بالرجوع الى بيان المعهد القومي للبحوث الفلكية حول استطلاع هلال شوال 1429 نجده يقرر ان الهلال سيولد يوم التاسع والعشرين من رمضان الساعة الثامنة صباحا ولكن وقت الغروب سيغرب الهلال قبل غروب الشمس .

وهذا الكلام مغاير للحقيقة لان الهلال يولد بمجرد حدوث الاقتران و فلكيا اقصى مدة يستغرقها الاقتران (مولد الهلال) الى ابتعاد جسم القمر عن زاوية ابصار الشمس هي ساعتان واربع دقائق (نصف المدة للكسوف الكلي وما قبله ومابعده من كسوف جزئي ) ويلزم لصحة كلام المعهد الفلكي في هذه الحالة ان يكون مولد الهلال قبل غروب الشمس بساعتين واربع دقائق لا اكثر
واني اتسائل عن غرابة هذا التفسير الذي دائما ما يلجأ اليه المعهد القومي ، ولكن علميا وطبقا للشق الاول من البيان فلابد ان ترى مصر هلالا عمره 9 ساعات ويكون اكبر في العمر والحجم والارتفاع من الهلال الذي تشاهده السعودية حيث شاهدت السعودية الهلال بالعين المجردة بداية ذلك الشهر .

كما ان هذا البيان في شقيه - في حالة الاستسلام بالواقع السياسي المفروض على العالم الاسلامي - يقودنا الى نتيجة غير منطقية وهو بداية الليلة الثانية من شوال في السعودية في حين انه لم تبدأ الليلة الاولى منه في مصر وذلك لدخول الليل في السعودية قبل مصر بنحو ساعة وكذلك دخول رمضان السعودية قبل مصر بيوم ليكون الفارق قد وصل الى يوم وساعة وهذه نتيجة لا يقبلها المنطق علاوة على الشرع .

وكان من الاولى عند من يقول بتعدد المطالع ان تسبق مصر السعودية في بداية الشهور القمرية لا ان تليها وتفسير ذلك ان مسار القمر حول الارض عكس دوران الارض حول محورها ومن المعلوم ان مسار الارض حول محورها من الغرب الى الشرق فيكون دوران القمر حول الارض من الشرق الى الغرب وعلى ذلك فاذا شاهدت اي دولة الهلال فلابد ان تشاهده جميع الدول التي تقع الى الغرب منها وهذه مسلمة فلكية دائما ما تغيب عن رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية .

وعلى ذلك فلو استطلعت السعودية الهلال ذات ليلة ولم تشاهده وكان التفسير الفلكي لذلك ان الهلال وقت غروبه سيكون عمره سبع ساعات وارتفاعه 4 درجات وباقي له 20 دقيقة على امكانية رؤيته الا انه غرب قبل غروب شعاع الشمس واذا كان وقت الاستطلاع المصري بعد الاستطلاع السعودي بنحو ساعة وطبقا للوقت المتبقي على امكانية رؤية الهلال وحركة دوران القمرالمعاكس لحركة غروب الشمس وموقع مصر غرب السعوية كل هذه الظروف تهيء لمصر رؤية الهلال بارتفاع 4,5 درجة ومكوث دقيقتين (كل ساعة فرق توقيت تعطي دقيقتين فرق في مكوث الهلال ) وهكذا فكل بلد ترى الهلال لابد ان ترى البلاد التي تقع غربها هلالا اكبر عمرا وحجما وارتفاعا .

اما بالنسبه للبلاد التي تقع الى الشرق فهي لم ترى الهلال ولم يثبت فيها فلكيا ولكن اذا كانت مشتركة مع البلد الذي ثبت فيه الهلال في جزء من الليل فيجب عليها العمل بهذه الفتوى لانها شهادة مسلم على اخيه المسلم ولا يوجد مبرر لتعطيلها كما انه لا يمكن تجزئة الليل الواحد فيكون مثلا ليلة ثلاثين رمضان في مصر هي نفسها الليلة الاولى من شوال في ليبيا وبهذا يمكننا العمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ).

واتماما للفائدة انه طبقا للجمع بين الشرع والعلم انه اذا رأت مكة الهلال وجب على جميع المسلين في العالم الصيام او الافطار اوالنسك وذلك لان مكة هي المكان الوحيد الذي تشترك معه جميع بقاع العالم في جزء من الليل حتى على مستوى الليل القصير في الشتاء وذلك لتوسطها اليابسة .
هذا وقد حدث شيء غريب وهو ثبوت رجب وشعبان ورمضان 1430 ثلاثين يوما في مصر وثبوت شوال 29 يوما والغريب في ذلك ان الهلال شوهد بالعين المجردة .


يقول ابن تيميه رحمه الله " والذين قالوا‏:‏ لا تكون رؤية لجميعها كأكثر أصحاب الشافعي منهم من حدد ذلك بمسافة القصر، ومنهم من حدد ذلك بما تختلف فيه المطالع، كالحجاز مع الشام، والعراق مع خراسان، وكلاهما ضعيف؛ فإن مسافة القصر لا تعلق لها بالهلال، وأما الأقاليم فما حد ذلك ‏؟‏ ثم هذان خطأ من وجهين‏:‏

‏الوجه الاول: أن الرؤية تختلف باختلاف التشريق والتغريب، فإنه متي رؤي في المشرق وجب أن يري في المغرب ولا ينعكس؛ لأنه يتأخر غروب الشمس بالمغرب عن وقت غروبها بالمشرق، فإذا كان قد رؤي ازداد بالمغرب نوراً وبعداً عن الشمس وشعاعها وقت غروبها، فيكون أحق بالرؤية، وليس كذلك إذا رؤي بالمغرب؛ لأنه قد يكون سبب الرؤية تأخر غروب الشمس عندهم، فازداد بعداً وضوءاً .

‏‏ ثم إنه لما رؤي بالمغرب كان قد غرب عن أهل المشرق، فهذا أمر محسوس في غروب الشمس والهلال وسائر الكواكب؛ ولذلك إذا دخل وقت الغروب (بالنسبة للكواكب والشمس ) بالمغرب دخل بالمشرق ولا ينعكس، وكذلك الطلوع إذا طلعت بالمغرب طلعت بالمشرق ولا ينعكس، فطلوع الكواكب وغروبها بالمشرق سابق (وقوله لأنه يتأخر غروب الشمس بالمغرب عن وقت غروبها بالمشرق ، فيه اشارة الى فروق التوقيت ) .
‏
وأما الهلال فطلوعه ورؤيته بالمغرب سابق؛ لأنه يطلع من المغرب، وليس في السماء ما يطلع من المغرب غيره، وسبب ظهوره بُعْده عن الشمس، فكلما تأخر غروبها ازداد بُعْده عنها، فمن اعتبر بعد المساكن مطلقاً فلم يتمسك بأصل شرعي ولا حسي .

‏‏ الوجه الثاني‏:‏ أنه إذا اعتبرنا حداً كمسافة القصر، أو الأقاليم فكان رجل في آخر المسافة والإقليم، فعليه أن يصوم ويفطر وينسك، وآخر بينه وبينه غلوة سهم لا يفعل شيئاً من ذلك، وهذا ليس من دين المسلمين‏.

والاعتبار ببلوغ العلم بالرؤية في وقت يفيد ، فأما إذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس، فالمستقبل يجب صومه بكل حال، لكن اليوم الماضي‏:‏ هل يجب قضاؤه‏؟‏ فإنه قد يبلغهم في أثناء الشهر أنه رؤي بإقليم آخر، ولم ير قريباً منهم، الأشبه أنه إن رؤي بمكان قريب، وهو ما يمكن أن يبلغهم خبره في اليوم الأول، فهو كما لو رؤي في بلدهم ولم يبلغهم‏.

‏‏ وأما إذا رؤي بمكان لا يمكن وصول خبره إليهم إلا بعد مضي الأول، فلا قضاء عليهم؛ لأن صوم الناس هو اليوم الذي يصومونه، ولا يمكن أن يصوموا إلا اليوم الذي يمكنهم فيه رؤية الهلال، وهذا لم يكن يمكنهم فيه .
( وهذا ما يقابل اشتراط الاشتراك في جزء من الليل في بحثنا هذا )
وهكذا يمكن الجمع بين الشرع والعلم وذلك اذا ثبتت رؤية الهلال في بلد ما فقد وجدنا ان العلم اكد على وجوده بالنسبة للبلاد الواقعة غربه .
(كانت السطات المصرية فبل ثورة 25 يناير تتخذ منهجا اما ان تصوم مع السعودية او بعدها بيوم ولكن بعد الثورة تبنت ما انتهيت له في هذا البحث عام 2008 فأصبحت تصوم مع السعودية او قبلها بيوم )

اراء الفقهاء في رؤية الهلال :
اختلف الفقهاء في رؤية بلد هل تكفي لسائر البلاد على اقوال اربعة نوجزها ففي الاتي
1- يرى جمهور الفقهاء ان رؤية الهلال في بلد هي رؤية لسائر البلاد لعموم الامر في الكتاب والسنة .
2- لكل أهل بلد رؤيتهم، وجه للشافعية .
3- حكي ابن عبد البر الإجماع على أن الاختلاف فيما يمكن اتفاق المطالع فيه، فأما ما كان مثل الأندلس وخراسان فلا خلاف أنه لا يعتبر‏.
والرأي الاخير يندرج تحته الرأي الثاني
4- يرى ابن تيمية ان البلد التي ترى الهلال يجب على جميع البلاد التي تقع غربها الصيام ( وهو ما برهنا عليه فلكيا) وكذلك جميع البلاد القريبة منها والتي يمكن وصول الرؤية اليهم قبل فوات اليوم الاول ( الاشتراك في جزء من الليل حاليا ) ‏.

الادلة على وجوب توحيد مطالع الاهلة :

قوله تعالى ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم )
يدل على ان الشهر الحرام نهايته غير مقيدة بالمكان او بالاشخاص وكذلك تكون بدايته .

قوله تعالى " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر"
شهد بمعنى حضر تقول شهد الحفل فلان وفلان اي حضره والفاء قبله للتفريع اي ينقسم الناس الى حضر يجب عليهم الاداء والى مسافرين ومرضى يجب عليهم القضاء
فان قيل ان الفاء هنا زائدة بدليل ان المريض يشهد الشهر يرد عليه بان الصبي كذلك يشهد الشهر ولا يجب عليه الصوم


ومن السنة :

- ما (رواه البخاري ومسلم) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "صُوموا لِرؤيَتِه وأفطِروا لِرؤيَته، فإن غُم عليكم؛ فأكمِلوا عدَّة شعبانَ ثلاثين"، وفي لفظ: "إذا رأيتم الهلال فصُوموا، وإذا رَأيتُموه فأفطِروا، فإن غُمَّ عليكم فعُدُّوا ثلاثين يومًا"؛ (رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنَّسائي).

ما (رواه أبو داود والنَّسائيّ) عن أبى عُمَيْر بن أنس، عن عُمومَةٍ له من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنَّ ركبًا جاؤوا إلى النبيِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَشهدون أنَّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يُفطِروا، وإذا أصبحوا أن يَغدوا إلى مُصلاَّهم" صحَّحه الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام ) .

وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "صوموا لرؤيته"؛ هو خطاب للأمَّة كافَّةً، لم يَخُصَّ به أهل قُطرٍ دون غيرهم، فأوجب النبيُ صلَّى الله عليه وسلَّم الصَّوم بمُطلَق الرؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكان، وإن تباعدت الأقطار؛ فمناط الصوم هو مطلق الرُّؤية .

ومن المعقول :
- توحد المسلمين في صيامهم كتوحدهم في مناسكهم فان قيل ان العبرة بثبوت الحج بما يثبت في مكة قلنا ولماذ ينحر غير الحجاج في بلادهم في يوم واحد على خلاف ما يثبت عندهم .

- الرأي القائل باختلاف المطالع لم يقف عند هذا الحد في تفرق الامة بل اختار الخلاف في الاختلاف لتزيد الامة تشرذما ونجدها تختلف على اربعة ايام فنجد دولة تختار الميلاد الفلكي كمدخل للرؤية الشرعية واخرى تعتبر الاقتران وثالثة تستخدم تفسيرا مغلوطا حتى لا تكون تابعة لدولة مجاورة كل ذلك ادى الى وجود دولة تتوسط بين دولتين وتختلف عنهما في الصيام والافطار .

الرد على القائلين بالاقتران :

يمكن اعتبار الاقتران علامة جيدة على بداية دورة القمر حول الارض أو علامة على انتهاء تلك الدورة وهو يعتبراكثر انضباطا من العلامات الأخرى كالبدر والهلال وغيره ولكن لا يمكن اعتباره علامة على بداية الشهر القمري عند المسلمين .

ان اعتبار الاقتران بداية للشهر يلزم منه بداية الشهر في اول النهار أو أوسطه وكذلك يكون في أول الليل أو أوسطه أو آخره وهذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية .

الرد على القائلين بالحساب الفلكي :

أصحاب الحساب الفلكي يقولون بأن الشهر يبدأ بمولد الهلال فلكيا وقد رأينا ان الاهلال كالاقتران يكون في أي وقت من النهار أو من الليل كما ان الخطاب العلمي يتأثر بالسياسة أكثر مما يتأثر به الخطاب الديني كما أننا نرى أن الخطاب العلمي هذه الأيام يقترب للخطاب السياسي أكثر مما يتقرب للخطاب الديني
كما ان الحساب الفلكي لا يحقق العمومية والتوحد في الشعائر نظرا لاعتماده على اسس علمية بحتة وابتعاده عن التشريع الاسلامي فهو يؤدي ان تأخذ كل بلد بما ثبت لديها دون الأخذ في الاعتبا ر بما ثبت لدى الدول الأخرى وتأخذ كل دولة بأسس فلكية مختلفة مما يؤدي الى الاختلاف من جديد كأخذ مصر بفكرة ان الهلال بعد الميلاد يمكن ان يغرب قبل غروب الشمس وأخذت به عام 1429 وهذه الفكرة مخالفة لما ذهبت اليه وكالة ناسا الفضائية لنفس العام كما سبق عرضه .

الطرق المختلفة لاعتماد بداية الشهر:

الطريقة الليبية :
وفي هذه الطريقة يبدأ الشهر بالاقتران وقد سبق ان قلنا انه لايوجد دليل على ان الاقتران هو بداية الشهر.

الطريقة التركية :
وفي هذه الطريقة يثبت الشهر عندهم بميلاد الهلال فلكيا ومكوثه مدة زمنية معينة بعد غروب الشمس الا ان هذه الطريقة مخالفة للشريعة كما انها تؤدي الى تفرق الامة لأن كل دولة ستأخذ بميلاد الهلال فلكيا ومكوثه المدة المطلوبة دون ان تأخذ قي الاعتبار ما ثبت في الدول الأخرى .

الطريقة المصرية :
وتأخذ بالحسابات الفلكية كمدخل للرؤية الشرعية أي تأخذ تلك الطريقة بالرؤية البصرية المؤيدة بالحسابات الفلكية وظاهر هذه الطريقة انها تجمع بين الشرع والعلم الا ان علماء الفلك الذين يقودون هذه الدعوة ليسوا بحال أفضل من حال علماء الشريعة الداعين لاختلاف المطالع فقد وضعوا لهذه الطريقة الأسس العلمية الغريبة التي كانت سببا مباشرا لعمل هذا البحث .

الطريقة السعودية :
وتأخذ بالرؤية البصرية دون غيرها ولكن لكي تحقق هذه الطريقة الهدف الذي ننشده لابد وأن تأخذ في الاعتبار الرؤية البصرية للدول المجاورة والتي تشترك معها في جزء من الليل فيثبت فيها الشهر اذا شوهد الهلال في اي دولة تشترك معها في جزء من الليل او رؤية اي دولة تقع الى الشرق منها حتى نجتمع في اقامة شعائرالدين ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب) الآية .

وباستعراض الطرق المختلفة السابقة تلاحظ ان الطريقة التي نثبتها هنا في هذا البحث تلقف جميع الطرق السابقة ان هذه الطريقة تقضي على الحرج الذي تتعرض له السعودية حيث انها تقوم باستطلاع هلال شوال ليلة التاسع والعشرين من رمضان .

الطريقة الجزائرية :
نفس الطريقة السعودية علاوة على الاخذ برؤية الدول التي تشترك معها في خط الطول وهي اصح طريقة رسمية .

الطريقة الشرعية :
اذا رأت اي دولة الهلال فانه يثبت الشهر في جميع الدول التي تقع غربها وكذلك في جميع الدول التي تشترك معها في جزء من الليل واذا رأت مكة الهلال ثبت الشهر في جميع بقاع العالم لانها تتوسط اليابسة .
هذا وبالله التوفيق