اقتباس:أنا أرى أن النغمة النفسية لم تكن نتاج المرض وحده بل أيضا النكبات السياسية المتوالية التي تجرعها الشاعر "القومي" قبل المرض مثل نكسة 1967 ثم وفاة الريس جمال ثم توقيع كامب ديفيد و ما شاكل. فهكذا هزائم متوالية أنتجت قصائد قاتمة و لم يكن مريضا وقتها.
حسب معرفتي أن الشاعر رغم مرضه كان قوي الارادة و مصمما على مقاومة المرض و التشبث بالحياة. و هذا لا يتعارض مع النغمة السوداوية التي لا بد أن تكون كذلك لتعكس الوضع العربي في تلك المرحلة فالتفاؤل ما كان له مكان ولا ظرف موضوعي يبرره. و انظر حولك اليوم لتر أي "كائنات" شدت عليها السروج اليوم!
اقتباس:أتفق مع الجميلة هاله في استيضاحها إذ ان القصيدة مع قتامتها إلا أنها ناقدة لتغير الوضع السياسي والاجتماعي وظهور الطبقات
وانكسار "الرمز " الذي يتمثل في وسط قصيدته في المقطع الذي يتكرر فيه لفظ : صيري في أكثر من سطر مما يبعدها كثيراً عن حالة الأسى من مرضه .
( كلكم عليا والا إيه )
أولا : لا خلاف أن أمل دنقل كان راصدا دقيقا – في شعره - للمحن التي مر بها عالمنا العربي في تلك الفترة العصيبة , بل وكان له من بعد النظر وقراءة عميقة للواقع ما يصل للتنبؤ بما سيأتي من أحداث , ولكن لم تستول عليه الهزيمة يوما بل ظل فارسا رافعا سيفه في مواجهة أعداء الوطن علي كافة الصعد , كان الرفض كلمته ولكن بتحليل عميق يقنع القارئ , من هنا سوف أنطلق للمحطات التي ألمحت لها العزيزة هائلة وهي نكسة 67 ثم وفاة جمال عبد الناصر ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد .
المحطة الأولي وهي نكسة 67 تستلزم منا قراءة لقصيدة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة , فتلك القصيدة كتبت في 13- 6 – 1967 , صحيح أن تلك القصيدة فيها جلد شديد للذات ورؤية قاتمة لحد السواد ولكنها تحمل مسئولية الهزيمة لجو السكوت علي ما يحدث من تناقضات وكذلك وعدم الحرية الذي لازم الفترة تحت ضغط الشعارات الكبيرة فكان لابد أن نغمض العين عن المتناقضات التي حفل بها واقعنا والتي اكتشفنا في النهاية أن ما أغمضنا عنه العين كان سببا في وقوع الكارثة , ولكن لا تلوح منها نغمة موت واحدة فكلها صراخ ضد ما حدث ووقفة قاسية مع الذات لمحاولة العودة مرة أخري للصمود .
المحطة الثانية هي وفاة جمال عبد الناصر تستلزم قراءة لقصيدة ( لا وقت للبكاء ) التي كتبها في رثاء جمال عبد الناصر , وتكاد تكون القصيدة الوحيدة التي كتبها شاعر في رثاء جمال عبد الناصر ولم يسكب فيها الدمع بل وقف في شموخ ينادي أن تناسوا الحزن في هذه اللحظات المريرة واجعلوا أنظاركم تجاه الشط الشرقي للقناة حيت يقبع اليهود .
المحطة الثالثة وهي اتفاقية كامب ديفيد تستلزم قراءة واعية لقصائد أقوال جديدة عن حرب البسوس ( لا تصالح – أقوال اليمامة – مراثي اليمامة ) وهذه القصائد كتبت قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد وزيارة السادات لإسرائيل ولكن رؤية الشاعر التي تصل لحد النبؤة كما أسلفت والتي ترصد بمنتهي الدقة وتقرأ بنتهي العمق كانت تحذر مما سيئول إليه الحال عندما توقفت المعارك علي الجبهات وبدأ فك الاشتباك بين القوات وبدأت الرحلات المكوكية , تلك القصائد كانت صرخات قوية جدا أرسلها أمل دنقل وصارت علامة للرفض بعد توقيع الاتفاقية .
فهل كان أمل يائسا في تلك المحطات الثلاث ؟ , أبدا , كان مأزوما بهموم أمته ولكنه لم يكن يائسا , وما أقصده باليأس هو نغمة الموت التي صاحبت جل قصائد أوراق الغرفة 8 , فهذه القصائد تكاد تكون ذاتية صرفة لا ترصد واقعا أو تحلله إلا قليلا , لدرجة أنني أحيانا يحلو لي أن أخرج بعض القصائد من ديوان أوراق الغرفة 8 من هذه الفترة – فترة مرض الشاعر – لأنها لا تنتمي لذلك الجو النفسي الذي صاحب مرضه , إذ عندما عمد واضعو الديوان – أوراق الغرفة 8 - إلي وضع القصائد فيه , جعلوا كل القصائد التي لم تنشر لأمل دنقل وتركها مسودات في هذا الديوان رغم أنها تنتمي لفترات سابقة علي مرضه , ذلك أن أمل دنقل كان شديد النظر في شعره ولا ينشر القصيدة إلا بعد أن تكتمل التجربة الفنية فيها وتستوي .
أما قصائد أوراق الغرفة 8 والتي تنتمي لها قصيدة الخيول فكلها قصائد يشيع فيها الموت , تجربة فنية عالية في تأمل الموت لشخص يعرف أن نهايته قد أوشكت , بل أنه يعيشها وهو حي , ونظرة سريعة علي القصائد ترينا هذا الملمح بكل وضوح , لذلك آثرت أن أنظر لقصيدة الخيول في ضوء منظور نفسي ولكنه ليس خالصا بل مضفرا بطريقة أمل نقل في مد اليد للتراث , فمرض أمل دنقل امتد من الفترة أوائل سبتمبر 1979 حتي وافته المنية في أواخر مايو 1983, وقصيدة الخيول والطيور كتبتا في عام 1981 وهو قد دخل معهد الأورام اعتبارا من فبراير 1982 ولم يغادره بعدها حتي وفاته , وإن كان قد دخله من قبل هذا التاريخ وغادره مرة حسبما أذكر ثم عاد إليه بعد ذلك حتي وفاته .
اقتباس:وضعت إشارات رأيتها من وجهة نظري وبالتأكيد سأبقى بانتظار تعليق الأستاذ كوكو الذي عودنا على إبداعه ودقته
( بعد إيه , منكم لله أنتوا الاتنين
نسيتوني الكلمتين اللي كنت عايز أكتبهم عن القصيدة وأنا ماصدقت الأناني راقت إمبارح
)
سوف أبحث عن القصائد التي أشارت لمحطاتها العزيزة هالة وكذلك نماذج من أوراق الغرفة 8 وأضعها حتي تكتمل الصورة .
كوكو