أعزائي
الزميل الصفي لا يكتفي بأن يضع نفسه حجة أمام كل من ذكرت ممن استعمل تعبير الهبوط من السماء (أنس بن مالك عن النبي ، الطبري ، البغوي ، الرازي ،القرطبي ، النووي ، ابن كثير ، العسقلاني ، السيوطي في تفسيره ، الشوكاني ) ، بل و يضع نفسه مشرّع لقواعد جديدة في اللغة العربية .
فهو يسن لنا قاعدة جديدة تثير فيّ غريزة الضحك رغم أنفي ، مختصرها أن عدم استعمال القرآن لتعبير ما يمنع استعماله باللغة ، و يزيّنه بكلمة حق أريد بها باطل فيقول
اقتباس:"القران حجة على المفسرين و ليس العكس . فاذا وجدت في القران خلاف ما اثتبه لك فحاججني به." .
[SIZE=4]
أولاً :
قبل أن نكمل الحديث على هبط و نزل ، نريد أن نكشف للزملاء القراء منهج الصفي (و الذي فاجأنا حقيقةً خروجه به علينا) في التعامل مع اللغة و معاني الكلمات .
فهو يرى أن المعاجم يجب أن تحتوي جميع الأمثلة لاستعمالات الفعل ، و كأنها يريد معاجم سماعية . فهو بحث - يعطيه ألف عافية - في القرآن و المعاجم و لم يجد استعمال "هبط من السماء" فأنكرها لغوياً ، و يصبح السبب في إنكار الهبوط السماوي حسب الصفي هو :
لم أجد "هبط من السماء في القرآن" بل وجدت "نزل" و لم أجد في مادة "هبط" في لسان العرب و غيره هبوطاً من السماء ، و عليه فلا يصح استخدام هذا التعبير .
و هذا مثبت في كلامه حيث قال مداخلاته السابقة :
اقتباس:"لقد بحثنا معا في المعاجم عن استخدام الكلمة هبط لوصف ما ينزل من السماء و لم نجد ."
اقتباس:"لم اجتهد في اللغة و الدليل هو انك اوردت ما في القاموس باب (هبط) و لم تجد فيه انه وصف لما ينزل من السماء. كله عن الارض."
اقتباس:"و لماذا لم تلون بان هبط تعني ايضا النزول من السماء الم تجدها؟"
تعالوا نتسلى .
تعالوا نطبق منهجه هذا على الفعل (جاء) .
لنعرف هل يجوز لغوياً أن نقول "جاء المعلم إلى الصف" أم لا ؟
بحثنا في القرآن و في المعاجم فلم نجد أن "المعلم يجيء" ، بل وجدنا "جاء ربك" و "جاءكم رسول" و "جاءهم كتاب" إلخ .
و عليه فإن جملة "جاء المعلم إلى الصف ليعلّمنا مباديء استخدام المعاجم " تصبح جملة غير جائزة لأننا لا نجد في القرآن و لا في المعاجم وصف حركة "المعلم" بالمجيء .
هذا هو بالضبط ما يقول به الزميل الصفي يا زملائي ، و لا تصعقوا لذلك ، فهذا شأن من يتمسك برأيه حقاً كان أو باطلاً ، فهو يغرق في الارتجالات و الاجتهادات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على إفلاس جعبته من الأدلة المعتبرة .
هذا ليس افتراءا على زميلنا العزيز الصفي ، لكن هذا - و للأسف - هو حاله في هذه المسألة .
و حتى نثبت للزملاء أن هذا هو منهجه في التعامل مع المعاجم ، و هو منهج لم يقل به لا إنس و لا جان من قبل ، سأورد بعض جمله التي تدور في نفس الفلك :
يقول في مداخلاته السابقة :
اقتباس:"و لكن لفاجئتك فان الفعل ( هبط) و مشتقاته لا يستخدم في القران الكريم ابدا لوصف الانتقال او الحركة بين السماء و الارض. بل الفعل المستخدم هو ( نزل ) و مشاقاته."
اقتباس:"و الحركة بين السماء و الارض تسمى عروجا او صعودا اذا كانت الحركة من الارض الى السماء و تسمى نزولا اذا كانت الحركة من السماء الة الارض."
اقتباس:"كم مداخلة مفصلة كتبتها لاقول لك بان الحركة بين السماء و الارض يستخدم لها عرج و نزل. وضعت لك الايات التي يرد فيها ذكر السماء و ان كل ما نزل منها يستخدم له الفعل ( نزل) .
لم تسطع ان ترد ."
ما هو باللون البرتقالي سنطلق عليه من الآن فصاعداً "القاعدة الذهبية"
اقتباس:"و لا احد يقول بان هبط ليست تقيض نزل و لكن نقول بان ما ياتي من السماء يقال نزل و ليس هبط . و بالادلة."
اقتباس:"غير صحيح ما قلته بان هناك راي يقول:
نزول الأشياء من السماء يصح أن يوصف بالهبوط ،
فهم لم يقولوا بان القران هبط او ان الملائكة تهبط فهم يستخدمون الفعل ( نزل).
فما تقوله هو التدليس و التلبيس."
اقتباس:و لا ادري اي سند لغوي تطلبه؟
هل تريد ان يقول لك ابن منظور او الخليل ان الحركة بين السماء و الارض يعبر عنها بالفعل ( نزل)؟
طبعا لن يقولوا لانها من المعلوم عندهم و لم يعتقدوا بان هناك من يظن بعكس ذلك.
[SIZE=4]
ثانياً :
يزعم زميلنا الصفي فيما يزعم ، و بلا أي دليل لغوي - و أنى له أن يجد من اللغويين من يغرق نفسه في هذا الاجتهاد المثير لغريزة الضحك - ، أن الحركة من السماء إلى الأرض توصف بالنزول ، لا بأس
فما رأيك يا عزيزي بوصف حركة الأشياء من السماء إلى الأرض بالسقوط ؟؟
أنت تقول أن النزول هو الحركة الوحيدة من السماء إلى الأرض حسب القرآن ، و بناءاً عليه رفضتَ أن يُستعمَل الهبوط لوصف ذلك ، فما رأيك في السقوط من السماء ؟؟؟؟
"أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ
نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ" سبأ 9
"
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" الشعراء 187
"وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ
سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ" الطور 44
"أَوْ
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا" الإسراء 92
فلماذا استعمل القرآن الفعل "سقط" و مشتقاته و لم يستعمل الفعل "نزل" ؟؟؟
و حسب قاعدتك الذهبية التي تنص على :
اقتباس:"ان الحركة بين السماء و الارض يستخدم لها عرج و نزل"
و بهذا نكون قد أجهزنا على تخليطات و تلبيسات زميلنا المحرتم الصفي ، و أطلقنا عليها رصاصة الرحمة .
و لكن هل ننتهي ؟؟؟
لا ، فهناك الكثير من التخليطات الأخرى التي يجب أن نسلّط عليها الضوء ، حتى يعرف الزملاء حقيقة المتحاورين في هذا الشريط ، و يعرفوا من الذي يجتهد بلا أدلة ، و من الذي يستند إلى الأدلة الدامغة .
[SIZE=4]
ثالثاً :
عندما أحضرنا للزميل الصفي بعض الأمثلة عن استخدام "هبط من السماء" من أقول أئمة التفسير و اللغة ، و على رأهم الصحابي أنس بن مالك ، لم يُعِرها أي التفات ، بل ألصق نفسه في كلام ابن منظور عن هبوط آدم إلى الدنيا لما فيه من الشبهة ، فهو لم يصرح بكلمة السماء ، و
تجاهل باقي الاستشهادات ، بحجة أن القرآن حجة على المفسرين ، و أنهم أهل تأويل لا تفسير و ما إلى ذلك مما لا يقول به من يملك أدنى معرفة بأصول البحث في هذه الأمور .
اقتباس:"تستشهد بالمفسرين؟
اولا هم اهل تأويل في هذه الايات و ليسوا اهل تفسير."
في البداية نرد على الشبهة الأولى : و هي أن القرآن حجة عليهم و أنه المعتمَد إذا خالفوه . و هذا كلامه :
اقتباس:"القران حجة على المفسرين و ليس العكس . فاذا وجدت في القران خلاف ما اثتبه لك فحاججني به." .
نعم ، نقر بهذه القاعدة و لا نخالفك بها ، و هي المتفق عليها بين أهل اللغة و التفسير .
و لكن نخالفك في فهمك لها .
كيف ذلك ؟
أ- ما هو وجه المخالفة للقرآن ؟؟؟
هل هو استعماله للفعل نزل في الحديث عن نزول الملائكة و القرآن و الماء من السماء و غير ذلك من أمثلة النزول ؟؟؟
هل يوجد عاقل يقول أن هذه الآيات و إن بلغت ألفاً في الحديث على النزول تعني امتناع استعمال فعل "هبط" ؟؟؟!!!!
حتى لا توجع قلبي و قلب القراء سأرد عليك بأدلة دامغة كما وعدتك أنت و الزملاء .
القرآن لم يستعمل فعل "
هطل" للحديث على نزول المطر .
و أنت نفسك استعملت الكلمة حين قلت :
اقتباس:فاذا اردنا ان نعبر عن هطول المطر من السحاب فهل نقول:
نزل المطر
ام
هبط المطر؟
القرآن قال بنزول المطر (ماء من السماء) . و لكن حسب قاعدتك هذه فهل يصبح من الخطأ أن نقول "هطل المطر" أو "سقط المطر" ؟؟؟؟؟؟
لا نحتاج إلى رأيك أو رأيي في هذه المسألة ، فكما قلت لك أنا لا أجتهد في اللغة ، و لأ أخالك تقدر على ذلك أيضاً .
يقول الشاعر :
تَبَعَّقَ فيه الوابلُ المُتَهطّلُ / هامش 1
قال امرؤ القيس:
دِيمةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ،
طَبَقُ الأَرضِ تَحَرَّى وتَدُرُّ / هامش 2
كذلك سقوط المطر من السماء ؟
قال مُعَوِّدُ الحُكماءِ معاويةُ بنُ مالِكٍ:
إذا
سَقَط السماءُ بأَرضِ قوْمٍ
رعَيْناه، وإن كانوا غِضابا
(* وفي رواية: إذا
نَزَلَ السماءُ.. إلخ). / هامش 3
لاحظ أن بيت الشعر جاء مرة بالفعل سقط و مرة بالفعل نزل ، لتعرف أن النزول من السماء ليس هو الفعل الوحيد الجائز للتعبير ، بل يُستَعمَل السقوط كمرادف له .
مثال آخر :
استعمل القرآن كلمة "الغائط" ليعني به ما يخرجه الإنسان (النجو) ، و لكن هل يعني هذا أن نلغي المعاني الأخرى لكلمة الغائط ؟؟
النساء (آية:43): يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاه وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من
الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم ان الله كان عفوا غفورا
المائدة (آية:6): يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاه فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من
الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون "
و لكن الغائط في اللغة لها معان أخرى :
في لسان العرب "
وغاطَ يَغُوط غَوْطاً: حَفَر، وغاطَ الرجلُ في
الطِّين. ويقال: اغْوِطْ بئرك أَي أَبْعِدْ قَعْرَها، وهي بئر غَوِيطة: بعيدة
القعر. والغَوْطُ والغائطُ: المُتَّسِعُ من الأَرض مع طُمَأْنينةٍ،
وجمعه أَغْواطٌ وغُوطٌ وغِياطٌ وغِيطاتٌ / هامش 4
فكما ترى أن الغائط حين يُطلق على النجو ، هو استعارة من المعنى الأصلي الذي يعني الأرض المتسعة .
في لسان العرب :
الغَوْطُ: عُمْقُ الأَرضِ الأَبْعدُ، ومنه قيل للمطْمَئنّ من اَلأَرض غائطٌ،
ولموضع قَضاء الحاجة غائط، لأَنَّ العادة أَن يَقْضِيَ في المُنْخَفِض من
الأَرض حيث هو أَستر له
ثم اتُّسَعَ فيه حتى صار يطلق على النجْوِ نفْسِه. / هامش 4
و بهذا نرى أن اقتصار استعمال القرآن لكلمة غائط بمعنى النجو لا ينفي المعاني الأخرى التي نجدها في اللغة . كما يزعم منهج زميلنا الصفي .
ب- كيف تكون مخالفة القرآن :
عندما يقول أحدهم أن السماء مؤنثة دائماً و أبداً ، و يحضر ألف بيت شعر جاهلي يقول أنها مؤنثة ، يأتي آخر و يقول له أن ما يدّعيه مخالف لصحيح اللغة ، لأن القرآن حسب عرف اللغويين جميعهم هو صحيح اللغة سليم من اللحن - ، و قد ورد به تذكير للسماء حيث قال :
"و السماء منفطرٌ به" و ليس "منفطرة به" .
بهذه الطريقة يمكنك أن تقول أن فلان خالف القرآن و أن القرآن حجة عليه ، أما أن تستخدم هذه القاعدة و تعتبر أن كل ما لم يذكره القرآن من استعمالات لغوية هو مخالف له ، فهذا ما يثير فيّ غريزة الضحك .
ج- كيف يدعي الصفي أن كلامه هو عين كلام المفسرين في بداية مداخلاته ، ثم يتهمهم بأنهم أهل تأويل و لا يعوَّل عليهم لغوياً ؟
يقول :
اقتباس:و حقيقة يذكرني قولك بانني اخالف اقوال جميع المفسرين بنقاش بعض الزملاء المسيحيين معي فهذا ما يقولونه دائما الى ان اضع لهم ما اقوله من اقوال المفسرين ايضا, التي ربما يكونوا على علم بها و لكنهم تعمدوا ان يخفوها و ربما فعلا كانوا يجهلونها. و حقيقة انا مندهش لان اخي حسام قال قبلي انه ليس خروج من الجنة , فهلا سالت نفسك من اين اتى بهذا التفسير قبل ان تسخر؟
و مع ذلك أخفى عنّا جميع أقوال المفسرين الذين اقتبس منهم هذا التفسير .
و نحن طبعاً لا نزال في انتظار أن يكشف لنا عن هؤلاء المفسرين الذين أخذ منهم ، و إلا اتهمناه بتهمتين :
1- أنه كذب علينا حين قال أن كلامه مأخوذ من كلام المفسرين .
2- أنه يجتهد برأيه في اللغة .
و هكذا نكون قد أطلقنا رصاصة الرحمة على تخبطات زميلنا الصفي اللغوية ، فيما يتعلق بالنزول و الهبوط و السقوط و طريقة الاستدلال من المعاجم .
[SIZE=4]
رابعاً:
أثناء جمعي لمادة هذا الرد ، بحثت في معاني كلمات كثيرة في المعاجم مثل (صعد ، هبط ، رقي ، رفع ، نزل ، علا ، عرج) ، و أغلب بحثي كان من لسان العرب و العين للخليل ابن أحمد .
سأضع هنا اقتباسات متفرقة بهدف خدمة بحثنا هذا و ليس للرد على الصفي ، فقدد رددنا عليه بما يكفي في الأبواب الثلاثة السابقة .
الزميل الصفي وصف في إحدى مداخلته 258 أن الحركة من الأرض للسماء توصف بالعروج أو الصعود :
اقتباس:و الحركة بين السماء و الارض تسمى عروجا او صعودا اذا كانت الحركة من الارض الى السماء و تسمى نزولا اذا كانت الحركة من السماء الة الارض.
و بما أن الصعود ضد الهبوط ، فهذا يبرم حجتنا و حجة جميع من قال بالهبوط كحركة من السماء إلى الأرض (أنس بن مالك عن النبي ، الطبري ، البغوي ، الرازي ،القرطبي ، النووي ، ابن كثير ، العسقلاني ، السيوطي في تفسيره ، الشوكاني )
الصَّعُودُ ضد الهَبُوط (اللسان)
والصُّعُدُ، بضمتين: جمع صَعُود، وهو خلاف الهَبُوط (اللسان)
وإِنما اشتقوا ذلك لأَن الارتفاع في صَعُود أَشَقُّ
من الانحدار في هَبُوط (اللسان) / هامش 5
أعتقد أن هذا يكفي حتى هذه اللحظة
و يمكن إدراج باقي الأفكار لاحقاً .
الهامش :
-----------------
1- :
ذكر في باب العين و القاف والباء
والمَطَر الباعقُ: الذي يِفاجِئُكَ بشدةٍ، قال:
تَبَعَّقَ فيه الوابلُ المُتَهطّلُ
والإنبعِاقُ: أن يَنْبِعقَ الشَّيء عليك مُفاجَأةً
ذكر في باب الهاء والطاء واللاّم معهما
هطل: الهَطَلانُ: تتابُع القَطْر المُتَفَرِّق العظام.
والسحاب يَهْطِل. والعين تَهْطِل بالدُّموع ودَمْعٌ هاطل.
2-
هطل: الهَطل والهَطَلان: المطَر المتفرِّق
(* قوله «المطر المتفرق»
عبارة المحكم: تتابع المطر المتفرق. وقوله «وهو مطر» عبارة المحكم: وقيل هو
مطر) العظيم القطْر، وهو مطَر دائم مع سكون وضعف. وفي التهذيب: الهَطَلان
تتابع القطر المتفرِّق العِظام. والهَطْل: تَتابع المطر والدَّمْع
وسيلانُه. وهَطَلَت السماء تَهْطِل هَطْلاً وهَطَلاناً وتهْطالاً،
وهَطَل المطريَهْطِل هَطْلاً وهَطَلاناً وتَهْطالاً، ودِيمةٌ هُطْلٌ وهَطْلاء،
فَعْلاء لا أَفْعَلَ لها، ومَطر هَطِل وهَطَّال؛ قال:
أَلَحَّ عليها كلُّ أَسْحَم هَطَّالِ
والهَطْل: المطر الضعيف الدائم، وقيل: هو الدائم ما كان. الأَصمعي:
الديمةُ مَطر يَدُوم مع سكون، والضَّرْب فوق ذلك، والهَطْل فوقه أَو مثل ذلك؛
قال امرؤ القيس:
دِيمةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ،
طَبَقُ الأَرضِ تَحَرَّى وتَدُرُّ
قال أَبو الهيثم في قول الأَعشى مُسْبِل هَطِل: هذا نادر وإِنما يقال
هَطَلت السماء تَهْطِل هَطْلاً، فهي هاطِلة، فقال الأَعشى: هَطِل بغير
أَلف. الجوهري وغيره: سَحاب هَطِل ومطر هَطِل كثير الهَطَلان. وسحائب هُطَّل:
جمع هاطِل، وديمة هَطْلاء. قال النحويون: ولا يقال سحاب أَهْطَل ولا مطر
أَهْطَل، وقولهم هَطْلاء جاء على غير قياس، وهذا كقولهم فرس رَوْعاء وهي
الذَّكِيَّة، ولا يقال للذكر أَرْوَع، وامرأَة حَسْناء ولم يقولوا رجل
أَحْسَن. والسحاب يَهْطِل بالدموع
(* قوله «والسحاب يهطل بالدموع» هكذا في
الأصل، وعبارة التهذيب: والسحاب يهطل والعين تهطل بالدموع) وهَطَل
الدَّمْعُ، ودمعٌ هاطِل، وهَطَلت العين بالدمع تَهُْطِل. وفي الحديث: اللهم
ارْزُقْني عَيْنَيْنِ هَطَّالتين ذَرَّافَتَيْن للدموع، من هَطَل المطر
يَهْطِل إِذا تتابع؛ وهَطَل يَهْطِل هَطَلاناً: مضى لوجهه مشياً. وناقة
هَطْلى: تمشي رُوَيْداً؛ وأَنشد أَبو النجم يصف فرساً:
يَهْطِلُها الرَّكْضُ بطَيْسٍ تَهْطِلُهْ
(* قوله «يهطلها الركض» في الصاغاني: يعصرها الركض. وقوله «بطيس» في
التكملة والتهذيب: بطشّ).
أَبو عبيد: هَطَل الجريُ الفرسَ هَطْلاً إِذا أَخرج عَرَقه شيئاً بعد
شيء، قال: ويَهْطِلها الركضُ يُخرج عَرَقها. والهَطَّال: اسم فرس زيد
الخيل؛ قال:
أُقَرِّبُ مَرْبَط الهَطَّالِ، إِني
أَرى حَرْباً تَلَقَّحُ عن حِيالِ
والهَطَّال: اسم جبل؛ وقال:
على هَطَّالهم منهم بُيوتٌ،
كأَنَّ العَنْكَبوت هو ابْتَناها
والهَطْلى من الإِبل: التي تمشي رُوَيْداً؛ قال:
أَبابيل هَطْلى من مُراحٍ ومُهْمَلِ
ومشت الظِّباء هَطْلى أَي رُوَيْداً؛ وأَنشد:
تَمَشَّى بها الأَرْآمُ هَطْلى كأَنها
كَواعِبُ، ما صِيغتْ لهنّ عُقودُ
والهَطْلى: المهملة. وجاءت الإِبل هَطْلى وهَطَلى أَي متقطعة، وقيل:
هَطْلى مطلَقة ليس معها سائق. أَبو عبيدة: جاءت الخيل هَطْلى أَي خَناطِيل
جماعات في تفرقة، ليس لها واحد. وهَطَلَت الناقة تَهْطِل هَطْلاً إِذا
سارت سيراً ضعيفاً؛ وقال ذو الرمة:
جَعَلْت له من ذِكْرِ مَيٍّ تَعِلَّةً
وخَرْقاءَ، فوق الناعِجاتِ الهَواطِل
(* قوله «فوق الناعجات» هكذا في الأصل والتهذيب، وفي التكملة للصاغاني:
فوق الواسجات).
والهِطْل: المُعْيي، وخص بعضهم به البعير المُعْيي. والهَطْل: الإِعياء.
ابن الأَعرابي: الهِطْل الذئب، والهِطْل اللصُّ، والهِطْل الرجل
الأَحمق.والهَيْطَل والهَياطِل والهَياطِلة: جنس من التُّرْك أَو الهِنْد؛
قال:حَمَلْتُهم فيها مع الهَياطِلَهْ،
أَثْقِلْ بهم من تِسْعَةٍ في قافِلَهْ
والهَيْطَل: الجماعة يغزى بهم لَيْسُوا بالكثير. ويقال: الهَياطِلة
جِيلٌ من الناس كانت لهم شَوْكة وكانت لهم بلاد
(* قوله «وكانت لهم بلاد إلخ»
هكذا في الأصل، والذي في الصحاح: واتراك خلخ إلخ، وفي شرح القاموس:
طخارستان واتراك خلج والخنجية من بقاياهم اهـ. وفي ياقوت: ان طخارستان
وطخيرستان لغتان في اسم البلدة، وفيه خلج آخره جيم اسم بلد وأما خلخ وخزلخ آخره
خاء وخنجينة فلم يذكرهما) طَخَيْرِسْتان، وأَتراك خزلخ وخنجينة من
بقاياهم. وفي حديث الأَحنف: أَن الهَياطِلة لما نزلت به بَعِلَ بهم؛ قال: هم
قوم من الهِنْد، والياء زائدة كأَنه جمع هَيْطَل، والهاء لتأْكيد الجمع.
والهَيْطَل يقال: هو الثعْلب. الأَزهري: قال الليث الهَيْطَلة آنية من
صُفْر يطبخ فيها؛ قال الأَزهري: هو معرب ليس بعربي صحيح، أَصله
باتِيلَهْ.التهذيب: وتَهَطْلأْتُ وتَطَهْلأْتُ أَي وقَعْتُ
(* قوله «اي وقعت» في
التكملة: برأت من المرض).
الأَزهري في ترجمة هلط عن ابن الأَعرابي: الهالِطُ المسترخي البطن،
والهاطِل الزرع الملتفُّ.
3-
في مادة سما في لسان العرب :
@سما: السُّمُوُّ: الارْتِفاعُ والعُلُوُّ، تقول منه: سَمَوتُ وسَمَيْتُ
مثل عَلَوْت وعَلَيْت وسَلَوْت وسَلَيْت؛ عن ثعلب. وسَمَا الشيءُ يَسْمُو
سُمُوّاً، فهو سامٍ: ارْتَفَع. وسَمَا به وأَسْماهُ: أَعلاهُ. ويقال
للحَسيب وللشريف: قد سَما. وإذا رَفَعْتَ بَصَرك إلى الشيء قلت: سَما إليه
بصري، وإذا رُفِعَ لك شيءٌ من بعيدٍ فاسْتَبَنْتَه قلت: سَما لِي شيءٌ.
وسَما لِي شخصُ فلان: ارْتَفَع حتى اسْتَثْبَتّه. وسَما بصرهُ: علا.
وتقول: رَدَدْت من سامي طَرْفه إذا قَصَّرْتَ إليه نفسَه وأَزَلْت نَخْوته.
ويقال: ذَهَبَ صيتهُ في الناس وسُماهُ أي صوته في الخير لا في الشر؛ وقوله
أَنشده ثعلب:
إلى جِذْمِ مالٍ قد نَهَكْنا سَوامَه،
وأَخْلاقُنا فيه سَوامٍ طَوامِحُ
فسره فقال: سَوامٍ تَسْمُو إلى كَرائِمِها فتَنْحَرُها للأَضيْاف.
وساماهُ: عالاه. وفلان لا يُسامَى وقد علا مَنْ صاماهُ. وتَسامَوْا أَي
تَبارَوْا. وفي حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: وإن صَمَتَ سَما وعلاهُ البَهاءُ أَي
ارْتَفَع وعلا على جُلَسائه. وفي حديث ابن زِمْلٍ: رَجُل طُوال إذا تكلم
يَسْمُو أَي يَعْلُو برأْسِه ويديه إذا تكلمَ. وفلان يَسْمُو إلى المَعالِي
إذا تَطاوَلَ إليها. وفي حديث عائشة الذي رُوِيَ في أَهلِ الإفْكِ: إنه
لم يكن في نِساءِ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، امرأَةٌ تُسامِيها غيرُ
زَيْنَبَ فَعَصَمها الله تعالى، ومعنى تُسامِيها أَي تُبارِيها وتُفاخِرُها.
وقال أَبو عمرو: المُساماةُ المُفاخَرَةُ. وفي الحديث: قالت زينبُ يا
رسولَ الله أَحْمِي سَمْعي وبَصَري وهي التي كانت تُسامِينِي منهنّ أَي
تُعاليني وتفاخِرُني، وهي مُفاعَلة من السُّموّ أَي تُطاوِلُنِي في
الحُظْوة عنده؛ ومنه حديث أَهلِ أُحُدٍ: أَنهم خرَجُوا بسيُوفِهم يَتسامَوْنَ
كأَنهمُ الفُحول أي يَتبارَوْنَ ويَتفاخَرُون، ويجوز أَن يكون يَتداعَوْن
بأَسمائهم؛ وقوله أَنشده ثعلب:
باتَ ابنُ أَدْماءَ يُساوِي الأَنْدَرا،
سامَى طَعامَ الحَيِّ حينَ نَوَّرا
فسره فقال: سامَى ارتَفع وصَعِد؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه أَراد كلَّما
سَما الزرعُ بالنبات سَمَا هو إليه حتى أَدرَك فحَصده وسرَقه؛ وقوله
أَنشده ثعلب:
فارْفَعْ يَدَيْك ثُم سامِ الحَنْجَرا
فسره فقال: سامِ الحَنْجَر ارفع يدَيْك إلى حَلْقهِ. وسماءُ كلِّ شيء:
أَعلاهُ، مذكَّر. والسَّماءُ: سقفُ كلِّ شيء وكلِّ بيتٍ. والسمواتُ السبعُ
سمَاءٌ، والسمواتُ السبْع: أَطباقُ الأَرَضِينَ، وتُجْمَع سَماءً
وسَمَواتٍ. وقال الزجاج: السماءُ في اللغة يقال لكلّ ما ارتَفع وعَلا قَدْ سَما
يَسْمُو. وكلُّ سقفٍ فهو سَماءٌ، ومن هذا قيل للسحاب السماءُ لأَنها
عاليةٌ، والسماءُ: كلُّ ما عَلاكَ فأَظَلَّكَ؛ ومنه قيل لسَقْفِ البيت
سماءٌ. والسماءُ التي تُظِلُّ الأَرضَ أُنثى عند العرب لأَنها جمعُ سَماءةٍ،
وسبق الجمعُ الوُحْدانَ فيها. والسماءةُ: أَصلُها سَماوةٌ، وإذا
ذُكِّرَت السماءُ عَنَوْا به السقفَ. ومنه قول الله تعالى: السماءُ مُنْفَطِرٌ
به؛ ولم يقل مُنْفَطِرة. الجوهري: السماءُ تذكَّر وتؤنَّث أَيضاً؛ وأَنشد
ابن بري في التذكير:
فلَوْ رفَعَ السماءُ إليه قَوْماً،
لَحِقْنا بالسماءِ مَعَ السَّحابِ
وقال آخر:
وقالَتْ سَماءُ البَيْتِ فَوْقَك مُخْلقٌ،
ولَمَّا تَيَسَّرَ اجْتِلاءُ الرَّكائب
(* عجز البيت مختلّ الوزن).
والجمع أَسْمِيةٌ وسُمِيٌّ وسَمواتٌ وسَماءٌ؛ وقولُ أُمَيَّةَ بنِ أَبي
الصَّلْتِ:
له ما رأَتْ عَيْنُ البَصِير، وفَوْقَه
سَماءُ الإلَهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمائِيا
(* قوله «سبع سمائيا» قال الصاغاني، الرواية: فوق ست سمائيا والسابعة هي
التي فوق الست).
قال الجوهري: جَمعَه على فَعائل كما تُجْمَعُ سَحابة على سحائب، ثم
ردَّه إلى الأَصل ولم يُنَوِّنْ كما يُنَوَّنُ جوارٍ، ثم نصَبَ الياء
الأَخيرةَ لأَنه جعله بمنزلة الصحيح الذي لا يَنْصَرف كما تقول مررت بصحائفَ،
وقد بسط ابن سيده القولَ في ذلك وقال: قال أَبو علي جاء هذا خارجاً عن
الأَصل الذي عليه الاستعمال من ثلاثة أَوجه: أَحدها أَن يكون جمَعَ سماءً
على فعائل، حيث كان واحداً مؤَنَّثاً فكأَنَّ الشاعرَ شَبَّهه بشِمالٍ
وشَمائل وعَجُوز وعَجائز ونحو هذه الآحادِ المؤنَّثة التي كُسِّرت على
فَعائل، حيث كان واحداً مؤنثاً، والجمعُ المستعملُ فيه فُعولٌ دون فَعائل كما
قالوا عَناقٌ وعُنوقٌ، فجمْعُه على فُعول إذا كان على مِثالِ عَناقٍ في
التأْنيثِ هو المستعمل، فجاء به هذا الشعر في سَمائِيَا على غير
المستعمل، والآخر أَنه قال سَمائي، وكان القياس الذي غلب عليه الاستعمال سَمايا
فجاء به هذا الشاعر لما اضطرَّ على القياس المتروك، فقال سَمائي على وزن
سَحائبَ، فوقعَت في الطرَف ياءٌ مكسورٌ ما قبلها فلزم أَن تُقلَب أَلفاً
إذ قُلِبَت فيما ليس فيه حرفُ اعتِلالٍ في هذا الجمع، وذلك قولهم مَداري
وحروف الاعتلال في سَمائي أَكثر منها في مَداري، فإذا قُلِبت في مَداري
وجب أَن تلزم هذا الضرب فيقال سماءَا. . .
(* بياض بأصله). الهمزة بين
أَلفين وهي قريبة من الأَلف، فتجتمع حروف متشابهة يُسْتَثقَلُ اجتماعُهُنَّ
كما كُره اجتماعُ المثلين والمُتقاربَي المَخارج فأُدْغِما، فأُبدِل من
الهمزة ياءٌ فصار سَمايا، وهذا الإبدال إنما يكون في الهمزة إذا كانت
معترِضَة في الجمع مثل جمع سَماءٍ ومَطِيَّةٍ ورَكِيَّةٍ، فكان جمع سَماءٍ
إذا جُمع مكسَّراً على فعائل أَن يكون كما ذكرنا من نحو مَطايا ورَكايا،
لكن هذا القائل جعله بمنزلة ما لامُهُ صحيح، وثبتت قبلَه في الجمع الهمزة
فقال سَماءٍ كما قال جوارٍ، فهذا وجهٌ آخرُ من الإخراج عن الأَصل
المستعمَل والردِّ إلى القِياس المَتروكِ الاستعمالِ، ثم حرَّك الياءَ بالفتح
في موضع الجر كما تُحَرَّكُ من جَوارٍ ومَوالٍ فصار مثل مَواليَ؛ وقوله:
أَبِيتُ على مَعاريَ واضِحاتٍ
فهذا أَيضاً وجه ثالث من الإخراج عن الأَصل المستعمل، وإنما لم يأْتِ
بالجمع في وجهه، أََعني أَن يقولَ فوق سبع سَمايا لأَنه كان يصير إلى الضرب
الثالث من الطويل، وإنما مَبْنى هذا الشِّعرِ على الضرب الثاني الذي هو
مَفاعِلن، لا على الثالث الذي هو فعولن. وقوله عز وجل: ثم استوى إلى
السَّماءِ؛ قال أَبو إسحق: لفظُه لفظُ الواحد ومعناهُ مَعنى الجمع، قال:
والدليل على ذلك قوله: فسَوَّاهُنَّ سبْعَ سَمَواتٍ، فيجب أَن تكون السماءُ
جمعاً كالسموات كأَن الواحدَ سَماءَةٌ
وسَماوَة، وزعم الأَخفش أَن السماءَ جائزٌ
أَن يكون واحداً كما تقولُ كثُر الدينارُ والدرهم بأَيْدي الناس.
والسماء: السَّحابُ. والسماءُ: المطرُ، مذكَّر. يقال: ما زِلنا نَطأُ السماءَ
حتى أَتَيْناكُم أَي المطر، ومنهم من يُؤنِّثُه وإن كان بمَعنى المطر كما
تذكَّر السماءُ وإن كانت مؤَنَّثة، كقوله تعالى: السماءُ مُنفَطِرٌ
به؛
قال مُعَوِّدُ الحُكماءِ معاويةُ بنُ مالِكٍ:
إذا سَقَط السماءُ بأَرضِ قوْمٍ
رعَيْناه، وإن كانوا غِضابا
(* وفي رواية: إذا نَزَلَ السماءُ.. إلخ).
وسُمِّيَ مُعَوِّدَ الحُكَماء لقوله في هذه القصيدة:
أُعَوِّدُ مِثْلَها الحُكَماءَ بعْدي،
إذا ما الحقُّ في الحدَثانِ نابا
ويجمع على أَسمِيَة، وسُمِيٍّ على فُعُولٍ؛ قال رؤبة:
تَلُفُّه الأَرْواحُ والسُّمِيُّ
في دِفْءِ أَرْطاةٍ، لها حَنيُّ
وهذا الرجز أَورده الجوهري:
تلُفُّه الرِّياحُ والسُّمِيُّ
والصواب ما أَوردناه؛ وأَنشد ابن بري للطرمَّاح:
ومَحاهُ تَهْطالُ أَسمِيَةٍ،
كلَّ يومٍ وليلةٍ تَرِدُهْ
ويُسَمَّى العشبُ أَيضاً سَماءً لأَنه يكون عن السماء الذي هو المطر،
كما سَمَّوا النبات ندَى لأَنه يكون عن النَّدى الذي هو المطر، ويسمَّى
الشحمُ ندىً لأَنه يكون عن النبات؛ قال الشاعر:
فلما رأَى أَن السماءَ سَماؤُهم،
أَتى خُطَّةً كان الخُضُوع نَكيرها
أَي رأَى أَن العُشبَ عُشبُهم فخضع لهم ليرعى إبِلَه فيه. وفي الحديث:
صلى بنا إثْرَ سَماءٍ من الليل أَي إثْر مطرٍ، وسمِّي المطر سَماءً لأَنه
يَنزِلُ من السماء. وقالوا: هاجَتْ بهم سَماء جَوْد، فأَنَّثوه
لتعَلُّقِه بالسماء التي تُظِلُّ الأَرض. والسماءُ أَيضاً: المطَرة الجديدة
(*
قوله «الجديدة» هكذا في الأصل، وفي القاموس: الجيدة). يقال: أَصابتهم سَماءٌ
وسُمِيٌّ
كثيرةٌ وثلاثُ سُمِيٍّ، وقال: الجمع الكثيرُ سُمِيٌّ. والسماءُ: ظَهْرُ
الفَرس لعُلُوِّه؛ وقال طُفَيْل الغَنَوي:
وأَحْمَر كالدِّيباجِ، أَما سَماؤُه
فرَيَّا، وأَما أَرْضُه فمُحُول
وسَماءُ النَّعْلِ: أَعلاها التي تقع عليها القدم.
وسَماوةُ البيتِ: سَقْفُه؛ وقال علقمة:
سَماوَتُه من أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّب
قال ابن بري: صواب إنشاده بكماله:
سَماوتُه أَسمالُ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ،
وصَهْوَتُه من أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّب
قال: والبيت لطفيل. وسَماءُ البيت: رُواقُه، وهي الشُّقة التي دونَ
العُليا، أُنثى وقد تذكَّر. وسَماوَتُه: كسمائِه. وسَماوةُ كلِّ شيءٍ: شخْصُه
وطلْعتُه، والجمع من كلِّ ذلك سَماءٌ وسَماوٌ، وحكى الأَخيرة الكسائيُّ
غيرَ مُعْتَلَّة؛ وأَنشد ذو الرمة:
وأَقسَمَ سَيَّارٌ مع الرَّكْبِ لم يَدَعْ
تَراوُحُ حافاتِ السَّماوِ له صَدْرا
هكذا أَنشده بتصحيح الواو. واسْتماهُ: نظر إلى سَماوَتِه. وسَماوَةُ
الهِلالِ: شَخْصه إذا ارْتَفَع عن الأُفُق شيئاً؛ وأَنشد للعجاج:
ناجٍ طَواهُ الأَيْنُ هَمّاً وجَفا
طَيَّ الليالي زُلَفاً فزُلَفا،
سَماوةَ الهلالِ حتى احقَوْقَفا
والصائدُ يَسْمُو الوحشَ ويَسْتَمِيها: يَتَعَيَّن شخوصَها ويطلُبُها.
والسُّماةُ: الصَّيادُونَ، صفة غالبة مثل الرُّماةِ، وقيل: صَيَّادُو
النهارِ خاصَّة؛ وأَنشد سيبويه:
وجَدَّاء لا يُرْجى بها ذُو قرابةٍ
لعَطْفٍ، ولا يَخْشى السُّماةَ رَبيبُها
4- مادة غوط في لسان العرب
غوط: الغَوْطُ: الثَّريدةُ. والتَّغْوِيطُ: اللَّقْمُ منها، وقيل:
التغويط عِظَمُ اللَّقْمِ.
وغاطَ يَغُوط غَوْطاً: حَفَر، وغاطَ الرجلُ في
الطِّين. ويقال: اغْوِطْ بئرك أَي أَبْعِدْ قَعْرَها، وهي بئر غَوِيطة: بعيدة
القعر. والغَوْطُ والغائطُ: المُتَّسِعُ من الأَرض مع طُمَأْنينةٍ،
وجمعه أَغْواطٌ وغُوطٌ وغِياطٌ وغِيطاتٌ، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها،
قال المتنخل الهذلي:
وخَرْقٍ تُحْشَرُ الرُّكْبانُ فيه،
بَعِيدِ الجَوْفِ، أَغْبَرَ ذِي غِياطِ
وقال:
وخَرْقٍ تَحَدَّثُ غِيطانُه،
حَدِيثَ العَذارى بأَسْرارِها
إِنما أَرادَ تَحَدَّثُ الجِنُّ فيها أَي تَحَدَّثُ جِنُّ غِيطانِه كقول
الآخر:
تَسْمَعُ للجنِّ بهِ زيزِيزَها
هَتامِلاً مِن رِزِّها وهَيْنَما
قال ابن بري: أَغْواطٌ جمع غَوْطٍ بالفتح لغة في الغائط، وغِيطانٌ جمع
له أَيضاً مثل ثَوْرٍ وثِيرانٍ، وجمع غائطٍ أَيضاً مثل جانٍّ وجِنَّانٍ،
وأَما غائطٌ وغوطٌ فهو مثل شارِفٍ وشُرْفٍ؛ وشاهد الغَوط، بفتح الغين، قول
الشاعر:
وما بينَها والأَرضِ غَوْطٌ نَفانِف
ويروى: غَوْلٌ، وهو بمعنى البُعْد. ابن شميل: يقال للأَرضِ الواسعةِ
الدَّعْوةِ: غائطٌ لأَنه غاطَ في الأَرض أَي دخَل فيها، وليس بالشديد
التصَوُّبِ ولبَعْضِها أَسنادٌ، وفي قصة نوح، على سيدنا محمد وعليه الصلاة
والسلام: وانْسَدَّتْ يَنابِيعُ الغَوْطِ الأَكبرِ وأَبوابُ السماء؛
الغَوْطُ: عُمْقُ الأَرضِ الأَبْعدُ، ومنه قيل للمطْمَئنّ من اَلأَرض غائطٌ،
ولموضع قَضاء الحاجة غائط، لأَنَّ العادة أَن يَقْضِيَ في المُنْخَفِض من
الأَرض حيث هو أَستر له ثم اتُّسَعَ فيه حتى صار يطلق على النجْوِ نفْسِه.
قال أَبو حنيفة: من بواطن الأَرض المُنْبِتةِ الغِيطانُ، الواحد منها
غائطٌ، وكلُّ ما انْحَدَرَ في الأَرض فقد غاطَ، قال: وقد زعموا أَنَّ الغائط
ربما كان فَرْسخاً وكانت به الرِّياضُ. ويقال: أَتى فلان الغائطَ،
والغائطُ المطمئن من الأَرض الواسعُ. وفي الحديث: تنزِل أُمّتي بغائطٍ يسمونه
البَصْرةَ أَي بَطْنٍ مُطْمَئِنٍّ من الأَرض. والتغْوِيطُ: كناية عن
الحدَثِ. والغائطُ: اسم العَذِرة نفْسها لأَنهم كانوا يُلْقُونها بالغِيطان،
وقيل: لأَنهم كانوا إِذا أَرادوا ذلك أَتوا الغائط وقضوا الحاجة، فقيل لكل
مَن قضى حاجتَه: قد أَتى الغائط، يُكنَّى به عن العذرة. وفي التنزيل
العزيز: أَو جاء أَحد منكم من الغائط؛ وكان الرجل إِذا أَراد التَّبَرُّزَ
ارْتادَ غائطاً من الأَرض يَغِيبُ فيه عن أَعين الناس، ثم قيل للبِرازِ
نَفْسِه، وهو الحدَثُ: غائط كناية عنه، إِذ كان سبباً له. وتَغَوَّط الرجل:
كناية عن الخِراءة إِذا أَحدث، فهو مُتَغَوِّط. ابن جني: ومن الشاذّ
قراءة من قرأَ: أَو جاء أَحد منكم من الغَيْطِ؛ يجوز أَن يكون أَصله
غَيِّطاً وأَصله غَيْوِطٌ فخفف؛ قال أَبو الحسن: ويجوز أَن يكون الياء واواً
للمُعاقبةِ. ويقال: ضرب فلان الغائطَ إِذا تبَرَّزَ. وفي الحديث: لا يذهَب
الرَّجلانِ يَضْرِبان الغائطَ يتحدَّثانِ أَي يَقْضِيانِ الحاجةَ وهما
يتحدَّثان؛ وقد تكرر ذكر الغائط في الحديث بمعنى الحدَث والمكان. والغَوْطُ
أَغْمَضُ من الغائطِ وأَبعَدُ. وفي الحديث: أَنَّ رجلاً جاءه فقال: يا
رسولَ اللّه، قل لأَهْلِ الغائط يُحْسِنوا مُخالَطتي؛ أَراد أَهل الوادي
الذي يَنْزِلُه.
وغاطَت أَنْساعُ الناقةِ تَغُوطُ غَوْطاً: لَزِقَتْ ببطنها فدخلت فيه؛
قال قيس بن عاصم:
سَتَخْطِمُ سَعْدٌ والرِّبابُ أُنُوفَكم،
كما غاطَ في أَنْفِ القَضِيبِ جَرِيرُها
ويقال: غاطَتِ الأَنْساعُ في دَفِّ الناقةِ إِذا تبينت آثارُها فيه.
وغاطَ في الشيء يَغُوطُ ويَغِيطُ: دخل فيه. يقال: هذا رمل تَغُوطُ فيه
الأَقْدامُ. وغاطَ الرجلُ في الوادي يَغُوطُ إِذا غاب فيه؛ وقال الطِّرِمّاحُ
يذكر ثَوْراً:
غاطَ حتى اسْتَثارَ مِن شِيَمِ الأَر
ضِ سَفاه من دُونِها باده
(* قوله «باده» هو هكذا في الأصل على هذه الصورة.)
وغاطَ فلانٌ في الماء يَغُوطُ إِذا انغمَسَ فيه. وهما يتَغاوَطان في
الماء أَي يتَغامَسانِ ويتَغاطَّانِ. الأَصمعي: غاطَ في الأَرض يَغُوطُ
ويَغِيطُ بمعنى غابَ. ابن الأَعرابي: يقال غُطْ غُطْ إِذا أَمرته أَن يكون مع
الجماعة. يقال: ما في الغاطِ مثله أَي في الجماعة.
والغَوْطةُ: الوَهْدةُ في الأَرض المُطْمَئنَّةُ، وذهب فلان يَضْرِب
الخَلاء. وغُوطةُ: موضع بالشام كثير الماء والشجر وهو غُوطةُ دِمَشْق،
وذكرها الليث معرّفة بالأَلف واللام. والغُوطةُ: مجتمَعُ النباتِ والماء،
ومدينة دِمَشْقَ تسمى غُوطةَ، قال: أُراه لذلك. وفي الحديث: أَنَّ فُسطاطَ
المسلمين يوم المَلْحمةِ بالغُوطةِ إِلى جانب مدينةٍ يقال لها دِمَشْقُ؛
الغُوطة: اسم البساتين والمياه التي حولَ دمشقَ، صانها اللّه تعالى، وهي
غُوطَتُها.
5- صعد في لسان العرب :
صعد: صَعِدَ المكانَ وفيه صُعُوداً وأَصْعَدَ وصَعَّدَ: ارتقى
مُشْرِفاً؛ واستعاره بعض الشعراء للعرَض الذي هو الهوى فقال:
فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عنْ بِما بِهِ،
أَصَعَّدَ، في عُلْوَ، الهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا
أَراد عما به، فزاد الباء وفَصَل بها بين عن وما جرَّته، وهذا من غريب
مواضعها، وأَراد أَصَعَّدَ أَم صوّب فلما لم يمكنه ذلك وضع تَصوَّب موضع
صَوَّبَ.
وجَبَلٌ مُصَعِّد: مرتفع عال؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة:
يأْوِي إِلى مُشْمَخِرَّاتٍ مُصَعِّدَةٍ
شُمٍّ، بِهِنَّ فُرُوعُ القَانِ والنَّشَمِ
والصَّعُودُ: الطريق صاعداً، مؤنثة، والجمع أَصْعِدةٌ وصُعُدٌ.
والصَّعُودُ والصَّعُوداءُ، ممدود: العَقَبة الشاقة، قال تميم بن مقبل:
وحَدَّثَهُ أَن السبيلَ ثَنِيَّةٌ
صَعُودَاءُ، تدعو كلَّ كَهْلٍ وأَمْرَدا
وأَكَمَة صَعُودٌ وذاتُ صَعْداءَ: يَشتدّ صُعودها على الراقي؛ قال:
وإِنَّ سِياسَةَ الأَقْوامِ، فاعْلَم،
لهَا صَعْدَاءُ، مَطْلَعُها طَوِيلُ
والصَّعُودُ: المشقة، على المثل. وفي التنزيل: سأُرْهِقُه صَعُوداً؛ أَي
على مشقة من العذاب. قال الليث وغيره: الصَّعُودُ ضد الهَبُوط، والجمع
صعائدُ وصُعُدٌ مثل عجوز وعجائز وعُجُز. والصَّعُودُ: العقبة الكؤود،
وجمعها الأَصْعِدَةُ. ويقال: لأُرْهِقَنَّكَ صَعُوداً أَي لأُجَشِّمَنَّكَ
مَشَقَّةً من الأَمر، وإِنما اشتقوا ذلك لأَن الارتفاع في صَعُود أَشَقُّ
من الانحدار في هَبُوط؛ وقيل فيه: يعني مشقة من العذاب، ويقال بل جَبَلٌ
في النار من جمرة واحدة يكلف الكافرُ ارتقاءَه ويُضرب بالمقامع، فكلما وضع
عليه رجله ذابت إِلى أَسفلِ وَرِكِهِ ثم تعود مكانها صحيحة؛ قال: ومنه
اشتق تَصَعَّدَني ذلك الأَمرُ أَي شق عليّ. وقال أَبو عبيد في قول عمر،
رضي الله عنه: ما تَصَعَّدَني شيءٌ ما تَصَعَّدَتْني خِطْبَةُ النكاح أَي
ما تكاءَدتْني وما بَلَغَتْ مني وما جَهَدَتْني، وأَصله من الصَّعُود، وهي
العقبة الشاقة. يقال: تَصَعَّدَهُ الأَمْرُ إِذا شق عليه وصَعُبَ؛ قيل:
إِنما تَصَعَّبُ عليه لقرب الوجوه من الوجوه ونظَرِ بعضهم إِلى بعض،
ولأَنهم إِذا كان جالساً معهم كانوا نُظَراءَ وأَكْفاءً، وإِذا كان على
المنبر كانوا سُوقَةً ورعية.
والصَّعَدُ: المشقة. وعذاب صَعَدٌ، بالتحريك، أَي شديد. وقوله تعالى:
نَسْلُكه عذاباً صَعَداً؛ معناه، والله أَعلم، عذاباً شاقّاً أَي ذا صَعَد
ومَشَقَّة.
وصَعَّدَ في الجبل وعليه وعلى الدرجة: رَقِيَ، ولم يعرفوا فيه صَعِدَ.
وأَصْعَد في الأَرض أَو الوادي لا غير: ذهب من حيث يجيء السيل ولم يذهب
إِلى أَسفل الوادي؛ فأَما ما أَنشده سيبويه لعبد
الله بن همام السلولي:
فإِمَّا تَرَيْني اليومَ مُزْجِي مَطِيَّتي،
أُصَعِّدُ سَيْراً في البلادِ وأُفْرِعُ
فإِنما ذهب إِلى الصُّعود في الأَماكن العالية. وأُفْرِعُ ههنا:
أَنْحَدِرُ لأَنّ الإِفْراع من الأَضْداد، فقابل التَّصَعُّدَ بالتَّسَفُّل؛ هذا
قول أَبي زيد؛ قال ابن بري: إِنما جعل أُصَعِّدُ بمعنى أَنحدر لقوله في
آخر البيت وأُفرع، وهذا الذي حمل الأَخفشَ على اعتقاد ذلك، وليس فيه دليل
لأَن الإِفراع من الأَضداد يكون بمعنى الانحدار، ويكون بمعنى الإِصعاد؛
وكذلك صَعَّدَ أَيضاً يجيء بالمعنيين. يقال: صَعَّدَ في الجبل إِذا طلع
وإِذا انحدر منه، فمن جعل قوله. أُصَعِّدُ في البيت المذكور بمعنى
الإِصعاد كان قوله أُفْرِعُ بمعنى الانحدار، ومن جعله بمعنى الانحدار كان قوله
أُفرع بمعنى الإِصعاد؛ وشاهد الإِفراع بمعنى الإِصعاد قول الشاعر:
إِني امْرُؤٌ مِن يَمانٍ حين تَنْسُبُني،
وفي أُمَيَّةَ إِفْراعِي وتَصْويبي
فالإِفراع ههنا: الإِصعاد لاقترانه بالتصويب. قال: وحكي عن أَبي زيد
أَنه قال: أَصْعَدَ في الجبل، وصَعَّدَ في الأَرض، فعلى هذا يكون المعنى في
البيت أُصَعِّدُ طَوْراً في الأَرض وطَوْراً أُفْرِعُ في الجبل، ويروى:
«وإِذ ما تريني اليوم» وكلاهما من أَدوات الشرط، وجواب الشرط في قوله
إِمَّا تريني في البيت الثاني:
فَإِنيَ مِنْ قَوْمٍ سِواكُمْ، وإِنما
رِجاليَ فَهْمٌ بالحجاز وأَشْجَعُ
وإِنما انتسب إِلى فَهْمٍ وأَشجع، وهو من سَلول بن عامر، لأَنهم كانوا
كلهم من قيس عيلان بن مضر؛ ومن ذلك قول الشماخ:
فإِنْ كَرِهْتَ هِجائي فاجْتَنِبْ سَخَطِي،
لا يَدْهَمَنَّكَ إِفْراعِي وتَصْعِيدِي
وفي الحديث في رَجَزٍ:
فهو يُنَمِّي صُعُداً
أَي يزيدُ صُعوداً وارتفاعاً. يقال: صَعِدَ إِليه وفيه وعليه. وفي
الحديث: فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ وصَوَّبه أَي نظر إِلى أَعلاي وأَسفلي
يتأَملني. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كأَنما يَنْحَطُّ في صَعَد؛ هكذا
جاءَ في رواية يعني موضعاً عالياً يَصْعَدُ فيه وينحطّ، والمشهور: كأَنما
ينحط في صَبَبٍ.
والصُّعُدُ، بضمتين: جمع صَعُود، وهو خلاف الهَبُوط، وهو بفتحتين، خلاف
الصَّبَبِ. وقال ابن الأَعرابي: صَعِدَ في الجبل واستشهد بقوله تعالى:
إِليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ؛ وقد رجع أَبو زيد إِلى ذلك فقال:
اسْتَوْأَرَتِ الإِبلُ إِذا نَفَرَت فَصَعِدَتِ الجبال، ذَكره في الهمز. وفي
التنزيل: إِذ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ على أَحَدٍ؛ قال الفراء:
الإِصْعادُ في ابتداء الأَسفار والمخارج، تقول: أَصْعَدْنا من مكة، وأَصْعَدْنا
من الكوفة إِلى خُراسان وأَشباه ذلك، فإِذا صَعِدْتَ في السُّلَّمِ وفي
الدَّرَجَةِ وأَشباهه قُلْتَ: صَعِدْتُ، ولم تقل أَصْعَدْتُ. وقرأَ الحسن:
إِذ تَصْعَدُون؛ جعل الصُّعودَ في الجبل كالصُّعُود في السلم. ابن
السكيت: يقال صَعِدَ في الجبل وأَصْعَدَ في البلاد. ويقال: ما زلنا في صَعود،
وهو المكان فيه ارتفاع. وقال أَبو صخر: يكون الناس في مَباديهم، فإِذا
يَبِسَ البقل ودخل الحرّ أَخذوا إِلى حاضِرِهِم، فمن أَمَّ القبلة فهو
مُصْعِدٌ، ومن أَمَّ العراق فهو مُنْحَدِرٌ؛ قال الأَزهري: وهذا الذي قاله
أَبو صخر كلام عربي فصيح، سمعت غير واحد من العرب يقول: عارَضْنا الحاجَّ
في مَصْعَدِهم أَي في قَصْدِهم مكةَ، وعارَضْناهم في مُنْحَدَرِهم أَي في
مَرْجِعهم إِلى الكوفة من مكة. قال ابن السكيت: وقال لي عُمارَة:
الإِصْعادُ إِلى نجد والحجاز واليمن، والانحدار إِلى العراق والشام وعُمان. قال
ابن عرفة: كُلُّ مبتدئ وجْهاً في سفر وغيره، فهو مُصْعِدٌ في ابتدائه
مُنْحَدِرٌ في رجوعه من أَيّ بلد كان. وقال أَبو منصور: الإِصْعادُ الذهاب
في الأَرض؛ وفي شعر حسان:
يُبارينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ
أَي مقبلات متوجهات نحوَكم. وقال الأَخفش: أَصْعَدَ في البلاد سار ومضى
وذهب؛ قال الأَعشى:
فإِنْ تَسْأَلي عني، فَيَا رُبَّ سائِلٍ
حَفِيٍّ عَن الأَعشى، به حَيْثُ أَصْعَدا
وأَصْعَدَ في الوادي: انحدر فيه، وأَما صَعِدَ فهو ارتقى. ويقال:
أَصْعَدَ الرجلُ في البلاد حيث توجه. وأَصْعَدَتِ السفينةُ إِصْعاداً إِذا
مَدَّت شِراعَها فذهبت بها الريح صَعَداً. وقال الليث: صَعِدَ إِذا ارتقى،
وأَصْعَدَ يُصْعِدُ إِصْعاداً، فهو مُصْعِدٌ إِذا صار مُسْتَقْبِلَ حَدُورٍ
أَو نَهَر أَو واد، أَو أَرْفَعَ
(* قوله «او أرفع إلخ» كذا بالأصل
المعوّل عليه، ولعل فيه سقطاً والأصل أو أرض أَرفع بقرينة قوله الأخرى وقال
الأساس أصعد في الأرض مستقبل أرض أخرى): من الأُخرى؛ قال: وصَعَّدَ في
الوادي يُصَعّدُ تَصْعِيداً وأَصْعَدَ إِذا انحدر فيه. قال الأَزهري:
والاصِّعَّادُ عندي مثل الصُّعُود. قال الله تعالى: كأَنما يَصَّعِّد في
السماء. يقال: صَعِدَ واصَّعَّدَ واصَّاعَدَ بمعنى واحد. ورَكَبٌ مُصْعِدٌ:
ومُصَّعِّدٌ: مرتفع في البطن منتصب؛ قال:
تقول ذاتُ الرَّكَبِ المُرَفَّدِ:
لا خافضٍ جِدّاً، ولا مُصَّعِّد
وتصَعَّدني الأَمرُ وتَصاعَدني: شَقَّ عليَّ. والصُّعَداءُ، بالضم
والمدّ: تنفس ممدود. وتصَعَّدَ النَّفَسُ: صَعُبَ مَخْرَجُه، وهو الصُّعَداءُ؛
وقيل: الصُّعَداءُ النفَسُ إِلى فوق ممدود، وقيل: هو النفَسُ بتوجع، وهو
يَتَنَفَّسُ الصُّعَداء ويتنفس صُعُداً. والصُّعَداءُ: هي المشقة
أَيضاً.وقولهم: صَنَعَ أَو بَلَغَ كذا وكذا فَصاعِداً أَي فما فوق ذلك. وفي
الحديث: لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحة الكتاب فَصاعِداً أَي فما زاد عليها،
كقولهم: اشتريته بدرهم فصاعداً. قال سيبويه: وقالوا أَخذته بدرهم
فصاعداً؛ حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إِياه، ولأَنهم أَمِنوا أَن يكون على
الباء، لأَنك لو قلت أَخذته بِصاعِدٍ كان قبيحاً، لأَنه صفة ولا يكون في موضع
الاسم، كأَنه قال أَخذته بدرهم فزاد الثمنُ صاعِداً أَو فذهب صاعداً.
ولا يجوز أَن تقول: وصاعداً لأَنك لا تريد أَن تخبر أَن الدرهَم مع صاعِدٍ
ثَمَنٌ لشيء كقولك بدرهم وزيادة، ولكنك أَخبرت بأَدنى الثمن فجعلته
أَولاً ثم قَرَّرْتَ شيئاً بعد شيء لأَثْمانٍ شَتَّى؛ قال: ولم يُرَدْ فيها
هذا المعنى ولم يُلْزِم الواوُ الشيئين أَن يكون أَحدهما بعد الآخر؛
وصاعِدٌ بدل من زاد ويزيد، وثم مثل الفاء إِلاَّ أَنّ الفاء أَكثر في كلامهم؛
قال ابن جني: وصاعداً حال مؤكدة، أَلا ترى أَن تقديره فزاد الثمنُ
صاعِداً؟ ومعلوم أَنه إِذا زاد الثمنُ لم يمكن إِلا صاعِداً؛ ومثله
قوله:كَفى بالنَّأْيِ من أَسْماءَ كافٍ
غير أَن للحال هنا مزية أَي في قوله فصاعداً لأَن صاعداً ناب في اللفظ
عن الفعل الذي هو زاد، وكاف ليس نائباً في اللفظ عن شيء، أَلا ترى أَن
الفعل الناصب له، الذي هو كفى ملفوظ به معه؟
والصعيدُ: المرتفعُ من الأَرض، وقيل: الأَرض المرتفعة من الأَرض
المنخفضةِ، وقيل: ما لم يخالطه رمل ولا سَبَخَةٌ، وقيل: وجه الأَرض لقوله تعالى:
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً؛ وقال جرير:
إِذا تَيْمٌ ثَوَتْ بِصَعِيد أَرْضٍ،
بَكَتْ من خُبْثِ لُؤْمِهِم الصَّعيدُ
وقال في آخرين:
والأَطْيَبِينَ من التراب صَعيدا
وقيل: الصَّعِيدُ الأَرضُ، وقيل: الأَرض الطَّيِّبَةُ، وقيل: هو كل تراب
طيب. وفي التنزيل: فَتَيَمَّموا صَعِيداً طَيِّباً؛ وقال الفراء في
قوله: صَعيداً جُرزُاً: الصعيد التراب؛ وقال غيره: هي الأَرض المستوية؛ وقال
الشافعي: لا يَقع اسْمُ صَعيد إِلاّ على تراب ذي غُبار، فأَما البَطْحاءُ
الغليظة والرقيقة والكَثِيبُ الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد، وإِن خالطه
تراب أَو صعيد
(* قوله «تراب أو صعيد إلخ» كذا بالأصل ولعل الأولى تراب
أو رمل أو نحو ذلك) أَو مَدَرٌ يكون له غُبار كان الذي خالطه الصعيدَ، ولا
يُتَيَمَّمُ بالنورة وبالكحل وبالزِّرْنيخ وكل هذا حجارة. وقال أَبو
إِسحق: الصعيد وجه الأَرض. قال: وعلى الإِنسان أَن يضرب بيديه وجه الأَرض
ولا يبالي أَكان في الموضع ترابٌ أَو لم يكن لأَن الصعيد ليس هو الترابَ،
إِنما هو وجه الأَرض، تراباً كان أَو غيره. قال: ولو أَن أَرضاً كانت كلها
ص