كانت المدينة قد منيت - خلال الحرب التي فجرها النازيون - بكارثة التدمير, فاختفى وسطها مثلما اختفت أحياؤها الصناعية تماما. كان عدد سكانها قبل الحرب أكثر من عدد سكانها اليوم بعد أكثر من 44 عامًا (بلغ في 1939 أكثر من أربعة ملايين نسمة). في ساحة جاندارمن ماركت تتقاسم كنيسة ألمانية وأخرى فرنسية طرفي المكان, بينما يتوسطها مسرح فيلهارموني يستضيف حفلات الموسيقى الكلاسيكية, كما يستضيف أمامه عازفا آخر للبيانولا. ويقف أسدان من الحجر حارسين لهذا البيت الموسيقي, بينما يقرأ القصائد أمام ذلك الحشد كله تمثال للشاعر الألماني الكبير فريدريك شيللر (1759 - 1805), أكاد أسمعه ينشد:
لديَّ ثلاثة دروس أودُّ أن أدونها
ثلاثُ كلمات سأكتبُها بقلم يحترق
لأصل بها إلى الضوء الخالد
ثلاثُ كلمات عن قلوب البشر:
فليكن عندنا أمل..
حتى إذا غيمت السحب حولنا
وكاد السرور ان يختفى من وجهنا
حاملا الظلال بعيدًا
وإن لم يكن لليالي سوى لون الحداد!
فليكن عندنا إيمان..
حيثما نحل تنقشع الغمة وتهدأ العاصفة!
فليكن عندنا الحب..
يا سكان الأرض!
ليس حب شخص واحد وحسب,
بل حب الإنسان, كإنسان, إنه نداء أخوي
ليعم حب الإنسانية الجميع!
في هذه الساحة أمام كلمات وتمثال الشاعر الألماني الكبير تشهد برلين كل عام حفلات موسيقية في الهواء الطلق يحضرها الآلاف, ممن يضيق بهم المكان التاريخي. وبرلين تحتفل بشعرائها وشعراء العالم على حد سواء وقد سبقت رحلتي بأيام إقامة مهرجانها السنوي للقراءات الشعرية, حيث استمع 14 ألفا - ممن لا يزالون يؤمنون بقوة الشعر الروحية - إلى 250 شاعرا من كل أنحاء العالم, ومنهم - من الولايات المتحدة جوناتان فرانزن, ومن بريطانيا حنيف قريشي, ومن الهند آنيتا ديساي ومن الصومال نور الدين فرح..
برلين تجمع عشاق الشعر والمسرح والسينما والموسيقى والفن التشكيلي.. لأن بها شعبا يعشق الحياة, وحكومة تتمنى أن تصبح قلب العالم عبر عاصمتها الموحدة. والأرقام تجعل برلين ثالثة أكثر المدن الأوربية شعبية بعد لندن وباريس, حيث يقضي 68 مليون شخص سنويا يوما واحدا على الأقل في المدينة, ويقضي بها يوما سبعة ملايين زائر من رجال الأعمال يستضيفهم الأصدقاء أو الأقارب, وبعد سقوط الجدار اختار مليون شخص الانتقال للسكنى في برلين, فيما رحل عنها مليون آخر للضواحي حولها أو لولايات ألمانية أخرى مما يعني أن ثلث سكان برلين جاءوها للمرة الأولى بعد 1990.
برلين التي يبلغ عدد متاحفها 170, وعدد دور السينما بها 265, وعدد المسارح 150, وعدد مكتباتها 250 (على ذكر الكتب, توجد بألمانيا 2000 دار نشر منها 100 دار تتجاوز مبيعاتها السنوية 25 مليون مارك, تنشر 70 ألف عنوان جديد سنويا, وتضم نوادي أصدقاء الكتاب نحو سبعة ملايين قارئ), فضلا عن 300 قاعة لعرض الفنون التشكيلية تعرض لكل فناني العالم بدءا من ألف يورو للعمل الواحد, هذه المدينة تشهد كل يوم ما يصل إلى 1400 حدث ثقافي واقتصادي وسياسي, ويزور متاحفها سنويا 15 مليون شخص بينما يحضر حفلاتها المسرحية 3 ملايين ونصف المليون شخص! واليوم, بعد أن أصبحت مقرا للحكم, باتت أيضا قبلة الساسة العالميين!
منقولة جزئيا من العربي, و هذا الرابط للذي يحب قرأه المقال الكامل
http://www.alarabimag.com/arabi/common/showhilight.asp
(f)