لا تبتئس يا شيشنق فالخبر ملفق، أنقل التدوينة هذه عن مدونة حكايات وحاجات.
إيهاب الزلاقي يكتب: القول الحسم في معرفة أخبار الوهم
على مدار ما يقرب من عشرين عاما قضيتها في عالم الصحافة، شهدت الكثير من الأخبار (المصنوعة) وتلك (المختلقة) وتلك المرسلة نصا من (أجهزة أمنية) والتي تشكل جميعا القضايا التي يطرحها الإعلام فتصبح حديث الناس. وربما يتذكر أي منا اندلاع قضايا فجأة من العدم لتصبح هي الشغل الشاغل للمجتمع بأكمله قبل أن ينتهي الحديث فيها كما بدأ. كل هذا مفهوم وربما يعرفه أغلب القراء، ويدركون أن الإعلام ليس بريئا على إطلاقه أو أنه يمكن توجيهه حيث يريد (البعض).
ولكن أخطر أنواع هذه الأخبار هو ما أطلق عليه الأخبار (الرمادية). لماذا؟ لأنه ينطلق من أساس به قدر من الحقيقة لإعطاءه قدرا من المصداقية، ثم يتم بناء الأكاذيب فوقه وترويجها جميعا باعتبارها حقيقة مؤكدة. لمسة الحقيقة في الخبر الأصلي تسهل كثيرا ترويج مثل هذه الأخبار ليفاجأ المتابع أن الخبر (الوهمي) المصنوع بلمسة من الحقيقة أصبح أهم أخبار الساعة، وأن الناس يتناقلونه وكأنه الحقيقة كلها.
بطبيعة الحال مع انتشار الإنترنت والشبكات الاجتماعية أصبح نشر مثل هذه الأخبار (الرمادية) أكثر سهولة بكثير، ويكفي هنا أن يتلقفه أحد مشاهير (تويتر) أو (فيس بوك) لينتقل في لمح البصر إلى الآلاف ومئات الآلاف، ويعاد إنتاجه وبثه مرة ومرات حتى تضيع حقيقته الأصلية.
على مدار الأيام الماضية، لم يكن هناك حديث أكثر انتشارا من خبر عجيب يقول أن البرلمان المصري يناقش قانون يتيح للزوج مضاجعة زوجته بعد وفاتها في اختراع سمي (مضاجعة الوداع).. وبغض النظر عن الخيال المريض وراء هذه الفكرة (عموما هي لا تحتاج لقانون ومن يرغب في أن يفعلها لن يجد عائقا أمامه) إلا أن البعض تعامل معها بجدية بالغة خاصة وأن نواب البرلمان المصري بأدائهم (الأهوج) على مدار الشهور الماضية حملوا سمعة سيئة في إمكانية التفكير في أي قانون حتى لو كان خارج حدود العقل والمنطق.
على كل الأحوال. بمتابعة هذا الخبر، وجدت أنه يندرج تحت بند الأخبار (الرمادية) بامتياز كبير،
وأصله الأول والأساسى هو مقال عمرو عبد السميع في الأهرام.
بداية لا تؤخذ الأخبار من مقالات الرأي بشكل عام، خاصة عندما (ينفرد) كاتب المقال بهذا الخبر ولا يصل إليه شخص غيره. أما الكاتب شخصيا فربما يكون الأسهل على المتابعين أن يبحثوا عنه عبر الإنترنت ويقرأوا لمحة من تاريخه أو كتاباته.
ما علينا، في مقال عبد السميع، والذي هو عبارة عن دفاع عن حقوق المرأة (في الشكل العام)، يبدأ الفقرة التي تهمنا كالتالي (إذ بتنا نسمع ـ في هذه الأيام السعيدة ـ من يتحدث عن ضرورة صدور تشريع يسمح للبنت بالزواج في سن الرابعة عشرة، أو قانون آخر يقر ما سماه البعض (مضاجعة الوداع) التي تسمح للزوج بمواقعة زوجته خلال الساعات الست التي تلي وفاتها!)
لا حظ هنا أن الكاتب بدأ بـ (بتنا نسمع) أي أن ما سيذكره مجرد أشياء سمعها ولم يتحقق منها، يلي ذلك مباشرة (صدور تشريع يسمح للبنت في الزواج في سن الرابعة عشرة) وهذا خبر حقيقي إذ حاول بعض النواب مناقشة هذا الأمر بالفعل، وهكذا مهد عبد السميع الأرض للكذبة التي سيلقيها عندما هيأ القارئ أولا بمعلومة صادقة، ثم أطلق كذبته الكاملة في السطر التالي بالحديث عن مضاجعة الوداع.
عظيم،
عمرو عبد السميع بخبرته الطويلة في (تلفيق الأخبار) قدم لنا خبرا رماديا بامتياز، مهد له بخبر صحيح وألحقه به ليعتقد القارئ أن الأخبار كلها صحيحة، ولكن تبقى مشكلة أيضا، فعدد قراء الأهرام، وعدد قراء السيد عبد السميع لن يسمحا له بتمرير هذا الخبر الرمادي وإحداث التأثير المطلوب وهو تشويه سمعة نواب البرلمان بخبر مكذوب جملة وتفصيلا (رغم أنهم يفعلون بالفعل ما يستحقون عليه الضرب بالنعال)، وهكذا تأتي الحلقة الثانية من حلقات صناعة الخبر الرمادي.
يتلقف مذيع وصحفي، وعبر قناة تليفزيونية لها نصيب من المشاهدة، هذا المقال، ثم يبدأ في قراءته على الهواء ويصاب الجمهور بالفزع وهو يسمع هذا الكلام، وينسى بعد ثوان قليلة أن المذيع نفسه أبدى تحفظاته على الخبر وعلى مدى مصداقيته، ويبقى في الذهن فقط أن النواب يناقشون تشريعا يسمح للزوج بمضاجعة زوجته المتوفاة!
ومع ذلك، فإن العرض التليفزيوني لا يحقق الأثر المدمر المطلوب، لأن البرنامج ليس له حضورا يذكر مع المشاهد العادي، أو يذاع في وقت لا يسمح لقطاعات واسعة بمتابعته، لتأتي الحلقة الثالثة في صناعة الوهم بتسجيل تلك الفقرة، ونشرها على يوتيوب لتكون متاحة أمام الجميع في أي وقت، ويسهل مشاركتها عبر الشبكات الاجتماعية وتحويل الوهم إلى خبر له شكل وقدمين وأساس، والأساس البسيط الذي يرتكز عليه القارئ أو المتابع: ده خبر طلع ف التليفزيون!!
ببساطة شديدة، لم يناقش البرلمان هذا الشئ، ولم يطرح مثل هذا الكلام حتى من أكثر النواب تخلفا!
ببساطة شديدة، عمرو عبدد السميع وبخبرته الطويلة في (أخبار الأجهزة) و(الأخبار الموجهة) صنع خبرا رماديا بامتياز وبحرفية عالية، من الوهم الكامل، ونشره باعتباره حقيقة
وهو محض أكذوبة!
ببساطة شديدة، استُخدم، جابر القرموطي، أو تورط أو أغراه الموضوع في نشر المقال باعتباره (خبرا) في برنامج تليفزيوني فأكسب الخبر الوهمي مساحة جديدة من المصداقية!
وببساطة أكبر، استسهل رواد الشبكات الاجتماعية نقد وانتقاد وهجاء نواب الاسلام السياسي على خبر مكذوب بدلا من إرهاق أنفسهم في انتقادهم على ما يرتكبوه من مآس ومصائب حقيقية في حق الشعب الذي انتخبهم!
هذه باختصار شديد قصة الوهم المسماة (مضاجعة الوداع)!
المصدر:
http://7hekayat.blogspot.ca/2012/04/blog-post_26.html