طريف سردست
هل رأيت سرطعان يتسلق الاشجار او سنجاب يطير او طيور تغطس في الماء او سمك يتجول على اليابسة او ضفدعة تتدفن نفسها في التراب؟
على مدى ملايين السنين تمكن التطور من تشذيب حياة الكائنات على الارض لتنسجم مع بعضها ولتتمكن من التلائم مع البيئة. نرى اليوم سرطعانات قادرة ان تحيا الى جانب الحرارة الصادرة عن براكين تحت الماء ودبب القطب التي لاترتاح الا في ثلج القطب الشمالي البارد وطيور الكندور القادرة على البقاء سابحة في السماء ساعات طويلة على قمة جبال الاندورا حيث الهواء قليل الكثافة. في كل مكان نجد كائنات صممت خصيصا للبيئة التي هي فيها، على الرغم من ان بيئة الارض في تغيير دائم. وبسبب ذلك فإن كمية كبيرة من الانواع والكائنات جرى التضحية بها للوصول الى الانسب للبقاء، في بيئة الارض المتغيرة.
Isopoda
بعض الانواع تمكنت من التلائم مع ظروف مختلفة تماما عن الظروف التي، في الاصل، تكونت لتكون ملائمة لها. مثال على ذلك يمكن ان نجده في كل مكان.
الحشرة الرمادية Isopoda احد الامثلة على هذه الكائنات، حيث للوهلة الاولى يتوهم المرء انها حشرة. في الواقع هذه ليست حشرة إذ تنتمي الى شعبة القشريات، مفصليات الارجل، Crustacea لاتملك فقرات ولكنها تملك صفائح تحميها ( مثل الروبيان). في الاصل كانت ايضا تعيش تحت الماء، وهي لازالت حتى الان تحتفظ بغلاصم، مما يجبرها على العيش في الاماكن الرطبة والمظلمة، لتبقى غلاصمها رطبة. وطالما الغلاصم رطبة قادرة على التنفس، وإلا تموت. يوجد كائن اخر ينتمي الى القشريات ويعيش على اليابسة هو السرطعان الاحمر red crabs, على جزيرة Christmas Islands في المحيط الهندي. وهذه السرطعانات تنتقل الى البحر مرة واحدة في السنة عندما تريد وضع بيضها.
والمثير ان السرطعان الاحمر قد تغير وتلائم مع الحياة على اليابسة الى درجة ان وضعه في الماء سيؤدي الى غرقه وإختناقه. عند اضطراره الى الذهاب للبحر لوضع بيوضه يجري عليه تغييرات فيزيلوجية على مدى 18 اسبوع تحضره للعودة الى البحر.
توجد حيوانات اخرى لاتترك الماء عن طيبة خاطر ولكنها تتضطر للقبول ان الغطاء المائي يتركها احيانا. مثلا ضفدعة الخزن المائي الاسترالية وسمكة الرئة الاسترالية. في الواقع سمكة الرئة توجد منها ثلاثة انواع: افريقي واسترالي وامريكي جنوبي. النوع الافريقي والاسترالي يتحول الى حالة من السبات عندما تجف المياه في البحيرات، فيحفر في الطين ويغطي نفسه بطبقة مخاطية تحميه، ويبقى ساكنا في التربة الجافة في انتظار موسم الامطار. في هذا الوضع يمكن للسمكة ان تتحمل لمدة 5-6 سنة من الجفاف. الضفدعة الاسترالية لديها استراتيجية مشابهة لتحمل موسم الجفاف. انها تقوم بملء خزانها في بطنها بالماء وتحفر نفسها في التراب وتنتقل الى حالة السبات. (راجع ايضا موضوع: اسماك تعيش على اليابسة)
Argyroneta aquatica
وحتى نعثر على كائنات برية غيرت اتجاهها الى المساحات المائية. مثلا عنكبوت ترك حياة اليابسة وينسج "فقاعة" له في التجمعات المائية، يملائها بالهواء تساعده على البقاء تحت الماء. والشبكة الفقاعية من الكثافة بحيث ان الهواء لايخرج منها. وبمساعدة فقاعة الهواء يستطيع البقاء والصيد تحت الماء.
وتوجد حشرات تعيش في البحار مثل Halobates قادرة على الركض على سطح الماء بأقدامها الطويلة والنحيفة للغاية، بل وحتى في داخل البحار. ولكنها لاتنزل لتحت الماء إذ انها ستغرق.
وتوجد طيور اصبحت استاذة بالغوص والسباحة وتقضي غالب وقتها بالماء بحيث انها فقدت القدرة على الطيران. افضل النماذج على ذلك البطريق بأنواعه، الذي اصبح من المهارة بالسباحة والغوص تماثل مهارة الاسماك والدلافين. وهناك طيور بحرية اخرى تطورت لديها القدرة على الغطس مثل Melanitta nigra والذي جرى توثيق قدرته على الغطس الى عمق 165 متر.
الضفدعة الطائرة
هناك ضفدعة Rhacophorus pardalis تعيش في الغابات الاستوائية تخلت عن السباحة واصبحت تستخدم اطرافها المهيئة للسباحة في الماء كمظلة تسمح لها بالسباحة في الهواء، إذ عندما تقفز من اعالي الاشجار تفتح اصابعها ليصبح الغشاء الملتحم بين الاصابع نوع من المظلة يسمح لها بالطيران الانسيابي. هنا نجد نموذجا واضحا على كيفية تغير وظيفة تطورية الى وظيفة اخرى.
افعى الاشجار الطائرة
طريقة السباحة بالهواء لاتقتصر على الضفدعة بل نجد ان افعى الاشجار tree snake, Dendrelaphis punctulata, ايضا تعلمت استغلالها. وعلى الرغم من ان الافعى ليس لديها غشاء بين الاصابع او حتى اصابع ومع ذلك اصبح لديها مايعادل ذلك. تصعد هذه الافعى الى قمة الشجرة وهناك ثم تتجمع على نفسها وبعدها تقفز في الهواء وتقلص عظام صدرها بحيث يصبح بطنها مسسطحا ويمسك الهواء بما يكفي ليحملها الى الفرع التالي. عادة لاتزيد مسافة الطيران عن 15-15 متر ولكن الافعى اختصرت المسافة ووفرت الكثير من الوقت والجهد. الكثير من الحيوانات الاخرى اكتشفوا الفائدة من الطيران، مثل السنجاب الطائر.
التنين الطائر
السنجاب الطائر يملك فائض جلدي يسمح له بنشره من منطقة الاذرع الى السيقان واحيانا يصل الى الذيل. هذا الجيب الجلدي يسمح للسنجاب بالسباحة في الهواء بفعالية بما يعطيه القدرة على الانتقال اكثر من مئة متر. بقية الحيوانات لاتصل الى هذه المسافة ولكن يتمكنون من قطع مسافات جيدة على كل حال. التنين الطائر مثلا , draco volans, عبارة عن سحلية صغيرة تعيش في جنوب شرق اسيا وبمساعدة جيوبها الجلدية، التي تفردها كالمظلة بقوة عظام قفصها الصدري، تتمكن من التزحلق الهوائي لمسافة تثير الاعجاب.
والعامل المشترك لهذه الحيوانات الطائرة انها تتمكن من التغلب على الجاذبية والسباحة بالهواء لفترة قصيرة والهبوط بطريقة منظمة. ويبقى ان الكلب الخفاش والفأر الخفاش اختاروا التغييرات الجديدة لتصبح نمط حياتهم الاساسي والمنظم، بحيث انهم قادرين على الطيران بنفس قدرة الطيور.
غير انه توجد كائنات استطاعت الطيران والتزحلق على الهواء بدون ان تمتلك اذرع، مثلا السمك الطائر Actinopterygii. هذا السمك يقفز بالهواء بقوة عضلاته ويطير بضعة مئات من الامتار. والاخطبوط صاحب العشرة اذرع يستخدم ايضا الهواء للهروب عندما يضغط الماء بقوة من قناة تحت رأسه تجعله ينطلق في الهواء.
كل هذه الحيوانات تغيرت الوظائف الاصلية لاطرافهم واعضائهم بحيث اعطتهم افضلية جديدة للانتصار من اجل البقاء، وصلت احيانا الى نسيان الووظائف القديمة كليا.