خطة أمريكا لسرقة الثورة السورية
بقلم محمد جمال عرفة
نظام علوي بديل لعشيرة الأسد وإنهاء دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية
دراسة لمجلس العلاقات الخارجية تحدد : خطة أمريكا لإسقاط بشار الأسد تبدأ بقلب رجال الأعمال علي بشار أو الحرب التجارية
"أليوت أبرامز" هو أحد رموز اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وأبرز باحثي "مجلس العلاقات الخارجية" Council on Foreign Relations ، أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية المختصة بصنع السياسة الخارجية والذي يصدر كل شهرين مجلة "الفورين أفيرز" Foreign Affairs المعروفة ، ولكن أيضا مسئول سابق في إدارة بوش وأحد صناع القرار الأمريكي الخارجي ، ولهذا فعندما يكتب دراسة عن (خيارات أمريكية في سوريا) American Options in Syria ، فهو لا يكتبها كنوع من الرفاهية ، وإنما لتكون خطة أو مشروع أمريكي رسمي للسير عليه .
صحيح أن خطة إبرامز هنا تظل تعبيرا عن وجهة النظر اللوبي الصهيوني إزاء الإستراتيجية الأمريكية الواجب إتباعها إزاء سوريا، ولكن من قال أن السياسة الأمريكية لا يحركها اللوبي الصهيوني وأعمدته في كل الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية الحاكمة ؟ .. وبالتالي فإن مشروعه الذي طرحه عبر مجلس العلاقات الخارجية في أكتوبر الماضي "لا بد أن يشكل أحد مدخلات السياسة الأمريكية إزاء سوريا في الأشهر القادمة"، حسبما يقول د.إبراهيم علوش القيادي القومي الأردني .
ملخص الخطة الأمريكية
ملخص خطة التحرك الأمريكية التي يقترحها أبرامز في دراسته هنا تقوم علي خمسة نقاط أساسية توضح كيفية تسريع إسقاط نظام بشار الأسد وكيفية التعامل مع الوضع بعد رحيل نظام الأسد وهي تتلخص في:
أولا : عزل النظام عن قواعده في الجيش والشعب عبر إبعاد عالة الأسد عن الطائفة العلوية وتشجيع العلويين علي التخلص من حكم الأسد لضمان حمايتهم مستقبلا وألا يؤخذوا بذنب النظام من قبل الغالبية السنية الغاضبة .
ثانيا : شن حرب اقتصادية وتحريض رجال الأعمال والمجتمع التجاري علي النظام مع مزيد من الحصار الغربي ، وتوضيح أن استمرار بقاء النظام معناه خسائر أكبر للقطاع التجاري ورجال الأعمال .
ثالثا : محاولة استثمار حالات الانشقاق داخل الجيش وتشجيعها ومنع النظام من القضاء علي هذه الانشقاقات مع عدم تشجيع وصول هذا العنف للأقليات العلوية أو المسيحية ، وتشجيع الوصول الي الحماية الدولية والملاجئ الآمنة في النهاية .
رابعا: تشجع الأسد على قبول عرض توفير ملجأ أمن له ولعائلته من قبل بعض الدولة اختصارا للوقت ووقف المذبحة وتفجير حرب أهلية داخلية.
خامسا : وهذه هي أخطر نقطة ، حيث يشجع هذا المشروع الأمريكي انقلاباً من داخل القصر بمعني تولي علويون آخرون السلطة بدلا من أسرة بشار ، وبرغم اعتراف أبرامز أن هذا لن يرضي الأغلبية السنية أن تحكمها الأقلية مرة أخري فهو يشجع هذا الخيار كحل مؤقت ربما لسرقة الثورة السورية ومنع التيار الإسلامي السني من قيادة البلاد .
تفاصيل خيارات أمريكية في سوريا
يبدأ (أليوت أبرامز) دراسته بمزاعم أن سوريا تواجه حربا أهلية متزايدة بين السنة والأقلية العلوية مع تزايد حالات الانشقاق من الجيش حيث "يقاتل نظام الأقلية العلوية دفاعاً عن حياته ضد تمرد مسلح من قوات تستند إلى أغلبية السكان السنية " ، ويحدد أهداف السياسة الأمريكية في : إنهاء العنف، إسقاط نظام الأسد، ووضع الأسس لنظام ديمقراطي مستقل، مع حماية الأقليات العلوية والكردية والمسيحية ، وذلك في "أقصر مدة ممكنة وأقل قدر إضافي من العنف؟ " .
والجواب – كما يقدمه - هو "إستراتيجية تهدف في لإضعاف قواعد دعم النظام ولتشجيع المعارضة على أن تظهر أنها تسعى لسوريا ديمقراطية غير طائفية .
عزل عائلة الأسد
وفقا لدراسة أليوت بمجلس العلاقات الخارجية ، يستند دعم النظام على الجماعة العلوية، قوات الأمن التي يقودها علويون، وعلى جماعة رجال الأعمال (السنة والعلويين)، فـ 74% من السكان السوريين مسلمون سنة، بينما نظام الأسد علوي (فرعٌ من الشيعة ) ، والعلويون يشكلون فقط من 10 إلى 15% من السوريين، لكن الفرق الأفضل تسليحاً وتدريباً في الجيش السوري علوية.
لذلك فإن "الهدف الأول للولايات المتحدة يجب أن يكون عزل عائلة الأسد وأقرب مقربيها عن بقية الجماعة العلوية التي لم تستفد إلا قليلاً جداً من الثروات التي وزعها الأسد لأقرب الداعمين" .
ومع أن كل العلويين يخشون الثأر ضد كل جماعتهم إذا سقط الأسد، فإن بينهم تراوحاً في درجات الولاء لعائلة الأسد، لذا يجب أن تستمر الولايات المتحدة بالضغط على المجموعات العديدة التي تعارض النظام الآن لكي تتوحد ، وهو ما حدث بتشكيل "مجلس وطني سوري" من 140 عضواً في بداية شهر أكتوبر 2011.
وهنا يطالب أبرامز ذلك المجلس "أن يوضح للملأ نوع سوريا التي يتمنى بناءها، من خلال تأكيد التزامه بالمساواة بين السوريين بدون اعتبار للطائفة أو المعتقد الديني، ومن خلال إدراج علويين وغير سنة بشكل بارز في صفوفه" ، وأن يعارض المجلس أي عنف ضد المواطنين العلويين والجماعات العلوية، وأن يتعهد المجلس بحماية كل الأقليات في سوريا ما بعد الأسد ،من العلويين إلى الأكراد إلى الجماعات المسيحية ، وأن "يوافق المجلس الآن على دور دولي في تأمين تلك الضمانات والحماية للأقليات" !.
ويطالب أبرامز المسئولين الغربيين والأتراك أن يضغطوا على الجنرالات العلويين في الجيش السوري لفرز أنفسهم عن النظام ، ويبلغوهم أنه يمكن أن ينقذوا مستقبل جماعتهم ما بعد الأسد، ومستقبلهم الشخصي، برفضهم الآن أن يقتلوا مواطنيهم .
ولأن العسكرية الأمريكية ليست لها روابط مع أولئك الجنرالات، يطالب مجلس العلاقات الخارجية الأتراك والأردنيين، وربما الفرنسيين، الذين لديهم قنوات لنقل مثل تلك الرسائل بحيث يقولوا لهؤلاء الجنرالات : "لماذا تضحون بأنفسكم من أجل مافيا الأسد التي انتهى أمرها ؟" ، إضافة إلى رسالة: "كن من الناجين من الخطر".
ويطالبون "المجلس الوطني السوري" أن يوضح – في بيانات - بأنه لن تكون هناك حملات تطهير بالجملة للضباط العلويين، ولكن سيكون هناك قصاص في سوريا وعبر المحكمة الجنائية الدولية للضباط المتورطين بقتل المتظاهرين السلميين.
قلب رجال الأعمال علي بشار أو الحرب التجارية
الخطوة الثانية هي "قلب" مجتمع رجال الأعمال ضد النظام.. فحتى الآن، لا تزال قيادة رجال الأعمال، من سنيين ومسيحيين وعلويين، على الحياد، "وعلى الولايات المتحدة وشركائها أن يقودوا رجال الأعمال السوريين للنظر لعائلة الأسد كدين لا يمكن سداده سيجلب استمراره في السلطة مزيداً من الألم الاقتصادي الذي ما برحت تعانيه سوريا " .
فحتى الآن انخفض هذا العام كلاً من الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة لأكثر من النصف، والصادرات انخفضت بمقدار الثلثين، وإذا بقيت عائلة الأسد في الحكم، يجب أن يفهم رجال الأعمال، فإن الأمر سيصبح أسوأ . والمطلوب الآن بعدما قطعت أمريكا كل علاقتها الاقتصادية بسوريا أن يقاطع الاتحاد الأوروبي الاقتصاد السوري، وهو ما بدأ يحدث فعلاً فأوروبا تشتري عادة 95% من صادرات سوريا النفطية، مزودةً النظام بذلك بحوالي ثلث عائداته من العملة الصعبة، ولكن الاتحاد الأوروبي بادر بحظر الواردات النفطية السورية وأي استثمارات جديدة في قطاع النفط السوري .
فالمطلوب – وفق الخطة الأمريكية - هو حرباً اقتصادية ضد النظام، وكلما اشترك فيها عددٌ أكبر من الحلفاء، كلما كانت أكثر فعالية. وقد أعلنت تركيا أنها ستفرض عقوباتها الخاصة، وإذا كانت تلك العقوبات ثقيلة بما فيه الكفاية، فإن الآثار السياسية والنفسية والاقتصادية ستكون معتبرة. ويجب أن يضغط الأمريكان على منتجي النفط الخليجيين لوقف أي استثمار إضافي في سوريا .
التعامل مع تصاعد القتال
ستحتاج الولايات المتحدة – بحسب أليوت أبرامز - لتبني سياسات للتقدم إلى الأمام حول ثلاث قضايا أكثر صعوبة، (الأولى) هي كيفية معالجة الموقف إذا بدأ صراع عسكري جدي على شكل حرب أهلية. فالولايات المتحدة – بحسب الدراسة - يجب أن تشجع الانشقاقات لكنها لا يجب أن تشجع العنف بأي شكل (ضد العلويين) . و"إذا بزغت إلى حيز الوجود معارضة مسلحة وقاتلت النظام، فإن الولايات المتحدة لن ترغب بأن ترى مثل تلك المعارضة وقد سحقت" ،وعلى هذا، فإن الولايات المتحدة يجب أن لا تثني حكومات أخرى عن تقديم الدعم للمتمردين إذا رغبت تلك الحكومات بذلك. ولا يجب أن تحاول منع مجموعات أخرى – مثلاً، القبائل السنية التي تعيش على طرفي مناطق الحدود السورية- العراقية – من مساعدة أخوة لهم داخل سوريا. أما إذا تفاقمت تدفقات اللاجئين والعنف بشدة، فإن الولايات المتحدة ستحتاج لمناقشة فرض مناطق حظر طيران أو ملاجئ آمنة على طول حدود سوريا، مع جيران سوريا وحلفائها في الناتو.
مستقبل الأسد
المسألة (الثانية) هي مستقبل عائلة الأسد نفسها بافتراض أن الأسد سوف يقاتل حتى النهاية. فلو استنتج عند نقطة ما أن استمراره بالحكم لا يمكن الدفاع عنه أو على الأقل موضع شك كبير، فقد يسعى لإيجاد ملجأ آمن لعائلته. وقد يكون ذلك صعباً نظراً لوجود المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أمرٌ يستحق المتابعة. فإذا عرضت دولة ما على الأسد ملجأً آمناً، يجب أن لا تحاول الولايات المتحدة الوقوف في الطريق، لا بل يجب أن تشجع الأسد على قبول مثل ذلك العرض. وقد أظهرت حالات كثيرة أخرى بأن العدالة قد تتأخر كثيراً أو لا يتم الوصول أبداً. لكن الشعب السوري بإمكانه أن يتقدم نحو أهدافه الخاصة، بالرغم من ذلك، في الوقت الحالي.
انقلاب القصر
المسالة (الثالثة) هي ما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن تسعى أو توافق على نظام علوي بدون بشار الأسد على رأسه. إن انقلاباً من داخل القصر يمكن أن يقدم للولايات المتحدة مثل ذلك البديل للوضع الراهن، لكن ذلك لا يجب أن يكون هدفاً أمريكياً. فلقد خسر نظام الأسد موافقة المحكومين، ومن الصعوبة بمكان أن يرى المرء كيف يمكن لنظام علوي بديل أن يستعيدها. فسوف يكون مثل ذلك النظام بقيادة عدد أكبر من اللازم من المسئولين المتورطين في انتهاكات النظام القديم، وسيبقى بالتعريف أقلية تحكم بلداً أغلبيته من السنة. وبما أن مثل ذلك النظام لا يستطيع أن يكسب انتخابات حرة، فإنه سوف يحكم بالقوة، خاصة فيما الجمهور السني صاخب ومطالب بالمزيد من الحقوق وبات مشاركا في القتال من أجلها. وهو ما سيعني اضطراباً وفوضى مستمرين في سوريا. إن نظام علوي بديل يزيل عشيرة الأسد من السلطة ويكون بوضوح خطوة انتقالية نحو الديموقراطية يمكن أن يكون نافعاً في إنهاء العنف وفتح طريق إلى الأمام، ولكن فقط إذا كان محدوداً في الزمن والطموحات. المسئولون عنه يجب أن يظهروا حسن نواياهم، وجدولهم الزمني القصير، للجمهور وللتحالف الدولي الذي يعاقب سوريا وينتقدها اليوم، لكن ذلك لن يكون مستحيلاً. فإنهاء العنف الحكومي، وجداول زمنية لانتخابات، وإدراج قيادات المعارضة في الحكومة المؤقتة يمكن كله أن يظهر نوايا إيجابية.
مكاسب أمريكا
إن إنهاء نظام الأسد سيكون مكسباً كبيراً للولايات المتحدة كما تعترف الدراسة ، فذلك النظام ديكتاتورية دموية تحتضن حماس والمجموعات الفلسطينية الإرهابية الأخرى، وهو حليف إيران العربي الوحيد، والطريق الذي تتبعه إيران لتسليح حزب الله، وهو خطر دائم على سيادة لبنان وسلامه الداخلي. وهو، فضلاً عن ذلك، متورط في مقتل العديد من الجنود الأمريكيين وجرح عدد أكبر بكثير بفضل بذله أقصى جهده لمساعدة الجهاديين الساعين لمقاتلة الأمريكيين في العراق. وفيما يقاتل ذلك النظام شعبه ويتعلق بالسلطة، فإن العقوبات الفعالة والدبلوماسية النشطة يمكن أن تساعد على تقصير أمد حياته وعلى وضع الأساسات لجهد مصمم على بناء دولة ديموقراطية مكانه .
رابط الدراسة :
http://www.cfr.org/syria/american-options-syria/p26226