الحول السياسي
لماذا فشل الليبراليون ؟.
*سنستخدم الليبرالية هنا بالمعنى المصري الخاص جدا .. أي أنصار الدولة المدنية لا أكثر .
جائت نتائج الإنتخابات في المرحلة الأولى مخيبة لآمال الجميع ، فبينما حصل الإسلاميون على 68 % من إجمالي عدد المقاعد في المرحلة الأولى ، لم يحصل شباب الثورة سوى على 3 % ، أما باقي نتائج الليبراليين فهي فضيحة لا أقل . نعود للسؤال .. لماذا فشل الليبراليون ؟.
هناك أسباب كثيرة جدا ، و لكن أهمها هي الوقوع في أخطاء استرتيجية أو أساسية ارتكبها الليبراليون خاصة شباب الثورة أدت إلى هذه النتيجة .
• أهمها ما يمكن أن نطلق عليه تعبير مبتكر هو ( الحول السياسي ) أو Political Squint أي ينظر الإنسان إلى الاتجاه الغير مناسب ، فبدلآ من أن تستعد الأحزاب و التجمعات الليبرالية للإنتخابات كما يفترض منذ 11 فبراير أخذت تشتت جهودها في مليونيات عشوائية بلا أي هدف ، كمن يسير في كل الإتجاهات عدا ما يوصله إلى غايته . ( هل اكرر أني خلال الأشهر الماضية لم أفعل شيئا سوى التحذير من هذا الحول ، فلم أجد ردآ غير البلاهة السياسية و التهكم الطفولي ؟ ) .
• خلال الأشهر الخمس الأخيرة على وجه الخصوص تفرغت تلك القوى إلى استهداف المجلس الأعلى للقوات المسلحة و بالتالي التصادم مع القوات المسلحة كلها في حرب أشبه بمعارك دون كيشوت مع طواحين الهواء . وهذا لا يمكن وصفه بأقل مما وصف به " روبرت فيسك" شباب التحرير بتعبير " السذاجة " أو ما وصفته بالمراهقة السياسية في شريط خصصته لذلك .
• هذا التصادم ناتج عن خلط متعمد في أغلبه بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة و مجلس قيادة الثورة في الإنقلابات العسكرية Junta ، و المثير للتأمل أن يطلق تعبير المجلس العسكري على المجلس الأعلى كي يرسخ هذا الخلط .
• ربما يكون هذا الفرق بديهي ،و لكن نتيجة شيوع الخلط في المناخ الديماجوجي السائد أقول أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو مجلس وظيفي غير منتخب أو معين من سلطة ما ،و لكن عضويته تقوم على أساس مهني بحت ، فهو يتكون من شاغلي وظائف بعينها في القوات المسلحة بحكم وظيفتهم و يغادرون المجلس بانتهاء خدمتهم في تلك الوظائف ، أما مجلس قيادة الثورة فيتشكل من قادة الإنقلابات العسكرية للقيام بأدوار سياسية على رأس الدولة ، تماما كما حدث في انقلاب 1952 .
• قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة الدولة هو دور استثنائي مؤقت فرضته الضرورة نتيجة سقوط النظام كله و خلو الساحة من أي سلطة أخرى شرعية معترف بها أو حتى سلطة الأمر الواقع ، وواضح للجميع من البداية بأنه يقود فترة انتقالية لا أكثر .. جميع العقلاء على الأقل ! .
• هناك عوامل ثلاثة أدت إلى التناطح بين شباب التحرير و القوات المسلحة ، أهمها هو التدخل الخارجي بالإيحاء و التشجيع و التمويل أيضا ، ثانيهما هو السذاجة السياسية لشباب التحرير التي تقترب من البلاهة السياسية ، ثالثا هو سوء أداء المجلس الأعلى و عدم قدرته على التواصل من الشعب بوضوح و شفافية .
• هذا التصادم أدى إلى إعطاء انطباع بأن تلك التجمعات الشبابية و الليبرالية هي قوى فوضوية أو حتى عميلة للقوى الخارجية و تنفذ مخططات غير وطنية ، و بالتالي فقدت تعاطف الكثير من القوى الشعبية .
• و حتى لو أدت تلك المواجهات إلى أن تفقد القوات المسلحة شيئا من شعبيتها أو كلها فهي في النهاية لن تدخل الإنتخابات ، و تستعد لترتيب رحيلها عن المشهد السياسي بشكل مشرف لا أكثر !.
• يبقى أن هناك نسبة كبيرة جدا من الشعب تثق في القوات المسلحة بل و تريد أن تطول فترة قيادة القوات المسلحة للبلاد بحثا عن الأمن و خوفا من المجهول ، تلك القوى الشعبية الواسعة أصبحت معادية لأي حزب ليبرالي أو متعاطف مع جماعة التحرير ، و تتجه إلى التنظيمات الإسلامية لأنها على وفاق مع الجيش ،و بالتالي هي قوى وطنية يعتمد عليها كما يعتقد الناخبون .
هناك أسباب إضافية إجرائية و تكتيكية ضاعفت من سوء موقف الليبراليين الإنتخابي أهمها .
الخوف من العمل الجماهيري و تفضيل التظاهرات و الإعتصمات و الحشود ، و الضغط على مفاصل الدولة و القوات المسلحة بهدف دفعها إلى الانهيار ، هذا أدى إلى بعد الليبراليين عن الشعب الحقيقي الذي يذهب إلى الإنتخابات ، في حين أن الإخوان و السلفيون متفرغون منذ اليوم الأول لتنحي مبارك للإستعداد للإنتخابات و تعبئة الأنصار و التربيطات الإنتخابية .
تقوقع المسيحيون داخل الكنيسة و التورط في اشتبكات مع القوات المسلحة بلا سبب معقول ، خاصة بعد الموقف المشرف للقوات المسلحة في إصلاح الكنائس المدمرة و إعادة بنائها ، مما يدل أن الحول السياسي أصاب رجال الكنيسة أيضا . هذا كله دعم الصورة السلبية لهم داخل عقول العامة من المسلمين ، مما أفقدهم سمعتهم السياسية ،وهم يمثلون قطاعا هاما من أنصار الدولة المدنية .
غياب القيادات الكاريزمية لدى القوى الليبرالية ، بل على النقيض تماما فمعظم قيادات القوى الليبرالية تدعوا إما للشفقة أو النفور أو كلاهما . بالإضافة لما تتصف به معظم القيادات السياسية في مصر بالإنتهازية و الفقر الأخلاقي و ضعف الحس الوطني .