السابقة الليبية تتكرر سورياً؟
عبد الباري عطوان
2012-02-08
كنا نخشى ان يستخدم النظام السوري الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج كرخصة لتصعيد عملياته العسكرية ضد المدنيين، وبعض الوحدات التابعة للجيش السوري الحر، ويبدو، ومن خلال متابعة الاحداث في مدينة حمص وضواحيها ان ما كنا نخشى منه قد وقع، وان عشرات القتلى سقطوا يوم امس فقط برصاص الجيش، بعضهم من الاطفال.
المتحدثون باسم النظام يبررون اعمال القتل هذه بأنها تأتي كرد على هجمات للجيش السوري الحر ووحداته، ومحاولة لفرض هيبة الدولة وسلطتها على المناطق التي باتت خارج سيطرتها، مثلما حدث في الزبداني وحرستا ودوما ومناطق اخرى في ريف دمشق، ولكن هيبة الدولة لا يجب ان تستعاد او تترسخ على حساب الابرياء، فالمراسلون الأجانب الذين دخلوا مدينة حمص في الخفاء تحدثوا عن عمليات قتل للمدنيين، سواء بقصف الجيش ودباباته، او قوات الميليشيات التابعة للنظام.
الأزمة في سورية تتفاقم، والحلول السياسية التي من المفترض ان تتقدم على الحلول الأمنية باتت ابعد من اي وقت مضى، بسبب حالة الاستقطاب الدولي حول سورية، وتصارع القوى العظمى فيما بينها حول اقتسام مناطق النفوذ، واستخدامها، اي الأزمة السورية، ذريعة في هذا المضمار.
السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي عاود نشاطه السياسي مجددا على صعيد الملف السوري، واوفد وزير خارجيته احمد داوود اوغلو الى واشنطن، وسط احاديث رسمية تركية عن انشغاله، اي السيد اردوغان، بصياغة مبادرة تركية جديدة تتمحور حول الدعوة لمؤتمر دولي لبحث الأزمة السورية.
المبادرة التركية الجديدة تتزامن مع تطورين رئيسيين: الاول يتمثل في نوايا امريكية اوروبية لاقامة مناطق حظر جوي في سورية، تلعب تركيا رأس الحربة فيها، باعتبارها عضوا في حلف الناتو، والثاني ما تحدث عنه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي من افكار حول تشكيل 'المجموعة الدولية لأصدقاء سورية' تضم الدول الثلاث عشرة التي صوتت لصالح المشروع العربي ـ الاوروبي في مجلس الأمن الدولي وعرقلة الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج، علاوة على دول عربية واوروبية ومن بينها تركيا.
المجموعة الدولية الجديدة لأصدقاء سورية (التي دعت امريكا لعقد اجتماع لها قريبا) هي الصيغة نفسها، ومن الدول نفسها، التي خططت واشرفت على التدخل العسكري في الأزمة الليبية، وجرى حلها بعد ان انجز حلف الناتو مهمته بتغيير النظام في ليبيا، وتنصيب المجلس الوطني الليبي المؤقت مكانه.
نتذكر هنا كيف ادى تقدم الدبابات التابعة للعقيد معمر القذافي باتجاه مدينة بنغازي لارتكاب مجزرة ضد المحتجين الليبيين فيها، وتصفية وحدات الجيش الليبي المنشقة بقيادة اللواء عبد الفتاح يونس وزير الداخلية السابق في نظام القذافي (اغتيل لاحقا على ايدي وحدة من الثوار في ظروف غامضة) لإعطاء الرئيس الفرنسي ساركوزي ومسؤولين غربيين آخرين، علاوة على السيد عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية السابق، الضوء الاخضر لطائرات فرنسية واخرى بريطانية للتدخل عسكريا وقصف رتل دبابات القذافي وتدميرها، تدشينا وفرضا لمنطقة الحظر الجوي.
' ' '
مدينة حمص السورية قد تلعب دورا مشابها لدور مدينة بنغازي الليبية، واعمال القتل التي ترتكبها قوات النظام حاليا تحت عناوين مواجهة المسلحين واعادة سلطة الدولة وهيبتها قد تكون الغطاء لإقامة المنطقة العازلة، او الممرات الآمنة التي تطالب بها المعارضة السورية وتلح في طلبها لإنقاذ المدينة من المجازر وعمليات 'التطهير العرقي'، على حد وصف السيد رياض الشقفة، المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين السورية.
تركيا تستعجل عقد المؤتمر، الذي تقول التفاصيل القليلة التي تسربت حوله، انه سيعقد على مرحلتين او اكثر، الاولى منه لأصدقاء سورية، والثانية بحضور اطراف اخرى، ربما الصين وروسيا، ولكن المرجح انه سيكون مؤتمرا من مرحلة واحدة، بالنظر الى تصريحات السيد اردوغان الشرسة ضد ما وصفها بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري في حمص، والتي قال انها لن تمر دون عقاب.
الفرق بين المجموعة الدولية لانقاذ ليبيا ونظيرتها المجموعة الدولية لأصدقاء سورية (لاحظوا ان كلمة الانقاذ غابت في الصيغة الثانية) كبير وشاسع، فالاولى كانت مدعومة بقرار اممي رقم 1973 ، صادر عن مجلس الامن الدولي، يبيح استخدام جميع الوسائل لحماية المدنيين، الأمر الذي ترجمته واشنطن وحلفاؤها على انه يبيح تغيير النظام الليبي. اما المجموعة الثانية بشأن سورية فتصطدم بفيتو روسي ـ صيني مزدوج يعارض التدخل العسكري وفرض اي عقوبات اقتصادية على سورية يمكن ان تؤّل تأويلات تفتح الباب امام اي تدخل خارجي.
روسيا والصين ستقاومان اي تدخل عسكري، وستحاولان منع اي توجه لتغيير النظام في سورية بعد ان خسرتا الكثير، اقتصاديا واستراتيجيا، من تغيير النظامين العراقي والليبي، لأنهما تدركان جيدا ان الحرب العالمية الثالثة المرشحة للانفجار في اي لحظة وستكون ايران محورها، حسب تصريحات هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق ستتمحور حول النفط، واحتلال سبع دول اسلامية، وتوسع عسكري يضاعف حجم اسرائيل عدة مرات.
الموقف الروسي ـ الصيني في مجلس الامن لم يأت حبا في الرئيس بشار الاسد، ولا حتى سورية نفسها، فليس فيها نفط او غاز، ولا نعتقد ان البلدين يهمهما مخزونها من الفستق الحلبي، كما انه ليس من اجل القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، فالصين التي اصرت على استخدام الفيتو في مجلس الأمن، ليست لها اي قواعد عسكرية في سورية، الموقف الروسي ـ الصيني جاء لاعتبارات استراتيجية يقف على رأسها وقف التغول العسكري الامريكي الاوروبي، ومسلسل تغيير الانظمة بالقوة، خوفا من تفجيرهما من الداخل، فالبلدان يضمان اقليات عرقية متمردة مثل الايغور المسلمين في الصين والشيشان وداغستان في روسيا وغير ذلك.
' ' '
النظام السوري بتصعيد العمل العسكري في حمص وتحويلها بذلك الى بنغازي ثانية، في تواصل لمسلسل اخطائه الكارثية وقصر نظره السياسي والاستراتيجي، ربما يقدم خدمة لأعدائه من حيث تسهيل مهمة المجموعة الدولية لأصدقاء سورية التي ما زالت 'نطفة' حتى الان.
بقي ان نقول مرة اخرى ان سورية ليست مثل ليبيا، حيث تختلف الظروف والمعادلات الدولية، فليبيا كانت معزولة بدون اي اصدقاء، اما سورية فتنتمي الى مجموعة اقليمية قوية تتزعمها ايران، وتضم حزب الله اللبناني وقسما كبيرا من العراقيين، وتسندها قوتان عظميان هما الصين وروسيا، ولذلك لا نعتقد ان مهمة التحالف الجديد ضدها ستكون سهلة.
الجميع يتحدث عن اطاحة النظام في سورية وتغييره، وهذا امر مفهوم، ولكن لا احد يتحدث عن المستقبل في سورية بعد اطاحة النظام، وخاصة في صفوف المعارضة، الا تستحق هذه القضية بعض الاهتمام حتى لا تصبح سورية الجديدة في حال قيامها اسوأ حالا من نظيرتها الليبية؟
سؤال مشروع نطرحه في السياق نفسه وهو اين محمود جبريل وعبد الرحمن شلقم وعلي الترهوني، الذين كانوا وراء تدخل الناتو في ليبيا ومن اشد انصاره، ويشاركون في كل اجتماعات التواصل الدولي بشأن ليبيا؟
الفضائيات والمبالغة في التغطية السورية
رأي القدس
2012-01-09
لم يكن مستغربا ان يتهم التقرير الاولي لبعثة المراقبين العرب الى سورية السلطات السورية بمواصلة اعمال القتل والاستمرار في اعتماد الحلول الامنية الدموية على امل السيطرة على الاوضاع، وانهاء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير الديمقراطي، ولكن كان لافتا ان هذا التقرير تضمن للمرة الاولى بندا يطالب بوقف اعمال العنف من الجانبين، فيما يشكل اعترافا صريحا بوجود جماعات تقوم باعمال عسكرية ضد النظام وقواته الامنية والعسكرية.
لا شك ان ادانة العنف المستخدم من قبل الطرفين تشكل انتصارا ولو صغيرا بالنسبة للنظام الذي ظل يردد طوال الاشهر الماضية مقولة تؤكد وجود جماعات مسلحة تندس بين المتظاهرين وتطلق النار على قوات الامن، ولعل هذا الانتصار هو الذي دفع جماعات المعارضة السورية لتكثيف انتقاداتها ضد الجامعة العربية وفريق المراقبين المنبثق عنها واتهام الطرفين بالعمل لاطالة عمر النظام، واعطائه غطاء عربيا لمواصلة اعمال القتل.
ويظل الاعتراف من قبل وفد المراقبين بوجود جماعات مسلحة انتصارا صغيرا فعلا مقارنة بالانجاز الاكبر الذي صب في خدمة النظام السوري وآلته الاعلامية، الا وهو اتهام الفضائيات العربية بالمبالغة في تغطية احداث القتل والعنف في سورية، من حيث تضخيم الوقائع واحجام الاحتجاجات الشعبية، الامر الذي اعاد الى الاذهان روايات شهود العيان التي تعرضت كثيرا للتشكيك بها من المراقبين المحايدين، ومن بعض وسائط الاعلام السورية.
الفضائيات، او معظمها على وجه التحديد، لم تتعاط بحرية ومهنية وموضوعية مع الشأنين الليبي والسوري مثلما تعاطت مع الشأنين المصري والتونسي، الامر الذي الحق بها ضررا كبيرا في نظر العديد من المشاهدين، خاصة اولئك الذين ينتمون الى الطبقات المثقفة والمتعلمة، ويبحثون عن تغطية تغلب عليها الموضوعية واحترام عقل المشاهد.
صحيح ان المحطات الارضية والفضائية التابعة للسلطات السورية كانت مضللة في معظم تغطياتها لوقائع الانتفاضة واعمال القتل، خارجة عن كل حدود المهنية والتهذيب في تعاطيها مع خصوم النظام، وهذا ليس غريبا عليها، فهي تنطق باسم نظام شمولي لا يعرف الديمقراطية، ولا يحترم الحريات والحقوق الانسانية، ولكن ما هو غريب ان تنحدر بعض الفضائيات العربية التي تدعي المهنية وتقول انها تتمسك بالموضوعية الى اساليب المبالغة والتضخيم لاوضاع لا تحتاج الى ذلك، لان اعمال القتل التي يرتكبها النظام وقواته واضحة للعيان ولا تحتاج الى تضخيم اساسا.
ارسال مراقبين عرب لتقصي الحقائق في سورية خطوة على درجة كبيرة من الاهمية حتى لو شاب اعمال هؤلاء بعض الاخطاء، وهي على اي حال اخطاء مبررة، فالميزانية المرصودة لتغطية مهمة هؤلاء لم تزد عن مليون دولار، وجرى رفعها الى ثلاثة ملايين دولار، وفوق كل هذا وذاك جرى ارسال المراقبين واختيارهم قبل ذلك، بطريقة عشوائية، ودون وجود خطة مدروسة تحدد معايير الاختيار وتحدد اطر المهمة بشكل واضح، وكذلك مدة هذه المهمة، فهل هي لايام ام لاسابيع ام لاشهر، وما هي آليات عملها وتوصيف طبيعة عملها.
الازمة السورية ازمة معقدة، ومن الواضح انها ليست سهلة الحل، بسبب تعقيداتها الداخلية والاقليمية، وضعف المعارضة في مواجهة نظام يستخدم العصا الغليظة دون رحمة او شفقة، ولعل لجنة الجامعة العربية المكلفة بمتابعة هذه الازمة ادركت هذه المسألة جيدا وبدأت تتراجع عن بعض طروحاتها وابرزها التلويح بسيف التدويل واللجوء الى مجلس الامن الدولي، وتجلى ذلك بوضوح من خلال معارضة بيانها الختامي صراحة للتدويل في الوقت الراهن على الاقل.
الحل في سورية يجب ان يكون عربيا شريطة ان يتجاوب النظام مع الجامعة العربية ولجنتها ومراقبيها ومبادرتها التي تطالبه بحقن الدماء ووقف اعمال القتل والافراج عن المعتقلين والجلوس الى طاولة الحوار مع معارضيه لايجاد مخرج سياسي للازمة وبدون ذلك ستنزلق البلاد الى اتون حرب طائفية اهلية مدمرة ان لم تكن قد انزلقت فعلا.
ارتباك عربي تجاه سورية
رأي القدس
2012-01-22
اختتم وزراء خارجية الدول العربية اجتماعهم المخصص لبحث تقرير المراقبين في سورية والخطوات التي يمكن اتباعها بناء عليه باظهار حالة من الارتباك غير مسبوقة، وربما يعود ذلك الى وجود انقسامات حادة بين الوزراء، وبالتحديد بين جناح الصقور الذي يضم وزراء خارجية مجلس التعاون، وبين الحمائم ومعظمهم من دول معارضة لاي تدخل عسكري عربي او اجنبي في سورية مثل الجزائر ومصر والسودان ولبنان والعراق.
تقرير المراقبين ركز ولاول مرة على وجود اعمال عنف من الجانبين، اي القوات السورية من ناحية، والجيش السوري الحر وجماعات مسلحة من ناحية اخرى، كما اعترف بالتزام النظام ببعض نقاط المبادرة العربية مثل الافراج عن معتقلين وسحب بعض الآليات العسكرية من المدن، ولكنه اكد في الوقت نفسه ان هذا الانسحاب لم يكن كاملا، كما ان المراقبين لا يعرفون عدد المعتقلين وهناك من يقدرهم بعشرات الآلاف.
قرار وزراء الخارجية بتمديد عمل لجنة المراقبين لمدة شهر آخر هو دليل افلاس، وانعدام البدائل الاخرى، ونجاح جناح 'الحمائم' في كبح اندفاعة جناح الصقور، فقد بدأت لهجة وزراء الخارجية تتسم بلهجة اكثر هدوءا واقل تصعيدا، عما كان عليه الحال في السابق حيث كان الوزراء يهددون النظام السوري بعقوبات قاتلة مثل وقف رحلات الطيران، ومقاطعة البضائع السورية، ويمهلون النظام بضعة ايام للتطبيق والا عليه تحمل العواقب الوطنية.
الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عبر عن استياء جناح الصقور من التمديد لفريق المراقبين العرب بالاعلان عن سحب المراقبين السعوديين، لان بلاده لا تريد ان تكون شاهد زور على قتل المواطنين السوريين برصاص النظام، وهذه هي المرة الاولى التي نستمع فيها الى موقف سعودي داخل اروقة الجامعة العربية، ناهيك عن كونه موقفا قويا او ضعيفا، فقد غاب الموقف السعودي الحاسم تجاه الملف السوري طوال الاشهر الماضية، وفضل وزير الخارجية السعودي الالتزام بالصمت، وترك الامور لنظيره القطري الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
هناك تفسير واحد لهذا التشدد السعودي العلني والمفاجئ، وهو ازدياد سخونة الوضع المتفجر في مضيق هرمز، ورغبة السعودية في اخذ زمام المبادرة لدعم اي توجه غربي ضد ايران، وبالتالي حلفائها في سورية ولبنان والعراق، وربما في فلسطين ايضا (حركتي حماس والجهاد الاسلامي).
المعارضة السورية الممثلة بالمجلس الوطني اصيبت بخيبة امل كبرى لان بيان وزراء الخارجية العرب لم يتخذ موقفا بنقل الملف الى مجلس الامن الدولي، ولذلك قرر المجلس اخذ زمام المبادرة بنفسه لتدويل الازمة، والذهاب الى الامم المتحدة مثلما قال معظم المتحدثين باسمه في مقابلاتهم التلفزيونية وعلى رأسهم الدكتور برهان غليون.
مطالبة وزراء الخارجية العرب مجددا بوقف القتل، والافراج عن المعتقلين، وسحب الدبابات من الشوارع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية هي دليل على ان وزراء الخارجية العرب وصلوا الى طريق مسدود في تحركهم تجاه سورية، مثلما هي دليل ايضا على تراجع الخيارات العسكرية لحماية المدنيين السوريين، فالدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية اعتراف صريح بهذه الخلاصة، وتوجه نحو الحوار للتوصل الى تسوية سياسية.
عدم صدور قرار عن وزراء الخارجية بالذهاب الى مجلس الامن يعكس قناعة بان هذه الخطوة غير عملية، لان 'الفيتوين' الروسي والصيني جاهزان لمنع التدويل او صدور اي قرار بتشريع عمل عسكري ضد النظام السوري، تماما مثل 'الفيتو' الامريكي الجاهز دائما لمنع اي مشروع قرار عربي بادانة اسرائيل او فرض عقوبات عليها بسبب الاستيطان او اجتياح قطاع غزة.
وزراء الخارجية العرب اعترفوا بان الازمة في سورية تنزلق الى حرب اهلية طائفية، وان لم يقولوا ذلك بمثل هذا الوضوح، وربما يلجأ هؤلاء، او الصقور منهم الى صب الزيت على نار هذه الحرب، من خلال ضخ الملايين لتجنيد المتطوعين والاستشهاديين منهم خاصة، وتمويل عمليات شراء اسلحة وتهريبها الى من يريد استخدامها ضد النظام السوري.
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني قال قبيل سفره الى الولايات المتحدة قبل اسبوع ان سورية ستشهد اياما صعبة في الفترة المقبلة، وربما يشير ذلك الى هذا السيناريو الخطير، اليس هو اول من تحدث عن الهلال الشيعي الذي يتحول بدرا هذه الايام؟!
الخناق يضيق على الاسد
عبد الباري عطوان
2012-01-23
اذا كانت المبادرة الخليجية التي جرى طبخ بنودها في الرياض وبدعم من واشنطن نجحت في اجبار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على الرحيل الى امريكا، عبر البوابة العمانية، فإن الذين يقفون خلف مبادرة جامعة الدول العربية، التي توصل اليها وزراء الخارجية العرب فجر امس الاول، هم خليجيون بالدرجة الاولى، ويريدون النهاية نفسها للرئيس بشار الاسد ،طال الزمان او قصر، فهؤلاء يملكون المال، والكثير منه، مثلما يملكون الدعم الامريكي الغربي، وفوق كل هذا وذاك هناك احتجاجات شعبية تطالب بإصلاحات ديمقراطية مشروعة.
الرئيس بشار الاسد يقف وحيدا تقريبا في مواجهة جامعة عربية لم تعد لبلاده هيبة فيها، ولا قدرة على صياغة قراراتها، بل لم تعد عضوة فيها، والاهم من ذلك ان ابرز حلفائه الخليجيين الذين وقف والده معهم بقوة لاخراج القوات العراقية من الكويت يريدون الآن اخراجه من الحكم، بعد ان انقلبوا عليه، مثلما انقلبوا على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من قبله، بعد ان انتهى دوره في هزيمة ايران وتقليص خطر تهديداتها لأنظمتهم.
وعندما نقول ان الرئيس الاسد يقف وحيدا، فإننا نشير الى وقوف اصدقائه من بقايا محور دول الممانعة على الحياد ازاء هذه المبادرة العربية التي تطالبه بالتنحي، فالجزائر امتنعت، وكذلك العراق، وكان لبنان هو الدولة الوحيدة التي نأت بنفسها كليا عنها. اما الروس الذين دعموه طوال الاشهر الماضية بقوة، وحركوا حاملات طائراتهم وسفنهم الى قاعدتهم البحرية في طرطوس، واستخدموا 'الفيتو' لمنع اي عقوبات ضد بلاده، فإنهم بصدد تغيير موقفهم فيما يبدو، فلم يعارضوا المبادرة العربية ولم يؤيدوها، واكتفوا بتسريب تصريح لمسؤول كبير اسمه ميخائيل مارجيلوف المشرع وأحد ابرز المقربين للرئيس ديمتري ميدفيديف يقول فيه ان روسيا لا تستطيع ان تفعل للرئيس الاسد اكثر مما فعلته.
هذا التغيير في الموقف الروسي ربما يكون مرده الى تطابق مبادرة الجامعة العربية مع مقترحات روسية جرى تداولها بقوة قبل ثلاثة اشهر، طالبت الرئيس الاسد بتسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحضّر لانتخابات برلمانية ورئاسية، وتدخل اصلاحات سياسية شاملة. وتزامنت هذه المقترحات مع تصريحات قوية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين وجّه من خلالها 'تهديدا مبطنا' للرئيس الاسد بقوله 'اما ان تبدأ بإصلاحات حقيقية او ترحل'.
النظام السوري رفض مبادرة الجامعة العربية الاخيرة باعتبارها تشكل انتقاصا من السيادة وتدخلا في الشأن الداخلي السوري، وهو رفض يذكرنا برفض مماثل للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ثم قبول مشروط بإجراء بعض التعديلات، وعندما جرت تلبية طلبه ماطل في التوقيع، وكل ذلك من اجل كسب الوقت، ولا نستبعد ان يتكرر السيناريو نفسه من قبل القيادة السورية.
من الواضح ان هذه الهجمة العربية على سورية ،التي تزامنت مع رحيل الرئيس صالح، تريد ان تقول اننا تخلصنا من الديكتاتور اليمني، والآن نريد ان نركز جهودنا، ونكثفها، لتغيير الرئيس السوري بالطريقة نفسها، للانتقال الى انظمة اخرى، قد يكون من بينها النظام الجزائري.
' ' '
وربما ليس من قبيل الصدفة ان تتزامن ضغوط الجامعة العربية على رأس النظام السوري مع اقرار وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي حظرا نفطيا شاملا على ايران، ودخول حاملة طائرات امريكية جديدة الى الخليج العربي عبر مضيق هرمز، في استفزاز واضح للأخيرة، واحراج لقيادتها التي قالت إنها لن تسمح بعودة هذه الحاملة او غيرها الى المنطقة. فرأس النظام الايراني مطلوب ايضا، حتى لو تخلص من طموحاته النووية، وما حدث للعقيد الليبي معمر القذافي عبرة لا بد من اخذها بعين الاعتبار.
انه الزمن الخليجي بامتياز، فالمراكز العربية الثلاثة التي صاغت تاريخ المنطقة على مدى عشرات القرون معطوبة تماما، فسورية تواجه ثورة شعبية، والعراق ممزق ويمكن تصنيفه بأنه دولة شبه فاشلة، محكومة بديكتاتورية طائفية هي واحدة من اكثر خمس دول فسادا على وجه المعمورة، اما مصر الضلع الثالث في هذا المثلث فتعيش مرحلة انتقالية صعبة ابعدتها عن كل دوائر التأثير في المنطقة.
دخول المملكة العربية السعودية على الملف السوري بقوة، او انتقال دورها وتدخلها من السرية الى العلنية، سيشكل صداعا كبيرا للرئيس الاسد ونظامه حتما، ولا نعرف ما اذا كان هذا الدخول المفاجئ هو ازاحة للدور القطري ام بالتنسيق معه، فقد فاجأ الامير سعود الفيصل الجميع عندما سرق الاضواء، وبعد صمت طويل، بإعلانه عن سحب مراقبي بلاده من فريق المراقبين العرب لان النظام السوري لم يتوقف عن قتل مواطنيه، وهؤلاء، اي المراقبون السعوديون، 'لا يمكن ان يكونوا شهود زور'. والاخطر من ذلك اندفاع الامير السعودي لعقد لقاء مع الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، في اعتراف نادر وسريع بالمجلس على غير عادة الحكومة السعودية التي لم تعترف مطلقا بالمجلس الانتقالي الليبي حتى بعد سقوط نظام القذافي، الذي تكن له كراهية مطلقة لأسباب يعرفها الجميع.
الدور السعودي لاسقاط الرئيس بشار الاسد قد يكون حاسما، فالسعودية تملك نفوذا قويا في لبنان وداخل سورية، واكثر من 500 مليار عوائد نفطية سنوية، وتقدم المملكة نفسها على انها زعيمة للطائفة السنية، علاوة على مكانتها كحليف واشنطن الاكبر في المنطقة.
عشرة اشهر مرت منذ بدء الانتفاضة السورية والنظام في دمشق لم يقدم اي مبادرة حقيقية للاصلاح تكون بديلا عن الحلول الامنية، فماذا كان يضيره لو اوقف آلة القتل الدموية مبكرا، وقدم كل رموزها الى المحاكم، ودعا المعارضة الوطنية الشريفة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ودعا لانتخابات برلمانية ورئاسية مثل دول عربية اخرى، بل شكل حكومة جديدة من غير المعروفين الذين لا يجيد وزراؤها غير تأليه الحاكم وامتداح عيوبه على انها محاسن جمة.
' ' '
صحيح ان تقرير رئيس فريق المراقبين العرب امتدح تعاون النظام السوري، وتحدث عن عنف وقتل من الجانبين، واكد ان اعمال القتل خفت منذ وصول هؤلاء، وان النظام سحب آلياته من المدن، وان هناك عصابات مسلحة وقوات جيش منشقة تمارس القتل ايضا، ولكن الصحيح ايضا ان كل هذه الخطوات والتجاوبات جاءت متأخرة للأسف الشديد.
الذهاب الى مجلس الامن لتدويل الملف السوري لن يكون خطوة ناجحة، فمثلما هناك 'الفيتو' الامريكي في انتظار اي مشروع قرار عربي يدين اسرائيل، هناك الفيتو الروسي والفيتو الصيني لمنع اي تدخل دولي في سورية، والروس والصينيون لن يلدغوا مرة اخرى بعد اللدغة القاتلة التي اصابتهم في مقتل في ليبيا.
لا نعرف ما هي خطوة النظام السوري المقبلة، ولكن ما نعرفه ان الخناق يضيق عليه وعلى حلفائه الايرانيين، وقد يحتاج الى معجزة للنجاة، في زمن انعدمت فيه المعجزات. فالاستمرار في الحلول الامنية انتحار، والرضوخ للضغوط العربية اهانة، حسب مفردات قاموسه.
وهذا يعني اننا امام طريق مسدود لأمد قصير على الاقل. وربما يفيد التذكير بان السيد عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس اليمني لا يشرف على المرحلة الانتقالية في اليمن، بل هو مرشح التوافق لانتخابات الرئاسة، فهل نرى السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري يقوم بالدور نفسه، وهو ابن درعا حيث انطلقت شرارة الانتفاضة الاولى؟
هناك من يتحدث عن هروب الى الامام، اي حرب مع اسرائيل، تقلب كل المعادلات في المنطقة، او حرب ايرانية ـ امريكية، او ايرانية ـ اسرائيلية في الخليج تفعل الشيء نفسه، ولكن الاكثر ترجيحا في حال عدم تحقق اي من الاحتمالين المذكورين، ان تنزلق سورية الى حرب اهلية دامية، خاصة ان الانشقاقات تتزايد في صفوف الجيش، والثورة المدنية تتحول بسرعة الى انقلاب عسكري.
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=46724&highlight=%D8%B9%D8%B7%D9%88%D8%A7%D9%86