مقال محمل بأفكار مسبقة ، وتسطيح غريب .
يقول الكاتب - بكل بساطة ودونما أي عناء :
اقتباس:وبحياة الاستقرار التي أتاحها لهم اكتشاف الزراعة بدأت فكرة الأديان تنمو بينهم، ولكنها استمرت في المهد عهداً طويلاً ظل الإنسان يعبد فيها الحيوان والنجوم والطواطم وكل ما خطر بذهنه.
و
اقتباس:والمعروف أنه طوال القرون التي عبد الناس فيها الآلهة المتعددة لم يسجل لنا التاريخ أي حرب دينية بين القبائل التي تعيش في نفس البلد أو بين الشعوب التي تعيش في بلدين مختلفين في عباداتهم وآلهتهم.
و
اقتباس:ثم جاء موسى بفكرة التوحيد، ولا أقول إبراهيم لأننا لا نعرف شيئاً عن ديانة إبراهيم غير الذي أخبرنا به القرآن من أنه كان حنيفياً.
1- فسر arfan وجود الظاهرة الدينية في الإنسان بسبب واحد وحيد ، وهو الإستقرار . وهو - بهذا - يعزو ظاهرة ضخمة مثل هذه لازمت الإنسان منذ البدء ، إلى عامل وحيد هو الإستقرار . وهذا اختزال ، ليس بعده اختزال . فالظاهرة الدينية أعقد من ذلك بكثير ، وهو هنا يتبنى أطروحات فلسفة التنوير والحداثة ، التي تفترض في الإنسان حالة سابقة كان خلوا من أي شيء ، حالة كان عقله " صفحة بيضاء " وقيمه هي ما يخلقه بيديه ، ودينه هو لا شيء ، سوى استجابة لظواهر خارجة عنه . أو أن الأصل في الإنسان الإلحاد ، والدين طارئ ..إلخ .
وبهذا تكون ظاهرة الدين ، أعقد بكثير من ظاهرة سقوط ريشة في الهواء ، إذ أن الأخيرة نحتاج في تفسيرها لعوامل أكثر .
2- يتبنى الزميل ، أطروحات علوم الإجتماع القديمة حول الأديان ، أطروحات كأطروحات دوركاييم وغيره . تلك المبنية على دراسة شعوب القبائل " البدائية " ، ثم تقرير ما كان عليه الإنسان القديم من خلال تلك الشعوب . ودوركاييم نفسه الذي يقرر مفاهيم متعددة كالطوطمية وغيرها ، لم يراوح مكانه في أوروبا ، بل استقى معلوماته عن القبائل البدائية في استراليا وغيرها ، من كتب الرحالة وغيرهم ، الذين هم ليسوا علماء اجتماع ، ولم يكن همهم تفسير ظاهرة التدين لدى تلك الجماعة ، كما أن القياس فاسد تماما ، فهو يقيس شاهد على غائب ، الرابط بينهم هو انعدام التقنية فقط .
وكل ما يفعله arfan أن يردد وبكل بساطة ، وبعقيدة راسخة ، أمرا هو محل خلاف كبير بين الباحثين ، ويتكلم عن بداية الدين ونشوءه بكل تبسيط ، مما يؤكد حضور أفكار مسبقة ، تحتل مركز الاهتمام في ذهنه ، فهو يريد ان ينتهي من مسألة البداية بسرعه ، ويعلقها في أي شيء ، كي ينتقل إلى الجزء المهم ، وهو " هجاء " الاديان التوحيدية .
بخصوص تفسير ظاهرة الدين ، هناك بحث محترم ، يحترم موضوعه قبل أي شيء آخر ، لفراس السواح باسم " دين الإنسان " .
3- عن الأديان التوحيدية ، يهرف الكاتب كثيرا بما يعرف ، فهو أولا ، يقرر أن التوحيد ابتدأ مع موسى . وهذا كلام باطل تماما .
فلو أراد الحياد لقال : " أقدم دعوة توحيدية وصلتنا ، هي دعوة موسى " .. وحتى لو قال ذلك ، لكان مقصرا ، فكلنا يعرف أخناتون ، وديانته التوحيدية ، فهي أقدم من موسى .
وهناك فرق بين " أقدم ما نعرف " وبين " الأقدم باطلاق " ، إذ أن " الأقدم باطلاق ، لا نستطيع معرفته " وكل ما نستطيعه ، هو بناء افتراضات ؛ لذلك لا يمكن أن نقول أن الأصل في الديانات هو الوثنية بأي حال من الأحوال ، إلا إذا كنا نصدر عن عقيدة ، فهنا يتحول الكلام لإيمان لا علاقة له بالعلم.
وكل ما يتعلق بالديانات القديمة ، مبني أكثره على افتراضات ، يذكر فراس السواح أنه تم العثور على قبور تعود للعصر الحجري الوسيط ، ثم يقوم بشرح بعض العقائد بناء استنادا على فك رموز بعض تلك القبور . أنا حينها تسائلت ، لو أخذت فراس السواح إلى مقبرة إسلامية ، ووضعته أمامها ، مع افتراض انه لا يعرف عن الإسلام شيء : هل سيستنتج العقيدة الإسلامية بكل تفاصيلها ، أو بعض جوانبها ، أو حتى نظرة الإسلام للموت ؟ سؤال صعب ..
4- يقرر arfan بكل تلقائية ، أننا لا نعرف عن إبراهيم إلا الذي ذكره القرآن عنه . وهو هنا - في الحقيقة - لا يتكلم إلا عما يعرفه هو . فإبراهيم شخصية نبطية ، تعتبر ركيزة من ركائز التاريخ القومي للأنباط " السريان " ، وأثناء كتابة التاريخ في الحضارة الإسلامية ، استفاد المؤرخين المسلمين من التراث النبطي ، في صياغة قصة لإبراهيم تتجاوز بكثير ما ذكره القرآن عنه . كما أن التوراة تجعل من إبراهيم شخصية محورية ، في الدعوة التوحيدية .
بخصوص التراث النبطي ، تستطيع مراجعة ما كتبه جورج طرابيشي عن كتاب " الفلاحة النبطية " لابن وحشية في كتابه " العقل المستقيل في الإسلام " .
5- ينفي arfan - بثقة يحسد عليها - كل حرب دينية قامت من قبل ديانات وثنية أو تعددية إذا اردنا الحياد . وهذا كلام أيديولوجي ، يردد التفسير التاريخي الاستشراقي المنتشر في ادبيات القرن التاسع عشر .
ظاهرة " العنف الديني " هي ظاهرة لا ترتبط بالدين التوحيدي ، بقدر ما ترتبط بظاهرة " الدين الشمولي " ، أي تلك الأديان التي افترضت في نفسها أنها عامة لكل البشر ، وأنها الدين الوحيد ، وتقوم بالدعوة لدينها والسعي لنشره حتى بحد السيف . وهذه الأديان كثيرة جدا من المانوية والمزدكية والمسيحية والديانة الرومانية والشيوعية والإسلام .. وغيرها من الديانات .
6- أخيرا ، عندما يتكلم الزميل عن المسيحية ، يتكلم بكلام مقتضب جدا ، يخفي مشاعر " عاطفية " مضطربة . ولن نمشي شوطا أبعد في التحليل . وإنما سنكتفي بامر غريب جدا ، وهو أن arfan قام باعتبار الديانة المسيحية ديانة توحيدية . وهذا أمر لا نستطيع تفسيره ، إلا من خلال تفسير سيكولوجي لكاتب الموضوع ، وهذا يعني شخصنة للحوار ، نحاول قد الإمكان الابتعاد عنها .
فالمسيحية ، رغم كل ما تدعيه في نفسها وفي غيرها ، إلا أنها تضع ثلاثة أقانيم : الآب - الإبن - الروح القدس . وهذه الديانة ، بكل مصائب والحروب الدينية التي أقامتها كنيستها ، تعطي مثالا واضحا صريحا ، على أن العنف الديني لا علاقة له بكون هذا الدين " توحيدا " أو غيره ، بل هو خاص باعتباره " دعوة " و" بيان للناس " .
شكرا