية ولبنانية وفلسطينية داخل الأراضي السورية).
المشكلة في سقوط النظام السوري تبدو عميقة بالنسبة للإسرائيليين، وبالطبع لأنه يعني أن مسلسل الثورات العربية سيستمر، الأمر الذي سيشكل خطرا وجوديا عليهم في حال استعادت الجماهير العربية -التي لا تعترف بالكيان الصهيوني- قرارها السياسي، وقبل ذلك تأثير ذلك السقوط على أنظمة عربية أخرى يهدد ارتباك وضعها، فضلا عن سقوطها مصالح الكيان الصهيوني ووجوده. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في حقيقة أن البديل غير مضمون تماما.
في الدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية يخشون بالفعل من البديل القادم، لاسيما دور الإسلاميين فيه، وهنا سيخرج عليك بعض الموتورين بقصة كلام علي البيانوني مراقب الإخوان السوريين السابق عن عيش المنطقة بسلام في حال طبقت الدولة العبرية القرارات الدولية (هل يبدو أمرا كهذا ممكنا من الأصل؟!)، والذي لا يغير في حقيقة أن أي طرف إسلامي لن يصل به الحال حد الاعتراف بدولة العدو، لاسيما إذا أدركنا أن الشارع العربي ومنه السوري يرفض ذلك.
ثمة أطراف إسرائيلية أخرى ترى أن سقوط نظام الأسد ومجيء نظام سني سيعني إضعافا لإيران، وكذلك لحزب الله، وفي ذلك مكسب للكيان الصهيوني على المدى القريب (المشروع النووي هو الخطر بالنسبة إليهم)، كما يرى آخرون أن النظام الجديد في سوريا سيكون مواليا للغرب، وتبعا لذلك لينا في علاقته مع الدولة العبرية، لكن سؤال الوضع التالي يبقى مقلقا، إذ إن تعبيره (أعني النظام الجديد) عن هواجس الناس سيجعله في موقف مقاوم أكثر بكثير من النظام الحالي.
يرى البعض أن محور المقاومة سينهار بانهيار نظام الأسد، وهو كلام غير صحيح بالطبع لأن قوى المحور الشعبية (وهي الأهم) ستبقى موجودة، فيما تراجع وسيتراجع أكثر دور المحور الآخر (الاعتدال)، فضلا عن أن مجمل التطورات العربية والإقليمية قد تبشر بوضع جديد لن يكون على الأرجح في صالح مشروع الاحتلال.
خلاصة القول هي أن الإسرائيليين لا يزالون أقرب إلى الحرص على بقاء النظام منهم إلى التخلص منه، وهم بذلك يتقدمون وعيا على الكثير من أبواق اليسار والقومية المنحازين لنظام البعث، والسبب أنهم يعرفون أن الشعب السوري أكثر عداءً لهم من بشار الأسد، تماما كما هو حال سائر الشعوب العربية مقارنة بأنظمتها.
من المهم التذكير هنا بأن عين الكيان الصهيوني ستبقى مصوبة في الوقت الراهن على ما يجري في مصر على وجه الخصوص، لأن مصيرها هو الذي سيؤثر جوهريا على مستقبل وجوده في المنطقة، ذلك أن استعادة مصر لدورها وحضورها وخروجها من دوائر التبعية للغرب والولايات المتحدة سيؤثر على عموم الصراع في المنطقة، بل على الربيع العربي برمته، كما سيؤثر على الوضع الإقليمي وعلاقات محاوره الثلاثة (إيران، تركيا، مصر)، وموقفها المشترك من الصراع العربي الصهيوني.
لا يعني ذلك أن ما يجري في سوريا لا يثير قلق الدولة العبرية، لكن شعورها بقوة النظام يجعلها أقرب إلى الانتظار منها إلى التدخل، لاسيما أن ارتباكه يفيدها في المدى القصير، فيما تترك لواشنطن مهمة التعامل مع الاحتمالات التالية، وهو تعامل يضع مصلحة الدولة العبرية في رأس الأولويات من دون شك.
يبقى القول إن تل أبيب ليست فرحة بأي حال بالربيع العربي، وهي لم ولن تخفي قلقها من تداعياته، وهي التي استمتعت طوال عقود بأنظمة عربية تقبل وجودها، سواء رفعت شعار أن ثمن المقاومة والممانعة أقل من ثمن الانبطاح، أم فضلت الانبطاح الدائم أو شبه الدائم ضمانا للسلامة وتجنبا للمغامرات.