أميركا...وجيش العاطلين
تاريخ النشر: الأحد 04 ديسمبر 2011
عندما أعلن أوباما أن 40 ألفاً من الجنود الأميركيين في العراق سيعودون إلى أرض الوطن مع متمم السنة الجارية، تحولت مشاعر الحماسة الأولية والترحيب، التي قوبل به الخبر في البداية إلى نوع من التوجس من قدرة الاقتصاد الأميركي، الذي يعاني من أزمة خانقة على استيعاب أعداد إضافية من الباحثين عن العمل.
والحقيقة أنه رغم انشغالنا المبرر بجنودنا العائدين إلى أرض الوطن وتوفير سبل الراحة والعمل لأناس ضحوا من أجل أميركا، فإن إضافة 40 ألف وظيفة لن يكسر ظهر الاقتصاد الأميركي أكثر مما هو منكسر اليوم بسبب ما يعانيه أصلاً من معدلات البطالة العالية، فالبلد يئن تحت وطأة جيش احتياطي كبير من العاطلين يصل عددهم حسب التقديرات إلى 27 مليون رجل وامرأة لا يتوفرون على عمل ثابت، وإن كانوا جميعهم يتوقون إلى وظيفة تلبي احتياجاتهم وتعيدهم إلى دائرة الإنتاج والاقتصاد، ويرجع تاريخ هذا المسمى: "جيش العمالة الاحتياطي" إلى كارل ماركس في تحليله لتناقضات النظام الرأسمالي، وهي عبارة رغم كونها تأتي من قاموس مغاير على أميركا وغير مألوف لهم، فإنها تنطبق تماماً على الواقع الراهن.
فتلك الأعداد الكبيرة من العاطلين والمستعدين لتلقف أية وظيفة تتوافر لديهم يشكلون بالفعل جيشاً جراراً يتعين التعامل معه، والبحث له عن حلول، فممَ يتكون هذا الجيش؟
بإلقاء نظرة على الشريحة الواسعة من السكان العاطلين عن العمل في أميركا، نميز بين أربع فرق أساسية، تشمل الفرقة الأولى المعروفة لدى الجميع حوالي 13.9 مليون شخص حسب الأرقام الأخيرة الصادرة في شهر نوفمبر المنصرم، خُمسا هذه المجموعة ينتمون إلى فئة العاطلين طويلي الأمد، وفيما تتنامى معدلات البطالة سيجد العديد من الأشخاص أنفسهم خارج إطار الباحثين عن العمل ومصنفين في خانة العاطلين الأبديين، وهي الطريق المثالية لظهور طبقة اجتماعية متدنية في أميركا.
وفي الفرقة الثانية من جحافل العاطلين يمكن رصد 8.9 مليون من الرجال والنساء الذين يعملون بدوام مؤقت إما لتخفيض عدد ساعات العمل في الشركات التي يعملون بها، أو لأنهم لم يعثروا على عمل دائم، والمشكلة أن هذه الشريحة من أشباه العاطلين التواقة أيضاً إلى العمل غالباً ما يتم تجاهلها ولا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه.
أما الفرقة الثانية من جيش العاطلين الاحتياطي فتشمل 2.6 مليون شخص من الذين انسحبوا من سوق العمل، لكنهم واصلوا البحث عن وظيفة على مدى الإثني عشر شهراً الأخيرة، ومن هؤلاء هناك مليون عاطل فقدوا الأمل في الحصول على مهنة فيما 1.6 مليون منهم حريصون على الحصول على وظيفة لكنهم توقفوا عن ذلك إما بسبب التزامات أسرية، أو مشاكل صحية، أو للاهتمام بالأطفال.
وفي الأخير هناك فرقة رابعة من العاطلين الاحتياطيين تتمثل في العدد الكبير من السجناء الذين يقبعون في السجون الأميركية والمقدر عددهم بحوالي 1.5 مليون نسمة، ففي الوقت الذي تسعى فيها العديد من الولايات الإفراج عن هؤلاء السجناء للتخفيف من الأعباء المالية الملقاة على عاتقهم، من المتوقع انضمامهم إلى جموع العاطلين دون أن يكونوا مؤهلين ولا مدربين للبحث عن وظائف.
والحصيلة النهائية أن العدد الإجمالي للعاطلين في أميركا، يصل إلى 26.9 مليون نسمة، وهو يوازي عدد السكان البالغين في كندا، كما يفوق هذا الجيش الاحتياطي عدد القوات الأميركية المتبقية في العراق بحوالي 700 مرة، ومع أن العدد الكبير من العاطلين يبدو ضخماً،
إلا أنه يبهت بالمقارنة مع أعداد الطلبة الذين ينتظرون دورهم في الجامعات ويمضون وقتهم في مقاعد الدرس درءاً للبطالة التي تتربص بهم.
كما أن التقديرات الأخيرة لا تحتسب الجنود العائدين الذين قد لا يتمكنون من الحصول على عمل بعدما وصلت نسبة البطالة في صفوف الرجال منهم إلى 21.9 في المئة فيما تبلغ لدى النساء 15.3 في المئة.
ورغم ارتفاع هذه النسبة، فإنها لا تختلف كثيراً عن المواطنين الأميركيين من غير المشاركين في الحرب، بحيث تصل في أوساط الرجال إلى 19.7 في المئة ولدى النساء 14.6 في المئة، فحتى لو لم يحصل العائدون من العراق على أية وظيفة
فإن نسبة البطالة الموجودة أصلاً في صفوف الأميركيين لن تتغير كثيراً بل ستظل في حدود 26 مليون نسمة، وهو ما يقودنا إلى الخلاصة الآتية: أنه رغم التخوف من دخول أعداد إضافية من الباحثين عن العمل بعد عودة جنودنا من العراق يبقى الجيش الاحتياطي من العمالة الموجود مسبقاً كبيراً للغاية، وبدلاً من إثارة مواضيع جانبية تتعلق بالتزامنا تجاه الجنود العائدين الذين يتعين علينا استيعابهم فعلاً والعناية بهم دون إبطاء، تكمن الحلول الحقيقية في معالجة الأزمة العامة التي تعصف بعموم الأميركيين، كما تكمن أيضاً في دفع الاقتصاد مرة أخرى نحو النمو وتحريك عجلة الإنتاج لإنقاذ الجيش الاحتياطي من براثن البطالة.
ديفيد جراسكي
مدير مركز الدراسات حول الفقر واللامساواة بجامعة ستانفورد الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
اقرأ المزيد : وجهات نظر | أميركا...وجيش العاطلين | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.ph...z1fYLLpadL