اقتباس:المعارضات الشعرية هي أحد الفنون الأدبية في الأدب العربي، وهي نوع من المباريات الشعرية التي تجري بين الشعراء، وهي تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات والقدرة على الإبداع في ظل قيود معينة، وتبدأ بأن ينظم شاعر ما قصيدة، فيأتي شاعر آخر، إما للإبداع داخل هذا القالب لأنه أعجبه وإما لنقض معاني هذه القصيدة وأفكارها لأنه يتبنى وجهة نظر أخرى مضادة، لكنه إمعانًا في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية، وقد ازدهر هذا الفن في عصرنا الحديث حيث يعد أمير الشعراء أحمد شوقي من أبرز رواده.
وفي كتابه (تاريخ المعارضات في الشعر العربي) يقول الدكتور محمد محمود قاسم نوفل رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح في نابلس أن المعارضات الشعرية تعود إلى أيام الإسلام الأولى، وأن هناك قصائد نالت إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها كقصائد البوصيري وكعب بن زهير، ويعد هذا الفن إحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث تنشط فيه الحركة الأدبية الشعرية ويربط ماضي الشعر بحاضره.
هذا الشريط مخصص لإحياء هذه الممارسات الراقية ،و التي جددها بنادينا الموقر الأخ السيد مهدي ، فليطرح أحد الزملاء مجموعة من الأبيات له أو يتخيرها لغيره ثم يبدأ هو بمعارضتها و يدعو غيره لذلك ، على ألا تقل عن 5 أو 7 أبيات و من تطوع أكثر فخير . ومن يجد في نفسه الرغبة ،ولا أقول القدرة و المهارة بل فقط الرغبة أن يحاول ، فلعل بيننا من يكون شاعرا مغوارا !.
الباب مفتوح الآن .
فقط سأعطي مثالآ .
وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظة التاريخية لهذه الدولة التي كانت ذات قوة عظيمة ثم اضمحلت يقول فيها:
صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ
لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ
..............................
سينية شوقي
وحينما وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول معرضا البحتري :
اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي
اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي
وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب
صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس
عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت
ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس
وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها
أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي
كلـــــما مـــــرت الـــــليالـــي عـــــليه
رق، والعـــــهد فـي الليالي تقــــسي
مســـــتطـــــار إذا البـــــواخـــــر رنت
أول الـــــليل، أو عوت بــــعد جرس
راهـــــب فـــــي الضلوع للسفن فطن
كـــــلما ثرن شاعـــــهن بنــــــــــقس
يا ابـــــنة اليـــــم، ما أبـــــوك بـــخيل
مـــــاله مولعاً بمـــــنع وحــــــــــبس
أحـــــــرام عــــلى بلابـــــله الـــــدوح
حــــلال للـــــطير من كـــــل جـــنس؟
كـــــل دار أحـــــق بـــــالأهـــــــــل إلا
في خبيث مـــــن المـــذاهب رجـــــس
نفســـــي مـــــرجل، وقـــــلبي شراع
بهما في الدموع ســـــيري وأرســــي
واجـــــعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـــــد (الثغر) بــــين (رمل) و(مكس)
وفي العصر الحديث كـتب الأديب والشاعر عبدالله بلخير المشهور بالملحمات الأندلسية في ثانية ملاحمه السبع (سينيته) معارضاً البحتري وشوقي قائلاً:
ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي
ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس
وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي
مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي
تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي
خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي
..................................................